محمد راتب
في أول يوم من حظر صيده، امتلأت بسطات سوق شرق على الميمنة والميسرة بالسمكة الأكثر قبولا على المائدة الكويتية.. إنها سمكة «الزبيدي» لكنها اليوم إيرانية الجنسية، وأسعارها لا تقل كثيرا عن أسعار سيدتها المحلية.. هذا ما أثار تذمر المواطنين والمستهلكين الذي قصدوا هذا السوق ليفاجأوا بهذه الأسعار الملتهبة على السمك الزبيدي، ويجبروا على التفكير في «الشعوم» و«الهامور» و«النقرور» والسبيطي.
وأكد رواد سوق طيبات البحر في جولة لـ «الأنباء» أنه لابد من إيجاد حلول فعلية لهذا الارتفاع غير المبرر في الأسعار مطالبين الجهات المعنية بتشجيع الصيادين على الصيد بدلا من محاربتهم ومحاربة أرزاقهم، مما سيؤثر على الإنتاج ويرفع الأسعار كون هذه المهنة أصبحت طاردة، كما أن آخرين ثمنوا قرار المنع بأنه سيجدي نفعا في زيادة تكاثر الزبيدي خلال فترة الشهر والنصف، مما قد يؤثر إيجابا على الأسعار لمصلحة المستهلك.. فإلى التفاصيل:
في البداية، أكد أحد رواد السوق وهو خالد المسكتي أنه مضطر لشراء هذا النوع من السمك الزبيدي من سوق السمك بالأسعار المرتفعة التي تباع بها الأسماك ولا حول ولا قوة إلا بالله، خصوصا سمك الزبيدي حيث إنه الأكثر رغبة من قبل الأهل والأولاد بسبب قلة الشوك فيها، وهي سمكة محبوبة جدا، وأضاف: رغم أن هناك العديد من أنواع السمك الأخرى المميزة التي يزخر بها بحر الكويت وتمتلئ بها بسطات سوق السمك في شرق والمباركية، والتي نحبها ككبار، فإنها غير مرغوبة من قبل الأطفال بسبب ما تحتويه من الشوك.
وعن الأسعار قال: إن سعر السمك الزبيدي يعادل سعر الذهب، فلماذا هذا الغلاء؟ ولماذا لا نبحث في أسباب الارتفاع الفاحش في أسعار السمك؟ حيث إن سعر الكيلو وصل إلى 10 دنانير، فهل تعقل هذه الأسعار؟
60 علبة سردين
بدوره، لفت أبومحمد إلى أن هناك قصورا في الاكتفاء الذاتي بالأسماك البحرية الكويتية، وهو ما يستدعي تحركا من قبل الجهات المعنية وعلى رأسها معهد الكويت للأبحاث العلمية وذلك لإيجاد حل لهذه المشكلة التي تسهم في زيادة الأسعار بصورة جنونية إلى حد «أننا وعيالنا مو قادرين نشتري السمك» خصوصا الزبيدي، لدرجة أننا صرنا نفكر في شراء علب التونة والسردين، حيث إن سعر كيلو الزبيدي يعادل سعر 60 علبة سردين.
أما أم فيصل فقد أرجعت بعض أسباب الغلاء الفاحش في أسعار السمك إلى أن مهنة الصيد باتت مهنة طاردة من قبل الجهات المعنية في الحكومة، ومن ثم أصبح هناك عزوف عنها، مما أدى إلى قلة المعروض من السمك وبالتالي ارتفاع أسعاره، مشيرة إلى أن أحد أبنائها يمتلك «لانش صيد» بات يفكر حاليا في بيعه وتطليق هذه المهنة التي تعتبر من التراث الكويتي الذي يتعرض للاندثار بسبب التعنت الحكومي ضدها، ومحاربة أرزاق الصيادين.
