- بعض متداولي البورصة مهمومون عابسون مصابون بأمراض الضغط والسكر والقلب
- قاعة التداول شبه خاوية يسيطر عليها جو من الترقب والحذر والكثير من الضحكات العالية
- غنيم الزيد ينصح المتداولين: السوق للربح والخسارة.. وعلى المستثمر التحلي بالمخاطرة
باهي أحمد
في بورصة الكويت هناك كثير من القصص المضحكة والمبكية لأوضاع المتداولين وكلها تكشف بشكل أو بآخر عن حالات الربح والخسارة في عالم المال والأعمال في سوق الكويت الذي يعد الأقدم في المنطقة، ولأن الحديث عن وضع البورصة حاليا والمكاسب المالية التي تزامنت مع ترقيات السوق على مؤشر فوتسي راسل وستاندرد آند بورز داو جونز، بالإضافة الى الترقية شبه المؤكدة لسوق ناشئ على مؤشر (MSCI) يوم الخميس المقبل، الحديث تم اجتراره كثيرا، وسبق ان تم تناوله من زوايا مختلفة، فإن الأفضل عرض ما يجري في كواليس السوق من قصص، لعل المعنين ينظرون بعين الشفقة والرحمة لأوضاع صغار المستثمرين.
وتتناول «الأنباء» هذه المرة أحداث بورصة الكويت من زاوية أخرى، وهى الاقتراب من حالة المتداولين النفسية والمزاجية، وطرح التساؤلات عليهم، وهل هم رابحون أم خاسرون؟ وهل يملكون الخبرة والمعلومات التي تؤهلهم ليصبحوا مستثمرين في عالم البورصة؟ أم جاءوا للاستعراض الاجتماعي، والتظاهر بأنهم رجال مال وأعمال، أم انهم يجتمعون للدردشة والقضاء على أوقات الملل؟
في قاعات التداول نجد شريحة عريضة من المتداولين، على الرغم من خسارتهم أجزاء كبيرة من رؤوس أموالهم، إلا أنهم لا يعيرون اهتماما للخسارة، ولا يظهر على ملامحهم التأثر بأحداث السوق، على الرغم من تفاؤل البعض بتحسن أوضاع السوق أو شكوى الكثيرين من سوء الحالة على الرغم من التحسينات الكبيرة التي تحافظ على المتداولين من الخسائر الكبيرة في مناخ من الشفافية.
أما في الجانب البعيد من الباب الرئيسي لقاعة التداول، فيجلس عدد من المتداولين يغلب عليهم كبر السن، عددهم لا يتجاوز الثمانية، وأمامهم 3 شاشات، بعضهم يتابع السوق وشاشات التداول، والآخرون يتحدثون في المطلق والبعض الآخر يمسك بهاتفه النقال متنقلا بين وسائل التواصل الاجتماعي والرد على الواتساب، يجلسون ويطلبون الإفطار ويشربون الشاي والقهوة، وتتعالى ضحكاتهم بين الفينة والأخرى ليتحولوا بعد دقائق معدودة إلى العبوس والتفكير طويلا في مجريات هذا السهم وكيفية الخروج والدخول في السهم الصاعد.
وتشير التقارير الصحية العالمية إلى أن المضاربين في البورصة هم الأكثر تعرضا للإصابة بأمراض القلب وضغط الدم والقولون العصبي والأرق والقلق المستمر.
اقتربنا اكثر لنحاور المتداولين الذين رحبوا بالحديث الودي بعيدا عن الأسماء والمسميات، حيث اجمعوا على ان البورصة تعد إدمانا سواء ربحت أو خسرت، فمن الصعب الابتعاد عنها، كما أن جميعهم لهم قصص وحكايات في سوق الكويت للأوراق المالية، فطلبنا ان نستمع إلى تلك القصص.. وفيما يلي حكايات عدة:
في البداية، يقول بومحمد: «أذهب إلى البورصة بشكل يومي منذ ما يقارب 40 عاما، فمنذ أن كنت أعمل موظفا في احدى الوزارات في العشرينيات من عمري إلى سن التقاعد فغالبا ما كنت أفضل الاستثمار والتداول على أسهم الشركات الصغيرة، لأن فرصة المضاربة والربح تكون أفضل مقارنة بنظيرتها من الشركات الكبيرة، حيث إن تلك الشركات تتطلب رأسمال كبيرا للتداول».
وبسؤاله عن مدى تحقيقه لأرباح منذ أن دخل البورصة، قال: «لقد قمت بتحقيق أرباح منذ بداية معرفتي بالبورصة ودخولي إليها، وفي المقابل خسرت خسائر كبيرة، وفي كل مرة أخسر بها أعود مرة أخرى للتداول من جديد، على الرغم من اتخاذي قرارا بعدم التداول مرة ثانية، إلا أنني لا استطيع أن أتوقف عن التداول نهائيا، وذلك على الرغم من سماعي لعديد من القصص التي من المفترض أن توقفني عن التداول، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، أنه في أزمة سوق المناخ سمعت عن أحد المتداولين قام برهن بيته وبيت والده من أجل شراء أسهم في احدى الشركات وبعد خسارته لأمواله في تلك الشركة دخل إلى المستشفى وأصيب بأحد الأمراض النفسية والتي لم يعالج منها إلى الآن، وهي تعد قصة واحدة من العديد من القصص التي سمعت عنها، وعلى الرغم من قسوتها إلا أنها لن تثنيني عن الاستثمار في البورصة والعودة إليها مرة أخرى للتداول».
