- قانون الجاذبية غير المرئية يرغم الأجرام السماوية على الدوران بعضها حول بعض في ميزان إلهي
- بعض الجبال الموجودة في البحار قد تصل قممها إلى سطح الماء فتتكون الجزر
- عروج الملائكة والروح «جبريل» بوصفهم مخلوقات نورانية فيما وراء الطبيعة أسرع من المخلوقات الأخرى التي تجري بين السماء والأرض
- العلم الحديث وتصوير سفن الفضاء أثبتا بالدليل التجريبي أن الأرض كروية مفرطحة مصداقاً للقرآن الكريم
- الجبال تعمل في الاحتفاظ بـ «الخيمة الجوية» عمل الأوتاد التي تحتفظ بخيمة القماش كما تعمل الجاذبية الأرضية عمل العماد
- كل ما نُشر حول فهم القرآن بالعلم ليس إلا بداية ولا بد من تضافر جهود المتخصصين لتفسير الآيات الكونية التزاماً بالفهم السليم لألفاظ القرآن وأحكامه الكلية
(ما فرطنا في الكتاب من شيء).. ها هو القرآن الكريم، كتاب الله المُعجز المُنزّل على خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم يجلو لنا حقائق خلق الكون، حقيقة حقيقة، في وضوح وإحكام، كيف لا وهو كلام رب العالمين الذي أبدع كل شيء خلقه، وبدأ خلق الإنسان من طين. هذا هو القرآن يبيّن كيفية خلق السموات والأرض، وكيف جعل السماء بناء بديعاً بلا عمد، وجعل الأرض قراراً ومستقراً لبني البشر.
(الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء) ـ غافر: 64.
ولفظ البناء يأتي في القرآن لوصف السماء، بينما يأتي لفظ البنيان متعلقا بما يبني الإنسان على الأرض، ولهذا الفرق دلالته، فالبنيان الذي يصنعه الإنسان على الأرض يتكون كما في المنازل من لبنات متجاورة تربطها طبقات الأسمنت المرئية، اما البناء في السماء فلبناته الكواكب والنجوم والأقمار وغير ذلك من أجرام سماوية متباعدة عن بعضها البعض وتربطها الجاذبية غير المرئية رغم المسافات الشاسعة بينها ولنتمحص في قوله تعالى: (فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم) ـ الواقعة: 75 ـ 76.
مما يدل على عظمة السر المودع في هذا القسم، فمواقع النجوم تحدد المسافات الشاسعة بينها، وبهذا فإن القسم يقصد بالتأكيد عظمة هذه المسافات من ناحية، وأهمية المسافات الفاصلة بين النجوم التي تحدد قوة التجاذب بينها من ناحية أخرى. كما ان ذكر النجوم يشير الى الكتل الهائلة من المادة الموجودة في أي نجم والتي بزيادتها تزداد قوة الجاذبية زيادة هائلة، وكأن الآية الكريمة تشير الى الناحية الكمية لقانون نيوتن للجذب العام.
وثمة يبرز تساؤل: لماذا لا تقع الأرض على الشمس او يقع القمر على الأرض او تتجمع جميع الأجرام السماوية بتأثير قوة الجذب المتبادل بينها؟
من المعروف علميا ان قانون الجاذبية يرغم الأجرام السماوية على الدوران بعضها حول البعض، فالأرض مثلا تدور حول الشمس والقمر يدور حول الأرض، وهكذا كما في قوله تعالى: (كل في فلك يسبحون- الأنبياء: 33).
(الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون- الرعد: 2). اي ان الكل يجري والكل يدور او يطوف في فلك خاص به، وان جميع الأجرام تسبح في أرجاء الكون.
فإذا نظرنا مثلا الى دوران القمر حول الأرض كنموذج لاتزان الأجرام السماوية فسنجد ان الأرض تجذب القمر اليها في اتجاه مركز الدوران، بيد ان القمر يتغلب على قوة الجذب بقوة اخرى مساوية ومضادة تعرف بالقوة المركزية الطاردة التي يعانيها اي جسم متحرك في مسار دائري، وبذلك تتعادل القوتان تماما كما تتعادل كفتا الميزان، ويظل القمر دائرا في مداره في حالة اتزان الى ما شاء الله ولا يقع على الأرض، مصداقا لقوله تعالى: (ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرؤوف رحيم- الحج: 65).
