مجد فاخورجي
في سلسلة منشوراتها العلمية عن الطفولة في الكويت، اصدرت الجمعية الكويتية لتقدم الطفولة العربية دراستها الموسمية رقم 33 وموضوعها «التعليم قبل المدرسي ومستقبل الاطفال في الكويت - قضية الامس واليوم وغدا»، الدراسة من وضع د.محمد جواد رضا استاذ التربية المقارنة في جامعة الكويت 1968 - 1991 وعميد كلية الآداب والتربية الاسبق في جامعة الكويت، وتقع الدراسة في مقدمة وخمسة اقسام هي:
القسم الاول: التوجه العالمي نحو التعليم قبل المدرسي والطفولة المبكرة.
القسم الثاني: الموجبات العلمية والتطبيقية لتعميم التعليم قبل المدرسي ورعاية الطفولة المبكرة.
القسم الثالث: التعليم قبل المدرسي ورعاية الطفولة المبكرة، المشهد الكويتي.
القسم الرابع: مشروع وطني واحد ومسؤولية مقتسمة.
القسم الخامس: هندسة النشأة الاولى.
ويتحدث محور الدراسة الرئيسي عن خطر التفريق بين الاطفال في فرص التعليم قبل المدرسي لما لهذا التفريق من آثار سلبية على مستقبل الاطفال حين يكبرون ويصبحون مواطنين راشدين تتباين انصبتهم من الخير العام مثل المراكز الاقتصادية والاجتماعية.
خطر التمييز
وذكر ان البحوث الميدانية التي اجرتها الجمعية اكدت خطر التمييز - المقصود او العفوي - في فرص التعليم قبل المدرسي على مستقبل الاطفال الذين يحرمون منه لأن ذلك يعني فيما يعنيه تعطيل مبدأ «تكافؤ الفرص» التربوية الذي كفله الدستور لكل اطفال الكويت. واضاف ان مما يضاعف من ضرر هذا التعطيل انه يأتي في زمن يتعاظم فيه اجماع علمي عالمي على الا امكانية لتحقق مبدأ تكافؤ الفرص إلا بالعناية بالتعليم قبل المدرسي بمعناه الاوسع من حيث ان تكافؤ الفرص لم يعد يعني مجرد فتح ابواب المدارس امام المتعلمين وحسب، بل اصبح يعني بالاضافة الى ذلك - او فوق ذلك - توفير الظروف المساعدة على تجويد نوعية التعلم لكل المتعلمين وتمكينهم من الانتفاع به.
وفيما يلي الاحصاءات المتوافرة عن التعليم قبل المدرسي في الكويت التي تكشف عن انجازات ظاهرة الاهمية، خلال العقد المنصرم بين العامين الاكاديميين 1995/1996 - 2004/2005 حيث ظلت رياض الاطفال الحكومية في نماء كمي متواصل يكشف عن درجة واضحة من العدل في خدمات تعليم رياض الاطفال بين المناطق التعليمية الست في الدولة، وبخصوص التقارب بين المناطق التعليمية في تقديم خدمات رياض الاطفال فقد دفع منظمو هذه الاحصاءات الى القول ان 95% من اطفال الكويت يلتحقون برياض الاطفال، على حين ان الارقام المتوافرة تقول غير ذلك، انما المقصود بالـ95% هو نسبة الكويتيين الى غير الكويتيين الملتحقين برياض الاطفال الحكومية.
وبهذا يكون ما تقوله الأرقام الرسمية ان الاطفال الكويتيين الملتحقين برياض الأطفال الحكومية يمثلون 95.2% من مجموع التلاميذ المسجلين في هذه الرياض وليس 95.2% من مجموع الاطفال الكويتيين الذين هم في عمر الرياض (3 - 5 سنوات)، واضاف: اما اذا كان المقصود فعلا 95.2% من مجموع الاطفال الكويتيين في عمر رياض الاطفال فينبغي توفير احصاءات تدعم هذا القول لأن المعلومات الاحصائية المتوافرة حاليا لا توفر ذلك، لأنها تتبع نسقا آخر في تصنيف الاطفال عمريا.
