- مصر لم تألُ جهداً لاحتواء الأزمة بالطرق السياسية والديبلوماسية قبل اللجوء للحل العسكري إلا أن عناد صدام أدخل المنطقة في أتون الحرب
- شاركنا بقوات رئيسية قوامها 35000 جندي من القوات المشتركة من المدرعات والمشاة الميكانيكية والصاعقة بأسلحتها المعاونة والمتخصصة
- لم تساورنا أي مخاوف من تهديدات صدام باستخدام الغازات السامة فقواتنا كانت تمتلك الإمكانيات الكاملة والتدريب الكافي للتعامل مع مختلف المواقف
- القوات العراقية ارتكبت خطأ فادحاً في توقع الهجوم الأساسي.. والتطويق الذي قامت به القوات الأميركية لاستهداف الحرس الجمهوري أربك حساباتهم
أجرى الحوار: عدنان الراشد - اسامة دياب
هنأ قائد القوات المصرية في حرب تحرير الكويت رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية الأسبق ورئيس الهيئة العربية للتصنيع الأسبق الفريق صلاح الحلبي الكويت حكومة وشعبا بمناسبة الأعياد الوطنية، موضحا أن احتلال العراق للكويت أحدث صدعا في جدار الوحدة العربية وحرك جميع القوى الإقليمية والعالمية لنصرة الحق والشرعية، فصدام حسين بفعله المشين لم يراع في الكويت نسبا ولا قربى.
وأشار حلبي إلى أن موقف مصر أثناء الأزمة جاء من منطلق مسؤوليتها الإسلامية والعربية حيث أعلنت تأييدها للشرعية وإدانتها للعدوان، ولم تألُ جهدا لاحتواء الأزمة بالطرق السياسية والديبلوماسية قبل اللجوء للحل العسكري، من خلال أكثر من 34 نداء وجهه الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك لصدام حسين للاستماع لصوت العقل وتجنيب العراق والمنطقة ويلات كبيرة إلا أن عناد الرئيس العراقي أدخل المنطقة في أتون الحرب، مشيرا إلى أن القوات المصرية شاركت في تحرير الكويت بقوات رئيسية قوامها 35000 من القوات المشتركة من المدرعات والمشاة الميكانيكية والصاعقة وأسلحتها المعاونة والمتخصصة.
وبين أن القوات العراقية اشتبكت مع القوات المصرية اشتباكا عنيفا في معركة دبابات ومدفعية أثناء مرحلة فتح الثغرات، مشددا على القصور الواضح في العقلية العسكرية العراقية أثناء الحرب وهذا ما ظهر جليا في الخطأ الفادح الذي ارتكبوه بتوقعهم أن يكون الهجوم الأساسي لقوات التحالف من جهة الجانب الأيسر لهم ولم يخطر ببالهم عملية التطويق التي قامت بها القوات الأميركية وخصوصا استهداف قوات الحرس الجمهوري الموجود في جنوب الناصرية.
واشار إلى أن القوات المصرية لم تساورها أي مخاوف من التهديدات التي لوح بها النظام العراقي عن استخدام الغازات السامة أو الأسلحة البيولوجية، موضحا أن القوات المصرية كانت تمتلك الإمكانات الكاملة والتدريب الكافي الذي يمكنها من التعامل مع مثل هذا الموقف بداية من التجهيزات والتعامل مع الضربات دفاعا أو هجوما وصولا لعملية تطهير مسرح العمليات، مشيرا إلى أن الدور المصري تمركز حول حماية الجانب الأيمن للقوات الأميركية وفتح الثغرات في حقول الألغام وحقول البترول وبمجرد أن فتحت هذه الثغرات انهارت القوات العراقية تماما، مشددا على أن القوات المصرية لم تستعن بالطيران ولم تطلب طلعات جوية معاونة خاصة في عملياتها، محددا عدد القوات العراقية التي سلمت نفسها للقوات المصرية بـ 8888 جنديا.
واستبعد حلبي دخول المنطقة في حروب أخرى، إلا أنه شدد على أن الملف النووي الإيراني يعد من أشد المخاطر المحدقة بالمنطقة نظرا لمطامعها في المنطقة الخليجية بصفة عامة.
«الأنباء» التقت رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية الأسبق الفريق صلاح حلبي وقلبت معه أوراق حرب تحرير الكويت وأبرز ذكرياته عنها،
فإلى التفاصيل:
كيف ترى دعوتك للمشاركة في الأعياد الوطنية؟
في البداية أود أن أرفع أسمى آيات التهاني والتبريكات لمقام صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد ولولي عهده الأمين الشيخ نواف الأحمد ولسمو رئيس مجلس الوزراء ولعموم الشعب الكويتي بمناسبة الأعياد الوطنية، وخصوصا أن احتفالات هذا العام تحمل طابعا مختلفا وذلك لمرور 50 عاما على الاستقلال و20 عاما على التحرير و5 أعوام على تولي صاحب السمو الأمير مسند الإمارة.