وحيث ان مخلوقاته كلها تدور وتسبح- وفق قدر- بأمر الله ووفق قوانين مسخرة، فإن وجود القمر هو يقينا بموقعه المحدد وعلى مسافة مقدرة من الأرض والشمس. ولو كان القمر أعد من كوكبنا لظهر كنجم خافت لا استفادة منه، ولو كان موقعه أقرب للأرض لخاف الناس من حجمه، ولحدثت أمواج مد عالية بسبب جاذبيته التي تغرق بها الأرض فتدرمها.
(الشمس والقمر بحسبان والنجم والشجر يسجدان والسماء رفعها ووضع الميزان- الرحمن: 5 ـ 7).
حقا إنه ميزان إلهي محسوب (بحسبان)، ولولا اتزان التوازن بين قوة الجاذبية والقوة الطاردة المركزية لوقعت السماء على الأرض، وهذا التوازن هو أساس الحسابات الرياضية التي تستخدم في الإطلاق الأقمار الاصطناعية في مدار معين.
ربي ان قدرتك وإعجازك وعظمتك يعجز لسان اي قائل ان يوفيك حقك، سبحانك.
نظرية النسبية
٭ أشار القرآن الكريم ومنذ 14 قرنا خلت الى الحقائق الأساسية في النسبية الخاصة والعامة في آيات قرآنية تتحدى كل علماء الطبيعة. وليسمع وليرى غير المؤمن ان القرآن الكريم كتاب الله، وأن محمدا رسول الله وأن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يقف صامدا أمام الإلحاد.
أدمج أينشتاين المكان والزمان في نظريته النسبية الخاصة عام 1905 حيث أعلن: ليس لنا أن نتحدث عن الزمان دون المكان ولا عن المكان دون الزمان، ومادام كل شيء يتحرك فلابد أن يحمل زمنه معه، وكلما تحرك الشيء أسرع فإن زمنه سينكمش بالنسبة لما حوله من أزمنة مرتبطة بحركات أخرى أبطأ منه.
وظاهرة انكماش الزمن قد تحققت علميا في معامل الطبيعة، حيث لوحظ ان الجسيمات الذرية تطول أعمارها في نظر راصدها إذا ما تحركت بسرعة قريبة من سرعة الضوء. فعلى سبيل المثال، فإن نصف العمر لجسيم البيون (الزمن اللازم لينحل إشعاعيا لنصف كميته) يزداد في الساعة المعملية الأرضية الى سبعة أمثال قيمته المعروفة اذا تحرك بسرعة قدرها 99% من سرعة الضوء، وبعبارة أخرى فإن الزمن الذي تسجله الساعة المتحركة أقل من الزمن الذي تسجله الساعة الساكنة.
ويضيف أينشتاين أنه وطبقا لهذا القانون فإن الساعة تؤخر ثلث ثانية كل ساعة عندما تكون الساعة 3000 كيلومتر/ ثانية، ويصل التأخير الى 18 ثانية كل ساعة إذا بلغت السرعة 30 ألف كيلومتر/ ثانية، وهكذا يزداد التأخير كلما زادت سرعة الضوء على اعتبار ان الضوء هو أعلى سرعة ممكنة. ونحن لا نلاحظ هذا الانكماش في الزمن لأن حركتنا على الأرض تعتبر حركة ضئيلة اذا ما قورنت بسرعة الضوء. وطبقا لعلاقة أينشتاين فإننا لو فرضنا مثلا اننا نركب صاروخا يتحرك بسرعة 80% من سرعة الضوء متجهين الى نجم يبعد عنا 20 سنة ضوئية، فإن معنى هذا ان الصاروخ يقطع هذه المسافة في 25 سنة حسب تقويم الناس على الأرض، بينما للمسافرين داخل الصاروخ تستغرق زمنا قدره 15 سنة فقط لهذه المرحلة.