الفروق الحرجة
من ناحية اخرى، تكشف الاحصاءات المتوافرة عن فروق حرجة بين مستويات الخدمات التعليمية التي تقدم للاطفال حسب المناطق التعليمية، وفي مقدمتها مستويات القدرة الاستيعابية للصفوف التعليمية.
حيث نجد ان الفروق التي يظهرها الجدول في القدرة الاستيعابية للصفوف التعليمية في المناطق الـ 6 تشير الى سلبيات واجبة التدارك، واضاف د.رضا ان ادارة صف يضم 20 من الاطفال بين الرابعة والسادسة من العمر هي اقل مشقة من صف يضم 31 طفلا، وهذا بطبيعة الحال اقل مشــــقة في صف يضم 32 طفلا، والمشــــقة المشار اليها تتعلق بجودة نوعـــية التعليم والرعاية التي تستطـــيع المعلمة (او المربية) الواحدة تقديمـــها للاطفال في هذه المرحلة المبكرة من العمر، خصوصا اذا تذكرنا ان كلمة «تعليم» هــــي ذات قيمة اصطلاحية فـــقط في هذا المــــقام لأن وظيفة روضــــة الاطـــفال ليــــست تعليمية بالمعــــنى المتعارف علـــيه في المراحل التعليـــمية الأعلى.
واستطرد قائلا: في العام الدراسي 2004 - 2005 كانت نسب اعداد الاطفال الى المعلمات في رياض الاطفال الحكومية في الكويت 10 اطفال تقريبا لكل معلمة (مربية واحدة لكل 10.7 اطفال) وهذه نسبة مقبولة - احصائيا - بل هي قريبة من المستويات الدولية المعمول بها في رياض الاطفال بشرط ان يكون لكل معلمة (مربية) مساعدة واحدة على الاقل من المستخدمات المدربات على العمل في مراقبة نظافة الاطفال ومساعدتهم في استعمال دورات المياه والأكل وخلع وارتداء ملابسهم وما شابه ذلك من الخدمات التي يحتاج اليها الاطفال في الروضة، من هنا تبدو الكثافة العددية في الصفوف وعدم توافر الاعداد الكافية من المستخدمات مشكلة تتطلب مزيدا من الدرس واعادة الترتيب، فإذا اضيف الى هذا غياب المعلومات التفصيلية عن المؤهلات المهنية للمعلمات (المربيات) العاملات في الرياض، فإن المشكلة تبدو اكثر حرجا.
وفي معرض تأكيده على خطورة التمييز (العددي والنوعي) بين الاطفال الكويتيين في فرص التعليم قبل المدرسي ورعاية الطفولة المبكرة نبه خلال الدراسة الى ان للأطفال الكويتيين حقا مكفولا - من الناحية القانونية النظرية - في فرص تعليمية متكافئة على الصعيدين الدولي والوطني، وهو واجب الوفاء به، فعلى الصعيد الدولي تتمثل كفالة هذا الحق في المواثيق الدولية والاقليمية التي اعتمدتها الكويت ومن اهمها:
1- اعلان حقوق الطفل العربي - جامعة الدول العربية - 1984.
2- العهد الدولي لحقوق الطفل - الأمم المتحدة 1989.
3- الإعلان العالمي للتعليم للجميع - الأمم المتحدة 1990.
هذه المواثيق الـ 3 كلها تنص على حق مشروع ومقنن للأطفال في تعليم قبل مدرسي متكافئ ورعاية مبكرة للطفولة.
وذكرت الدراسة انه على الصعيد الوطني تتمثل كفالة هذا الحق فيما أقره دستور الكويت من حقوق لأطفال الدولة، والدستور صريح وحاسم في تأسيس حق الأطفال الكويتيين في فرص تربوية وتعليمية متكافئة، فقد نصت المادة 40 من الدستور الكويتي على «ان التعليم حق للكويتيين تكفله الدولة وفقا للقانون»، و«ان التعليم إلزامي ومجاني في مراحله الأولى ويضع القانون الخطة اللازمة للقضاء على الأمية»، تحمل عبارة «في مراحله الأولى» أهمية خاصة بالنسبة الى المطالبة بتعميم التعليم قبل المدرسي ورعاية الطفولة المبكرة. المادة العاشرة من الدستور قضت بأن «ترعى الدولة النشء وتحميه من الاستغلال وتقيه الإهمال الأدبي والروحي».
