جوهر: «مشرف» قضية وطنية ونحذّر من أن توجّه التهمة فيها ضد مجهول
محمد راتب
انتقد النائبان د.علي العمير ود.حسن جوهر تعامل الحكومة مع قضية البيئة بصفة عامة وكارثة محطة ضخ مشرف على وجه الخصوص، مشيرين الى قذف الكميات الهائلة من مياه الصرف الصحي في البحر.
جاء ذلك خلال الندوة التي أقامتها الجمعية الكويتية لمتابعة وتقييم العمل البرلماني يوم امس الاول في منطقة الاندلس تحت عنوان «تشرنوبل مشرف» بحضور رئيس منظمة السلام الأخضر الكويتية د.حمد المطر، ورئيس جمعية حماية المواطن، وعضو الجمعية الكويتي لمتابعة وتقييم الأداء البرلماني د.فوزي الخواري، والناشط السياسي ناصر الشليمي، وحذر د.العمير من مغبة إلقاء اللائمة في الوقت الحالي على أحد، ومن تضييع حجم هذه المشكلة وتسييسها واخراجها عن مفهومها البيئي، وقال: «من غير الممكن تحديد المسؤول عن كارثة مشرف قبل انتهاء عمل لجنة التحقيق التي شكلها مجلس الوزراء» لافتا إلى أن النواب سيكون لهم موقف من المتسبب في المشكلة لمعاقبته سواء كان وزيرا أو وكيلا أو مديرا أو مقاولا أو مستشارا.
واشار د.العمير إلى أن الصورة الحالية لمشكلة الصرف الصحي في محطة مشرف لم تصل إلى حد الكارثة التي تحدث بسببها الوفيات، غير أنها مع ذلك تعتبر كبيرة لا يمكن التهاون بها، مشيدا بالجهود «الجبارة» التي تبذل الآن على مدار الساعة والتي يجب أن تقابل بالتقدير والاحترام، وقال: «ما نريده الآن هو حل المشكلة والوصول إلى بر الأمان، وبعد ذلك سنبحث مع الأخوة النواب أوجه القصور ومعاقبة المتسببين». معربا عن سعادته لحرص رئيس الوزراء على متابعة لجنة التحقيق التي شكلها لتحديد المسؤولية ومعاقبة المتسببين.
واستنكر د.العمير الإهمال وعدم الرد على الاستفسارات عن وضع المحطة والتي قدمها المدير العام السابق للهيئة العامة للبيئة د.جاسم بشارة سنة 2006، حيث طالب وزارة الأشغال بتزويده بكل البيانات التي تتعلق بالوضع البيئي للمحطة، مستنكرا تقاذف الاتهامات بين المقاول ووزارة الأشغال، وقال هذا سينتهي مع انتهاء عمل اللجنة الوزارية المكلفة بالتحقيق.
الأولويات متراجعة
وقال د.العمير: ان جميع أولويات الحكومة في التعليم والصحة والاسكان والرياضة متراجعة، ونجد أن آخر أولوياتها البيئة، متسائلا: أين أولوياتنا نحن كمواطنين من البيئة، فقسم البحوث في مجلس الأمة عمل دراسة حول اهتمامات المواطنين وجاءت نسب اهتماماتهم في التعليم 45% والصحة 35% بينما البيئة جاءت 0.3%، مرجعا ذلك إلى عدم وجود توعية بيئية من الحكومة، كما أن مؤسسات المجتمع المدني لا تنشط الا على ضوء الازمات، في حين أن جهود النواب ليست إلا ردود افعال، فالشعب يرتب أولوياته من خلال مجلس الأمة، وهو ما يملي على المجلس قناعاته ليهتم النواب بها ويشرعوا من اجلها.
مشرف وانتهاكات البيئة
أما د.حسن جوهر، فاعتبر أن قضية محطة مشرف تعتبر إضافة جديدة لمسلسل انتهاكات البيئة في الكويت، وذلك بشكل صارخ يضرب معايير الأمن والسلامة والمعايير الدولية، نظرا لخمول الحكومة في قضايا البيئة، لافتا إلى أن الهيئة العامة للبيئة مهملة منذ خمس سنوات وليست لها قيادة إدارية، كما أن قانون البيئة بحاجة إلى تطوير ومواكبة المعايير العالمية الجديدة، محذرا من أن تمر قضية مشرف مرور الكرام، أو أن توجه التهمة فيها ضد مجهول، وقال: «لن نقبل دون المحاسبة الجادة والرادعة للمسؤولين».