ولو تخيلنا ان سرعة الصاروخ اقتربت جدا من سرعة الضوء، فإن الرحلة التي تستغرق 50 ألف سنة مثلا حسب الساعة الأرضية يمكن ان تدوم يوما واحدا فقط بالنسبة للمسافرين.
بيد انه لابد ان نضع في الاعتبار انه لتعجيل مركبة فضاء وزنها 50 ألف طن لكي نصل الى سرعة تكاد تقترب من ـ ولا تساوي سرعة الضوء ـ فإن الطاقة اللازمة لذلك تقدر بنحو 100 ألف مرة أكثر مما يستهلكه العالم كله في كرتنا الأرضية في عام كامل من الطاقة. وبهذا فإن اختراق الفضاء بهذه السرعة يعتبر من المستحيلات لنا معشر البشر لأن اي جسم مادي لا يستطيع ان يتحرك بسرعة الضوء إلا اذا كان فوتانا ضوئيا.
هذه هي نسبية الزمن كما عرضها أينشتاين، وهو موضوع مثير، لا جرم، ولنتأمل الانكماش الزمني لرحلتين مختلفتين إحداهما للملائكة وجبريل عليهم الصلاة والسلام، والاخرى للأمور الكونية.
(تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة- المعارج: 4).
(يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون- السجدة: 5).
ومقدار الانكماش الزمني هنا يعطي دلالة واضحة على ان سرعة العروج كبيرة في الحالتين وتقترب جدا من سرعة الضوء، وقد يعتقد البعض ان هناك تناقضا بين هاتين الآيتين لاختلاف الانكماش الزمني في الرحلتين المشار إليهما، بيد ان هذا ليس تناقضا فحسب، ولكنه إعجاز علمي بالغ. فطبقا للنظرية النسبية فإن الانكماش الزمني يزداد كلما ازدادت السرعة، وعلى هذا فإن عروج الملائكة والروح (جبريل) عليهم الصلاة والسلام وفي يوم كان مقداره على الأرض خمسين ألف سنة مما يعطي انكماشا زمنيا أكبر يشير الى ان سرعة عروج الملائكة والروح أكبر من سرعة عروج الأمور الكونية الذي يتم في يوم كان مقداره ألف سنة أرضية فقط، وهذا أمر بديهي إذا ما عرفنا أن الملائكة وجبريل عليهم الصلاة والسلام بوصفهم مخلوقات نورانية يعرجون فيما وراء الطبيعة أسرع من المخلوقات الأخرى في الطبيعة التي تجري بين السماء والأرض.
كروية الأرض
٭ لم يكن التوصل إلى كروية الأرض أمرا سهلا ميسورا، إذ ان الاعتماد على الحواس وحدها دون التدقيق في الظواهر كان دائما يعطي الإنسان انطباعا بأن الأرض مستوية السطح. ولقد توصل العلم الحديث بالدليل التجريبي وبالتصوير من سفن الفضاء بأن الأرض كروية تقريبا مطابقا لقوله تعالى: (يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل- الزمر: 5).
فلماذا استخدم الله سبحانه وتعالى لفظ يكور؟ ولم يقل يبسط الليل والنهار ما دامت الأرض منبسطة ظاهريا، أو غير الليل والنهار، أو أي لفظ آخر. فإذا ما تم لف شيئا حول كرة تقول: اننا كورنا هذا الشيء، وحيث ان الغلاف الجوي للأرض يحيط بالأرض مشدودا اليها بقوة الجاذبية مع جميع الجهات، فإن هذا الغلاف يأخذ شكل الأرض. وحيث ان ضوء النهار ينشأ بالتشتت على ذرات وجسيمات هذا الغلاف فإن النهار والليل متكوران على الأرض وبهذا فإن الآية الكريمة تشير الى كروية الأرض بدليل كروية غلافها الجوي بنهاره أو ليله، وكذلك تشير الى عملية التبادل بين النهار والليل نتيجة دوران الأرض حول نفسها وان الليل والنهار موجودان في نفس الوقت حول الكرة الأرضية فنصف الأرض المواجه للشمس يكون نهارا والنصف الآخر يكون ليلا، ولن يسبق أحدهما الآخر، فعندما تدور الأرض حول نفسها يصبح النهار ليلا ويصبح الليل نهارا، وهكذا يتعقبان مصداقا لقوله تعالى (ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون- يس: 40).
