الحادث الفاجعة الذي تعرضت له الكويت بأجمعها، حادث حمل إلينا كثيرا من الهموم والاحزان، وأشعرنا بأن بلادنا كما كان الامر متوقعا هدف من اهداف اولئك الذين يسعون الى الخراب وإشاعة الدمار، ومؤازرة الارهاب.
ولعل اهم ما رأيناه في أعقاب ذلك الحدث هو اننا وجدنا انفسنا نقف في صف واحد، فشعبنا لا تمزقه محن، ولا تقضي على وحدته عصبيات ولا مذهبيات. لقد شعر كل واحد منا بأن المصابين كلهم من اهله، وأن الذين فقدوا ارواحهم نتيجة للعمل الارهابي الغادر جزء من لحمته. فالوطن واحد والشعب واحد، وقد وقف الجميع دون تفرقة، ودون حسابات للتعبير عن الالم، وعن شجب ما حدث، وهذه هي طبيعتنا منذ القدم، وهذا هو الامر الذي نحرص عليه ونسعى الى إدامته بيننا، وقد كنا ولانزال شعبا واحدا متلاحما لا يفرقه مكابر ولا معاند، ولا راغب في زرع الفتنة.
بالنظر الى تلفزيون الكويت او الى غيره من محطات التلفزة هنا او هناك تجد الدليل الناصع على احساس الجميع بحب الوطن وتقديرهم للمسؤولية الوطنية التي تدفع بهم الى صيانة الوحدة بين افراد هذا الشعب الذي يحرص دائما على استمراره في الحياة المتلاحمة المعبرة عن الاخوة الثابتة التي لا تزول مهما حاول أصحاب الأسافين التي لا يفيد معنا غرسها، لأن ما غرس في نفوسنا من حب بعضنا للبعض الآخر، وحبنا لوطننا، ورغبتنا التي لا تنازع في حفظه وحفظ ابنائه مهما حدث من امور، امر لا شك فيه.
ننظر ـ كما اشرنا ـ الى جهاز التلفاز فنعجب لهذا الشعب الذي سرعان ما توافد على مسرح الجريمة محاولا ان يبذل ما يستطيع من دعم، لم يمنعه الزحام ولا حرارة الجو، ولا الضيق الذي يحس به بسبب ارتداد الجريمة على نفسه حزنا وألما، ولم يكن اي واحد من المتوافدين هناك ينظر الى فروق مذهبية او غيرها فكل هؤلاء اخوة في الدين وفي الوطن، لا يحتمل الواحد منهم ان يمس بلاده سوء من أي جهة كان ذلك.
ومما ينبغي ان يذكر هنا ان الناس في بيوتهم، وفي ديوانياتهم صغارا وكبارا يحملون الهم الكبير الذي وقع عليهم وعلى وطنهم بسبب هذا الحادث المؤلم. بل لقد كان من اهم ما دل على تفاعلهم هذا هو الاقبال الشديد على التبرع بالدم، حيث شهدنا اعدادا كبيرة من المواطنين وغيرهم يسرعون الى بنك الدم فيملأون جوانبه من اجل ان يتبرعوا بدمائهم حرصا على المشاركة بكل سبيل في عمليات الانقاذ، وكان دور بنك الدم في هذه العمليات من اهم الادوار في هذه الملحمة الشعبية العالية الوقع. ولقد كان مما شحذ الهمم ووحد الصفوف ان رأينا صاحب السمو الأمير حفظه الله وهو يتقدم الحاضرين معبرا عن حمله لمسؤولية الوطن، فهو رجل الدولة الحقيقي الذي يدرك اهمية ما يقوم به في ظرف مثل هذا الظرف الذي عشناه وعاشه سموه معنا ظهر يوم الجمعة الفائت، ولقد كانت وقفته تلك وقفة معبرة لها اثرها في التئام جرحنا، والتخفيف علينا وعلى اهالي شهداء ذلك الحادث الأليم. وكانت الكلمات التي اطلقها بين الحاضرين تنم عن روح المسؤولية، والأبوة الخالصة، وكان في ذلك حريصا على ان يبقى الالتحام الاخوي بين كافة ابناء شعب الكويت الوفي، وألا يتأثر احد تأثرا سليبا بهذا الحادث الجلل الذي كانت وقفة سمو الامير حياله وقفة الرجال الذين يقدرون مسؤوليتهم، ويحرصون على ان تسود المودة، ويعم الهدوء بين ابناء وطنهم. لم يقبل سموه ان يقف بعيدا عن مسرح الجريمة مكتفيا برجال الدولة الذين حضروا ولم يقصروا بل انه حرص على ان يتقدم الصفوف في هذا اليوم المهم من ايام تاريخ الكويت فله منا جزيل الشكر، وخالص الدعاء في ان يحفظه تعالى لنا وللكويت ذخرا وسندا. وبخاصة ونحن قد شاهدنا كثيرا من افعاله، وما وجدناه من ردة فعله تجاه هذا الحادث الأليم، مما هو كفيل بأن يدفعنا الى الالتفاف حول سموه، ومباركة خطواته التي ادت الى امتصاص كثير من آلامنا، ومن احساسنا بسوء ما احدثه اعداء بلادنا. ونحن اذ نكيل الثناء، ونكثر من الدعاء لسمو الأمير فإننا لا ننسى لسمو ولي العهد وقفته الكريمة ومشاركته التي رأينا مظاهرها في أخبار التلفزيون سواء أكان ذلك في موقع الحدث، ام في زيارته للجرحى الذين اصيبوا هناك، كما اننا لا ننسى موقف حكومة الكويت ورئيسها، ومن شارك من وزرائها، وما قام به رجال وزارة الداخلية ووزارة الصحة وغيرهما من الوزارات من جهود مشكورة كان لها اثرها في التخفيف من المصاب.
وفي الختام فإننا لا نملك إلا الدعاء الخالص بأن يرحم الله سبحانه شهداءنا، وأن يشفي جرحانا، وأن يحفظ وطننا الكويت من كل سوء ومكروه، وأن يحيط سمو أميرنا وسمو ولي عهده ورجال حكومته بالعناية والصحة والعافية، إنه سميع مجيب، وأن ينتقم لبلادنا من أولئك الأشرار الذين بذلوا جهدهم للنيل منها عن طريق تفجير بيت من بيوت الله سبحانه بمن فيه من مصلين، وهو القادر على كل شيء.