ليلى الشافعي
أدت ازمة انتشار فيروس كورونا الى اتخاذ الدولة الاجراءات الاحترازية للحد من انتشار المرض، وهناك مناطق معزولة ممنوع سكانها من الذهاب الى اعمالهم والتكسب بالمال.. فهل هذا الحجر يعتبر محرما شرعا؟
هناك من علماء الدين من يرى ان هذه اجراءات ضرورية ولابد منها، وهناك من يرى انه مادامت الجمعيات الخيرية لا تقصر وتوفر لهم البديل خشية على حياتهم من العدوى او نقل المرض‘ فهذا لا يعتبر حراما، واكدوا ان الدولة لم تقصر مع هؤلاء، ولنتعرف على آرائهم:
في البداية، يقول د.بسام الشطي: لا شك ان الدولة حريصة على صحة الناس، وهذا وباء منتشر، وهي ضامنة، فيجب عليها ان تتولى هذه المهمة، ودائما تقدم المصالح على المفاسد، وان كان هناك مفسدون تقدم المفسدة الاقل ضررا، وهناك عدد كبير من الوافدين ينتشرون بين الناس او بينهم مصابون وانت لا تعرف حجم المشكلة، وهذه احترازات، واكثر الدول الرأسمالية تقوم بذلك، فكيف لا يجوز للدولة اتخاذ هذا الحظر؟ واعتقد ان الخسارة الكل يتحملها وصحتك اولى وصحة الآخرين وهذه ازمة يجب ان نتحملها.
إجراء سليم
ويوافق د.راشد العليمي ما قاله د.بسام الشطي فيقول: ان القرارات التي اتخذتها الدولة كانت مراعاة لظروف الوباء المؤكد لانتشاره وتحقق وقوع المرض الخطير الذي تفشى عبر العالم كله، وليس في الكويت فقط، واضاف: اما قضية حظر العمل في المؤسسات الحكومية وكذلك في الجهات الخاصة ففيه دلالة وحكمة وفطنة من الدولة، وربما البعض يتساءل: متى الرجوع الى العمل؟ وهذا خاضع لقرار نابع من ولي الامر الذي انابت عنه وزارة الصحة مممثلا في وزير الصحة، فكان ان العمل في المؤسسات الحكومية تكون رواتب الموظفين موجودة، اما المؤسسات الخاصة فمنوطة بجهات العمل اي على اصحاب الشركات، والكثير كان يتساءل: كيف ندفع للعمالة رواتبهم وليس هناك عمل؟ وكانت القضية فيها مراعاة «لا ضرر ولا ضرار»، اي لا يتضرر العامل ولا يكون هاك ضرر على صاحب الشركة، لأنه لا يعلم متى ينتهي هذا الحظر، خاصة انه امتد من شهر مارس وربما يستمر الى اكتوبر المقبل،
فهناك ضرر وقع على العامل، وهناك ضرر وقع على صاحب الشركة، ونرى من اتخذ قرارا منصفا واعطاهم جزءا من الراتب او نصفه او ربعه حسب الاتفاق بينهم، او امروهم بان يذهبوا الى بلادهم، واذا رجعت الامور طيبة يعودون الى الكويت.
وتساءل العليمي: لكن من بقي في الكويت هل يتضرر؟ نعم، وكذلك يتضرر صاحب الشركة في هذا الجانب لو اعطاهم راتبا سيدخل بعد ذلك في الخسارة، ولكن هذا الامر تم حله من الدولة مع وجود المساعدات اليومية.
واكد ان ما اتخذته الدولة من اجراءات الحجر فيه مصلحة عظمى للحفاظ على صحة الجميع، خاصة ان هذا المرض ليس مرضا ظنيا انما هو مرض مؤكد الحدوث، ولقد سمعنا عن حالات وفاة كثيرة من هذا المرض، ولفت الى ان الدولة فتحت باب المساعدات للجان والجمعيات الخيرية بتوزيع الغذاء يوميا، فعلى الانسان ان يتحمل ويصبر في حياته حتى ترجع الامور الى طبيعتها ان شاء الله.
