- الودرني: النظرية الفينومينولوجية تهدف إلى قراءة داخلية للنص لا تكترث فيها بأي سياق فالنص يمثل وعي الكاتب
- الدكان: المعنى يعد إرثاً كونياً وإنسانياً قبل أن يكون إرثاً فكرياً ولغوياً والنص الروائي من أسباب التغيير في المجتمعات
- السليمية: الأدب حقل المعاني المتعددة والنقد الأدبي هو أجمل أشكال التعبير عن تعدد المعنى والنقد يزدهر حيث تكون الحرية
- البناي: الكثير من موضوعات الفلسفة تقع تحت يد العلم ومعظم القوانين الفيزيائية تميزت بالسببية والحتمية
آلاء خليفة
مازالت محاضرات مهرجان «رحلة المعنى» والذي تنظمه مكتبة تكوين تتوالى بحضور عدد كبير من الأدباء والروائيين والمثقفين والنقاد من مختلف دول الوطن العربي، حيث استكمل المهرجان محاضراته لليوم الثالث على التوالي في الفترة المسائية يوم امس الأول بالجامعة الأمريكية في الكويت وبرعاية إعلامية من جريدة «الأنباء».
وقدم الجامعي والمترجم التونسي واستاذ اللسانيات وتحليل الخطاب والترجمة بالمعهد العالي للغات بتونس بجامعة قرطاج د.احمد الودرني محاضرة بعنوان «الكتابة الروائية والبحث عن المعنى» وذلك من خلال رواية «فئران أمي حصة» للكاتب الكويتي سعود السنعوسي.
وقال الودرني ان مصطلح «معنى» يخضع لتعريفات عديدة بالرغم من ان التعريف الرئيسي للمعنى يتجلى على صعيد التعريف، موضحا ان عبارة اكتساب المعنى والتي يمكن مقارنتها بعبارة اكتساب شكل العلامة تتوافق ومفهوم الادلال، اما عبارة اكتساب معنى فتنهض على العبارة الأولى «اكتساب المعنى» مع اضافة خصوصية هي «معنى بعينه» او دلالة بعينها يمكن النظر فيها من عدة زوايا كزاوية المضمون وزاوية القيمة، موضحا انه مثلما يمكن ان يتحقق اكتساب المعنى فإن ذلك الاكتساب يمكن ان يتعطل مما يفضي بنا ضرورة الى قضية اللامعنى والتي تقع في عمق قضية المعنى، لأنه لا يمكن ان نفكر في القاعدة وفي الإخلال بها خارج اطار المعنى والعلامة وتابع قائلا: ان اشكال الغموض المتعددة التي تصطدم بها عند الكلام على مغزى العبارة او المضمون المعبر عنه يمكن اختصارها في التمييز بين مضمون بالمعنى الذاتي ومضمون بالمعنى الموضوعي، لافتا الى الاختلافات في الطرح بين الفلاسفة وعلماء اللسان حول قضايا الادلال واللاادلال، ولكن من الأكيد ان المعنى يشكل لديهم جميعا قضية معرفية شائكة ذات صلة بمسائل الإدراك، مثلما يشكل لديهم قضية لسانية موصولة بملابسات القصد ومسائل العلامة، لذلك يمكن بشيء من الاختزال التوقف عند مدخلين الى دراسة المعنى تتمثل في المدخل اللساني والمدخل الفلسفي.
وتحدث الودرني عن الفينومينولوجيا موضحا انها في مجال الأدب تركز على الفاعل وتجليات وعيه للعالم في النص، لذلك فهي تهمل السياق التاريخي للأثر الأدبي ولصاحبه ولظروف الحافة بانتاج الأثر وقراءته، موضحا ان النظرية الفينومينولوجية تهدف الى قراءة داخلية للنص لا تكترث فيها بأي سياق، فالنص ذاته يقع اختصاره في تجسيد وعي الكاتب، فكل مظاهره الأسلوبية والدلالية يكون النظر فيها على انها عناصر عضوية ضمن كل مركب جوهره الجامع هو فكر الكاتب، ولمعرفة هذا الفكر فليس لن ان نرجع الى ما نعرفه عن الكاتب وحياته وتاريخه، ولكن علينا ان نرجع فقط على مظاهر الوعي كما تتجلى في الأثر ذاته.
ولفت الودرني ان مركز الاهتمام هو «الأبنية العميقة» لذلك الفكر والتي يمكن ان تتكشف في النص من خلال عبارات مطردة وأقوال الخيال ومن خلال الإمساك بتلك الأبنية نمسك بالطريقة التي كان يعيش بها الكاتب عالمه اي بالعلاقات الفينومينولوجية بينه باعتباره فاعلا وبين العالم باعتباره موضوعا.
