الحميدة: حكم إبطال مجلس 2012 بحث مشروعية القانون المطعون فيه وملاءمته أما الحكم في «الدوائر» فتطرق للشكل القانوني دون حالة الضرورة
الحمود: المحكمة لا تكتفي باعتبار موافقة المجلس النيابي على المراسيم بقانون كلوائح ضرورة تغطي ما بها من عوار إذا كان هذا العوار هو عدم توافر حالة الضرورة
الفيلي: احتمالات حكم «الدستورية» عن الصوت الواحد مفتوحة
العياش: الحكومة ليس لها الحق في إصدار مرسوم ضرورة فيما يخص قانون الانتخابات
آلاء خليفة
تتسارع الأنفاس ويسود جو من الترقب الحذر مع اقتراب جلسة المحكمة الدستورية للفصل في مدى دستورية مرسوم قانون الصوت الواحد الذي تم على أساسه إجراء انتخابات مجلس الأمة الحالي، حيث إن هذا الحكم سيحدد مصير وشكل الحياة السياسية في الكويت بشكل كبير في المرحلة المقبلة، ذلك لأن بقاء مجلس الأمة بتشكيلته الحالية من عدمه مرهون بما تراه المحكمة من مشروعية مرسوم القانون المطعون عليه، وبالتالي إما ان يتم تحصين هذا المرسوم الذي تم بناء عليه انتخاب اعضاء المجلس الحالي بصوت واحد لكل مواطن، أو ان يتم إبطال المجلس ومن ثم يكون لزاما إجراء انتخابات من جديد.
لإلقاء بعض الضوء على ما هو متوقع في جلسة المحكمة الدستورية الأحد المقبل استقصت «الأنباء» آراء بعض الخبراء الدستوريين لمعرفة قراءتهم للموقف وتوقعاتهم للمنهج الذي قد تتبعه المحكمة في إصدار حكمها المنتظر، مزيد من التفاصيل في السطور التالية:
في البداية وحول توقعاته لحكم المحكمة الدستورية المنتظر بتاريخ 16 الجاري للفصل في دستورية مرسوم الصوت الواحد في انتخابات مجلس الأمة ذكر استاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق بجامعة الكويت د.خليفة الحميدة ان المسألة ستقف عند المنهجية التي ستتبعها المحكمة في بحث المسألة.
وقال د.الحميدة في تصريح خاص لـ «الأنباء» ان هذه المنهجية يمكن استخلاصها من آخر حكمين أصدرتهما، فإذا تبنت المحكمة منهجية حكمها في إبطال مجلس 2012 فإن ذلك سيعني بحث المحكمة للمرسوم بقانون المطعون فيه من حيث المشروعية والملاءمة أي بحث الشكل القانوني للمرسوم بقانون أولا ثم تقييم حالة الضرورة التي يستدعيها إصدار مثل هذه المراسيم بقوانين.
وتابع: أما إذا اتبعت المحكمة منهجية حكمها الذي أصدرته في طعن الحكومة بالدوائر الانتخابية فإنها اقتصرت على شق المشروعية تاركة تحديد الملاءمة في إصدار التشريعات لسلطة التشريع الأصلية ممثلة في مجلس الأمة أو الاستثنائية ممثلة في السلطة التنفيذية.
وقال د.الحميدة: لاشك أن حكم المحكمة الدستورية المنتظر سيجيب عن هذه التساؤلات وغيرها وستكون له آثار على واقع تطبيق الدستور الكويتي.
حالة الضرورة
من جانبه، قال استاذ القانون العام بكلية الحقوق بجامعة الكويت د.ابراهيم الحمود لـ «الأنباء»: قد يرى بعض الفقهاء أن تقرير وجود حالة الضرورة أو عدم وجودها هي مسألة بيد السلطة التنفيذية تقدرها تحت رقابة البرلمان، اي إنها مسألة تقديرية بحسب الظروف والملابسات لكل حالة على حدة وليس هناك من مقياس عام للتحقق من قيام حالة الضرورة.
وأضاف: يمكن تبرير الاكتفاء بالرقابة البرلمانية على تقدير حالة الضرورة ان الدستور قد ألزم عرض مراسيم الضرورة على مجلس الأمة خلال خمسة عشر يوما من تاريخ صدورها إذا كان المجلس قائما، وفى أول اجتماع له في حالة الحل أو انتهاء الفصل التشريعي.
واردف قائلا: ومن ثم، بحسب هذا التبرير، إذا كانت ثمة سلطة تستطيع رقابة السلطة التنفيذية في تقدير ما، إذا كانت الظروف تستدعي استعمال حقها في استصدار مراسيم الضرورة وكانت هذه السلطة هي السلطة التشريعية اي مجلس الأمة فلا سبيل لتدخل القضاء في الرقابة بحسبان وجود رقابة أصلا قد نظمها.
وذكر د.الحمود أن المحكمة الدستورية لا تكتفي باعتبار موافقة المجلس النيابي على المراسيم بقانون كلوائح ضرورة تغطي ما بها من عوار إذا كان هذا العوار هو عدم توافر حالة الضرورة عند صدورها، اي إنها لا تكتفي باعتبار إقرار المجلس لها يغطي هذا العوار تماما، إنما ترى ان إقرار مجلس الأمة لمراسيم الضرورة هو إقرار أيضا لوجود حالة الضرورة ودرجتها المبررة لإصدارها.
وتابع: ونحن لا نتفق مع هذا الرأي ونرى عدم صحة ما ذهبت اليه المحكمة الدستورية في اعتبار مجرد موافقة مجلس الأمة على المراسيم بقوانين هي موافقة وإقرار لحالة الضرورة المبررة لإصدارها لا سيما في الأحوال العادية اي عند عدم قيام حالة السلطة الفعلية، يضاف إلى ذلك أن لوائح الضرورة إنما هي قرارات في مجال التشريع وهو استثناء يقدر بقدره وبتوافر شرائطه، ومن ثم فإن القول بسقوط الشروط التي يتطلبها الدستور لإصدار لوائح الضرورة بمجرد إقرار مجلس الأمة لها لا يمكن قبوله ذلك أن مراسيم الضرورة تبقى لوائح بهذه الصفة حتى بعد إقرارها من مجلس الأمة ولا تتغير طبيعتها اللائحية ولا تنقلب إلى عمل تشريعي يدخل في زمرة القوانين التي يتعين أن تتبع في كيفية اقتراحها والموافقة عليها وإصدارها القواعد والإجراءات التي حددها الدستور في هذا الصدد وإلا ترتب على مخالفتها عدم دستورية القوانين.
واردف قائلا: كما أن رقابة المحكمة الدستورية على المراسيم بقوانين منصوص عليها في المادة 173 من الدستور كاختصاص أصيل للمحكمة الدستورية في الرقابة الدستورية ورأينا في معرض هذه الدراسة مفاهيم الضرورة واشتراطات حالتها المبررة للجوء إلى المراسيم بقوانين مما يخضعها للرقابة باعتبار الضرورة علة الاستثناء ومناط دخول السلطة التنفيذية في مجال التشريع الاستثنائي.
واوضح د.الحمود ان رقابة المحكمة الدستورية للمرسوم بقانون إنما هي رقابة مشروعية وفقا للآلية التي رأيناها وفى المراحل والخطوات التي بيناها.
وحكم المحكمة الدستورية بإقرار مرسوم بقانون الصوت الواحد يعني اعتبار هذا الخيار هو الوسيلة الوحيدة التي كانت متاحة لدرء المخاطر، وان الدولة كانت في مواجهة مخاطر محدقة استثنائية يستحيل تداركها بغير هذا الطريق الاستثنائي.
واضاف: لا شك أن لصاحب السمو الأمير بحسبانه رئيسا للدولة وفق أحكام المادة 71 من الدستور اذا قام خطر يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة الدولة او يعوق مؤسسات البلاد عن أداء دورها الدستوري أن يتخذ الإجراءات السريعة الكفيلة لمواجهه هذا الخطر.
والقاضي الدستوري يجب عليه بيان جسامة الخطر المحدق الذي لم يكن بالإمكان مواجهته إلا بمرسوم الصوت الواحد، اي بيان حجم التهديد للوحدة الوطنية وسلامة الوطن وإعاقة مؤسسات الدولة عن أداء أعمالها ان تمت الانتخابات وفقا لنظام الأصوات الأربعة.
وان كان تحديد جسامة الخطر مسألة تقديرية لصاحب السمو الأمير فإن المحكمة الدستورية عليها واجب الكشف عن حجم الخطر ومدى تهديده للوحدة الوطنية وسلامة الوطن وهل استمرار نظام الأصوات الأربعة يعيق مؤسسات الدولة عن أداء أعمالها.
إن بيان جسامة الخطر يعتبر من الشروط الأساسية لاعمال نظرية الضرورة، فالضرورات تبيح المحظورات.
وتابع د.الحمود: على المحكمة الدستورية ان تبين كذلك ان الخطر الجسيم كان حالا اي انه قد بدأ فعلا ولم ينته بعد، ومن ثم فإن تبرير وجود حالة الضرورة وإقرار مرسوم الصوت الواحد يعني ان نظام الأصوات الأربعة خطر بدأ فعلا ولم ينته وانه خطر حقيقي حال لا يمكن إهمال التصدي له فهو ليس بوهمي ولا تصوري، وان متطلبات صدور مرسوم بقانون الصوت الواحد توجب على القاضي الدستوري أن يؤكد بأن الخطر لم ينته أمره، وعبارات نص المادة 71 تتطلب ذلك فهي تؤكد أنه «إذا حدث» اي ان النص يستخدم عبارة قاطعة الدلالة بأن الخطر قد وقع وأنه مستمر ولم ينته بعد إذ يتطلب المواجهة بحسبان ما حدث وهو مستمر قد وقع فعلا ولم ينته أمره.
وأضاف: ان تهديد الوحدة الوطنية وسلامة الوطن وإعاقة مؤسسات الدولة عن أداء دورها الدستوري هو الخطر الحقيقي الحال المبرر لمرسوم بقانون الصوت الواحد، إذا أيدت المحكمة هذا المرسوم بالقانون وأقرت وجود حالة الضرورة المبررة له، ومن اللازم على المحكمة الدستورية أن تبين ان المرسوم بقانون الصوت الواحد كان الخيار الوحيد لمواجهة الخطر الحال الذي لا يمكن دفعه إلا بصدوره وذلك لأن الدستور قد نظم السلطات العامة وحدد اختصاصات كل سلطة وعهد إليها أداء دورها، ومن ثم فإن اللجوء إلى مراسيم الضرورة لا يكون دستوريا إلا إذا عجزت السلطة العادية عن القيام بمواجهته أما إن كان في وسع السلطة العامة العادية أن تقوم بهذا الدور فإنه يجب أن يترك لها القيام به.
واشار د.الحمود الى ان المحكمة الدستورية عليها واجب بيان عدم استطاعة السلطات العامة وعجزها عن مواجهة الخطر الجسيم الذي يهدد الوحدة الوطنية وسلامة الوطن وإعاقة مؤسسات الدولة عن أداء دورها.
ولا شك أن صاحب السمو الامير بحسبانه رئيسا للدولة هو الذي يقدر درجة الخطر ومدى الحاجة الى اللجوء للمادة 71 ولا يقيده في ذلك إلا أن يكون الهدف هو تدارك الخطر وضمان تحقيق الوسائل اللازمة حتى تستطيع السلطات العامة الدستورية مباشرة وظائفها في اقل فترة زمنية ممكنة، والمحكمة تراقب مدى توافر الظروف الاستثنائية التي تبرر اللجوء إلى المادة 71 من الدستور باعتبار هذه الظروف ركنا من أركان الضرورة، وفي يقيننا ان المحكمة الدستورية وهي تراقب حالة الضرورة وتحققها فإن عليها مراعاة السلطة التقديرية لصاحب السمو الأمير رئيس الدولة في تقدير درجة الخطر التي تتعرض لها الدولة وتمكنه من اللجوء للمادة 71 من الدستور مع الأخذ بعين الاعتبار مجمل الظروف التي يعمل بها صاحب السمو الامير أثناء تعرض الدولة للأخطار.
احتمالات مفتوحة
من جانبه، ذكر الخبير الدستوري د.محمد الفيلي في تصريح خاص لـ «الأنباء» أن هناك احتمالات مفتوحة فيما يتعلق بالحكم على دستورية مرسوم الصوت الواحد، فقد يصدر حكم بموضوع الطعن الانتخابي وممكن يصدر حكم بموضوع الدستورية، وبالتالي يكون هناك احالة للمحكمة الدستورية والاحتمالان واردان.
واردف قائلا: كمحكمة طعون انتخابية ممكن ان تحسم الموضوع يوم 16 الجاري ومن الممكن ايضا انها تحيل الموضوع الى المحكمة الدستورية وقد تطلب المحكمة الدستورية تقديم مذكرات من الفتوى والتشريع والدخول في اجراء الاحالة الى المحكمة الدستورية.
الضرورة لا تطلق يد السلطة
بدوره، قال استاذ القانون الدستوري في كلية الدراسات التجارية د.غازي العياش ان المحكمة الدستورية ستفصل في الطعون الانتخابية يوم الاحد المقبل، وفق اختصاصها المستمد من المادة الاولى من قانون انشاء المحكمة الدستورية رقم 14 لسنة 1973، فالمحكمة تملك ابطال العملية الانتخابية في الدائرة بكاملها او ان تبطل عضوية احد الاعضاء المطعون على عضويتهم، واما ان تبطل العملية الانتخابية برمتها كما حدث في حكمها الاخير ببطلان المجلس لعيب شاب مرسوم الدعوة، اما في الحكم المرتقب فالمحكمة امامها احتمالات دستورية وسياسية مختلفة تماما عن السابق من حيث الشكل فستتعرض المحكمة باعتقادنا لمدى دستورية ان يصدر قانون الانتخاب او اي تعديل علية بمرسوم بقانون اي مرسوم ضرورة، والاصل برأيي ان الحكومة لا تملك ذلك، اي اصدار تعديل على قانون الانتخاب لأنها بالتأكيد سترسم خارطة الطريق للمجلس القادم بما يتماشى مع مصالحها، لكن المهم هنا والفيصل هو رأي المحكمة الدستورية بذلك، والحقيقة ان المحكمة الدستورية كان لها اكثر من موقف في هذا الشأن.
وتابع: ففي احد احكامها اقرت انها غير مختصة بنظر مسألة الضرورة وانها حالة واقعية سياسية لا تملك الرقابة عليها.والاختصاص بذلك لمجلس الامة، وفي حكم آخر عام 2008 اتجهت الى انها مختصة واقرت بوجود حالة الضرورة، اذن نحن امام اتجاهين سابقين للمحكم الدستورية في مسألة مدى امكانية حقها في رقابة المراسيم بقوانين في حالة الضرورة، والمرجح ان المحكمة ستنظر مسألة الضرورة وستقر مبدأ جديد في هذا الشان، ينتج عنه ابطال المجلس الحالي او ابقاؤه، والفرضية الاخرى ان تمنع المحكمة الدستورية نفسها من مراقبة حالة الضرورة طالما ان المرسوم بقانون استوفى شرط الشكل اي انه صدر بغياب المجلس، وان العملية التشريعية يملكها صاحب السمو الامير في هذه الحالة وتقدير الضرورة مسألة سياسية لا تملك تقديرها هنا.
تجدر الاشارة الى ان نظر القضاء لمشروعية مرسوم وفحص مدى سلامته من الناحية الدستورية برأيي لا يعتبر اعتداء على مبدأ الفصل ما بين السلطات، شريطة التزام المحكمة بالنظر بالمسائل القانونية البحتة دون الولوج في مسائل الملاءمة التي قد تخولها الدخول بما هو محظور عليها وفق لمبدأ الفصل، والغاية هنا هي المنع من زج المحكمة في صراع سياسي، فالدستور رسم لكل سلطة من السلطات الثلاث المجال الذي تعمل فيه واختصاصها واستقلال كل سلطة بما يحقق المساواة والتوازن بينهما بما لا يجعل لاحدهما إمكانية استيعاب الآخرين.
في النهاية انا انزع الى ان حالة الضرورة مسألة لا تعني اطلاق السلطة في اصدار المراسيم بقوانين دون الالتزام بالضوابط الدستورية والتي من اهمها غيبة المجلس وحالة مستعجلة واستثنائية تستدعي تدخل السلطة التنفيذية لصدور مثل هذا القرار، كما اني لا انكر ان تقدير حالة الضرورة ومدى الحاجة لها هي علة اختصاص الحكومة بل ومناط مباشرتها لهذا الاختصاص، لكن هذا لا يمنع المحكمة الدستورية من بسط رقابتها ع مشروعية هذه القرارات الاستثنائية (المراسيم بقوانين) حتى لا تتحول هذه الرخصة التشريعية الممنوحة من المشرع للحكومة سلطة مطلقة لا قيد عليها ولا عاصم، وقد تنأى المحكمة الدستورية بنفسها في الدخول في مسألة الضرورة، وتبطل الانتخابات لسبب اجرائي آخر او ان تلتفت عن جميع الطعون وتقر بسلامة الانتخابات.