مصطفى صالح
تولي هيئة أسواق المال منذ بدء ممارسة مهامها قبل ما يقرب من عقد، أهمية كبيرة لدور الإعلام والتوعية في إنجاح تحقيق مستهدفاتها، لاسيما أن «توعية الجمهور بنشاط الأوراق المالية والمنافع والمخاطر والالتزامات المرتبطة بالاستثمار في الأوراق المالية وتشجيع تنميته»، كان أحد الأهداف الأساسية للهيئة وفقا لقانون إنشائها.
وما يحسب للهيئة إدراكها لعلاقة الاقتصاد الوثيقة والمتكاملة مع الإعلام، فكما أن الاقتصاد ذو صلة وثيقة بالمجتمع وله أثر مباشر على المواطنين، لابد من مواكبة المتغيرات الاقتصادية بإعلام مهني ملتزم يضع المواطن في صورة تلك المتغيرات، ويساعده في قراءات تحليلات الواقع الاقتصادي واستشراف مستقبله.
ومن الملاحظ تطور آليات التعامل الإعلامي لدى الهيئة بالتزامن مع تطور أعمالها وإجراءاتها، وتبقى النقطة المضيئة في هذا الإطار أن الجهود الإعلامية والتوعوية للهيئة تخرج عن أطر الاجتهادات الشخصية واستنساخ التجارب الأخرى، إذ ثمة سياسة إعلامية معدة ومعتمدة لدى الهيئة محددة الأطر والمستهدفات وفق إجراء قلما نشهده في هيئاتنا الرقابية على وجه العموم.
وفي هذا الإطار، يأتي إطلاق الهيئة مؤخرا لمجلتها الإلكترونية لتبرز دور الهيئة المحوري في الإشراف على أحد أهم المرافق الاقتصادية والإشراف على أنشطة الأوراق المالية التي تمس مختلف شرائح المجتمع بطريقة أو بأخرى، إذ لا يكاد يخلو بيت من مستثمر أو مدخر أو موظف لدى إحدى جهات منظومة أسواق المال أو معني بخدماتها ومهامها.
تطور إعلامي مرحلي نوعي
ووفقا لمقولة «لكل مقام مقال»، كان لدى الهيئة منظور خاص لأداء المهام التوعوية والإعلامية تختلف باختلاف المرحلة وطبيعتها، ففي المرحلة التأسيسية والتي امتدت لسنوات عدة وضعت فيها الأطر التنظيمية والتشريعية والإشرافية الأساسية انتهجت حينها الأدوات والآليات الإعلامية والتوعوية والتقنية التقليدية بدءا بورش العمل والبيانات الصحفية والتعامل مع وسائل الإعلام.
ومع انتقال الهيئة لمرحلة تطويرية تطورت معها الآليات الإعلامية المتبعة، فكانت هناك حسابات نشطة للهيئة على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة وعلى أحدث التطبيقات التقنية على الهواتف الذكية، إضافة إلى تغطيات إعلامية لمختلف فعالياتها ومستجداتها، كما عمدت إلى التركيز على «نوع النشاط الإعلامي التوعوي» فكانت الفعاليات التخصصية.
وكانت الحملات التوعوية الشاملة المستهدفة للشرائح المجتمعية خارج أطر المستثمرين إضافة إلى مشروعها الوطني لتعزيز الثقافة المالية الذي يستهدف الشرائح ذاتها، كما انتهجت آليات مغايرة لتنفيذ بعض فعالياتها فاستبقت جائحة كورونا وتداعياتها بتنفيذ بعض ورش العمل التخصصية من خلال شبكة الإنترنت «Webinars»، مما مكنها من الوصول إلى أكبر شريحة من المعنيين بتلك الورش.
مجلة إلكترونية.. لا ورقية
فكرة قيام إحدى الهيئات الرقابية بإصدار مجلة ما في الوقت الراهن تثير العديد من علامات الاستفهام حول طبيعتها وأهدافها، لاسيما مع طغيان أثر الخبر الموجز السريع عبر وسائل التواصل الاجتماعي الذي يكفي برأي البعض لوضع المعني بصورة الحدث خاصة مع تراجع دور الإصدارات الورقية وعدم امتلاك معظمنا رفاهية تفرغ لدقائق معدودة لتصفح إصدار ما حتى لوكان إلكترونيا.
إلا أن هذا الواقع في حقيقته قد لا يكون الأمثل في عوالم المال والاستثمار لاسيما في مجال أنشطة الأوراق المالية، إذ لا يغدو الحصول على المعلومة أو الخبر بصورة عاجلة موجزة عبر تلك الوسائل كافيا على أهميته، ولابد من امتلاك مقدرة التحليل والقراءة المتعمقة، وهذا لن يتأتى إلا عبر دراسات تتضمنها إصدارات تماثل المجلة.
