أسامة أبوالسعود
أكد وزير العدل ووزير الأوقاف والشؤون الاسلامية المستشار حسين الحريتي ان القانون الدولي الانساني بكل مصادره يجسد المبادئ الانسانية التي أوردتها الشرائع السماوية لضبط اعمال القتال وتقييد استخدام وسائل الدمار الحديثة وحسن معاملة ضحايا النزاعات المسلحة وهو الامر الذي يصبح معه من الضروري ان نغرس في النفوس مفاهيم القانون الدولي الانساني بحسبانها شريعة ومنهاجاً وليس التزاماً قانونياً فحسب.
وأضاف في كلمة افتتح بها اعمال الندوة الاقليمية الثالثة حول القانون الدولي الإنساني التي ينظمها معهد الكويت للدراسات القضائية والقانونية صباح امس: لا يخفى عليكم ان الشواهد التي يزخر بها الواقع الدولي المعاصر تنبئ عن تصاعد مد الحركة الدولية لحقوق الانسان، خاصة اثناء النزاعات المسلحة سواء الدولية او الداخلية، وذلك نظرا لما يسود العالم من توتر وصراعات بين بعض الدول بل وفي داخل عدد منها غير قليل، الامر الذي اقتضى الاهتمام بالقواعد التي تكفل الضمانات الاساسية لاحترام الكرامة الانسانية اثناء قيام النزاع المسلح، سواء فيما يتعلق بحماية الضحايا والممتلكات المدنية او بتقييد حق اختيار الاساليب والوسائل المستخدمة في القتال، وينسحب ذلك ايضا الى ما بعد انتهاء الاعمال القتالية بالنسبة للذين لا يخوضون المعارك او الذين اصبحوا عاجزين عن القتال، خاصة الاسرى والمحتجزين المدنيين وغيرهم من ضحايا النزاع المسلح.
منظومة القانون
وتابع الحريتي: «وهذه القواعد سواء كانت اعرافا ام نصوصا مكتوبة هي التي تشكل منظومة القانون الدولي الانساني التي تهدف لفرض الاعتبارات الانسانية وادخالها في الحسبان اثناء النزاعات المسلحة كي لا تطغى الضرورات الحربية على المبادئ والاعتبارات الانسانية.
وأردف قائلا: ولكي يؤدي هذا القانون دوره الفاعل اثناء وطيس المعارك ودرءا لآثارها، يتعين اتخاذ اجراءات وسبل محددة في فترة السلم تستهدف جميعها الاستعداد تحسبا لنشوء اي نزاع مسلح، ويبدأ هذا الاعداد من خلال وضع البرامج العلمية وترتيب الاجراءات العملية الملائمة لنشر ثقافة القانون الدولي الانساني وتعميق الوعي بقواعده وأحكامه، وقد ناطت اتفاقيات جنيڤ بالدول مسؤولية ادراج احكام القانون الدولي الانساني في برامج التعليم العسكرية والمدنية، فلابد من اعداد الاشخاص وتدريبهم على تطبيق قواعد هذا القانون واحترام مبادئه التي هي حصيلة التوازن بين مفهومين متعارضين هما الشواغل الانسانية، والضرورات الحربية.
وتابع وزير العدل ومن هذا المنطلق كان اهتمام وزارة العدل إذ أنشأت اللجنة الوطنية الدائمة للقانون الدولي الانساني، لتقوم بمتابعة تطبيقات هذا القانون واجراء الدراسات والابحاث المتعلقة بهذا المجال.
وعلى هذا النهج ايضا كان الاهتمام المتواصل لمعهد الكويت للدراسات القضائية والقانونية بالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر في عقد الندوات وتوثيقها، فضلا عن اعداد البرامج التدريبية واصدار النشرات حول التعريف بقواعد القانون الدولي الانساني وبيان حالات انتهاكها والمسؤولية عن ذلك ودور القاضي الوطني بشأنها والاختصاص القضائي دوليا او وطنيا، بما تثيره أو يتفرع عنها من قضايا وذلك في ظل التشريع الوطني الداخلي والتواثيق والاتفاقيات الدولية مقارنا بأحكام الشريعة الإسلامية السمحة.