دعوتي وعدد من القادة الذين شاركوا في حرب تحرير الكويت لفتة كريمة حركت في نفسي ذكريات وشجون، أفراحا وأتراحا منذ اللحظة الأولى للعدوان الغاشم على الكويت، مرورا بقرار جمهورية مصر العربية الحاسم وتأييدها المطلق للشرعية والمشاركة في التحرير مع القوات العربية والأجنبية، وصولا إلى تحرير الكويت من براثن العدوان.
ومما لا شك فيه أن احتلال الكويت أحدث صدعا في جدار الوحدة العربية وحرك جميع القوى الإقليمية والعالمية وصدام حسين بفعله المشين لم يراع في الكويت نسبا ولا قربى.
ما تقييمك للموقف المصري منذ اجتياح الكويت وحتى التحرير؟
مصر هي قلب الأمة العربية النابض وموقفها تجاه الكويت إبان الأزمة يأتي من منطلق مسؤولية قومية إسلامية وعربية، ولقد ظهر حسم الموقف المصري منذ الوهلة الأولى على الصعيدين السياسي والعسكري، فأعلنت تأييدها للشرعية وحاولت مصر أن تحتوى الأزمة وأن تحلها بالطرق السياسية والديبلوماسية من خلال أكثر من 34 نداء وجهه الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك لصدام حسين للاستماع لصوت العقل وتجنيب العراق والمنطقة ويلات كبيرة إلا أن الرئيس العراقي لم يستجب، وحينما تقطعت بمصر السبل لم تترد في استخدام الخيار العسكري مع القوات العربية والصديقة من قوات التحالف من أجل عودة الحق لأصحابه والدفاع عن أمن دول المنطقة، الحقيقة التي لا يجب أن نغفلها هي أن قرار صدام حسين باحتلال الكويت كان جريمة شنعاء بحق الأمتين الإسلامية والعربية بصفة عامة والشعبين العراقي والكويتي بصفة خاصة، وعلينا أن نعترف بأن النوايا العراقية لم تكن يوما خالصة تجاه الكويت، والتاريخ خير شاهد، فلقد سبق أن احتل العراق الجزء الشمالي من الأراضي الكويتية عام 1965 إبان حكم الرئيس العراقي عبد الكريم قاسم إلا أن الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر استطاع احتواء الأزمة.
ماذا عن حجم القوات المصرية المشاركة في حرب تحرير الكويت؟
مشاركة القوات المصرية في تحرير الكويت كانت تاريخية بكل المقاييس، نصرت فيها الحق والشرعية وأعلت من قيم التضامن العربي، حيث سخرت القيادة العامة للقوات المسلحة كل أجهزتها لتوفير كل سبل النجاح لهذه المهمة وخصوصا في ظل ما تملكه هذه القوات من كفاءة عالية وتدريب رفيع المستوي وخبرة ميدانية عريضة. شاركت مصر بقوات رئيسية قوامها 35000 من القوات المشتركة من المدرعات والمشاة الميكانيكية والصاعقة وأسلحتها المعاونة والمتخصصة، وتلخص الدور المصري في الاندفاع على محور حفر الباطن ـ مطار علي السالم ـ مدينة الكويت ثم الالتفاف يسارا تجاه الحدود بهدف عزل جنوب الكويت عن شمالها.
بما تفسر عدم اشتباك القوات العراقية مع أي قوات عربية أو أجنبية بخلاف القوات المصرية؟
القوات المصرية كانت تتمركز في أقصى يسار الحدود الكويتية ـ العراقية وتتخذ الجانب الأيمن للقوات الأميركية لتأمينها، وتلخص الدور المصري في الاندفاع على محور حفر الباطن ـ مطار علي السالم ـ مدينة الكويت ثم الالتفاف يسارا تجاه الحدود بهدف عزل جنوب الكويت عن شمالها، اشتبكت القوات العراقية معنا اشتباكا عنيفا في معركة دبابات ومدفعية أثناء مرحلة فتح الثغرات، والواضح أن القوات العراقية ارتكبت خطأ فادحا، وفق ما ورد على لسان رئيس الأركان العراقي، حيث توقعوا أن يكون الهجوم الأساسي من جهة الجانب الأيسر للقوات العراقية ولم يخطر ببالهم عملية التطويق التي قامت بها القوات الأميركية وخصوصا استهداف قوات الحرس الجمهوري الموجود في جنوب الناصرية، ما يعكس قصورا في العقلية العسكرية العراقية، وبالتالي نتج عن حسابات العراقيين الخاطئة أن يكون تجهيز قواتهم بكامل عتادها في المنطقة المواجهة للقوات المصرية.
