- استقالتي من الإسكوا جاء لرفضي المشاركة في جريمة قائمة ضد الشعب الفلسطيني
- الشعب الفلسطيني يتعرض لتمييز واضح في التعليم والصحة والبناء والحركة
- إسرائيل قد تصبح دولة أبارتهايد في سيناريو مستقبلي إذا لم تنسحب من الأراضي المحتلة
- البرلمان الكويتي يتمتع بوضوح الرؤية وموقف أصيل مع القضية الفلسطينية
كريم طارق
أكدت د.ريما خلف أن قرار استقالتها من منصب الأمين التنفيذي للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا «إسكوا» في العام الحالي لم يكن فقط كنتيجة لمطالبتها برفع تقرير «التنمية الإنسانية العربية» والذي أكدت وأثبتت من خلاله ممارسة اسرائيل الاضطهاد ونظام الابارتهايد ضد الشعب الفلسطيني فحسب، إنما جاء لرفضها المشاركة في الجريمة القائمة ضد الشعب الفلسطيني، مؤكدة أن الإثباتات التي جاء بها التقرير مبنية على القانون الاسرائيلي دون أي أخطاء.
كما كشفت د.ريما خلف على هامش الندوة التي أقامتها جمعية الخريجين الكويتية مساء أمس الأول تحت عنوان «الفصل العنصري ضد الشعب الفلسطيني (الابارتهايد)» عن وجود معلومات متداولة عن تعاون اسرائيل مع أكثر الجهات تطرفا في العالم، لافتة إلى أن اسرائيل تهدف من خلال دعمها لبعض تلك الجماعات او الأطراف هو استمرار واسترجاع الحرب الأهلية في المنطقة، مشيرة إلى وجود أوجه تشابه كبيرة بين خلافة داعش والنظام الذي تقيمه اسرائيل في فلسطين نتيجة مجموعة من العوامل والتي يأتي في مقدمتها التطرف الديني وقيام الدولة على فكرة التوسع والاضطهاد «فإسرائيل لا تختلف كثيرا عن داعش».
مدخل تعريفي
في البداية تطرقت د.ريما الى الفرق بين نظام «الابارتهايد» والتمييز العنصري، لافتة إلى أن الابارتهايد هي كلمة مشتقة من كلمة جنوب أفريقية وتعني الفرز بين فئات الشعب المختلفة والفصل العنصري بين تلك الفئات مع الاختلاف في الحقوق والواجبات في ظل وجود قوانين ترسخ هذه التفرقة وتجعلها جزءا من النظام المؤسسي للدولة، مشيرة الى أن ذلك النظام يعد أيضا شكلا من أشكال التمييز العنصري إلا أنه يعد جريمة أقبح بكثير من كونها مجرد تميز عنصري، مرجعة السبب في ذلك الى أن نظام الابارتهايد يعد بمنزلة نظام مؤسسي يهدف إلى اضطهاد فئة عرقية عبر حرمانها من حقوقها مقارنة بالفئة الأخرى، وهو ما يجعل قوانين تلك الدول ودساتيرها بيئة لحماية هذا النوع من التمييز والفصل العنصري.
وأوضحت الفرق بين التميز العنصري ونظام «الابارتهايد» فيما يتعلق بحكم القانون الدولي حيث لا يدخل التمييز العنصري ضمن قوانين الدولة وهو ما يجعل الدول الاخرى والمنظمات الدولية تكتفي برفع التوصيات، أما فيما يتعلق بالتمييز الممنهج فهو يعد بمنزلة جريمة ضد الإنسانية والتي تلي من حيث خطورتها وجرميتها وعقوبتها بعد جريمة الإبادة الجماعية، وهو ما يدفع القانون الدولي بمطالبة جميع الدول العالم مسؤولية محاربة نظم «الابارتهايد»، مشيرة إلى أن القانون الدولي يجرم اعتراف أي دولة من دول العالم بشرعية هذا النظام، كان يمنع تقديم أي شكل من أشكال الدعم والمعونة والتبادل الثقافي والتجاري والحضاري مع تلك الأنظمة.
تقرير الإسكوا
وأشارت د. ريما خلف إلى أن اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا «الإسكوا» أصدرت تقريرا في شهر مارس ٢٠١٧ درست خلاله مدى إقامة إسرائيل لنظام «الابارتهايد»، موضحة أن نتائج التقرير خلصت إلى أن اسرائيل مذنبة بتلك الجريمة القبيحة والمخالفة للإنسانية التي تمس مختلف شرائح الشعب الفلسطيني في اسرائيل والأراضي المحتلة عام ١٩٦٧ أو باللاجئين أيضا.