وختم كلمته بالقول وقد جاءت دورتكم الثالثة هذه ثمار إحدى هذا التعاون البناء من أجل ثقافة القانون الدولي الإنساني حتى يصبح اكثر نشاطا وأوجب احتراما وتطبيقا.
من جانبه أكد مدير معهد الكويت للدراسات القضائية وكيل محكمة الاستئناف المستشار جمال الشامري ان الدورة امتداد لما بذله معهد الكويت للدراسات القضائية والقانونية بالتعاون مع اللجنة الدولية للصليب الاحمر في سبيل نشر احكام وقواعد هذا القانون، وتعميق الوعي بها وتطوير قدرات وكفاءة الفئات المخاطبة به خاصة رجال القضاء.
وتابع الشامري ان معهد الكويت للدراسات القضائية والقانونية ليؤمن ايمانا راسخا بأنه في سبيل تفعيل آليات تطبيق قواعد وأحكام القانون الدولي الانساني لابد من تعزيز نشر ثقافة هذا القانون وتوسيع نطاق المستفيدين منها، وهو ما حرص عليه المعهد دوما بإصدار موضوعات القانون في عدة اصدارات مستقلة يضيء كل منها جانبا من الجوانب العديدة للقانون، واذكر ايضا ان مجلة القضاء، التي يصدرها المعهد في عددين سنويا، تعنى بنشر الابحاث الخاصة بالقانون الدولي الانساني.
واضاف المستشار الشامري كذلك تم تطوير مكتبة المعهد لتكون مركزا لتوثيق احكام القانون الدولي الانساني والاتفاقيات الدولية المتصلة بها، وجميع الابحاث والمؤلفات الفقهية في هذا الشأن، كما أن المعهد التزم بادراج موضوعات هذا القانون ضمن المناهج والبرامج التدريبية التي يقدمها للقضاة واعضاء النيابة العامة فضلا عن الكثير من الباحثين القانونيين والمعنيين بها سواء من المدنيين او من ضباط الشرطة، وأذكر من ذلك على سبيل المثال لا الحصر البرنامج الذي عقده خلال الفترة من 18 – 12/12/2004 والذي اقيم على هامشه بالتعاون مع البعثة الاقليمية للجنة الدولية للصليب الاحمر لشبه الجزيرة العربية مسابقة بحثية حول تطبيق القانون الدولي الانساني في الكويت، كما شارك المعهد في برامج تدريب القضاة التي نظمتها اللجنة الدولية للصليب الاحمر في المملكة المغربية حول مختلف محاور القانون الدولي الانساني في الفترة من 3 – 11 يناير 2005، وساهم المعهد أيضا في الاجتماع الرابع للخبراء الحكوميين العرب في مجال هذا القانون والذي انعقد بالقاهرة في الفترة من 26 حتى 28 فبراير 2005.
تنظيم معهد الدراسات
وأردف الشامري بالإضافة الى تنظيم المعهد في غضون الفترة من 5 إلى 9 مارس 2005 الدورة الاقليمية الأولى حول القانون الدولي الإنساني، وخلال المدة من 10 إلى 14 مارس 2007، كانت الدورة الثانية، وفي كل منهما قام المعهد بتغطية أوراق العمل والمداخلات التي تمت فيها كل واحدة في اصدار خاص، وهذا النهج الذي التزمه المعهد انما يعكس الرغبة الحقيقية والإرادة العملية للكويت لتعزيز أهمية القانون الدولي الإنساني باعتبار ان قواعده في مضمونها تمثل تراثا انسانيا استمد من الرسالات السماوية الثلاث التي تهدف جميعها الى حفظ كرامة الانسان وعرضه ودمه وماله وهو أساس احكام هذا القانون، وبهذه المناسبة يحضرني ما ذكره القائد الفيلد مارشال مونتغمري في كتابه «الحرب عبر التاريخ» من وصف حروب الإسلام بأنها كانت حروبا إنسانية تميزت بالتسامح والعفو والرحمة والحضارة، علاوة على الصلابة والشجاعة في القتال.
