أعوام تمضي وسمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد (رحمه الله) باق في قلوبنا، ومنجزاته ماثلة أمام ناظرينا، وعطاءاته وبصماته تزين كل مرافق الديرة التي تستذكر هذه الأيام مرور 15 عاما على رحيله.
يعد «أمير القلوب»، طيب الله ثراه، الحاكم الثالث عشر للكويت، والثالث منذ إعلان استقلال الكويت عام 1961. ولد، رحمه الله، عام 1928 وهو النجل الثالث للأمير الراحل الشيخ أحمد الجابر الصباح، وتلقى تعليمه في مدارس المباركية والأحمدية والشرقية.
وبدأ الأمير الراحل حياته العملية في يناير 1949 بتعيينه رئيسا للأمن العام بمدينة الأحمدي وفي عام 1959 عينه الأمير الراحل الشيخ عبدالله السالم الصباح، رحمه الله، رئيسا لدائرة المال والأملاك، وبعد الاستقلال عام 1961 عين وزيرا للمالية والصناعة في أول وزارة، وتحديدا في 17 يناير 1962.
وفي عام 1965 عين الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله، رئيسا لمجلس الوزراء قبل أن تتم مبايعته وليا للعهد ثم يتبوأ مسند الإمارة عام 1977 بعد رحيل الأمير الشيخ صباح السالم الصباح، رحمه الله.
ومنذ أن تولى الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله، مقاليد الحكم قاد البلاد بحكمته نحو التقدم والازدهار في كل المجالات والصعد، وسعى داخليا الى التطوير من خلال تنفيذ العديد من المشروعات التنموية والنهضة العمرانية، وخارجيا بقيامه بالعديد من الزيارات الرسمية لتوطيد علاقات الكويت بالمجتمع الدولي الى جانب دوره الرائد في مساعدة الدول الفقيرة والنامية أو تلك التي تعاني جراء ويلات الحروب.
وركز الأمير الراحل، طيب الله ثراه، جل اهتمامه على الكويت ورفاه أهلها، إذ حرص على توفير كل سبل الراحة والرفاهية لشعبه من خلال عطاءاته، فكان للشباب النصيب الوافر من الاهتمام والرعاية من خلال تأسيس الهيئة العامة للشباب والرياضة عام 1992 لتنشئتهم وتنميتهم أخلاقيا وفنيا وعقليا وبدنيا.
ولم يغب عنه، رحمه الله، الجانب الاجتماعي للكويتيين، إذ صدرت في عهده المئات من المراسيم الأميرية التي تعالج المشاكل الاجتماعية ومساعدة الأيتام ومجهولي الوالدين وكذلك المسنون وتقديم الرعاية لهم، كما أنشأ التأمينات الاجتماعية وصندوق احتياطي الأجيال القادمة.
كما لم يغفل الأمير الراحل عن الاهتمام بالمرأة الكويتية ودورها في المجتمع، فكان مساندا لقضاياها، وأول من سعى الى إعطائها حقوقها السياسية كاملة، إذ أصدر مرسوما أميريا بذلك عام 1999.
وعلى صعيد السياسة الخارجية، كان للأمير الراحل مبادرات عديدة على المستويات الخليجية والعربية والدولية، إذ كان صاحب فكرة إنشاء مجلس التعاون الخليجي الذي يضم الدول الست من أجل تحقيق الترابط المشترك والمصير الواحد في مواجهة التحديات.
كما أظهر «أمير القلوب»، رحمه الله، كل الحرص على القضايا العربية والإسلامية، فأنشأ الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية في 31 ديسمبر عام 1961 وترأس أول مجلس لإدارة الصندوق الذي يعد أول مؤسسة ائتمانية في الشرق الأوسط تقوم بالمساهمة في تحقيق الجهود الانمائية للدول العربية والدول الأخرى النامية من خلال تقديم قروض ميسرة لمساعدة الدول الفقيرة في تمويل مشاريعها الانمائية.
وكان الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد صاحب مبادرة إسقاط فوائد الديون المستحقة على الدول الفقيرة حيث ترأس منظمة المؤتمر الاسلامي في الدورة الـ 43 للجمعية العامة للأمم المحتدة في سبتمبر عام 1988.
وشهد عهد الأمير الراحل العديد من القضايا الصعبة والدقيقة، لكن حكمته وحنكته السياسية وقيادته الرشيدة وسلامة تخطيطه ورؤيته الثاقبة مكنت الكويت من تجاوز المحن وتخطي الأزمات التي مرت بها البلاد، لاسيما خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.
ولعل من أبرز تلك القضايا التي مرت بها البلاد خلال فترة حكمه محنة الاحتلال العراقي الغاشم للكويت عام 1990 إذ أدت حكمته وخبرته مع الدعم الكبير للدول الشقيقة والصديقة دورا رئيسيا في دحر قوات الاحتلال وتحرير الكويت من براثن العدوان.
وبفضل السياسة الحكيمة التي تميز بها الأمير الراحل والتفاف أهل الكويت حول قيادته سلك الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد طريق الإعمار والنهضة والخير والعطاء لإزالة ما دمره العدوان الغاشم وبفضل تخطيطه السليم استطاع تغطية نفقات التحرير التي بلغت عشرات المليارات من الدولارات.