وقد حدد رئيس مجلس مفوضي الهيئة د.احمد الملحم، في كلمته الافتتاحية طبيعة الإصدار ومستهدفاته على صعيد تعزيز الثقافة المالية التي تفتقر إليها بيئتنا الاستثمارية، فأشار إلى أنها لن تتحول بحال من الأحوال دليلا للمستثمر وإنما أداة لتمكينه من امتلاك أدوات اتخاذ القرار الاستثماري الصائب، ووضعه في صورة مستجدات الهيئة.
مجلة شاملة متنوعة
كما جاء في تعريف المجلة، أتى إصدار أول أعدادها غنيا بتنوعه، تراوحت موضوعاته بين عالم الاقتصاد، وعوالم أنشطة الأوراق المالية، كما كان لأخبار الهيئة وفعالياتها حيزا في الإصدار، وقد تضمن الإصدار الأول من المجلة اثني عشر موضوعا، بدأ بافتتاحية للمدير التنفيذي للهيئة حدد فيها طبيعة الإصدار، واختتمت بزاوية لمدير مكتب التوعية تناول فيها ظروف الإصدار وبعضا من ملامح إصداراته القادمة، وبين هذا وذاك كانت هناك عشر زوايا أخرى، بعضها كان تقليديا كملف العدد وحواره، وبعضها الآخر كان مبتكرا راعى المستحدثات التقنية وطبيعة المعلومة التي تبث من خلالها، مع الإشارة إلى تميز واضح في طريقة تقديم المعلومة بأسلوب سلس يتراوح بين الإطالة المطلوبة حينا والإيجاز المستحق أحيانا أخرى، ومع التأكيد على اقتصار إعداد المجلة وإطلاقها: تحريرا وصياغة وسائر إجراءاتها التقنية والفنية على كادر وطني من منتسبي الهيئة، الأمر الذي يدفعنا حقيقة للإشادة بالجهود المبذولة.
مظلة إعلامية لأنشطة أوراق المال
طبيعة الإصدار الإلكتروني لمجلة هيئة أسواق المال ومحتوياته، تتنوع بين زاوية توعوية تتضمن موضوعات عدة، وزاوية قانونية، وأخرى خاصة بأداء بورصة الكويت لربع السنة المتصل بالإصدار، وركن لأحدث الأخبار الاقتصادية المحلية والإقليمية والعالمية، وركن متخصص بتغطية أخبار الهيئة وفعالياتها، إضافة لموضوعات تخصصية عدة، كمشروع ترقية البورصة ومشروع خصخصتها، إضافة إلى التغطية الخاصة بمشاريع الهيئة الراهنة والمستقبلية في زاوية «آفاق وتوجهات»، كل ذلك يعطي مؤشرات أولية عن إمكانية تحول هذا الإصدار في مرحلة لاحقة بالتزامن مع نضج التجربة وتجاوز الثغرات وإجراء التعديلات، إلى منصة إعلامية متكاملة للهيئة تؤدي الأغراض الخبرية والتوعوية والتثقيفية والإعلامية المطلوبة في الوقت ذاته.
مجلة «هيئة الأسواق».. بين الواقع والطموح
كان من اللافت بالفعل ما يمكن قراءاته بين سطور زوايا المجلة لاسيما الافتتاحية والختامية منها، إذ ثمة إقرار بواقع توعوي إعلامي دون المستوى المأمول، وثمة إدراك لمصاعب تعترض مسار النجاح في عالم بالغ التعقيد، إضافة إلى التسلح بمقومات الصبر والإصرار لبلوغ الهدف، والتواضع في اعتبار الإصدار «تجربة» تحمل طموحات واسعة، وخطوة ليس إلا في مشوار بعيد المدى، وهنا نقتبس ما ورد في كلمة الختام لمدير تحرير المجلة قوله: «وإن كان من غير المتوقع لمطبوعة أو توجه توعوي واحد أن يؤتي ثماره المطلوبة بين عشية وضحاها، خاصة مع اتساع الفجوة بين الواقع التوعوي القائم والطموح المنشود، فإننا نأمل من خلال استمرارية الجهود التوعوية لدى الهيئة وتكاملها أن نخطو خطوات ملموسة في هذا الصعيد» وقوله: «مشوارنا للألف ميل» بدأ بأولى خطواته، آملين أن تكون مساهماتكم ومشاركاتكم ومقترحاتكم محددات رئيسية لخطواته القادمة بما يمكننا من تحقيق أحد توجهاتنا لتكون هذه المجلة إحدى صلات الوصل الفاعلة بين الهيئة وجمهور ها من مستثمرين ومهتمين ومعنيين بأنشطة الأوراق المالية.