انتقل الحديث الى متداول آخر طاعن في السن رفض ذكر اسمه، حيث قال إنه خلال الأزمة الاقتصادية العالمية التي حدثت في 2008 كان يجلس برفقة أحد المتداولين وهو مريض بالقلب وكان يعالج حينها ونصحه الأطباء بعدم التعرض لأزمات نفسية او عصبية قد تؤثر على حالته الطبية، إلا أنه لم يستجب لطلبهم وقام بشراء كمية كبيرة من الأسهم في أحد البنوك وعند حدوث الأزمة وانخفاض أسعار تلك الأسهم حدثت له أزمة قلبية داخل البورصة ولم تستطع سيارات الإسعاف اللحاق به وتوفي على الفور بعد نقله لأحد المستشفيات من مقر البورصة.
وأضاف أن هناك البعض يتأثر نفسيا واجتماعيا خلال التداول على الأسهم، ويسرد لنا أن أحد أقاربه قام بشراء أسهم بقيمة بلغت مليون دينار وعقب فترة بسيطة انخفضت قيمة الأسهم وتعرض لأزمة صحية وتم نقله إلى المستشفى وشخصوا حالته بأنه يعاني من توتر نفسي كبير يؤدي إلى ارتفاع الضغط ونسبة السكري في دمه، وحين رؤية الابن للوضع الصحي المتدهور لوالده لم يتمالك نفسه، وذهب في الصباح إلى البورصة، وقام ببيع جميع الأسهم على الرغم من ارتفاعها بنسبة بسيطة جدا لم تحقق ربحية تذكر، ثم قام بالاتصال بوالده وإخباره بأنه قام ببيع الأسهم فما إن سمع الوالد بهذه الأخبار فقام على الفور بشكر ابنه ثم عاد إلى ممارسة حياته بشكل طبيعي.
إلا أن المتداول غنيم الزيد له وجهة نظر صائبة لوضع الاستثمار في البورصة حيث يقول: «على المتداول أن يعلم أن سوق الأوراق المالية هو للربح والخسارة، كما أنه معرض للمخاطرة والمجازفة، كما أن الشخص الذي لا يفضل ذلك عليه من البداية عدم الدخول إلى السوق بأي شكل من الأشكال».
ويمضي الزيد في حديثه قائلا: «لقد عايشت السوق منذ بدايته منذ أن كان يطلق عليه سوق التجار وكان مقره في السرداب وتعرض ذلك السوق لخسائر كبيرة، ما استدعى تدخل الدولة التي قامت حينها بضبط السوق، وقامت بوضع أسعار مختلفة، وأتذكر أن هناك أسهما كانت قيمتها 10 دنانير انخفضت إلى 5 دنانير، وتعرض العديد من المستثمرين والمتداولين للخسائر وبعدها قامت الحكومة بتعويضهم، ثم انتقلنا بعدها إلى مرحلة «سوق المناخ» الذي ربح من ورائه المستثمرون أرباحا طائلة قبل الأزمة التي تعرض لها ووجد العديد أن أرصدته في البنوك أصبحت صفرا».
ويضيف: «كان لدي محل للعقارات في سوق المناخ وتم شراؤه بمبلغ 30 ألف دينار، وعرض أحد التجار شراءه بمبلغ 300 ألف دينار إلا أنه استمع لأحد أصدقائه الذي أخبره بأن قيمة المحل التجاري سترتفع إلى أكثر من مليون دينار، وحين رفضت البيع حدثت أزمة سوق المناخ وخسرت جميع أموالي، كما أنني قمت برهن بعض الممتلكات من الأسهم وخسرتها أيضا في تلك الأزمة، والعديد من التجار قاموا برهن منازلهم ودخلوا السجن حينها وبعضهم لايزال محجوزا عليه إلى الآن، ولولا أنني أملك بعض العقار الخاص بي لما استطعت النهوض مرة أخرى بعد خسارة أموالي، لذلك فأنا أنصح جميع المتداولين بأن يقوموا بالاستثمار في استثمارات مختلفة منها العقار والذهب الذي يعد الملاذ الآمن».
كبار السن في البورصة
أظهرت جولة «الأنباء» أن معظم المتداولين في سوق الكويت للأوراق المالية يجمعهم شيء واحد وهو التقدم بالعمر وأغلبهم متقاعدون، ونستشف من ذلك أن معظم الشباب الذين يستثمرون حاليا يفضلون الطرق المتعارف عليها بين جيلهم من استخدام التكنولوجيا والبيع والشراء من خلال التطبيقات الحديثة، لذلك لا يجدون متعة كبيرة في الذهاب إلى مقر البورصة على عكس بعض المتداولين والمستثمرين الذين يقومون بالذهاب إليها يوميا.