أسماك بديلة
من جانبه، ذكر مسؤول إحدى البسطات علي عباس أن هناك إقبالا كبيرا منذ نحو أيام على السمك الزبيدي رغم أن سعره 8 دنانير، وهناك من يشتري الزبيدي الإيراني الذي يتوافر بكميات كبيرة، في حين أن الزبيدي الكويتي أصبح نادرا جدا خلال هذه الأيام، ومن ثم لم يعد هناك حل أمام هواة الزبيدي إلا التحول للإيراني المستورد حيث إن سعره يقارب 5 دنانير.
وعن مستوى الجودة بين الزبيدي الإيراني والزبيدي الكويتي المحلي، يذكر عباس أن طريقة الصيد هي التي تميز نوعية السمك الإيراني وتقسمه إلى نوعين: الأول الذي يصيده الحداق والذي يعادل السمك الكويتي في الجودة والطعم والشكل وهو يتميز بلمعانه ولونه الأبيض الناصع وعيونه جميلة، أما النوع الثاني وهو «القطاعي» فهو أقل جودة ولا يضاهي النوع الأول نظرا لأنه يكون لينا وليس طازجا، مما يجعل هناك فرقا في السعر بين النوعين.
ويلفت عباس إلى أن الأنواع الأخرى المرغوبة من الأسماك تشهد كذلك ارتفاعا في الأسعار، فالسمك النويبي والذي يأتي في درجة أقل من الزبيدي وصل سعره إلى 4 دنانير ونصف الدينار إذا كان من الإنتاج المحلي، أما الهامور الكويتي فالكيلو الواحد منه يباع بـ 3 دنانير ونصف الدينار، أما الإيراني فسعره لا يقل كثيرا عن الكويتي لأنه أقل في الكمية المتوافرة إلى حد ما، وهو يباع في الوقت الحالي بـ 3 دنانير.
وأشار إلى أن المواطنين يفضلون في الوقت الراهن شراء أنواع أخرى من السمك مثل السبيطي والشعم والنقرور والميد والسبور والمالول والهامور، أما الوافدون فهم يشتركون مع المواطنين في مثل هذه الأسعار إضافة إلى اختيار بعض الجنسيات الآسيوية لأسماك التونة الكبيرة.
أسعار حارقة
من جانبه، أعرب هاني الصفار عن استيائه من ارتفاع الأسعار، لافتا إلى أنه يسأل عن السمك الإيراني لأنه أقل سعرا من الكويتي والذي وصل سعره إلى 12 دينارا قبل شهرين، أما في هذا اليوم وهو أول يوم منع للصيد، فيباع بـ 8 دنانير، في حين أن المفترض أن يكون سعره أغلى في هذا اليوم، متسائلا: أين الرقابة؟ ولماذا هذه الأسعار الحارقة؟ ولماذا لا تفتش الجهات المعنية على بعض البسطات التي تخلط بين السمك الطازج وغير الطازج، والذي لا يظهر إلا عندما نصل إلى البيت ونشم الرائحة.
أما مسلم محمد وهو أحد هواة الزبيدي فقال إن قرار حظر صيد السمك الزبيدي لم يؤثر على الأسعار في السوق، فهي مرتفعة، وحتى بعد انتهاء فترة الحظر وتوافر كميات كبيرة في السوق، لا نجد أن سعره انخفض، فإذا كان سعره في فترة السماح قد وصل إلى 10 دنانير، فما الذي نتوقعه بعد حظر صيده بأيام؟ داعيا هيئة الزراعة إلى التفكير في خطط مجدية لتخفيض الأسعار، كما أن المشكلة تكمن في الإقبال الكبير على شراء هذا النوع من السمك، فالزبيدي مرغوب من قبل جميع الأسر الكويتية، وبعضهم لا يهمهم سعره حتى لو وصل إلى 20 دينارا، ولا يحب أن يحرم نفسه، لكن كيف سيكون حال هواة الزبيدي من ذوي الدخل المحدود؟ فهؤلاء ليس لديهم من حل إلا السمك البلطي أو النويبي، والذي زاد سعره كذلك خلال الفترة الأخيرة.