وأردف قائلا: في الوقت الذي سعت فيه الفينومينولوجيا الى تجاوز كابوس التاريخ الحديث دخلت في حلقة تأملية، حيث ظل اليقين الذي تبحث عنه في زمن الشك الذي عصف بأوروبا فشمل الإنسان ذاته مجرد سراب يحسبه الظمآن ماء وهو ما اوقع هذه النظرية في المثالية واللا تاريخية.
وأفاد الودرني بأن رواية «فئران أمي حصة» للكاتب الكويتي سعود السنعوسي تحمل 3 تيمات (النار، الدم، الحلم) التي تحكم البنية الدلالية لهذه الرواية التي صمم معمارها بحرفية عالية، وقد اخترق الروائي التقاليد السردية المألوفة واحتفى بالخروج عن الخطية وأدار بإحكام لعبة السوابق واللواحق في جدلية خصبة ولود بين عالمي الحكاية والخطاب فكان التوازن بين التسجيل والتخييل، والتبيين والتعجيب، لذلك حضرت الأسطورة بثقلها على التيمات الرئيسية في الرواية التي تحولت الى بحث دؤوب عن المعنى المتشظي بين النص اللغوي والواقع التاريخي وانتظارات المتلقي فكانت رواية تحليلية بلا منازع.
حوارية المعنى
وانتقل الحديث الى الكاتب والناقد والأستاذ المشارك بكلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية د.محمد بن سعد الدكان، والذي تحدث عن «حوارية المعنى في شبكات التواصل الاجتماعي».
وأوضح الدكان ان العالم «باختين» يرى ان النص الروائي هو اكبر أسباب التغيير في المجتمعات وربط الأدب والنص بالحياة والمجتمع، مشددا على اهمية النص الروائي في تغيير الوعي وتغيير الحياة الاجتماعية في المجتمعات، لافتا الى ان الكثير من السلوكيات والأفكار والمعارف والعلوم انما صيغت من خلال جرعة الوعي التي تلقيها بعض النصوص الروائية العظيمة.
وأفاد الدكان ان العالم «باختين» صاغ مفهوم ان التجربة تصنع المعرفة بعدما خاض شوطا كبيرا من التجارب ولاقت أفكاره الكثير من الأسئلة الوجودية في المجتمع الروسي وغيره من المجتمعات.
وذكر الدكان ان الأفكار التي تصنع الوعي في حياة الناس هي الأفكار التي نشأت من واقع الناس وليس من خارج الواقع، مشددا على ان الأفكار والمفاهيم التي تنشأ من عمق الواقع الإنساني هي التي تصنع التغيير وتعطي للتغيير معنى آخر.
وفيما يخص الحوارية ووسائل التواصل الاجتماعي، أوضح الدكان ان الكثير من المعاني التي نبحث عنها في وسائل التواصل الاجتماعي موجودة بيننا وعلى أجهزتنا الذكية التي نتصفحها.
واشار الدكان الى ان المعنى يمثل إرثا كونيا وانسانيا قبل ان يكون ارثا فكريا ولغويا، مشيرا الى ان تلك المقاربة الموجزة تنهل من فكرة «الحوارية» وتعدد الأصوات التي قدمها الناقد الروسي ميخائيل باختين وهي اي «الحوارية» تعبر عن التبادل والتفاعل الخطابي والايديولوجي بين اطراف النظام عموما ـ نظام المجتمع، نظام الخطاب، نظام الحكاية.
وسلط الدكان الضوء على حوارية المعنى في شبكات التواصل الاجتماعي بداية من توصيف حوارية المعنى في ابعادها الثقافية والاجتماعية في هذه الشبكات عبورا الى محاولة توجيه بوصلة المعنى من التحيز الى الحياد ومن الذاتية الى الموضوعية وانتهاء بأخلاقيات المعنى الحواري في هذه الشبكات.
واشار الدكان الى ملامح الخلود للمعنى في الشبكات الاجتماعية والمتمثلة في انتعاش المعنى من الاستهلاك الى التجديد، وهجرة المعنى من المحلية الى العالمية، رقمنة المعنى المتمثلة في التقاليد الجديدة للمعنى، المعنى الجماهيري من الانتقائية الى الاجتماعية وظهور صناع المعنى.
وأشار الدكان الى مستوى المعرفة المتمثل في اضاءة المعنى في المعرفة (الحوار العلمي)، ونشر المعرفة (المناسبات العلمية) والمعنى وحوار الهويات العلمية، ولفت الدكان الى الجانب السلبي المتمثل في الحوارية وفقدان المعنى في وسائل التواصل الاجتماعي.