وبعد أن منّ الله على الكويت بنعمة التحرير والاستقرار، قام الأمير الراحل بزيارات عدة لمعظم دول العالم حاملا على أكتافه قضية الأسرى والمرتهنين الكويتيين باعتبارها قضية الكويت الإنسانية الأولى وطرحها في المحافل العربية والدولية.
كما أولى الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، طيب الله ثراه، أبناء الشهداء اهتماما كبيرا، فحرص على رعايتهم والاهتمام بهم من خلال تأسيس مكتب الشهيد في 19 يونيو عام 19٩1 الذي يتولى رعاية ذوي الشهداء في كل مجالات الحياة.
وحرص الأمير الراحل أيضا على بناء العلاقات الكويتية مع مختلف دول العالم وتعزيز العلاقات الثنائية، وكان سباقا للمشاركة في العديد من المؤتمرات واللقاءات الدولية، وقام بالعديد من الجولات والزيارات الرسمية لمختلف أقطار العالم سعيا منه لتعزيز مكانة الكويت العالمية.
الأوسمة والشهادات
وبفضل خبرته وعطاءاته وإنجازاته، حاز الأمير الراحل، رحمه الله، العديد من الأوسمة والشهادات تكريما له ومنها نيله شهادة الدكتوراه الفخرية من جامعة اليابان في 14 أكتوبر 1965 كما حصل على وسام نجمة رومانيا في 25 أكتوبر 1999 والوسام المحمدي المغربي في 22 أكتوبر 2002.
وفي عام 1995 أجرت مؤسسة المتحدون للإعلام والتسويق البريطانية، وهي مؤسسة إعلامية دولية مسجلة في لندن ومقرها القاهرة أكبر استطلاع للرأي في المنطقة بمشاركة خمسة ملايين مواطن عربي، وتم حينها اختيار الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله، شخصية العام الخيرية العالمية لما قدمه من أعمال خيرية ودعم مالي للكثير من المنظمات العالمية ورعاية المحتاجين.
واستطاع «أمير القلوب» أن يحفر اسمه في ذاكرة الجميع ووجدانهم حتى سميت العديد من الأماكن باسمه، طيب الله ثراه، منها (مستشفى جابر الأحمد - مستشفى جابر الأحمد للقوات المسلحة - ستاد جابر الأحمد الدولي - مدينة جابر الأحمد - مركز جابر الأحمد الثقافي - حلبة جابر الأحمد الدولية - مكتبة جابر الأحمد المركزية في جامعة الكويت - جسر جابر الأحمد بين مدينة الكويت والصبية - ثانوية جابر الأحمد الصباح في منطقة الجابرية).
وبعد مسيرة طويلة من العطاء والحكمة تميزت بالعمل المخلص والإنجاز تلو الآخر في جميع المجالات حتى أصبحت الكويت (عروس الخليج)، ترجل (أمير القلوب) الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح عن صهوة الحياة تاركا خلفه إرثا كبيرا من الحب والعطاء الذي منحه لشعبه فبادله الحب أضعافا مضاعفة لتبقى ذكراه راسخة في وجدان أهل الكويت.
كلمات من نور
«بقدر ما نعطي الكويت تحوطنا بالسعة، وبقدر ما نغرس في جنباتها نجنيه رخاء، وبقدر ما نقدمه في صيانتها والذود عنها ننعم به رفعة، وعزة الوطن صيغة من عمل أبنائه وكفاحهم».
«إننا من الكويت نبدأ، وإلى الكويت ننتهي، وما عدا ذلك فليس من الكويت، وليست الكويت منه».
«إن الكويت هي المنبت الذي تمتد في أغواره جذورنا والحصن الذي نأوي إليه ونعتصم به بعد الله سبحانه، إن الكويت هي الكيان الذي يمسك علينا وجودنا المتلاحم في معالمه وقسماته».
«إن الدروس القريبة والبعيدة قد علمتنا أن حقيقتنا هي الكويت، وأن التفافنا حول هذه الحقيقة هو الذي هيأ لنا بفضل الله انتصارنا المبين».
«إن الشعور بالذات والامتلاء بعز الانتماء وفخر الانتساب مصدره الأكبر والأوحد، هو الوطن، هو الكويت».
«لتكن خياراتنا على قدر إمكاناتنا، ولتكن تحدياتنا على قدر حجمنا، ولنحذر أن تكون صيحاتنا أعلى من حناجرنا، فالله سبحانه لا يكلف نفسا إلا وسعها، ولا يسومها إلا ما آتاها».
«إن حمل المسؤولية شرف، وصيانتها أمانة. وأداءها واجب والتفريط فيها خطيئة».
«النساء شقائق الرجال، في الحق والواجب والعطاء الذي يعود خيره على الأسرة والمجتمع».
«إن أقصى ما تصاب به أمة أن يكون بأسها بينها وأن يكون أعداؤها من نفسها».
«إن الديموقراطية الكويتية ليست مستوردة، بل هي متأصلة في نفوس الكويتيين».
«إننا نريد لشبابنا أن ينشأوا على الكفاح والجد والخشونة والبعد عن الترف وحب المظاهر، مقتدين بآبائهم في الطموح وشدة المراس وعدم الاسترخاء أو التواكل».
«إن ثمار البحث العلمي غالية، ولا تنالها إلا العقول التي عاشت لها، وبذلت لها العزيز من الوقت والجهد في صبر وتلاحم ونكران ذات، مؤمنة بأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض».