- حاكم الشارقة د.سلطان القاسمي: مهنة الصحافة لا تقل خطورة عن «الطب».. وخطورة القلم أشد من المشرط بيد الطبيب المرتعشة
- على القنوات ألا تقبل أي صورة أو قصة أو خبر أو عبارة تشجع على هدم النفائس والآثار الفنية
- سلطان بن أحمد: سمعة الدول تؤثر في صورتها ومصداقيتها لدى المجتمع الدولي وتؤثر أيضا في حجم الاستثمارات المباشرة التي تتدفق إليها من الخارج
- غورباتشوف: المراهنون على أن العولمة ستكرس المساواة والتسامح والانفتاح سيعترفون بإخفاقهم عاجلاً أو آجلاً
الشارقة ـ عدنان الراشد
فتح المنتدى الدولي للاتصال الحكومي 2014 في الشارقة، الباب على مصراعيه لتطوير الإعلام الرسمي والخاص ليخدم عملية التنمية ويعبر عن تطلعات ورؤى الشباب بشكل واقعي، وأكد على ضرورة تبني خطوات تقضي برفع يد الحكومة عن وسائل الإعلام الخاص بصورة حقيقية وليس فقط في استصدار الرخص.
وأكد المنتدى الذي انطلق في دورته الثالثة، أن نجاح التواصل الحكومي يرتبط بقدرته على تحقيق التكامل الداخلي بين مؤسسات الدولة وإداراتها، وعلى دور هذا الترابط في إتاحة إمكانات جديدة للمستفيدين من الخدمات الحكومية، وفي إفساح المجال أمام فهم أعمق لدور الحكومة من قبل موظفيها وبالتالي تأدية هذا الدور بشكل أفضل.
وفي إطار المؤسسات الحكومية، كانت توصيات المنتدى بأن يكون هناك متحدث رسمي لكل مؤسسة، على أن يكون متخصصا في الأمور الإعلامية، مع ضرورة ممارسة الموضوعية في نقل المعلومات وطريقة تقديمها للناس لتكون هناك مساحة للحدث لعكس نفسه دون تأطيره بما يريده المسؤولون.
وعرجت إحدى جلسات المنتدى على التغييرات الكبيرة في العالم العربي، والتي ساهمت في رفع سقف الحريات باعتباره بات مطلبا من قبل الدول نفسها أيضا.
افتتح المنتدى، عضو المجلس الأعلى وحاكم الشارقة صاحب السمو الشيخ د.سلطان بن محمد القاسمي، بحضور نائب حاكم الشارقة سمو الشيخ عبدالله بن سالم القاسمي، وضيف شرف المنتدى ميخائيل غورباتشوف آخر رؤساء الاتحاد السوفييتي، ورئيس المكسيك السابق فيليبي كالديرون.
كما حضره عدد من كبار المسؤولين في إمارة الشارقة وكذلك دولة الإمارات العربية وكوكبة من المتخصصين من شتى أنحاء العالم، لطرح رؤية متكاملة للتطوير عبر جلسات متنوعة استمرت على مدى 3 أيام.
القلم والمشرط
وفي كلمة له، أكد حاكم الشارقة وعضو المجلس الأعلى صاحب السمو الشيخ د.سلطان بن محمد القاسمي، أن مهنة الصحافة لا تقل خطورة عن مهنة الطب، مبينا أن خطورة القلم والمصوات، أشد من المشرط بيد الطبيب المرتعشة، وأن واجب احترام القارئ أو المستمع، والمصلحة العامة، وحق المعرفة، ويجب أن تكون لديه أخلاقيات تشكل الحقيقة والدقة والصدق والنزاهة والإنصاف.
وقال سموه إن «عالمنا العربي يمر بمرحلة حرجة، اختلطت فيها الأمور، فنشاهد صاحب التنوير يدخل إلى العتمة، وصاحب الحق، يمتطي الباطل، وصاحب العفة تتكشف أستاره عن شهوات دنية، وأصحاب الفكر يتوهون بين الحقيقة والخيال، إلا من رحم ربي.. فأين الإعلامي من كل ذلك؟
إن مهنة الصحافة والإعلام، لا تقل خطورة عن مهنة الطبيب، فخطورة القلم والمصوات، أشد من المشرط بيد الطبيب المرتعشة، كمناورات الدعاية، ونشر الأخبار الكاذبة للتضليل، وعدم التثبت من مصادر المعلومات أو احترام الحياة الخاصة.
فعلى الإعلامي واجب احترام القارئ أو المستمع، والمصلحة العامة، وحق المعرفة، ويجب أن تكون لديه أخلاقيات تشكل الحقيقة والدقة والصدق والنزاهة والإنصاف.
إن للإعلامي حقوقا، يجب أن يكفلها له القانون، مثل حرية التعبير والنقد، وحرية الاطلاع على كل مصادر المعلومات، وحرية التحقيق دون التعرض لحجة سر الشؤون العمومية أو الخاصة، إلا استثناء مبررا بوضوح.
ومن حق الإعلامي ألا يكشف مصدر المعلومات التي وقع الحصول عليها بطريقة سرية، وله الحق في رفض الضغوط مثل التعليمات المباشرة أو غير المباشرة، ما عدا حكم القانون إذا كان هناك مطالب بالتفتيش الذي يهدف إلى كشف مصدر الإعلامي ـ حتى ولو لم يسفر عن نتيجة ـ فإن ذلك عمل أخطر من أمر الإعلامي بأن يكشف بنفسه عن هوية مصدره.
كلمة أخيرة أهمس بها لأصحاب القنوات التلفزيونية التي تعرض بعض الأشرطة المصورة المستوردة من الخارج أو التي تم إنتاجها محليا، ألا تقبل أي صورة أو قصة أو خبر أو عبارة تشجع على هدم النفائس والآثار الفنية، ويجب على تلك القنوات أن تشجب الكذب والسرقة والكسل والجبن والكراهية، أو أي عمل إجرامي.
ومن الضروري إعادة الروح الإنسانية للأشخاص وإعطاؤهم قيمة ثقافية وأخلاقية، واستخدام مشاعر الود وتمجيد قيمة العمل والأسرة، وأن تكون مكانا للحياة الشريفة والسعادة والفرح».
صنع القرار
وكان رئيس مركز الشارقة الإعلامي الشيخ سلطان بن أحمد القاسمي قد افتتح المنتدى بكلمة أكد فيها أن الجماهير باتت تطالب بالشراكة الحقيقية مع حكوماتها، وهذه الشراكة هي التي تؤثر في صنع القرارات وتحدد المسار المستقبلي للبلاد.
لافتا إلى أن تطلعات المواطنين تضع كل حكومات العالم أمام تحد كبير، ويجب الموازنة بين الاستثمار في تطوير وتنويع أساليب الاتصال والتخاطب، وبين الاستثمار في مجالات ضخمة ومعقدة كالمجال الاقتصادي والاجتماعي والعسكري والتعليمي والصحي.
وقال إن سمعة الدول تؤثر في صورتها ومصداقيتها لدى المجتمع الدولي، وتؤثر أيضا في حجم الاستثمارات المباشرة التي تتدفق إليها من الخارج، والبعض يعتقد أن سمعة الدول هي مسؤولية سفرائها ووزراء الخارجية وممثلي الديبلوماسية فقط، ولكن هي مسؤولية كل إدارة اتصال حكومي في كل مؤسسة حكومية أينما كانت، فتفاعل موظفي الحكومة وعلى رأسهم موظفو الاتصال الحكومي مع الجمهور لا يؤثر في صورة الدولة خارجيا فحسب، وإنما في سمعتها الداخلية أيضا.
العولمة
وألقى ضيف شرف المنتدى، آخر رئيس للاتحاد السوفييتي السابق ميخائيل غورباتشوف، كلمة قال فيها وصف العالم الذي نعيش فيه اليوم بـ«المعولم» وانتقد تأثيراته السلبية في مختلف الصعد، على الرغم من أنه يعد أفضل من تلك الحقبة التي عاشها إبان القرن العشرين، الذي وصفه بالأكثر قساوة ودموية في التاريخ البشري.
وأشار إلى أن النظام العالمي الجديد انتج فروقات كبيرة بين الدول وقسمها إلى دول منتجة وأخرى مستهلكة، مبينا أن الفوائد التي حققتها الدول المتقدمة في جانب التنمية المستدامة كانت على حساب الدول الأخرى.
وذكر أن المراهنين على أن العولمة ستساعد على تكريس المساواة في العالم ونشر قيم التسامح والانفتاح الفكري، سيعترفون بإخفاقهم عاجلا أو آجلا، لافتا إلى أن الدول الإسلامية تحاول اليوم على سبيل المثال، أن تواجه التهميش من قبل القوى العظمى، ولكن نرى الصعوبة في ذلك.
مسارات مفتوحة
وشهد عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة صاحب السمو الشيخ د.سلطان بن محمد القاسمي، أولى جلسات المنتدى، تحت عنوان دور الاتصال الحكومي وإدارة السمعة في جذب الاستثمارات تحدق فيها وزير الدولة للشؤون الخارجية د. أنور قرقاش، رئيس المكسيك السابق وفيليبي كالديرون، ورئيس البنك الدولي الأسبق جيمس ولفنسون.
وقال د. قرقاش في كلمته إن سمعة أي دولة تتكون من مكونات عدة ومركبة، موضحا أن الإمارات اتخذت مسارات مفتوحة ومتعددة لتوسع اقتصادها.
وتطرق إلى قضية اجتياح العراق للكويت والذعر الذي أصاب المستثمرين في الكويت بسبب خروج أموال طائلة من البلاد، وأكد أن السمعة مسألة متكاملة لتحسين القوانين، فهناك الكثير من الأموال التي تنتظر الفرص الجيدة.
وأضاف أنه لتحسين سمعة الدولة من أجل زيادة الاستثمار الاقتصادي «فأننا نحقق نجاحا أفضل وتقدما في جميع المجالات كالمسائل القانونية والاقتصادية وغيرها، ومسألة التقدم هذه عملية مستمرة سترافقنا لعشرين أو ثلاثين سنة مقبلة لكونها عملية ديناميكية طويلة الأمد»، متابعا «تبين تجربتها أننا من خلال الأشواط التي اتبعناها نمضي قدما إلى الأمام».
الاستقرار الاقتصادي
من جهته، قال رئيس المكسيك السابق فيليبي كالديرون: من وجهة نظري فان الأمر الأبرز في الاستثمارات والسياسات التي تتبعها الحكومات هو العائدات المالية، لذا يجب استغلال الفرص، مضيفا أنه يتم تحقيق هذه العائدات عن طريق التواصل الجيد، وفي مقاطعة له، عرض مثالا على أن المكسيك هي دولة جيدة للاستثمار في العالم من خلال السمعة الجيدة التي تتمتع بها.
وأضاف «شهدنا قبل 40 عاما فترة سيئة جدا وعصيبة، وعانينا تاليا عدم الاستقرار الاقتصادي الذي أدى إلى تدهور اقتصاد البلد، ولمعالجة هذه المشكلة كنا بحاجة لوجود تفاعل مع مختلف المؤسسات لاستقطاب الاستثمارات الاقتصادية التي شهدت تدهورا كبيرا وصل إلى 4.1 مليارات دولار جراء فترة عصيبة مرت بها البلد، ما دفع الحكومة لتحسين السياسات المتبعة، إذ إننا قمنا باستيراد 60% من المواد المستخدمة في التصنيع لتحسين الوضع».
معايير المصداقية
أكد رئيس البنك الدولي الأسبق جيمس ولفنسون أن المصداقية خصوصا في الاستثمارات والسياسات التي تتبعها الحكومات في اتخاذ القرارات، هي الأبرز والأساس في عملية اتخاذ القرار ولها معايير عدة يجب الالتزام بها، فالاستقلال هو أساس السمعة الجيدة التي تزيد من نشاط الاستثمار في أي بلد كان.
وأضاف قائلا «إن الأشخاص تحت سن الثلاثين عاما يتقبلون التوجيه من المختصين للقيام بعملية الاستثمار، لذا تبين لنا أنه لابد من ممثلين لتقديم المداولات والملاحظات لمن هم في العقد الثالث من العمر لأن لديهم أساليب التخاطب والحوار»، حيث عرض مثلا لشباب مصر الذين استطاعوا أن يوصلوا أفكارهم للعالم في الثورة المصرية التي حصلت مؤخرا.
وأشار إلى ضرورة التخطيط المنفتح في المنطقة العربية، ففي دولة الإمارات مثلا يشكل المواطنون 20% من الكثافة السكانية، بينما 80% هم من الجاليات الأخرى التي لا تتدخل في العملية السياسية، لذا فإن الاتصال بين الحكومة والشعب يصبح أمرا سهلا.
وأضاف: «نحن بحاجة إلى حكومة تنظم وتحل قضية الفساد فمثلا في دولة كالصين لا توجد لديهم قواعد تتعلق بالفساد»، مشيرا إلى أن «الدول بحاجة إلى إيجاد فرص عمل للشباب لحل مشاكلها».
الحوار والثقة
وفي إحدى جلسات المنتدى قال اليستر كامبل مدير مكتب اتصالات توني بلير رئيس الوزراء السابق لبريطانيا: إن عملية الحوار تعتمد بشكل أساسي على الحوار والثقة بين الأشخاص بعضهم وبعض، حيث يرتبط نجاح أي حكومة أو الاتصال الحكومي مع الجمهور بقدرة المؤسسات الحكومية على التواصل مع إدارتها الداخلية وهذا ما يمثل التكامل بين مؤسسات الدولة وإداراتها.
وفي جلسة «تجارب حكومية في الفضاء الجديد للمعلومات العامة» تحدث المذيع في هيئة الاذاعة البريطانية «بي بي سي» نيك غاوينغ، مؤكدا أهمية الفضاء الإلكتروني بما فيه من مواقع التواصل الاجتماعي في نقل المعلومات التي باتت تنقل المعلومة وقت حدوثها، ما أفقد الجهات المعنية سواء كانت شركات أو حكومات امكانية السيطرة على تلك المعلومات.
وأكد ان تدفق المعلومات الهائل الذي وفرته مواقع التواصل الاجتماعي اكبر تحد لأي جهة تدعي امكانية السيطرة على المعلومة، واسهم ذلك في بعض الاحيان في توجيه تساؤلات لجهات مسؤولة لأن العالم أو الجمهور أصبح متفاعلا مع سيل المعلومات.
شبكات التواصل
وفي جلسة «العلاقة بين الاتصال الحكومي والناشطين على شبكات التواصل الاجتماعي» أكد المشاركون فيها أن هذه الشبكات فرضت نفسها وبقوة على كل أنواع النشاط الاجتماعي بمختلف أشكاله، بل تخطته لتصبح مكونا للرأي العام ومؤثرا في السمعة والصورة، حتى باتت لسان حال الناس ومرآتهم في كثير من الأحيان.
وأوضح المشاركون أن شبكات التواصل الاجتماعي أفرزت مجموعة من المدونين القادرين على التأثير في الرأي العام، أو ربما تشكيله، حيث لاحظت الحكومات أهمية هذه الأداة الإعلامية والتواصلية في يد الجمهور، ومدى تأثيرها في انطباعاتهم وردود أفعالهم.
وتناولت الجلسة، عددا من التساؤلات حول استطاعة الحكومات الاستفادة من شبكات التواصل الاجتماعي في عملية تواصلها مع جمهورها، لناحية الاستماع وايصال رسائلها إليهم، ومساهمة هذه الوسائل وتعليقات الناس في تحقيق التنمية الإدارية، كذلك امكانية أن تكون هذه الشبكات أداة حقيقية في التواصل بين الأجهزة الحكومية والجمهور.
تضاعف متصفحي الإنترنت
في كلمة له خلال جلسات اليوم الثالث قال مدير مركز الشارقة الإعلامي أسامة سمرة: إن نسبة متصفحي الإنترنت عبر الهواتف الذكية ارتفعت خلال السنتين الماضيتين 3.60%، بحسب دراسة مؤشر غلوبال ويب، ما يعني أن عملية الوصول إلى المعلومة وسهولة تناقلها وحتى تشويهها أو تضخيمها بات دافعا للعمل أكثر، والتفاعل أكثر مع الجمهور من أجل المحافظة أو تحسين صورة البلاد وضمان خير تواصل مع الجمهور مهما تعددت وتنوعت فئاته.
ومؤخرا، أظهرت دراسة «مؤشر قياس السمعة في العالم» أن حصول دولة النمسا، على سبيل المثال، على 5 نقاط إضافية في مؤشر سمعتها سيؤدي إلى تدفق نحو 4.3 مليارات دولار من الاستثمار الخارجي ومن عائدات السياحة والأنشطة الاقتصادية المتعلقة بها، هذه هي أهمية الاتصال الحكومي والدور الذي يمكن أن يلعبه في تحقيق الريادة، وهذا هو ما تتطلع إليه كل حكومات العالم.