واوضحت انه استرشادا بهذه الثوابت الدستورية درجت الكويت على الالتزام بأن التربية واحدة من اولوياتها العليا ولم تبخل على هذا الالتزام بشيء، اما بالنسبة للعمل على تبليغ هذا الحق للأطفال الكويتيين، فإن الدراسة تسجل سخاء الكويت في الإنفاق على التعليم ولكنها تنبه الى ان بعض ما يفسد هذه التضحيات المالية ويحول دون بلوغها مقاصدها العليا هو الفقر الواضح في توفير «القاعدة المعلوماتية» المتعلقة بأوضاع التعليم قبل المدرسي في الكويت، حيث يتكشف هذا الفقر في النواحي الآتية:
1- لا توجد معلومات عن المواصفات الهندسية لدور الحضانة - مساحاتها وتصاميمها الهندسية - واذا كانت مصممة كدور حضانة اصلا ام هي بيوت او شقق مستأجرة.
2- لا تتوافر معلومات عن جنسيات الاطفال المسجلين في دور الحضانة لمعرفة ما اذا كانت فكرة دور الحضانة قد اصبحت ثقافة تربوية جديدة، ام ان هذه الدور هي مجرد محلات استيداع للأطفال كي يتاح للأمهات الذهاب الى العمل او اي مسؤولية اجتماعية اخرى.
3- لا توجد معلومات عن المؤهلات المشترطة او المتوافرة فعلا في المشرفات والمستخدمات العاملات في دور الحضانة.
4- لا تتوافر معلومات عن الخدمات التي تؤديها دور الحضانة للأطفال المسجلين فيها ودرجة تحققها ودرجة جودتها.
5 - ان نسبة اعداد الاطفال الى المشرفات والمستخدمات في دور الحضانة عالية، وهذا امر يؤثر في نوعية الخدمات التي تقدم للاطفال والعناية بهم، يلاحظ على هذه الاحصائيات التربوية انها ذات طبيعة تراكمية وليست تحليلية وهي بهذا غير مؤهلة لاعطاء مؤشرات موثوقة حول توزيع فرص التعليم قبل المدرسي ورعاية الطفولة المبكرة بين اطفال الكويت.
توفير المعلومات الاحصائية
وقال د.رضا: لتلافي هذا العجز في المعلومات ومن اجل ان تكون تضحيات الدولة المالية للتربية مجزية المردود، تطالب الدراسة بتوفير المعلومات الاحصائية الآتية:
1 - تحديد دقيق لاعداد الاطفال من الشرائح العمرية الاولى (1 الى 5 سنوات).
2 - تصنيف اطفال كل شريحة عمرية حسب دخل العائلة الاقتصادية.
3 - تصنيف اطفال كل شريحة عمرية حسب مراحل تعليم الامهات والآباء.
4 - تصنيف اطفال كل شريحة عمرية حسب المناطق السكنية التي يتواجدون فيها.
4 - تصنيف اطفال كل شريحة عمرية حسب اوضاعهم العائلية (بيئة عائلية عادية - ايتام - اطفال - ازواج مطلقين - عوائل متفككة).
6 - تصنيف اطفال كل شريحة عمرية حسب تاريخهم الصحي.
7 - تصنيف اطفال كل شريحة عمرية حسب اعاقاتهم ودرجاتها اذا كانت فيهم اعاقات بدنية او غيرها.
8 - تصنيف اطفال كل شريحة عمرية حسب الامراض الوراثية اذا كانت موجودة في العائلة.
9 - تصنيف اطفال كل شريحة عمرية حسب الخدمات (الاجتماعية، الترفيهية والتعليمية) المتوافرة لهم في منطقة سكنهم.
10 - تصنيف اطفال كل شريحة عمرية حسب البيئة السكانية التي ينتسبون اليها (حضر - ابناء البادية).
