فقدت الكويت امس الاول د.احمد الربعي، واحدا من ابنائها الذين لم يبخلوا يوما في العطاء، فقدت نائبا ووزيرا وكاتبا، فقدت انسانا مخلصا في كل شيء، وذلك بعد صراع طويل مع المرض الذي لم يستسلم له وهو الذي يقول: «إن فقدت الأمل فقد فقدت حياتي»، هكذا كان يردد د.أحمد الربعي دائما، الذي ارتبط اسمه بالعزيمة والتفاؤل لدرجة انه اتخذ كلمة التفاؤل شعارا له في احدى حملاته الانتخابية، فعلى الرغم من المصاعب الصحية التي مر بها كإجرائه عملية جراحية في المخ، الا انه لم يستسلم يوما للمرض، فكان دوما يعتبر ان الانسان قادر على ان يتكيف مع حياته، ففي حديث له في برنامج «زيارة خاصة» مع الاعلامي الكبير يوسف الجاسم ذكر انه حين كان يعالج في مركز السرطان في بوسطن كان يرى اشخاصا من جميع الاعمار والأجناس وكان يشعر من وجه كل واحد هل هذا يستطيع ان يواجه المرض أم لا، ولذلك فقد تسلح بسلاح الإيمان والعزيمة حتى ان الاطباء اشادوا بمعنوياته وبعدم استسلامه، وكان يردد ان كل البشر لديهم قدرات على القوة.
فهناك ناس يعيشون ويتنفسون الا انهم اشباه اموات، في المقابل قد يكون هناك ناس مرضى وعلى فراش الموت الا انهم يحدوهم الامل في الاستمرار بالعيش، فالإنسان قادر على الانتصار.
نعم انه فارس القلم والكلمة الحرة الذي اجبره الموت عن الترجل عن صهوة جواده ليرحل عنا جسدا ويبقى بيننا روحا وفكرا.
الربعي والقلم
اقسى ما كان يواجه الربعي خلال فترة مرضه كان فراقه لقلمه، حيث يعتبر انه كان مجبرا على التوقف عن الكتابة مع رغبته الدائمة في ان يكتب حتى لنفسه، ولكنه لم يستطع لسيطرة هاجس المرض، على الرغم من انه عرف عنه قدرته على ترويض قلمه متى ما شاء ولكن في تلك الفترة الصعبة تتبدل الامور.
الكتابة والعمل السياسي عند د.الربعي ليس وظيفة، بل هي قناعات استطيع توصيلها عن طريق الكتابة والسياسة فأنا لا استطيع الاعتزال السياسي ولا استطيع ان اتوقف عن الكتابة، ولكن بالنسبة للعمل البرلماني فهذا موضوع آخر فأنا لا استطيع ان ارى بعض الظواهر او ان لدي آراء يجب ان اطرحها ولا اكتبها وان فعلت فانني اعتبر نفسي شيطانا اخرس واعد قرائي بأنني سأعود للكتابة.
أحمد الربعي الطالب
أما في مرحلة دراسته فقال: تتلمذت على يد اساتذة كثيرين وقديرين مثل د.فؤاد زكريا واسماء لامعة في الوطن العربي، وكان عددنا قليلا جدا في الفصل الدراسي.
وكان بعض الاساتذة يقول مداعبا في حال غياب أحد الطلاب ان نسبة الغياب عندي اليوم 50%، وكنا جيلا محظوظا. وكنا نذهب للاساتذة في بيوتهم وفي مكتباتهم الخاصة ونجلس معهم بدل الساعة ساعتين، وتعلمنا من تلك المرحلة الكثير، وحاليا عندما استعرض مراحل معينة من الحياة فانني أجد هناك مراحل كان يمكن ان نوفر منها وفيها الكثير.
ولكنني لست نادما على التجارب الفاشلة واعتقد ان التجارب الفاشلة في هذا الجانب هي التي تعلم الانسان النجاح، وقد تعلمنا من كل هذه المراحل السياسية وقد بدأت العمل السياسي في المرحلة الثانوية، وذلك عندما دخلت في حركة القوميين العرب وكان ذلك اول عمل سياسي لي ونحن صغار.
واعتقد اننا مررنا بمراحل كثيرة والعالم العربي مر بمراحل كثيرة والوضع الفكري العربي مر كذلك بمراحل كثيرة ايضا، ولكنني اعتقد الآن انني وصلت الى مرحلة استطيع فيها ان اقول ان هدفي في الحياة هو ان احقق موقفا وليس ان اسجل موقفا ولم تعد عندي رغبة في تسجيل موقف ليقال عني انني جيد. وما يهمني هو ان احقق موقفا لبلدي وشعبي واهلي ولصالح التنمية في بلدي.
الاحتلال العراقي
يفتخر د.الربعي، رحمه الله، انه كان من ضمن مجموعة في الكويت ايام الحرب العراقية - الايرانية ضد المقبور صدام حسين بشكل علني على الرغم من ان الشارع كان منقادا وراءه، فتمسك برأيه وتحمل الانتقادات العديدة في سبيل صلابة موقفه.
الاحتلال بالنسبة له كان كارثة على الكويت وعلى الامة العربية والاسلامية والعالم، فما حدث للكويت كان اكبر من الاحتلال بل كان اغتصابا، حيث تم تدميرها عبر التخريب والسرقات المنظمة والممنهجة وتدمير تاريخ وإرث بلد بكامله.
المبدأ والقانون
كان، رحمه الله، صلب المواقف، متمسكا دائما بالحق ولو اتى هذا الأمر بانعكاسات سلبية عليه، فلم يجامل، ولم يخفض رأسه، فوضع في اعتباره المبدأ والقانون بغض النظر عن نتائجه السلبية، فتحمل في سبيل هذا المبدأ تعارض مصالح التيارات وهجومها عليه بسبب طرحه الجريء.
كان يفرق دائما بين المثقف والمتعلم، فليس كل من حمل قلما وحصل على فرصة للتعلم مثقفا، فالثقافة بها وعي وإدراك ومعرفة بالأحداث التي تمر بها الأمم.
تغطية خاصة في ملف ( pdf )