وأوضحت أن مهام الخبراء الدوليين المعينين من قبل لجنة الإسكوا في ذلك التقرير تمثلت في العمل على دراسة وإثبات مدى ممارسة إسرائيل لأفعال لاإنسانية تحت مسمى هذه الجريمة ضد فئة معينة متمثلة في الشعب الفلسطيني فقط وليس جميع سكانها، مبينة ان اتفاقية الابارتهايد «أوضحت وحددت جملة من الأفعال التي تؤكد على وجود هذا النظام والتي تأتي في مقدمتها ممارسة أفعال القتل والتعذيب والاعتقال وتقييد حرية الحركة ومحل الإقامة، لافتة إلى أن التحدي الثاني أمام اللجنة تمثل في كيفية إثبات أن تلك الجرائم ليست حالات فردية وعشوائية إنما هي أفعال لا إنسانية في إطار نظام مؤسسي ممنهج في ظل وجود قوانين هدفها هيمنة عرقية لفئة محددة وهم اليهود على فئة أخرى تتمثل في الشعب الفلسطيني في جميع الأراضي الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية، مبينة أن التحدي الثالث تمثل في كيفية إثبات أن تلك الممارسات ترمي إلى إدامة هذا النظام العنصري.
كما لفتت د.ريما إلى أنه وبعد دراسة الخبراء لأفعال وممارسات اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، اكتشفوا عدم وجود قوانين موحدة تنطبق على جميع الشعب الفلسطيني، حيث قسمت الشعب الفلسطيني إلى ٤ فئات، لكل منها قوانين معينة مختلف تماما عن القوانين والممارسات التي تطبقها اسرائيل على الفئة الأخرى، مبينة أن تلك الفئات ٤ هي: (الفلسطينيون في اسرائيل- في القدس الشرقية ـ الفلسطينيون في الأراضي المحتلة لعام ١٩٦٧ ـ فئة اللاجئين).
القانون المزدوج
كما كشفت عن دراسة أعدها مجلس الحقوق الإنسانية في جنوب أفريقيا حول تعامل الجانب الاسرائيلي مع الفلسطينيين في الاراضي المحتلة عام ١٩٦٧، ومقارنة القوانين والممارسات الإسرائيلية بالممارسات المجرمة بموجب اتفاقية الابارتهايد العالمية، لافتة إلى الدراسة كشفت عن ممارسة وتطبيق الكيان الصهيوني لجميع الممارسات المجرمة باستثناء الإبادة الجماعية، مشيراة إلى أن الدراسة خلصت بوجود نظام الابارتهايد قائم تفرضه اسرائيل في الأراضي المحتلة.
وقالت إن اسرائيل تطبق ما يعرف بنظام القانون المزدوج، حيث إن هناك قوانين تطبق على الفلسطينيين ومن ضمنهم الأطفال أيضا، بينما تطبق قوانين مختلفة تماما على اليهود، مستذكرة على سبيل المثال وليس الحصر أن الشعب الفلسطيني يطبق عليه نظام عسكري صارم يصادر جميع الحقوق والحريات، أما اليهود المتواجدون في الضفة الغربية خلافا للقانون الدولي الذي يمنع دولة الاحتلال من نقل مواطنيها الى الاراضي المحتلة، فهم يتمتعون بكافة المزايا والحقوق والحريات التي ينعم بها اليهود في اسرائيل.
تمييز ديني
أما فيما يتعلق بالقدس فقد أشارت إلى أن الشعب الفلسطيني يتعرض لتميز واضح في التعليم والصحة والبناء والحركة، وذلك وفقا لتقارير كافة المنظمات الدولية حيث تتم مصادرة منازلهم بشكل خاص نتيجة سياسة اسرائيل المتبعة والتي تعرف بسياسة التوازن الديموغرافي، والتي تهدف إلى أن تصبح نسبة اليهود في القدس المحتلة أكثر من ٦٠% من سكانها، عبر دفع السكان الأصليين إلى الهجرة مع إعطائهم صفة المقيمين الدائمين، بمعني أن تواجد الشعب الفلسطيني في أرض أجداده يعد بمنزلة منة وليس حقا، وهو ما يمنحها سحب تلك الإقامة من أي مقدسي لتسكين يهودي محله.
وتابعت قائلة «إن التمييز ضد الشعب الفلسطيني في غاية الوضوح، ويقوم على اساس ديني في المقام الأول، حيث يعاملون كفئة دون حقوق كونهم لا يتبعون الديانة اليهودية»، كما أكدت أن اللاجئ الفلسطيني أصابه أيضا نصيب منذ ذلك التمييز كونه لا يستطيع العودة الى أرضه مرة أخرى.
