لست محظوظاً في تلبية دعوات الإفطار.. فغالباً ما تفوتني!
محمود فاروق
يتحدث الرئيس التنفيذي لبنك الكويت الوطني - الكويت صلاح الفليج عن الجانب الاجتماعي في حياته خلال شهر رمضان الكريم، حيث يكثر من اللقاءات العائلية والزيارات الاجتماعية بالشهر الفضيل، ولكنه يقول إنه ليس محظوظا في تلبية دعوات الإفطار، فغالبا ما تفوته. وعن المهنة التي كان يفضل العمل بها لو لم يكن مصرفيا، يقول الفليج: «لو لم أكن مصرفيا لكنت أستاذا أكاديميا، فهذا ما أجد نفسي مستمتعا به». وحول تنظيم أوقاته خلال الشهر الفضيل يقول: «العبادة تكتمل بالعمل.. فالعمل عبادة وإتقانه ريادة، ولكن انصح الجميع باستغلال الوقت برمضان لصالح الاسرة فالتواصل أمر رائع دائما». وفيما يلي التفاصيل:
كيف تحضر جدول أعمالك خلال شهر رمضان؟
٭ تبقى لهذا الشهر خصوصيته التي تفرض علينا أن نكيف أعمالنا وبرامجنا وفق ما يقتضيه من أجواء روحية وتصالح مع الذات ومع الآخرين، والأهم هو الالتفاف العائلي واللقاءات الاجتماعية والمشاركة التي تسودها، حيث أبدأ يومي في رمضان على غرار الأيام العادية بنشاط وديناميكية، لاسيما ان أوقات الانتاج والعمل تبقى قصيرة، لذلك أحرص على استثمارها جيدا.
كما أن هناك ايجابية يمنحنا إياها هذا الشهر يمكننا استغلالها، وذلك بالنظر في القرارات الجوهرية والإستراتيجيات الأساسية التي تدخل في صلب عملنا اليومي كمصرفيين أو كأصحاب قرار، وباختصار، أحاول في هذه الفترة التركيز بمزيد من الإيجابية في مختلف الأمور العملية والحياتية الأخرى، كما أحرص على الاكثار من اللقاءات العائلية والزيارات الاجتماعية.
ما المتاعب التي تواجهك في العمل خلال هذا الشهر؟
٭ هناك اعتقاد سائد بأن هذا الشهر هو فترة للراحة وعدم الانتاجية، لذلك نجد أن الكثيرين يفضلون تأجيل أعمالهم، وهذا عبء ثقيل على دورة العمل الانتاجية وله أثر سلبي على سير العمل والتقدم والانجــــــاز، ولكنني أرى العكس تماما، فهذا الشهر هو شهر عبادة وعمل واجتهاد وسعي وإنجاز.
كما أثق بأن العمل جزء من العبادة والعبادة تكتمل بالعمل، وبرأيي العمل عبادة وإتقانه ريادة، كما أنه بإمكاننا دائما الموازنة بين واجباتنا وفرائضنا الدينية من جهة والعمل بجد والتزام من جهة ثانية. وهنا لابد أن أذكر ثقافة العمل لدينا في البنك الوطني والتي تعتمد على ثوابت أساسية هي الالتزام والعطاء والثبات والتميز. وبحكم تجربتي في هذه المؤسسة فإنني أعتز بأن هذه الثقافة قاعدة مشتركة لدينا جميعا كمسؤولين وموظفين في «الوطني».