المحلي أفضل
أما علي رضا، فقد ثمن قرار منع صيد الزبيدي والذي بدأ من أمس، لافتا إلى أن هذا القرار سيعمل في فترة الحظر على زيادة التكاثر في سمك الزبيدي ويحافظ على المخزون المحلي دون زوال، لافتا إلى أنه وبعد هذا القرار يفضل التوجه إلى السمك الكويتي أيا كان نوعه لأنه سيبعث على الطمأنينة، في حين أن السمك المستورد لا يعرف ظروف صيده واستزراعه، وقال: عندما يحظر الروبيان أو الزبيدي فإني أتوجه إلى الشعري والهامور والنويبي، وهي أسماك تتوافر بكميات كبيرة في السوق.
بدورها، قالت المواطنة فجر المطيري: إنها فوجئت بالأسعار الموجودة، وجاءت في هذا اليوم من غير أن تنتبه إلى أنه يوم الحظر، لكنها مع ذلك ستضطر إلى شراء كميات من السمك الزبيدي المستورد لتسد احتياجاتها على مدى الشهر الجاري، وقالت: لابد أن يصب هذا الحظر في صالح المستهلكين أولا وأخيرا، وإذا كان سعر السمك بعد انتهاء فترة الحظر لا يختلف عن سعره حاليا فإن هذا يعني وجود ضعف رقابي من قبل وزارة التجارة.
وقالت المطيري: منذ فترة طويلة ونحن نسمع أن معهد الكويت للأبحاث العلمية كان قد قدم دراسات عن استزراع بعض أنواع السمك مثل الزبيدي والروبيان، وقلنا ان هذا الأمر يبشر بخير ويعمل على زيادة الإنتاج المحلي وعلى تخفيض الأسعار، إلا أننا لم نجد آثارا لذلك حتى الآن، والسؤال الذي يطرح نفسه: إلى متى نعاني نحن المواطنين من هذا الغلاء الفاحش في الأسماك؟ خصوصا اننا صرنا نفضلها بعد افتضاح بعض الشركات التي تسوق اللحوم الفاسدة من الدجاج واللحوم الحمراء؟ لافتة إلى أن الحكومة معنية بالأمن الغذائي للمواطن، ومسؤولة عن توفير هذه الاحتياجات الأساسية بأفضل معايير الجودة الصحية وبأقل الاسعار.
مخزون الزبيدي في تناقص مستمر وإيقاف صيدها لحمايتها وقت التكاثر
دارين العلي
تعتبر سمكة الزبيدي من اكثر الأنواع البحرية التي تشتهر بها المائدة الكويتية خصوصا انها سمكة يقل وجودها في بعض البحار والمحيطات، بينما يتميز الخليج العربي بانتشارها فيه بالاضافة الى وجودها في المحيط الهندي وشمال المحيط الهادي حتى اليابان شرقا وفي البحار حول القارة الهندية وجنوب شرق آسيا والفلبين وبحار الصين وكوريا.
وقف الصيد
وللمحافظة عليها من الاستنزاف حيث تشير نتائج الدراسات الى ان مخزون الزبيدي في شمال الخليج في تدهور مستمر، وكان لابد من اتخاذ عدد من الاجراءات أبرزها اصدار الهيئة العامة للثروة السمكية قرارا بوقف صيد سمك الزبيدي بداية يونيو بتوصية من معهد الكويت للأبحاث العلمية الذي يثبت في دراساته ان موسم تكاثر الزبيدي هو شهرا يونيو ويوليو أو ما يسمى بموسم «الوكر» حيث تبين ان معظم السمكات الاناث التي يتم اصطيادها في هذه المرحلة محملة بالبيض الناضج، كما كشف عن نجاح المعهد في استزراع هذه السمكة في الأحواض وهو انجاز مستحيل في الكويت حتى بين الدول التي ينتشر الزبيدي في مياهها.