المعنى والخيال
من جانبها قدمت الناقدة العمانية منى السليمية في محاضرة حملت عنوان «حكايتي مع المعنى» مشيرة الى انها قرأت قصة قصيرة للأديب المغربي احمد بوزفور بعنوان «احمر كالدم ابيض كالحليب» والتي تقدم رؤية جديدة للعلاقة بين المعنى والخيال وتفرق بين النص وتأويله لافتة الى ان النص يقيم حاجزا بين الخيال والنص ويخبرنا بأن الخيال اهم من تفسيره او تأويله او حتى محاولة البحث عن معناه مهما بدا هذا الخيال غير منطقي او غير معقول، مشيرة الى الفارق بين صانع الخيال وصانع المعنى فهما لا يجتمعان في اللحظة نفسها فإما ان تصنع الخيال واما ان تصنع المعنى.
وذكرت السليمية ان النقد الأدبي يعلمنا أن المعنى ينتجه الكاتب ويصنعه القارئ الفطن الذي يمارس اعادة خلق معاني النصوص بتوليد قراءات جديدة، وتلك هي وظيفة النقد: البحث عن المعنى مهما كانت مناهجه وادواته
وحول حرية المعنى قالت السليمية: الأدب حقل المعاني المتعددة والنقد الأدبي هو اجمل اشكال التعبير عن تعدد المعنى، نظل نبحث عنه في ثنايا النص حتى نجده ولا تعادل سعادة العثور عليه اية سعادة اخرى، أليس النقد بعد كل شيء: اكتشافا؟
متابعة: وما الاكتشاف في حقيقته سوى العثور على معنى ما سواء أكان اكتشافا في النص او في المجرة لافتة الى اقتران المعنى بالحرية، تلك الحرية التي تمنحك الحق في ان توجد معناك الخاص بك للأشياء، معنى لا يشترط تشابها مع معاني الآخرين ويضبطها جميعا انها مهما تعددت لا يمكن ان تكون غير نهائية والا اصبحت ضربا من الفوضى كما يقول ناقد معروف.
وختمت السليمية قائلة: لو كان النقد لا يزدهر حيث لا تكون الحرية فان المرء لن يكون ناقدا ما لم يكن حرا موضحة ان الحرية النقدية لا تعيش منفصلة عن الحرية في سياقاتها السياسية والثقافية والاجتماعية والدينية الى ما لا نهاية من سلسلة الحريات المنقوصة في بيئاتنا.
عبقرية الطبيعة
من جانبه تحدث الناشط في نشر وتبسيط الفيزياء للجمهور العام يوسف البناي في محاضرته عن «عبقرية الطبيعة ومعنى الحياة» موضحا ان الحديث عن المعنى والوجود والوعي يندرج تحت العلم والسؤال حول المعنى يندرج تحت العلوم الإنسانية بشكل اكبر ولكن ما يميز الإجابة العلمية ان شخصية المجيب لا تهم لان العلم يتميز بصرامة منطقية شديدة واذا كانت هناك اجابة ستكون اجابة واحدة حقيقة نظرا لان العلم تجربة واذا ثبتت التجربة سيتحول الشيء الى حقيقة.
وأكد البناي ان النظريات العلمية لا تقتصر فقط على المعلومات انما تتضمن كذلك عاطفة شديدة وامورا تمس الوجود الإنساني مباشرة.
واردف البناي قائلا: ما معنى الحياة «او ما معنى وجودنا بشكل عام»، من الوهلة الأولى يبدو انه سؤال ينتمي الى حقل الفلسفة والفكر المجرد ولا علاقة له بالعلم لكن الكثير من موضوعات الفلسفة صارت تقع الان تحت يد العلم
وبالأخص علم الفيزياء موضحا ان معظم القوانين الفيزيائية تميزت بالسببية والحتمية.
ولفت البناي الى أن تلك النظرية شديدة الغموض المعروفة باسم «نظرية الكم» هي المرشح الأبرز لإعطاء بذور اجابات لهذا السؤال البشري الكبير.
موضحا ان الفيزياء كانت قبل ظهور «نظرية الكم» ترى الإنسان مجرد ترس من تروس الساعة الكونية التي تعمل بشكل اعمى منذ الأزل لكن بعد ثورة الكم انقلب كل شيء ويبدو ان ما نسميه «الواقع» غير موجود اصلا دون وعي الإنسان نفسه.
واستطرد البناي قائلا: وقد اعادت هذه النظرية لأذهاننا مذهب «وحدة الوجود» لكن بشكل علمي رصين قائلا: فهي يقربنا ذلك بطريقة ما الى معنى وجودنا نفسه؟
أمسية سردية
ختم اليوم الثالث لمهرجان تكوين «رحلة المعنى» بأمسية سردية قدمها كل من الكاتب والروائي الكويتي خالد تركي، والكاتبة الكويتية استبرق احمد، والكاتبة المصرية منصورة عزالدين وادار الأمسية الروائي الكويتي عبدالله الحسيني.