ورغم هذا الاعجاز العلمي الرائع، فقد يتساءل البعض عن انبساط الأرض لقوله تعالى (والأرض مددناها- ق: 7)، أي بسطناها لأن المد هو البسط، ولكن الآية تدل على انه أينما توجه الخلق فوق الأرض يجدونها ممدودة. وهذا لا يمكن حصوله هندسيا الا اذا كانت الأرض كروية اذ انها لو كانت مسطحة لاختفى هذا المد عند الوصول لحدودها، وبهذا نلاحظ دقة التعبير القرآني الذي اختار اللفظ المناسب. فكلمة مددناها تعطى للانبساط والتكور فلا تنشأ مشكلة لأن الأرض تبدو منبسطة ولكنها في نفس الوقت كروية في حقيقتها.
ولم يقتصر اعجاز القرآن في موضوع كروية الأرض عند هذا الحد، بل تعرض لتفاصيل هذا الشكل الكروي، فلقد أثبت العلم الحديث ان الأرض ليست كروية تماما بالمعنى الهندسي وتأكد هذا لأول مرة عندما وصلت الينا صور للأرض المأخوذة من الأقمار الصناعية، حيث تبين ان الأرض مفرطحة عند قطبيها تفرطحا بسيطا جدا، ما يعطيها شكل البيضة، ويفسر العلماء هذا التفرطح بأن الأرض كانت لينة ساخنة كالعجين عند نشأتها، وان دورانها حول نفسها جعل كرة العجين تبرز قليلا عند بطنها (خط الاستواء) وتفرطح عند قطبيها، وذلك لأن القوة المركزية الطاردة أكبر ما يمكن عند البطن وتقل حتى تصل الى الصفر عند القطبين، ولقد ظل هذا التشكيل مستمرا حتى بردت الأرض وأصبح قطرها 12713.8 كيلومترا عند القطبين بينما أضحى 12756.8 كيلومترا عند خط الاستواء أي بفرق قدره 43 كيلومترا، وذلك تطابقا لقول الحق: (أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافهاـ الرعد: 41)، وفي قوله تعالى (والأرض بعد ذلك دحاهاـ النازعات: 30).
وتوضح المعاجم اللغوية ان كلمة دحاها تؤدي معنى انه جعلها كالدحية أي كالبيضة لأن الأدحوة معناها بيضة النعام، كما ان كلمة دحا تدل على البسط مع الاتساع والتكوير في التكوين، وتدل ايضا على دفع الشيء وتحريكه، وتدل ايضا على إزاحة الشيء، وهذا يتفق ايضا مع اندفاع وحركة الأرض في الفضاء ونظرية ازاحة القارات التي ثبتت صحتها علميا.
تأملات في الجبال
ورغم ان الجبال جزء من الأرض وان تضاريسها لا تعتبر شيئا ملموسا بالنسبة لحجم الكرة الأرضية، اذ ان قمة جبل افرست الذي يعتبر أعلى جبال الأرض ترتفع 8844 مترا عن سطح البحر أي بما يعادل 720/1 من نصف قطر الكرة الأرضية، فإن الله سبحانه وتعالى قد خص الجبال بالذكر في بعض الآيات مقترنة بذكر السماوات والأرض دليلا على الأهمية القصوى للجبال كما في قوله تعالى (أفلا ينظرون الى الابل كيف خلقت والى السماء كيف رفعت والى الجبال كيف نصبت والى الأرض كيف سطحت- الغاشية: 17 ـ 20).
