من منطلق الدعم الكويتي المستمر للقضية الفلسطينية، وانتصارا لثالث الحرمين ومسرى خاتم النبيين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، في هذه الظروف التي تشهد فيها فلسطين المحتلة اعتداءات وحشية من جنود الاحتلال الصهيوني، حرصت وزارة الأوقاف على أن تتمحور خطبة الجمعة اليوم هذا الموضوع المهم، وجاءت الخطبة بعنوان «المسجد الأقصى في قلوبنا»، وقد تم توزيعها على خطباء المساجد وستذاع عبر وسائل الإعلام المختلفة، وفيما يلي نص الخطبة:
الحمد لله الذي شرف هذه الأمة بالحرمين الشريفين والمسجد الأقصى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قدر الأيام دولا بعدله، وجعل العاقبة للمتقين بفضله، فله الحمد وله الشكر على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- فإنه من اتقى الله وقاه، ومن توكل عليه كفاه، وكفى بالله وكيلا، قال تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) (الطلاق: 2-3).
أيها المسلمون: إن لبيت المقدس ومسجده الأقصى مكانة سامقة في ديننا، ومنزلة عظيمة في قلوبنا، فهو مسرى نبينا صلى الله عليه وسلم، ومنه عرج به إلى السماء، وصلى فيه إماما بالأنبياء، كما أنه أول قبلة للمسلمين، وإليه تحن قلوب المؤمنين، تضاعف فيه الصلوات، ويتقرب فيه إلى الله بسائر الطاعات، درج فيه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وبه تعلقت قلوب أهل الإسلام، ورخصت من أجله دماء الشهداء. وقد جاء في بيان فضله آيات قرآنية، وأحاديث نبوية، تبين مكانته وفضله، وتظهر منزلته وقدره.
وقد جعل الله - سبحانه وتعالى - للمسجد الأقصى خاصة وما حوله عامة: فضائل عتيدة، وخصائص فريدة، وميزها بمزايا عديدة، فهي الأرض التي قدّسها الله وطهرها، وأعلى شأنها بين العالمين وأظهرها، قال الله تعالى مخبرا عن موسى عليه السلام: (يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين) (المائدة: 21).
ومنه عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السموات العلى في حادثة الإسراء والمعراج المشهورة، قال تعالى: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير) (الإسراء: 1).
عباد الله: وتلك الأرض المباركة هي مهد أكثر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ومهوى الأولياء والصالحين من الأنام، وهي خيرته من أرضه، يجتبي إليها خيرته من عباده، عن ابن حوالة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيصير الأمر إلى أن تكونوا جنودا مجندة، جند بالشام، وجند باليمن، وجند بالعراق» قال ابن حوالة: خر لي يا رسول الله إن أدركت ذاك، قال: «عليك بالشام، فإنه خيرة الله من أرضه، يجتبي إليه خيرته من عباده، فإن أبيتم فعليكم بيمنكم، واسقوا من غدركم، فإن الله عز وجل قد توكل لي بالشام وأهله» (رواه أحمد وأبوداود). وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لها بالبركة إلى بركتها فقال: «اللهم بارك لنا في شامنا، وفي يمننا» (رواه البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما).
وإتيان المسجد الأقصى للصلاة فيه يكفر الذنوب والآثام، ويحط الخطايا والأوزار العظام، فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لما فرغ سليمان بن داود من بناء بيت المقدس، سأل الله ثلاثا: حكما يصادف حكمه، وملكا لا ينبغي لأحد من بعده، وألا يأتي هذا المسجد أحد لا يريد إلا الصلاة فيه، إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه» فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أما اثنتان فقد أعطيهما، وأرجو أن يكون قد أعطي الثالثة» (رواه أحمد والنسائي وابن ماجه). وهو أحد المساجد الثلاثة التي لا تشد الرحال إلا إليها، وأحد الأماكن التي لا يدخل الدجال فيها، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى» (رواه البخاري ومسلم).
أقول ما سمعتم وأستغفر الله العلي العظيم، واستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره تقديرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله هاديا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فاتقوا الله الذي خلقكم، واستعينوا على طاعته بما رزقكم، واشكروه على نعمه كما أمركم، يزدكم من فضله كما وعدكم.
أيها المسلمون: إن أرضا هذا شأنها ومنزلتها، وتلك فضائلها ودرجتها: لحقيقة أن تفدى بالنفس والنفيس، وأن يبذل لها الغالي والرخيص، لتخلص من براثن اليهود المعتدين، وتطهر من دنس الصهاينة الغاصبين، الذين ما برحوا يدنسون المقدسات، وينتهكون الحرمات، ويبذلون قصارى جهدهم لطمس معالم القدس الشريف، ونسف تاريخه المنيف، ودفن الحقائق المشرقة، وإبراز مزاعمهم المخرقة، فلا قيمة - كما يرون - لكيانهم المروم، بغير الهيكل المزعوم، إلى حد أن وصل الأمر بالصهاينة إلى أن يمنعوا إقامة الصلوات الخمس في المسجد الأقصى في هذه الأيام، كما شوهد ونقل في وسائل الإعلام، مع إغلاق أبواب الأقصى دون المصلين، ومنع المتعبدين من المسلمين، فكان من نتيجة هذه الإجراءات التعسفية مواجهات بين سلطات الاحتلال والفلسطينيين أدت إلى سقوط شهداء وجرحى، واعتقال وتعسف وتعذيب وتدمير بنى، قال تعالى: ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم (البقرة: 114).
إن جبين الإنسانية والتاريخ - يا عباد الله - ليندى لما يقوم به هؤلاء من أعمال تخريب واغتصاب لبيوت المقادسة، فأصبح لزاما على المسلمين في المشارق والمغارب أن ينصروا إخوانهم في فلسطين، لإنهاء مخططات الكيد والمكر والعدوان، وتحرير المقدسات ورد الحق السليب إلى أهل الإيمان.
وإننا لعلى ثقة ويقين، بالنصر والتمكين، وتحرير الأقصى من براثن المعتدين، وتطهيره من دنس الغاصبين المجرمين.
ولا يفوتنا في هذا المقام أن ننوه بانطلاق الحملة الشعبية العاجلة لإغاثة الشعب الفلسطيني، برعاية وزارة الشؤون الاجتماعية والتنمية المجتمعية وبالتعاون مع وزارة الخارجية الكويتية لتقديم العون والمساعدة للأشقاء في فلسطين، انطلاقا من واجب الأخوة وتعبيرا عن موقف الكويت الثابت في دعم القضية الفلسطينية.
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين، والأئمة الحنفاء المهديين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم عليك باليهود الغاصبين، وانتقم من الصهاينة المجرمين، ورد الأقصى الجريح إلى حوزة المسلمين، اللهم ارفع عنا البلاء والوباء والغلاء، اللهم وفق أميرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفقه وولي عهده لهداك، واجعل أعمالهما الصالحة في رضاك، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا، سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.