- القره داغي: على البنوك الإسلامية إذا أرادت المنافسة والتشجيع على منتجاتها أن تلاحظ السوق
- عثماني: ضمان القروض على المساهمين فقط ولا يلزم المودعين
- عيسى: المصارف الإسلامية جاءت في الأساس لتنظيم العلاقات المالية
عاطف رمضان ـ احمد يوسف
قال الفقيه والخبير الاسلامي د.علي القره داغي ان هناك ضرورة في إعادة النظر في أسس تقسيم الخسائر وطرق توزيع الملكيات في البنوك الإسلامية، لتأصيل الأنظمة وتطويرها، حيث ان ميزانيات البنوك الإسلامية تشهد اختلافا كبيرا وملحوظا في هيكلة التوزيع وأسسه.
وأضاف في بحث قدمه خلال الجلسة المسائية الثانية في المؤتمر الفقهي الثالث للمؤسسات المالية الإسلامية الذي باشر أنشطته أول من أمس وأمس تحت عنوان «أحكام توزيع أرباح الودائع واخذ مخصصات توقع المخاطر» ان حكم طلب الربح أمر مشروع في الإسلام بناء على ما ورد في الكتاب والسنّة، كونه مطلوبا شرعا بحماية رأس المال من التناقص والتآكل بسبب الزكاة الواجبة عليه والالتزامات الأخرى، مشيرا إلى أن كل الدلائل تؤكد عدم استحباب وضع سقف معين للربح، بسبب أن العدالة الإسلامية لا تتحقق بتحديد نسبة معينة من الربح، لذلك فضل الشارع تركها للأعراف السائدة، ويجب على التاجر أن يسعى بحرص وجدية لتحقيق ارباح مجزية لتغطية الصدقة والنفقات الخاصة بأصحاب رؤوس الأموال. وبيّن أن الشريعة الإسلامية وضعت شروطا وضوابط للربح المشروع، من أهمها: أن يكون الربح ناتجا عن كسب مشروع وعقود مشروعة، وألا يكون الربح بسبب الاستغلال أو الغش أو التدليس، وألا يؤدي الربح إلى تحقيق غبن فاحش للطرف الآخر، بالإضافة إلى ألا يكون الربح ناتجا بسبب الاحتكار.
وشرح مفهوم الربح والتسعير، مشيرا إلى أنه بوابة أي دولة لضبط الأسعار، وتحديد الأرباح من حيث المبدأ، وقد ورد في التسعير حديث الرسول الله صلى الله عليه وسلم جاء فيه «ان الله هو المسعر القابض الباسط الرازق، واني لأرجو أن القى الله وليس لأحد منكم يطالبني بمظلمة من دم ومال»، والحديث يدلل بظاهره على منع التسعير، وإطلاق الحرية للتجار يبيعون كيفما شاءوا. ولكن لدى التأمل في الحديث يتضح انه يمنع التسعير إذا أدى إلى ظلم.
ضوابط السوق
وقال ان عدد مبررات التدخل في تنظيم الأرباح من الناحية الإسلامية، وهي أن بعض الفقهاء أجازوا التسعير لولي الأمر بالضوابط التي تم ذكرها سابقا، وأنه ليس هناك حاجة إلى تحديد نسبة معينة من الربح يتقيد بها التجار، والأمر متروك لظروف التجارة مع مراعاة ضرورة لا لتقيد بالآداب الشرعية من الرفق والقناعة والسماحة والتيسير، بالإضافة إلى أن نصوص الشريعة الإسلامية تضافرت على وجوب سلامة التعامل من أسباب الحرام وملابسته، وضرورة ألا يتدخل ولي الأمر بالتسعير إلا عندما يجد خللا واضحا في السوق، ناشئا من عوامل مصطنعة.