وماذا عن عن التخطيط العملياتي للجانب العراقي أثناء الحرب؟ وهل بالغ الجانب الأميركي في تقدير قوته؟
لم يراع حساب الاحتمالات وكشف عن جهل بالعمليات العسكرية وقصور في عقليتها، وهذا ما كشف التقدير المبالغ فيه من جانب القوات الأميركية للقوات العراقية والذي ظهر في عملية جوية استمرت 38 يوما نفذت خلالها 36 ألف طلعة جوية استخدمت خلالها 200 ألف طن متفجرات و400 صاروخ «توماهوك»، وفي مقابلة لي مع التلفزيون المصري في اليوم الرابع للضربة الجوية قلت: أستغرب تباهي الرئيس صدام بقواته الجوية إلا أنه على مدار أربعة أيام من الضربة الجوية لم نر طائرة عراقية واحدة اعترضت أي طائرة من طائرات التحالف علاوة على هروب عدد كبير من الطائرات العراقية الى إيران وهذا يعني عسكريا خروج القوة الجوية العراقية من المعركة.
ألم تخفكم تهديدات النظام العراقي باستخدام الغازات السامة والأسلحة البيولوجية؟
ابدا لم تساورنا أي مخاوف لأنه كان لدينا الإمكانات الكاملة وقواتنا لديها التدريب الكافي الذي يمكّنها من التعامل مع مثل هذا الموقف بداية من التجهيزات والتعامل مع الضربات دفاعا أو هجوما وصولا لعملية تطهير مسرح العمليات، إلا أن الحقيقة أن العراق لم يكن يملك أيا من الأدوات التي هدد بها، حتى على صعيد الصواريخ التي ملأ بها الدنيا صراخا، لرابع يوم من الضربة الجوية كان قد ضرب 34 صاروخا 50% منها أسقطتها صواريخ «الباتريوت» ونسبة كبيرة أخرى سقطت في الرمال وذلك ناتج عن ان تدخل العسكريين العراقيين في الصواريخ أدى لتقليل مداها «الوقود على حساب الرأس المفجر» والحقيقة صاروخين فقط وصل أحدهما للظهران وآخر لإسرائيل ولم تنتج عنهما خسائر، هناك فرق شاسع بين التكنولوجيا ونوعية الأسلحة التي كانت بين أيدي القوات العربية وقوات التحالف وبين الأسلحة التي كان يستخدمها الجيش العراقي.
هل استعنتم بالطيران في الاشتباك مع القوات العراقية؟
لم نستعن بالطيران ولم نطلب طلعات جوية معاونة خاصة في عملياتنا، لأن الطيران الأميركي له خصوصية وأسلوب مختلف في العمل، على سبيل المثال لديهم نوعان من الطيران، جزء منه مساند ضمن التشكيلات البرية وهو غالبا مروحيات، والجزء الآخر طيران صائد للدبابات يعمل على مستوى الجبهة كاملة بطائرات الـ «a 10» تضرب الأهداف المتحركة أو الثابتة التي تقوم بعمليات قصف، ومن جهة أخرى أن معركتنا مركزة على فتح الثغرات في حقول الألغام وحقول البترول وبمجرد أن فتحنا هذه الثغرات انهارت القوات العراقية.
وهنا أود أن أسجل شهادة للتاريخ في حق الرئيس المصري السابق حسني مبارك حيث قابلته في مأمورية قصيرة لمصر بعد أن أتممت التنسيق مع القوات الأميركية التي طلبت أن تكون القوات المصرية على يمينها لحماية الجانب الأيمن لهم من ضربات قوات الحرس الجمهوري، ما يعد تعديلا في الخطة فنزلت لمصر لعرض الخطة على القيادة، وخلال لقائي بمبارك أكد على ثلاثة أمور أولها ضرورة عدم دخول القوات المصرية للعراق، وثانيا تحقيق المهمة بأقل خسائر من جهة الجانب العراقي عن طريق مطالبتهم بالتسليم وعدم التعرض لمن سلم نفسه منهم، وثالثا العمل على الحفاظ على كيان قواتنا وتلافي الخسائر قدر الإمكان.