ونلاحظ هنا ان الجبال جاء ذكرها بعد السماء وقبل الأرض لما بين رفعة السماء وارتفاع الجبال من تناسب، وما بين نصب الجبال وبسط الأرض من تقابل، فأي تفسير علمي يا ترى وراء رفع الجبال عن سطح الأرض؟ وأي حكمة في خفض سطح الأرض عن سطح الجبال؟
يوضح العلماء ان الجبال تتكون من صخور تصنعها تحركات تحدث بالقشرة الأرضية نتيجة لضغوط هائلة تنشأ في طبقات هذه القشرة في شتى الاتجاهات، وهذه الضغوط تنشأ غالبا من تحول الطاقة الحرارية المختزنة في باطن الأرض الى طاقة ميكانيكية تؤدي بدورها الى أحد الاحتمالين:
٭ إحداث كسر بالقشرة فتحدث فتحات تصل ما بين جوف الأرض وسطحها فتسمح بخروج حمم منصورة من الصخور والمعادن مع غازات وأبخرة من فوهات تعرف بالبراكين نظرا لارتفاع الضغط في باطن الأرض عن خارجها.
٭ إحداث طيات ينتج عنها انحناء القشرة في تحدب الى أعلى في مكان ما يصاحبه تقعر في انخفاض جزء من القشرة الى أسفل ولا شك أن هذه الضغوط، التي تسمح بإنتاج نتوءات على هيئة جبال أو هضبات ترتفع مثلا لعدة كيلومترات فوق مساحات قد تبلغ آلاف الكيلومترات المربعة، ضغوط قوية عارمة ذات طاقة جبارة تفوق الوصف والخيال.
وصدق الله العظيم بقوله: (وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا- الرعد: 3).
والرواسي تمثل الجبال المرتفعة والأنهار تمثل المنخفضات وسبحان الله جعل الأرض تعلو في مكان وتنخفض في مكان آخر.
والرواسي نوعان:
جبال نارية: وهذه ترسو طافية على سائل كثيف لزج موجود في رداء الأرض تحت القشرة، تماما كالسفينة التي تطفو فوق ماء البحر.
وجبال أخرى رسوبية تعتمد في تكوينها على ما تلقيه الأنهار من رواسب في المياه الضحلة كمياه شواطئ البحار حتى اذا تراكمت الى الحد الذي قدره الله وتماسكت بالتضاغط ورفعها سبحانه جبالا شاطئية بأمره فهي تشبه ايضا السفينة الراسية على الميناء.
وبهذا فإن الفعل «جعل» في الآية الأخيرة يشمل النوعين من الجبال (الرواسي) النارية والرسوبية للتشابه بينها وبين السفن الراسية في عرض البحر والراسية على الميناء على الترتيب ويؤكد هذا القول تعالى (والجبال أرساها- النازعات: 32).
والفعل أرسى ينطبق على الجبال النارية الطافية والجبال الرسوبية على الشواطئ وهذه الأخيرة يخصها الله في القرآن الكريم بالفعل «ألقى» كما في قوله تعالى (والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي- ق: 7)، لأن الفعل ألقى ينطبق تماما على نشأة الجبال الرسوبية، فهي بالفعل يلقيها الحق سبحانه في الأرض بما تلقيه الأنهار من مواد رسوبية على الشواطئ.
واما الفعل «مد» فهو يشير الى زيادة مساحة الأرض أي اليابسة ما دام يابس الأرض هو الذي يزداد ويكثر بالجبال الرسوبية التي تتكون عند الشاطئ أو بدلتا الأنهار التي تتكون أيضا بالمواد الرسوبية التي لم ترتفع الى الجبال، الا ان الفعل «مد» يشير ايضا الى زيادة مساحة اليابسة بتكوين الجبال النارية، اذ ورد الرواسي مقرونا بمد الأرض.