حدثنا عن عاداتك خلال شهر رمضان؟
٭ ليس هناك أهم من لم الشمل وجمع العائلة، وعندما أقول عائلة فأنا اعنيها بمفهومها الواسع أي عائلتنا الكبرى. كما أنه تقليد في مجتمعنا أحبه وأعتز به. وعلى الرغم من التغيرات الاجتماعية التي يمكن أن تشكل تحديا للروابط الأسرية عموما، إلا أن ثقافة المجتمع الكويتي وتقاليده تبقى أقوى، لاسيما فيما يتعلق بهذا الترابط الاجتماعي الذي يتجلى بأحلى مظاهره في هذا الشهر، فنحن كمجتمع متمسكون بالعائلة. كما أنه من الجميل رؤية العائلة تجتمع وتتشارك بكل شيء من المائدة إلى الأحاديث الخاصة والحوارات العامة والتسلية الممتعة كلها عوامل مهمة في تحفيز هذا الترابط وجعله يدوم. نحن نستمد قوتنا من العائلة لننظر بثقة إلى الغد والمستقبل وهذا ما أحرص على أن يكون قناعة راسخة لدى أفراد عائلتي الصغيرة أيضا. إنها العائلة.. هذا أهم ما نشعر به في شهر رمضان.
حدثنا عن مواقف لا تنسى حدثت معك في رمضان؟
٭ ليس هناك ما هو استثنائي خاصة خلال شهر رمضان، لأنه كما سبق وذكرت فترة العمل تكون أقصر من العادة فلا يتسنى لنا معايشة العديد من المواقف وفي فترة المساء أحرص على التواجد مع العائلة.
ولكن اعترف لكم مثلا بأنني ربما لست محظوظا في تلبية دعوات الإفطار لأنه غالبا ما تفوتني! رغم حرصي على الالتزام بمواعيدي عامة، إلا أنه حصل أنني كنت مدعوا إلى الإفطار لدى أحد المعارف والتبس علي العنوان وهو أمر غالبا ما أواجهه.. وبعد محاولات عديدة، وصلت متأخرا وقد فاتني الإفطار، حيث افترضوا أنني لن آتي، فلماذا يتأخر المرء عن إفطاره في رمضان!؟ أمام هذا الواقع، قررت الذهاب إلى البيت فقد ألحق بالإفطار هناك إلا أنني لم أنجح في الوصول قبل رفع المائدة... لذلك لا أتحمس عادة إلى قبول دعوات الإفطار بمجرد التفكير بأنه قد يفوتني إفطار آخر، فتجاربي في هذه المواقف ليست مشجعة!
كيف تستطيع أن تنسق بين حياتك داخل العمل وخارجه؟
٭ ببساطة أن يكون لديك حسن الإدارة والتنظيم. مما لاشك فيه أن الموازنة بين الاثنين تختلف من شخص لآخر، وتعتمد أيضا على حجم الضغوطات الشخصية والعملية وقدرة الفرد على التحكم بها والتوفيق بينها. ليس هناك من أولوية واحدة، بل لدينا في هذه الحياة عدة أولويات، وبإمكاننا دوما الموازنة من دون تفضيل في ظل تفكير منطقي ومنهجي منظم كما أنه يمكننا ان ننجح في عملنا وحياتنا الشخصية من خلال هذا أيضا.
وفي شهر رمضان، لا يختلف شيء، هذا التوازن لا يفترض أن يتوقف بل يستمر في مختلف الظروف، ويبقى ما يميز هذا الشهر أنه بخلاف الأيام العادية، فإن الوقت الذي ينقص من دوامك بإمكانك دائما استثماره لصالح أسرتك وأصدقائك ومع من تحب. فالتواصل أمر رائع دائما.
ما الشخصيات التي تعتبر مثلا أعلى لك؟
٭ بطبيعة الحال تأثرت بالعديد من المدارس والأفكار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بمن فيهم مفكرون وشخصيات تركت بصمة في هذا العالم، إلا أنه يبقى الأثر الأكبر في شخصيتي لوالدي، فأقول إنه مثلي الأعلى. هناك الكثير من الخصال المميزة التي عرف بها والتي تشبهنا في أعماقنا نحن كأبناء هذه الأرض بكل ما فيها من صلابة وقدرة على التحمل من جهة وفي بساطتها ودفئها وعطاءاتها من جهة أخرى. لقد كان يتمتع بشخصية فريدة.. معطاء ومقداما بمواقفه الكبيرة، فهو من الرعيل الأول الذين جبلوا على العطاء وعرف عنه حبه للخير وأياديه البيضاء. وكنت ولا زلت أستلهم من ذكراه الكثير للمضي قدما في حياتي الشخصية والعملية.