وأضافت أن اسرائيل تمارس أيضا نظام الابارتهايد على حاملي الجنسية الاسرائيلية من غير اليهود، موضحة أن معظم الدول والمنظمات الدولية لا تعترف بهذه الممارسة تجاه المواطنين، ولكنهم يعتقدون أن اسرائيل قد تصبح دولة ابارتهايد في سيناريو مستقبلي اذا لم تنسحب من الأراضي المحتلة، لافتة الى أنه في حقيقة الأمر فان المطلع على القوانين الاسرائيلية المطبقة على غير اليهود سيجد أن نظام الابارتهايد الذي نطبقه على المواطنين من غير اليهود هو الأسوأ والأخبث، مستشهدة بشهادات بعض من عانوا من الابارتهايد في جنوب أفريقيا والذين أكدوا أن ممارسات اسرائيل هي اسوأ بكثير من الابارتهايد الذي تم تطبيقه في جنوب أفريقيا، ذلك لعدة اسباب تاتي في مقدمتها ان الممارسات الاسرائيلية تعد ممارسات مبيتة وتحظى بدعم من قبل دول العالم الغربي التي تزعم أن اسرائيل دولة ديموقراطية، بينما يتجلى السبب الثاني ويصبح اكثر وضوحا في أقوال وزير الخدمات الاستخباراتية التي اشار من خلالها الى «أنه لا يوجد في النظرة الصهيونية ورؤيتها المستقبلية مكان لأي فلسطيني أو غير يهودي في فلسطين، وأن الهدف هو اخراج الجميع لإقامة دولة يهودية».
الجنسية والمواطنة
وحول الوضع الحالي في اسرائيل قالت إن القوانين صممت وخاصة الأساسية منها لاضطهاد غير اليهود، حيث تفرق تلك القوانين بين ما يسمى بالحالة الجنسية وبين المواطنة، موضحة ذلك بأن من لديه الجنسية فهو يتمتع بحقوق المواطنة مثل المسيحين والمسلمين، ولكن حقوق المواطنة تقتصر فقط على اليهود من حملة الجنسية، مشيرة إلى أن تطوير الاراضي والتمتع بأراضي الدولة والعديد من الحقوق الأخرى لا تمنح الا لليهود.
وبشأن ممارسة اسرائيل لهذا النظام وتبعاته على المنطقة أكدت أن القانون الدولي شدد على أن وجود دولة قائمة على هذا النظام يهدد الأمن والسلم الدوليين، لافتة إلى أن تأثير ذلك الوضع على عالمنا العربي يتجاوز تهديد الأمن حيث يعرض ذلك النظام الاسرائيلي مختلف دولنا العربية إلى مخاطر أكبر من ذلك، خاصة في ظل مدى إدرك الساسة الإسرائيليين أن الدولة اليهودية لن يتسنى لها البقاء إلا إذا استطاعت ان تحول البلاد المجاورة على شاكلتها إلى دول تميز بين مواطنيها على أساس الدين والمذاهب مما ينتج عنه احداث تقسيمات وصراعات دائمة في وطننا العربي، مشيرة إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي عرف الدولة اليهودية بأنها دولة للشعب اليهودي فقط، وهو ما يعني اقصاء أكثر من 4.5 ملايين غير يهودي والبدء في اجراءات التطهير العرقي لتحقيق الدولة المنشودة.
قضية أساسية
كما تطرقت إلى قضية التطبيع مع اسرائيل والفخ الذي يقع فيه بعض الدول العربية، خلافا لما يشعر به ويحمله أبناء الوطن العربي من رفض لهذا التطبيع، مدللة على ذلك بما تشير إليه آخر الاحصائيات بأن 85% من العرب مازالوا يرفضون اعتراف أي من دولهم بإسرائيل، بينما أوضحت الدراسة أن 75% منهم أيضا على الرغم مما تمر به بلدانهم من كوارث وحروب مازلوا يؤمنون بأن القضية الفلسطينية هي القضية الرئيسية لكل العرب.
دور عربي وبرلماني
وحول واجبات أبناء الوطن العربي تجاه تلك القضية، أشارت د.ريما إلى وجود محورين رئيسيين من الواجبات، حيث يتمثل الواجب الأول وهو القانوني في عدم التعامل مع نظام الابارتهايد الاسرائيلي سوء من ناحية الدول أو الأفراد أو القطاعات التجارية الخاصة، أما الواجب الثاني والمتمثل في الواجب الأخلاقي للقيام بأدوارنا لإزالة هذا النظام عبر العديد من الوسائل مثل مقاطعة جميع البضائع الاسرائيلية وسحب الاستثمارات، فضلا عن توعية المجتمعات حول أثر هذا النظام على الشعب الفلسطيني عبر الدراسات والمشاركات في المحافل الدولية، بالإضافة إلى جملة من الوسائل والسبل التي يمكن من خلالها بفضح جرائم النظام الاسرائيلي.