من خلال ما تقدم، تكشف الحاجة الملحة الى بناء مخطط وطني شامل لاعادة تأسيس برامج التعليم قبل المدرسي ورعاية الطفولة المبكرة يهدف الى وضع الاركان التالية لعملية اعادة التأسيس:
1 - تأسيس الرؤية النظرية نحو «التعليم قبل المدرسي» واستشراف الثقافة الجديدة التي ستنجم عنه وترتبط به «ثقافة الطفولة» بأبعادها التربوية والاجتماعية والاقتصادية.
2 - وضع منظور تطبيقي لتربية الطفولة قبل المدرسية بما في ذلك دور الحضانة ورياض الاطفال وما قبلهما.
3 - رسم دور الدولة ودور المجتمع في وضع وتنفيذ «سياسة اجتماعية» خاصة برعاية الطفولة المبكرة والتعليم قبل المدرسي في الكويت ملتزم بها من قبل الحكومة والشعب معا.
4 - بناء قاعدة معلومات معرفية واحصائية عن اوضاع الطفولة المبكرة في الكويت تكون منطلقا لوضع الخطط التطبيقية لتنفيذ «السياسة الاجتماعية».
واضاف ان تنفيذ المخطط الوطني لاعادة تأسيس برامج التعليم قبل المدرسي ورعاية الطفولة المبكرة سيرتبط بالضرورة برؤية ادارية وتنظيمية يمكن تفصيلها على النحو التالي:
اولا: ينشأ كيان اداري تربوي جديد باسم «المؤسسة الوطنية للتعليم قبل المدرسي ورعاية الطفولة المبكرة» تلحق بها الوحدات الادارية التربوية المسؤولة حاليا عن دور الحضانة ورياض الاطفال في وزارة التربية.
ثانيا: تتولى المؤسسة الجديدة مسؤوليات التحقق من التحاق جميع الاطفال الذين هم في عمر التعليم قبل المدرسي برياض الاطفال، كما تتولى تطبيق كل الاجراءات القانونية المشرعة لهذا الغرض.
ثالثا: تتولى المؤسسة كفالة هذه الخدمة التعليمية لمستحقيها بدرجة واحدة من الكفاية والجودة وفقا للقواعد التالية:
أ - الشرط الاول والاساسي للتطبيق العادل والفعال لتعميم التعليم قبل المدرسي ودور الحضانة هو الارتقاء بنوعية التأهيل المهني الذي يشترط فيمن يعين معلمات (مربيات) في رياض الاطفال ومشرفات في دور الحضانة.
ب - يتم تخطيط فتح رياض الاطفال وفقا للقواعد التالية:
1 - تكون لكل تجمع سكاني مؤلف من 50 او 100 عائلة روضة اطفال واحدة على ان تتوافر رياض اطفال اخرى اذا زاد عدد العوائل في هذا التجمع على مائة عائلة.
2 - يكون لكل عشرة اطفال معلمة (مربية) واحدة تساعدها مستخدمة مؤهلة.
3 - اما بالنسبة الى التجمعات السكانية الصغرى التي يقل فيها عدد العوائل عن خمسين عائلة فتؤسس لها رياض اطفال مشتركة في مواقع وسطية بين هذه التجمعات وتوفر لها وسائط نقل مدرسية مستكملة لشروط السلامة والصحة تتولى نقل الاطفال الى رياضهم ومنها بشكل منتظم ويعين لسياقة هذه الوسائط سواق حوافل ومراقبون مدربون في نقل تلاميذ المدارس تدريبا جيدا.
4 - في الرياض المشتركة تظل نسبة عدد الاطفال الى المعلمة (المربية) واحدة، كما في بقية الرياض 1:10 كما يظل مستوى التجهيزات والخدمات واحدا من حيث الجودة.
5 - اعادة النظر في القواعد المعمول بها الآن لفتح دور الحضانة وتحديد مواصفات ابنيتها وشروط العمل ورعاية الاطفال فيها بما يتوافق مع المقاييس الدولية المأخوذ بها في هذا المجال.
تقرير خاص في ملف ( pdf )