ما العمل الذي كنت تتمنى أن تعمله غير العمل المصرفي؟
٭ لو لم أكن مصرفيا قد أكون أستاذا أكاديميا.. هذا ما أجد نفسي مستمتعا به.. ولطالما استهوتني فكرة التعليم وقادتني طبيعتي إلى ممارستها تلقائيا مع من يعيش في محيطي أو يعمل معي: الأسرة والأصدقاء والزملاء والموظفين. لا بل أكثر من ذلك، إنني أؤمن بمشاركة المعرفة، فكما أحرص على تقديم الدعم المعرفي أحرص أيضا على التعلم من كل من يحيط بي، فمشاركة الآخرين المعرفة جزء من شخصيتي، ومثلما تعطي المعرفة بإمكانك أن تتلقاها وتتشارك بها أيضا على سبيل المناقشة وعرض الأفكار، فالاحتكاك المعرفي بالآخرين أهم بكثير من الاحتفاظ به، لأن اطلاق فكرة تبدأ بسيطة ومن خلال المشاركة والنقاش تتبلور وتتطور وقد يتم استثمارها والاستفادة منها في شتى مجالات الحياة العلمية أو الاجتماعية أو الثقافية، فلننظر كم من الأفكار التي بإمكانها أن تغنينا إذا ما تعاملنا معها على هذا النحو من المشاركة والانفتاح.
ما أبرز الدروس المستفادة خلال مسيرتكم العملية؟
٭ في مؤسسة مثل بنك الكويت الوطني أنت تتعلم الكثير كل يوم، خبرة، تجارب، وقيم فهناك ثقافة مؤسسة عمرها يتجاوز ستة عقود.. وهذا ليس بالشيء السهل، أعني بأن تؤسس لثقافتك وهويتك الخاصة.. فلا بد أن هناك أصالة ساهمت في حماية هذه الثقافة وبلورتها لتجعلها حية اليوم وغدا أكثر من أي وقت. وبطبيعة الحال، فقد أثرت في كثيرا مدرسة بنك الكويت الوطني، وأهم ما اكتسبته هو ثقافة العمل بمساواة والبقاء على مسافة واحدة من الجميع، هذا من شأنه أن يمنح الطرف المقابل الثقة فيما يقدمه ويعزز من انتمائه وتفانيه في العمل وهذا أحد أسرار تميز هذه المؤسسة.
ما أهم القرارات والمواقف التي اتخذتموها خلال فترة عملكم؟
٭ هناك العديد من المواقف أو القرارات التي أتذكرها باعتبار أنها تركت بصمة أو قد تكون قدمت لي بشكل أو بآخر تجربة جديدة في مسيرتي المهنية.
ولكن ربما المواقف التي تواجهنا في بدايات مسيرتنا العملية يبقى لها الأثر الأكبر لدينا، الموقف الذي أتذكره يعود إلى ثمانينات القرن الماضي عندما انتقلت للتدريب في بنك الكويت الوطني - نيويورك، يمكن لتلك الفترة أن أسميها مصيرية لأنني خلالها وجدت ضالتي كما يقال، فقد مررت بمختلف الأقسام الإدارية وصولا إلى إدارة الخزينة، ووجدت التخصص والاحتراف، فتجربة نيويورك لم تكن هادئة مطلقا بل كانت صاخبة بصخب هذه المدينة، ولم تخل من التحديات العملية التي من خلالها نجحت في صقل خبرتي والمضي قدما في طريق الاحتراف.
ما رأيكم في الوضع الاقتصادي الكويتي؟
٭ نظرا إلى الأوضاع الاقتصادية التي تشهدها المنطقة عامة، فإن الاقتصاد الكويتي أسوة بأقرانه في المنطقة تأثر بتراجع أسعار النفط بطبيعة الحال، إلا أن التأثير على الكويت بقي محدودا مقارنة بباقي دول المنطقة لما تتمتع به الكويت من مزايا خاصة يضعها في وضع أفضل من أقرانها. فقد استطاع الاقتصاد الكويتي أن يصمد بشكل جيد بفضل المكانة المالية القوية للكويت التي تمكنها من ضمان استمرارية سياستها المالية وتمويل أي عجز مالي محتمل خلال السنوات المقبلة بشكل مريح، لأن الكويت تمتلك أحد أكبر الصناديق السيادية في العالم، وتعد من أقل دول العالم مديونية نسبة إلى الناتج المحلي وهو ما يضعها في موقع مريح للتوجه لأسواق الدين لتمويل أي عجز.