ولا غرو ان المد بمعناه الشامل متحقق ايضا في الجبال النارية بدليل ورود ذكر الرواسي مقرونا بمد الأرض في آية الرعد، التي تشمل نوعي الجبال، وكما في حالة زيادة المساحة اليابسة في عرض البحار والمحيطات بواسطة جزر مادتها من الصخر الناري والمعروفة بالجزر البركانية مثل جزائر هاواي في المحيط الهادي، وأشارت الأبحاث الى ان أكثر قيعان المحيطات هي أشد وعورة وأكثر جبالا وتلالا وهضابا من أشباه على الأرض اليابسة، من خلال اكتشاف سلاسل أخرى في المحيط الهندي، وأخرى في المحيط الهادي، وبعض الجبال الموجودة في البحار قد تصل قممها الى سطح الماء فتتكون الجزر، وقد تكون رؤوس براكين ملأت رواسب البحر فوهاتها، وبهذا فإن هذه الجزر والجبال النارية الموجودة في عرض البحر كانت يوما قاعا للمحيطات، ثم رفعها الله بإحداث طيات بالضغط من باطن القاع حتى ظهرت للعيان زيادة في اليابسة في عرض البحر كما زادها سبحانه بالرسوبي من الجبال وبدلتا الأنهار وبهذا وضح المقصود من مد الأرض بمعناه الشمولي.
فتأمل وانظر الى تلك الحقائق العلمية عن الجبال والتي دل عليها القرآن بكلمة «رواسي» والفعل «ألقى» والفعل «مد» والفعل «جعل».
حقائق قرآنية
وهناك حقائق أخرى تتضح من قوله تعالى (ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا- النبأ: 6 ـ 7).
فتشبيه الجبال بالأوتاد اعجاز علمي رائع، فالجبال فيما يتبادر الى الذهن تشبه الأوتاد من ناحية البروز عن سطح الأرض ومن ناحية الرسوخ فيها، فلقد اتضح حديثا ان للجبال جذورا تمتد الى الأغوار العميقة بعمق يصل الى 75 كيلومترا.
ويشير القرآن ايضا الى هذه الجذور بتقريره بأن الجبال جزء لا يتجزأ من قشرة الأرض الصلبة، فإذا اهتزت الأرض اهتزت الجبال معها نظرا لشدة الارتباط المحكم بينهما كما في قوله تعالى (يوم ترجف الأرض والجبال- المزمل: 14).
ان التشابه بين الأوتاد والجبال قد يشير الى ان هناك شيئا تشده الجبال كما تشد الأوتاد الخيمة لتحفظها فوق سطح الأرض وان هذا الشيء هو الغلاف الجوي. فالجبال تعمل في الاحتفاظ بهذه الخيمة الجوية عمل الأوتاد التي تحتفظ بخيمة القماش كما تعمل الجاذبية الأرضية ايضا عمل العماد، اذ لا تقوم الخيام بالأوتاد الا مع العماد وتبرز هنا تساؤلات علمية:
هل لو حسبنا كتل الجبال كلها وطرحناها من كتلة الأرض، فهل يعجز ما تبقى من الكتلة عن الاحتفاظ بجو الأرض؟
هل لارتفاعات الجبال على الأرض سبب في الاحتفاظ بجوها؟ ان وتدية الجبال قد تكشف عن هذه التوقعات.
وفي محاولة لفهم معنى ومضمون أبواب السماء كما في قوله تعالى (لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا انما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون- الحجر: 13 ـ 15).