مخزون الزبيدي في خطر
وتقول دراسات معهد الكويت للأبحاث العلمية ان مخزون الزبيدي في تناقص مستمر اذ بلغ مصيدها في المياه الكويتية في فترة التسعينيات من القرن الماضي نحو 1100 طن في السنة، الا انه تراجع تدريجيا حتى وصل الى 140 طنا فقط عام 2003 واستمر في الانخفاض الى اكثر من ذلك مما دفع الى الاستيراد من الخارج وبأسعار مرتفعة عدا عن ارتفاع ثمن المحلي الطازج الى اكثر من 6 دنانير للكيلو الواحد.
ويشير المعهد في دراساته الى ان حجم المصيد يعطي مؤشرا الى ان مخزون الزبيدي في خطر حيث قد يؤدي استمرار انخفاض كميات المصيد الى مستويات يصعب
بعدها انحاش المخزون على امتداد فترة طويلة لذلك فلابد من بذل الجهود لتحديد الطرق التي من خلالها يمكن انعاشه والحفاظ عليه ومن ضمنها وقف الصيد أثناء التكاثر واللجوء الى الاستزراع.
مكان التكاثر
وتعرف سمكة الزبيدي بأنها من الأنواع التي تقضي معظم حياتها بعيدا عن منطقة المد والجزر الأدنى ولكنها عندما يحين موعد تكاثرها تقترب من الساحل لتبيض حيث من المعروف ان أماكن اصطياد الزبيدي في موسم التكاثر الذي يسمى موسم «الوكر» في الكويت (يونيو ـ يوليو) تكون بالقرب من الشاطئ، وان معظم الأسماك التي يتم اصطيادها في موسم «الوكر» تكون محملة بالبيض الناضج.
توقيف التكاثر
وقد أثبتت الدراسات التي أجراها معهد الكويت للأبحاث العلمية منذ عام 1998 حتى 2001 من خلال مسح مناطق تكاثر الزبيدي ان الزبيدي في المياه الكويتية يتحرك نحو الساحل خلال أيام التكاثر في أشهر الصيف لوضع البيض في مناطق تبعد نحو 2 الى 5 كيلومترات عن الساحل ويحدث تكاثر الزبيدي في المياه الكويتية في الشهور الأكثر حرارة ابتداء من مايو حتى أكتوبر حيث يبدأ في أواخر شهر مايو عندما تصل حرارة الماء الى أعلى من 26 درجة مئوية ويستمر حتى أوائل شهر أكتوبر، وتكون ذروة تكاثره في شهري يونيو ويوليو عند درجة حرارة تتراوح بين 29 و30 درجة مئوية.
وتشير المتابعات الى ان الأسماك في مراحل نضوج المبيض المتقدمة (الحبل والانسياح) تتوافر من شهر مايو حتى أكتوبر لكن نسبتها تكون أكبر في الفترة من شهر يونيو حتى أغسطس، مما يدل على ان فترة التكاثر تبدأ من شهر مايو وتنتهي في أكتوبر.
الاستزراع
ولا تقتصر جهود حماية المخزون على منع الصيد بل ان معهد الأبحاث قام بتجربة الاستزراع في الأحواض منذ العام 1998 ونجح أخيرا في تبييض سمكة الزبيدي في الأحواض والحصول على يرقات صغيرة مما يوفر فرص استزراع السمكة وتربيتها على نطاق تجاري.
ويرى المسؤولون في المعهد ان هذا الحدث يعتبر انجازا غير مسبوق في اي من دول العالم، اذ ان تبييض أسمالك الزبيدي يؤكد ريادة الكويت العلمية في المنطقة، وسيلقى الاهتمام من الدوائر العلمية والاقتصادية على مستوى العالم وفي منطقة الخليج العربي بشكل خاص.