وتطرق إلى طبيعة الارتباط بين هامش الربح في البنوك الإسلامية ومعدلات الفائدة، قائلا انه لا ينحصر تحديد سعر الفائدة على العالم الغربي، بل ينطبق أيضا على العالم الإسلامي، ومن هذا المنطلق فإنه على البنوك الإسلامية إذا أرادت المنافسة وتشجيع الناس على الإقدام على منتجاتها، فإن عليها ان تلاحظ السوق، ومن هنا نرى أن البنوك الإسلامية تتقارب فيها نسبة الربح في عقود المرابحة، والاستصناع، وحتى في الايجارة المنتهية لا لتمليك مع نسبة الفائدة، وهنا تثور حولها الشبهات، مع أن الاختلاف بين الفائدة وعقود البنوك الإسلامية الأخرى اختلاف جزري، مشيرا الى أن الحل للخلاص من هذا اللبس يكمن في عدة أشياء:
ـ ان أساس المشكلة يعود إلى أن البنوك الإسلامية تحصر أنفسها في دائرة المرابحات، حيث توفر لها أرباحا محددة، مع قلة التكاليف والجهد، والحصول على عائد محدد، وكانت عيونها على البديل السهل للفوائد الموجودة في البنوك الربوية، لذا اتجهت للمرابحة، وهنا احتاجت في تنافسها مع البنوك الربوية أن تلاحظ هذا الربط بالفوائد العالمية، وكان من الطبيعي ألا تتمكن من منافسة البنوك الربوية، ويجب عليها العودة إلى أهدافها الأساسية.
ـ لابد على جميع البنوك الإسلامية ان تتعاون للوصول إلى معيار موحد لمعدل الأرباح المصرفية.
وشرح أسس توزيع الخسائر في البنوك الإسلامية، مشيرا إلى أنها تعتمد في مضمونها على عدة أشياء منها المصادر الداخلية للبنك المتعلقة برأس المال، والمصادر الخارجية. ولفت إلى أن الودائع في البنوك الإسلامية تعتمد على أساس المضاربة المشتركة المشروعة، مشيرا إلى انه لا مانع من خلط أموال أرباب المال مع بعضها البعض، ولا مانع شرعا من تحديد توقيت المضاربة باتفاق الطرفين ولا مانع كذلك من استخدام طريقة النمر القائمة على مراعاة مبلغ كل مستثمر، ولا بأس كذلك من تأليف لجنة تسمى لجنة المشاركين لحماية حقوق أرباب المال، فضلا عن تعيين أمين الاستثمار بوضع معدل ربح المضاربة، وحوافز للمضارب، وتحديد المضارب، والعمل بأسس الضمان في المضاربة.
وشدد على ضرورة تحلي البنوك الإسلامية بعدة مواصفات للخلاص من مشكلات الرغبة في توفير الأرباح للمساهمين في حالة الخسائر، وذلك من خلال تطبيق عدة بنود، تتضمن، العودة الى الروح الشرعية للمعاملات الإسلامية، قيام البنوك الإسلامية بإنشاء مراكز متخصصة للوصول إلى آليات استثمارية ناجحة، إنشاء صندوق خاص لمخاطر الاستثمار في كل بنك، وجمعها في إدارة مشتركة فيما بعد، بالإضافة إلى الاستفادة من التأمين التعاوني الإسلامي، والخروج من تقليد البنوك الربوية من خلال آليات مبتكرة، وربط المستثمرين بمحافظ استثمارية متمثلة في حسابات التوفير والودائع الاستثمارية.
الودائع المصرفية
ومن جانبه تطرق د.محمد تقي عثماني إلى الحديث عن أنواع الودائع المصرفية، مقسما إياها إلى أربعة أقسام، ودائع حساب جاري، وودائع مؤجلة إلى اجل معلوم، وودائع للتوفير، والخزانات المقفولة، مشيرا إلى أن التكييف الفقهي لجميع هذه الأنواع يختلف في المصارف الإسلامية عنها في التقليدية، فالأخيرة تعتبرها قروضا تقدمها البنوك، وذلك يشمل الأنواع الثلاث الأولى، في حين اعتبر النوع الرابع على أنه استئجار لمخزن معلوم تجري عليه أحكام الأمانة، وهذا التكييف غير صحيح من الناحية الإسلامية، لأن عامة المودعين لا يعرفون الفرق بين مصطلحات الوديعة والدين والقرض، ولو علم المودع أن هذا المال سيبقى أمانة في أيدي أصحاب البنك، بحيث إذا سرق منه أو ضاع بدون تعد فإن البنك لا يرده اليه، فحينئذ لا يرضى بإيداعها في البنك، ولولا أن البنك قد أعلم صراحة أن يضمن للمودعين ما أودعوا من أموال لما تقدم معظم المودعين اليه.