ولقد تساءل العلماء: هل للسماء أبواب؟
فلقد وصف المولى السماء (بذات الحبك) أي بذات الطرق، ولكل طريق أبواب عدة، ولم ينفذ علماء الفلك من الغلاف الجوي الأرضي ويسبروا شيئا من أقطار السماوات الا من خلال الأبواب والطرائق الموجودة في الغلاف الجوي الأرضي والفضاء الخارجي. فكل مركبة فضائية يجب ان تنطلق في زاوية وفي مسار معين كي تستطيع النفاذ من نطاق جاذبية الأرض الى الفضاء الخارجي. وهناك آلاف الأجهزة الالكترونية التي تصحح سير المركبة كلما ضلت عن مسارها، وعلى المركبات الفضائية خلال عودتها الى الأرض من الفضاء الخارجي الدخول والسلوك من فتحات وطرائق معينة في الغلاف الجوي الأرضي والا بقيت في الفضاء الخارجي أو احترقت قبل وصولها الى الأرض. وهو ما كاد يحصل لاحدى المركبات الفضائية منذ سنوات عندما تعطلت لبعض الوقت الاجهزة التي توجهها نحو الفتحة أو الباب الذي يجب ان تدخل من خلاله في الغلاف الجوي الأرضي. وقد ظل العلماء يومئذ يحبسون انفاسهم مع رواد المركبة الثلاثة حتى يسر المولى لهم سبل ولوج الباب الذي نفذوا بمركبتهم سالمين الى الأرض، وعلى النحو التالي:
في يوم الخميس من 24 تموز سنة 1969 وفي الساعة 17 و20 دقيقة ألقى رواد الفضاء من حمولتهم ودخلوا في الغلاف الجوي الأرضي بسرعة 11 كلم في الثانية من خلال ممر ارتفاعه 65 كيلومترا، فإن دخلوا من ممر أسفل من الممر المحدد كان حريقهم وفناتهم.
والجدير بالذكر ان المسار الذي سلكه رواد الفضاء للنفاذ من الأرض الى الفضاء هو طريق متعرج وليس مستقيما، وهنا يبرز الاعجاز العلمي للقرآن في كلمة «يعرجون» أي يصعدون بصورة متعرجة، ونفهم لماذا أسمى المولى عز وجل سورة من كتابه بـ «المعارج»؟ ولماذا وصف نفسه بـ «ذي المعارج» أي برب السماء ذات الطرقات المتعرجة (سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج- المعارج: 1 ـ 3).
مبادئ أساسية
وبهذا يقدم القرآن الكريم والإسلام مبادئ أساسية في دراسات الفلك ونشأة الكون، وعلى المسلم ان يسعى الى المعرفة الكونية عن نشأة الكون وخلقه، شريطة ان يدرك ان المعرفة العقلية خاضعة لحدود الزمان والمكان ونسبة التفكير الإنساني، وعليه ألا يحاول استخدام المعرفة استخداما خاطئا باللجوء الى وسائل خاطئة أو مضللة للكشف عن المجهول بالعلوم الغامضة أو الخفية أو الوسائل الزائفة كالتنجيم وما شابه. ففي الكتاب المكنون هداية وارشاد وتقويم للإنسان والنفس البشرية لعظم هذا الكون وتسخيره ولخير الإنسان والى جميل نسقه وتنظيمه، بل ان محكم ومجمل آيات القرآن الجليل تنادي العقل وتنبه الى ملاحظة ورصد نواميس الكون ومعجزاته وتناسق مكوناته كما في قوله تعالى: (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق- العنكبوت: 20)، (قل انظروا ماذا في السماوات والأرض- يونس: 101).
ويرتاءى المفكرون والعلماء أن كل ما نشر من كتب، ودراسات، وبحوث، ومقالات حول فهم القرآن بالعلم ليس سوى بداية، ولابد ان يتضافر على تفسير آيات القرآن الكونية متخصصون بالمعنى الدقيق يلتزمون بالفهم السلم لألفاظ القرآن وأحكامه الكلية في هذا المجال آخذين في الاعتبار، الواقع الكوني، دون اعتماد على الخيال، ولا على شيء قد يباعد بالآية عما تشير اليه بدقة.
وهكذا تتجلى قدرة الله تعالى واضحة جلية في توحده وتفرده سبحانه في خلق الكون وفي خلق الإنسان (وتركيبه الجسمي والنفسي) بنظام ودقة واتزان وآليات محكمة لا يستطيعها إنس ولا جان ليأتي اقراره سبحانه (هذا خلق الله- لقمان: 11)، ليبرز بعده تحديا شامخا يقينا منه تعالى لمن يشرك أو لا يؤمن بقدرته بالخلق بقوله (فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين- لقمان: 11).
الحلقة الأخيرة