ما أبرز ما تتذكره عن استسلام القوات العراقية لكم وما صاحب ذلك من أحداث؟
عدد الجنود العراقيين الذين سلموا أنفسهم للقوات المصرية لا يمكن نسيانه وهو 8888، وأذكر أن كان من ضمنهم قائد كتيبة مدرعات برتبة مقدم استغرب المعاملة الحسنة التي عاملته بها القوات المصرية وسأل أحد الضباط المصريين عن السر وراءها فقال له الضابط المصري نحن مسلمون وعرب ولو كان الموقف معاكسا واذا كنت أنا من وقع في الأسر لدى القوات العراقية هل كنتم ستعاملونني بنفس المعاملة؟ فقال أبدا لو كان الموقف مغايرا لوضعتك تحت جنزير الدبابة، إلا أن أغرب وأطرف المواقف التي واجهتها هي أننا وجدنا في كل نقطة عسكرية عراقية دخلناها ما يشبه الدفتر أو الكشكول يحوي السيرة الذاتية لصدام حسين وإنجازاته يكتبها قائد الموقع بخط يده، على ما حسب ما أفاد به الأسرى، والطريف أن هذا الكشكول خاضع للتفتيش والمراجعة والتقدير من جانب القادة الأعلى رتبة.
ما عدد الشهداء المصريين على أرض الكويت؟
الرقم لا يتجاوز الـ 37 شهيدا يشملون الشهداء منذ تحرك القوات من ميناء ينبع إلى انتهاء العملية بالإضافة إلى عدد من الجرحى، لهم منا كل التحية والتقدير لأنهم سطروا بدمائهم ملحمة الشرف والوفاء.
بعد تجربة حرب تحرير الكويت، هل قدمت بحثا يجمع أهم ملابساتها والدروس المستفادة منها؟
في الحقيقة لم أقم بذلك ولكن اللواء أركان حرب كمال عامر رئيس أركان القوات المشاركة قام بإعداد بحث شامل لأكاديمية ناصر بعنوان «الدور المصري والعربي في حرب تحرير الكويت» حصل بموجبه على درجة الدكتوراه.
هل تتوقع دخول المنطقة في حروب أخرى بعد حرب تحرير العراق خصوصا في ظل حالة عدم الاستقرار التي تشهدها المنطقة في ظل الملف النووي الإيراني؟
لا أعتقد أن المنطقة ستشهد حروبا أخرى، وإن كان الملف النووي الإيراني من أشد المخاطر المحدقة بالمنطقة نظرا لمطامعها في المنطقة الخليجية بصفة عامة.
حان وقت العمل.. هيا بنا نبني مصر
فيما يخص الشأن المصري، إلى أي مدى يعتبر اعتداء قوات الشرطة العسكرية على المتظاهرين تحولا في موقف الجيش؟
لم ولن يكون هناك أي تحول في علاقة الجيش المصري بالشعب فالجيش حريص على الشعب وحمايته وما حدث لا يعدو كونه حادثا فرديا عارضا وغير مقصود بالمرة.
ما رسالتك لثوار ميدان التحرير؟
يجب أن تهدأ الأمور وتدور عجلة العمل من أجل بناء مصر وكفانا خسائر بالمليارات فقد حققت الثورة أهدافها وحان وقت العمل، عليكم أن تغيروا حتى من شعاراتكم ولنرفع جميعا شعارات مثل «هيا بنا نبني مصر»، «ساعة عمل بلا أجر في حب مصر» وأنا على يقين من وعي الشعب المصري وأن الأمور ستعود الى مجراها الطبيعي قريبا.
حروب في حياتي
خضت حروبا كثيرة فما أسوأها بالنسبة لك؟
أسوأ أيام حياتي قضيتها ابان حرب اليمن، فالرغم من كوني ضابطا صغيرا آنذاك إلا انني لم أكن راضيا عن وجودنا هناك لأننا كنا ببساطة بلا قضية نحارب من أجلها.
وماذا عن حرب 1967؟
حرب يونيو 67 يجب أن تدرس خاصة للدول العربية لما فيها من الدروس المستفادة، فلا يجوز أن تدخل النعرة والمطامع الشخصية في حكم البلاد وضرورة الفصل بين القرارين السياسي والعسكري، قائد الدولة يجب أن يكون مسؤولا عن كل قراراته وتبعاتها ما دام قد قبل أن يكون في موقع المسؤولية.
وماذا عن حرب أكتوبر؟
حرب أكتوبر هي أحد أبرز فصول الصراع العربي ـ الإسرائيلي وملحمة مصرية سجلت كفاحنا من الهزيمة إلى النصر.