وقال د.جوهر: يجب أن تكون محطة مشرف قضية وطنية، ويتعين على الجميع من جهات حكومية ومؤسسات نفع عام ومواطنين أن يتلاحموا لحلها ويتعالوا عن الخلافات والاجتهادات» وأضاف: «الوقت الآن ليس لإلقاء التهم ووضع عصا التعطيل والمماطلة والاتهام في عجلة الطوارئ التي تم تكليفها»، مشيرا إلى أن الكويت أمام كوارث بيئية قائمة ومستقبلية، فمنطقة الجنوب ملوثة بالكامل، وجون الكويت ملوث ايضا، أما المشاريع المستقبلية العملاقة مثل ميناء بوبيان، وجسر جابر، فإنها ستدمر ما تبقى من البيئة البحرية إذا لم تأخذ الحكومة بالمعايير البيئية.
ودعا إلى وضع قضية مشرف تحت المجهر، ومحاسبة المقصرين لكي لا تتكرر المشكلة في المشاريع المستقبلية، «فنحن لسنا ضد مشاريع التنمية والتوسع، ولكن ضد ألا تكون ضمن ضوابط بيئية».
لافتا إلى أنه سيكون هناك لقاء تشاوري نيابي بالتنسيق مع جمعيات النفع العام، لتبني ملف بيئي متكامل سيقدم في دور الانعقاد المقبل.
وثمن د.جوهر الجهود المخلصة التي يقودها أبناء الكويت في جميع مؤسسات الدولة، وقال: «إن الكثير منهم يعمل خلف الكواليس، بدءا من سمو رئيس مجلس الوزراء ووزير الأشغال ووزير البلدية د.فاضل صفر، والجهات الرسمية المعنية بإبراز دور الشباب الكويتي في العمل بالميدان، متأملا أن ينجح هؤلاء في إيقاف هذه المشكلة. ودعا إلى إشراك مؤسسات رقابية مثل ديوان المحاسبة في متابعة قضية المحطة بدقة، سواء على صعيد الصرف والعقود أو حتى على مستوى الاتهامات المتبادلة بين الأطراف، وذلك لتشخيص المسؤولية وعقاب المسؤولين على حسب دورهم في الكارثة، لافتا إلى أن المحاسبة ينبغي أن تكون مضاعفة لتكون القضية عبرة للمشاريع القادمة.
وقال: «إذا تغافلنا اليوم عن البيئة البحرية فسيكون الضحية هو الإنسان والأكل ومياه الشرب»، وبالتالي، فإن البحر أهم مصدر من مصادر الأمن الغذائي والأمن الصحي والبيئي، مشيرا إلى أن التلوث البيئي في البر أصبح بمثابة مجزرة مخيفة يجب أن تدق نواقيس الخطر لأجلها، لأنها ستتسبب في كوارث على الإنسان وعلى مستوى التكلفة المادية للمعالجة، وهو ما يمكن إرجاعه إلى الإهمال والقصور في الكفاءة، أو إلى التعمد من قبل المقاولين أو جهات الإشراف أو الجهات الحكومية.
عدم احترام القانون
واشار د.جوهر إلى أن الجرأة وصلت بالأفراد وأصحاب المطاعم والمشاريع الصغيرة إلى عدم احترام القانون وأخلاق الإنسانية والدين، فالجميع يستبيح البحر ويستخدمه كحديقة خلفية لرمي النفايات، مضيفا أن على الحكومة ان تتفهم «فليس كل مرة تسلم الجرة» وليس في كل مرة يكون الوزير بريئا الى ان تثبت ادانته او يثبت قصوره، فهناك خلل قاتل في الجهاز الحكومي، مؤكدا ان السكوت على القضايا القاتلة والجسيمة سيعود على الكويت بالكوارث. وبدوره، أكد د.حمد المطر أن تصريح رئيس الحكومة حول مشكلة الصرف الصحي لن يقدم ولن يؤخر شيئا، ولن يكون هناك عقاب للمتسببين، وذلك لعدة أدلة، منها أن قضية المد الأحمر التي حدثت في السابق تسببت بفقدان الكويت لكمية 280 طنا من الأسماك خلال 48 ساعة، وهو إنتاج الكويت السنوي، حيث إن الحكومة شكلت لجان تحقيق ولم يعاقب أي متسبب، ولفت إلى أن مشاكل الكويت البيئية هي ردود أفعال من قبل الحكومة التي لا تضع البيئة في اعتباراتها إلا عند حدوث كارثة، منتقدا خلو الأولويات التي سطرها رئيس مجلس الوزراء من الأولوية البيئية، وهذا يفسر بعدم وجود إيمان حكومي بأهمية البيئة ومشاكلها.