أما عن البنوك الإسلامية فقال العثماني إن الأموال المودعة في المصارف الإسلامية على سبيل أنها حسابات جارية، فانه ينطبق عليها ما ينطبق على الحسابات الجارية في البنوك التقليدية، على اعتبار أنها قروض مقدمة من أصحابها إلى البنك، ولكن تختلف الودائع الثابتة وحسابات التوفير من حيث التكييف في البنوك الإسلامية عنها في التقليدية، حيث تعتبر في البنوك التقليدية قروضها فائدة ربوية، أما في الإسلامية فليست هذه الودائع قروضا، بل هي رأسمال للمضاربة، وتحتمل حصة مشاعة من الخسران، ولا يضمن البنك أصلها أو ربحها، إلا اذا حدث تعد من قبل البنك.
وبين العثماني أن ضمان القروض يكون على المساهمين فقط، ولا يلزم المودعين، لأن المستقرض هو البنك الذي يملكه المساهمون، أما المودعون فهم مقرضون للبنك، مشيرا إلى أن تعيين ضامن للحسابات الجارية في المصارف الإسلامية يتوقف على معرفة من يستفيد بها، فان كانت المبالغ المودعة في الحسابات الجارية يستفيد منها المساهمون المودعون جميعا، فضمانها لهما، أما إن كانت مبالغ الحسابات الجارية لا تدخل وعاء المضاربة ويستفيد بها المساهمون، فضمانها يرجع إلى المساهمين فقط.
وعن استخدام الحساب الجاري كرهن أو ضمان قال ان المرهون يجب عند الجمهور أن يكون عينا يجوز بيعه، فلا يصلح الدين أن يكون رهينة، ومن أمثلتها أن يكون للبنك دين على صاحب الحساب الجاري، فيرهن حسابه إلى البنك، أو أن يكون الدائن غير البنك، فيرهن المدين حسابه، بحيث يمكن للدائن أن يسحب من ذلك الحساب، أو أن يكون الدائن غير البنك فيطالب المدين بأن يجمد حسابه في البنك إلى أن يحل اجل الدين.
وحول طبيعة رهن الوديعة الاستثمارية أوضح أنه لا يجوز رهنها على قول من يمنع رهن المشاع وهم الحنفية، أما الشافعية والحنابلة والمالكية فيجيزون رهن الودائع الاستثمارية.وفيما يخص تجميد البنك لأموال صاحب الحساب قال ان هذا التجميد إذا كان برضا صاحب الحساب تجري عليه أحكام الرهن.
البيوع المشروعة
وفي السياق نفسه قال خبير المعاملات الإسلامية د.موسى ادم عيسى ان المصارف الإسلامية جاءت في الأساس لتنظيم العلاقات المالية على أساس البيوع المشروعة والمشاركات والاجارات وفق شروط وضوابط تحقق لكل طرف العدالة من غير جور أو ظلم وهذا ما جعل الصيرفة الإسلامية تقف سدا منيعا أمام الأزمة المالية الكبيرة التي ضربت باقي المؤسسات التقليدية وكبدتها خسائر فادحة بسبب اعتمادها في الأساس على معاملات ربوية. وأضاف د.موسى في بحث قدمه للمؤتمر حول طبيعة الودائع المصرفية وأحكامها أن الودائع المصرفية تنقسم لقسمين الأول ودائع لا تساهم في النشاط الاستثماري للمصرف كالوديعة المستندية، الوديعة المخصصة لغرض معين ووديعة الخزائن الحديدية وكلها أنواع من الخدمات المصرفية يؤديها المصرف الإسلامي على أساس الإجارة أو الوكالة ومن خلالها يأخذ المصرف على أدائها أجرا أو عمولة باعتباره وكيلا أو أجيرا شرط أن تكون تلك المعاملات خالية تماما من الربا وقائمة على أساس المنفعة المعتبرة شرعا بحيث يكون الأجر مقطوعا بين العميل والبنك وكلها جائزة شرعا ولا غبار عليها.