إلى جانب ذلك، فإن النشاط الاقتصادي المحلي مرتبط بالإنفاق الرأسمالي، كما أن استمرار الحكومة بالإنفاق على مشاريع البنية التحتية في ظل تراجع أسعار النفط يمثل مدى حرصها على إبقاء النشاط الاقتصادي المحلي بعيدا عن أي تأثيرات لخفض الإنفاق نتيجة هذا التراجع، واعتمادها سياسات مالية رشيدة بهدف تجنب أي أعباء مالية جديدة على الميزانية وخفض الإنفاق غير الضروري، وذلك دون التأثير على النشاط الاقتصادي المحلي إدراكا منها لأهمية الإنفاق الرأسمالي وأثره الإيجابي على القطاع المصرفي والقطاع الخاص عامة.
هل تتابع وسائل التواصل الاجتماعي؟ وكم تستحوذ من وقتكم يوميا؟
٭ ليس بإمكان أحد اليوم أن يكون بمعزل عن متابعة وسائل التواصل الاجتماعي، فقد فرضت هذه الوسائل واقعا جديدا وهذا ليس بالشيء السهل، ولكنها أيضا كانت بالنسبة لنا كمؤسسات أو شركات وسيلة مهمة لتعزيز أساليب التواصل مع العملاء.
على الصعيد الشخصي، اعتقد أنها تعكس مقاربتنا في بنك الكويت الوطني، فنحن في سعي دائم للبقاء الأقرب لعملائنا لأننا البنك الذي تعرفه وتثق به، ولأن هذه الوسائل من شأنها أن تغذي هذه المقاربة فإنني حريص جدا على متابعة مختلف القنوات عن كثب.
لا أقول إنني أكرس وقتي لمتابعتها، لكنني على الأقل اخصص بعضا من الوقت لأتابعها، فأنا أؤمن بأن التواصل مع العملاء يبدأ قبل كل شيء بالإصغاء إليهم والتعرف على اهتماماتهم واكتشاف آفاق تطلعاتهم لنبقى عند ثقتهم وقريبين منهم، تماما كما هو نهجنا وثقافتنا في بنك الكويت الوطني
صلاح الفليج في سطور
صلاح يوسف الفليج هو الرئيس التنفيذي لبنك الكويت الوطني - الكويت، ونائب رئيس مجلس إدارة شركة الوطني للاستثمار، وقبل تعيينه في منصب الرئيس التنفيذي لبنك الكويت الوطني - الكويت في شهر يناير 2015، كان يشغل منصب الرئيس التنفيذي لشركة الوطني للاستثمار منذ 2007، حيث كان مسؤولا عن قيادة الشركة نجح في تحويلها إلى إحدى أبرز الشركات الاستثمارية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا.
وإلى جانب منصبه في شركة الوطني للاستثمار، أشرف الفليج على العديد من الشركات التابعة لمجموعة البنك الوطني مثل بنك الكويت الوطني - سويسرا. ويتمتع الفليج بخبرة مصرفية ومالية طويلة، وقد انضم إلى «الوطني» في عام 1985، وارتقى خلال مسيرته في العديد من المناصب، آخرها المدير العام لمجموعة الخزانة والاستثمار، قبل انضمامه إلى شركة الوطني للاستثمار.
وحصل الفليج على درجة الماجستير في إدارة الأعمال في عام 1985، وعلى درجة البكالوريوس في الهندسة الصناعية في عام 1982 من جامعة ميامي في الولايات المتحدة الأميركية. كما شارك في العديد من البرامج التنفيذية في جامعة هارفرد وجامعة ستانفورد وجامعة ديوك.