«الأشغال» مسؤولة عن الكارثة
بدوره، وجه رئيس جمعية حماية المواطن، وعضو الجمعية الكويتية لمتابعة وتقييم الأداء البرلماني، د.فوزي الخواري، اتهامه لوزارة الأشغال بأنها المتسبب الرئيسي في كارثة الصرف الصحي بمحطة مشرف، والتي جعلت البيئة الكويتية تعاني من كوارث سرطانية وبيئية وغذائية، وقال: «براءة، براءة، براءة للحكومة، هذا ما تعودنا عليه من الحكومة، حيث لا تتحمل المسؤولية، مستغربا من الكابتن علي حيدر المدير العام للهيئة العامة للبيئة، حيث حمل المواطن مسؤولية الكوارث البيئية».
وقدم د.الخواري أوراقا ثبوتية تشير إلى أن المقاول الذي أنجز محطة مشرف كان قد أعطى الوزارة سنة 2003 نصيحة بعدم إنشائها في منطقة سكنية، كونها ستؤثر بيئيا، وأن بعض المشكلات التي تعيق عمل المحطة قد تظهر مستقبلا، وخلال 3 سنوات تدرج المقاول في إعطاء نصيحة ان المحطة تواجه خللا، إلا أن الحكومة لم تعط آذانا لذلك، مستغربا من تظاهر الكويت بأنها صديقة للبيئة في حين أن الواقع يؤكد أنها عدوة للبيئة.
كارثة بيئية
من جانبه شدد الناشط السياسي ونائب رئيس جمعية متابعة وتقييم الأداء البرلماني ناصر الشليمي على أن الكويت أمام كارثة كبيرة تهدد البيئة وتقلق الجميع في البلاد من المواطنين والمقيمين، لافتا إلى أن ما تقتضيه المصلحة اليوم هو إيجاد حل بعد أن حدث كلام عن محطة مشرف والتسامي في الوقت الحالي عن إلقاء المسؤولية على جهات أو أشخاص معينين، وأضاف أن البعض يتهم الوزير إلا أنه لا يتحمل الذنب كونه دخل الوزارة والمحطة موجودة.
وقال: «إننا نريد حلا للكارثة ولا نريد ضحايا، فنحن لا زلنا في الكارثة، والمطلوب أن نتعاون مع الأعضاء والحكومة والناشطين كبداية لإيجاد حل، وأن نقصي ثقافة الانتقام والبحث عن ضحية، وهذا لا يمنع بعد حل المشكلة الانتقال إلى المرحلة الثانية وهي محاسبة المقصرين والمتسببين في هذه الكارثة.
أما نائب مدير معهد الكويت للأبحاث العلمية سابقا د.عدنان الحمود، فقال: «إن مياه الخليج بسبب مضيق هرمز تتجدد كل 200 سنة، ووجود جزيرة بوبيان يعيق تنظيف جون الكويت بسبب التيارات.
والنقطة الثانية هي أنه وصلنا تقرير ان جزيرة فيلكا ملوثة وبعض التركيزات الموجودة في الجون أعلى مما تسمح به منظمة الصحة العالمية، فكيف سيكون الحال مع كارثة تلوث البحر بمياه الصرف الصحي؟ وقال د.الحمود: إن الهيئة العامة للبيئة لن ينصلح حالها إلا إذا تحولت تبعيتها من مجلس الوزراء إلى مجلس الأمة».