وختم المستشار الشامري كلمته بالقول اننا ننظر بعين الاعتبار والتقدير الى ما ستقدمونه في هذه الدورة من طرح ورؤى جديدة ـ أبعد أثرا من لغة الكلام ـ نحو تفعيل قواعد القانون الدولي الإنساني وحل ما قد يعتريها في التطبيق من صعوبات أو مشاكل.
من جهته قال المفوض الاقليمي للصليب الأحمر جان ميشيل مونود انه لشرف كبير لي ان أكون اليوم هنا لدى افتتاح الدورة الاقليمية الثالثة للقضاة ووكلاء النيابة العرب، ويسرني ان اغتنم هذه الفرصة لأشير الى ان اللجنة الدولية للصليب الأحمر حريصة على مضاعفة الجهود في مجال العمل الوقائي والذي ينطلق من زيادة المعرفة بالقانون الدولي الإنساني من خلال تدريسه وتدريب الجهات المعنية مثل القضاة ووكلاء النيابة من اجل تحسين تطبيق هذا الفرع من القانون.
وتابع: ان نشر القانون الدولي الإنساني هو الآلية الوقائية الرئيسية التي تنص عليها اتفاقيات جنيڤ الأربع لعام 1949، وبروتوكولاها الإضافيان لعام 1977 ضمن عدد من الآليات الأخرى المؤدية لاحترام أحكام هذا القانون، ورغم ان القضاة ووكلاء النيابة هم الشرائح الأولى المعنية به والذين يتوجب عليهم فهم أحكامه ومبادئه سواء العامة من هذا الجزء الأكثر أهمية من القانون الدولي العام أو تلك الخاصة بجرائم الحرب ودور المحكمة الجنائية الدولية في قمع انتهاكات القانون الدولي الإنساني، إلا ان اللجنة الدولية للصليب الأحمر توجه جهودها الى شرائح أخرى محددة مثل القوات المسلحة، والصحافة، والجامعات، ومشرعي القوانين وذلك على سبيل المثال لا الحصر.
اتصال مستمر
وأضاف: فلا تقتصر جهود اللجنة الدولية على نشر القانون الدولي الإنساني، خاصة ان مندوبيها حول العالم على اتصال يومي مباشر مع ضحايا النزاعات المسلحة وبذلك تكون المؤسسة في موقع يمكنها من العمل على تخفيف معاناة هؤلاء الضحايا.
ومازالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر عبر عدد من العقود تبذل جهودا حثيثة في إعادة تأهيل ضحايا الألغام الأرضية المضادة للأفراد وغيرها من مخلفات الحرب.
ولذا نعد عملنا دون كلل أو ملل بالتشجيع على المصادقة على معاهدة أوتاوا، وانها للمفخرة بالنسبة لنا ان يصل عدد الدول المصادقة عليها حتى يومنا هذا الى 156 دولة عقب مرور 11 عاما على تبنيها، وعلى نحو مماثل قمنا مؤخرا باستقطاب التأييد لمعاهدة أوسلو الجديدة التي تنظم استخدام الذخائر العنقودية، هذه الأسلحة تتسبب في معظم الأحيان في أكثر الأضرار الجانبية بين صفوف المدنيين، ستعقد مراسيم المصادقة عليها بتاريخ 3 ديسمبر في أوسلو، وأتمنى ان يكون عدد من الدول العربية من بين أوائل الدول الموقعة عليها.
تغطية خاصة في ملف ( pdf )