من جانبه، اكد الخطيب بوزارة الاوقاف د.احمد الكوس ان ما اتخذته الحكومة ـ وفقها الله لكل خير ـ من احترازات صحية وعزل مناطقي للضواحي والمناطق هو صيانة لسكانها من انتشار مرض كورونا، وقد سبقتنا بذلك العديد من الدول الاوروبية والعربية لاحتواء المرض. وقال د.الكوس: ان هذا العمل وان طالت مدته يتوافق مع هدي الكتاب والسُنة ومقاصد الشريعة الاسلامية، وقد انتشر الطاعون في عصر الصحابة رضي الله عنهم وعلى فترات متعددة بالتاريخ، وكانوا يمنعوهم من الخروج ويمنعون غيرهم من الدخول، فعن اسامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها واذا وقع بأرض وانتم بها فلا تخرجوا منها» (رواه البخاري).
وحدث ايضا كذلك في الكويت انتشار الطاعون وتوفي منها ثلثا شعبها مما دعاهم الى عمل الحجر الصحي، وهو شبيه ايضا بالعزل المناطقي، لذلك ما يتخذه ولاة الامور بالتشاور مع الاطباء والمسؤولين بوزارة الصحة امر مشروع ومتوافق مع الشريعة الاسلامية.
ولفت د.الكوس ان من كان يعمل من الموظفين او العمال في الحكومة فيجب عليها دفع الرواتب حسب العقود بينها وبينهم، اما من يعمل بالشركات والقطاع الخاص فأيضا توجد عقود بينهم توجب على اصحاب هذه الشركات والمؤسسات والمحلات دفع كامل رواتبهم، والحكومة ليست مسؤولة عنهم، واذا تكرمت ودفعت رواتبهم او اعانتهم فهذا تكرم منها ولا يجب عليها، ولكن للاسف هناك من اصحاب هذه الشركات من توقف عن دفع رواتب هذه العمالة وهذا لا يجوز شرعا، مما دعا الحكومة والجمعيات الخيرية الى تنظيم حملات خيرية لايصال السلات الغذائية، والخبز ودفع الايجارات لمن عجز وتوقف عن سدادها لظروف العمل، وهناك من العمالة من يعملون عند تجار الاقامات وهي العمالة السائبة وهؤلاء لا يعرفون ان دخولهم للبلاد وشراء الفيز والاقامات كانت بطرق خاطئة، لذلك حاليا صاحب الشركة وتاجر الاقامات لا يمكن ان يدفع لهؤلاء اي راتب، وهذا لا يجوز وحرام، فهو مسؤول عن استقدامهم وكفالتهم، لذلك اي عامل يتوفى او يمرض فصاحب الشركة مسؤول عنه وهو مسائل امام الله تعالى، ومن يتأذى او يموت فذنبه ليس بيد صاحب القرار لأن المسؤولين بذلوا ويبذلون جهودهم لحماية ارواح وصحة المواطنين والمقيمين، والحمد لله المستشفيات والمراكز الصحية مفتوحة للجميع وبرسوم رمزية.
توفير البديل
بدوره، يقول د.خالد المرداس: أمر الله عز وجل عباده بالسعي وراء ارزاقهم والبحث عن مصادر معايشهم لأنه من بذل الاسباب المشروعة والمأمور بها شرعا لتوفير المعايش ومستلزمات الحياة، قال الله تعالى (هو الذي جعل لكم الارض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور)، فجعل السعي في الارض وطلب المعايش امرا يغنيك عن سؤال الناس والتذلل لهم أعطوك او ردوك، فالارزاق ولله الحمد متوافرة من خلال كثرة الأعمال اليدوية والحرفية والمصنعية وغيرها، لذا قال الله تعالى (وجاء من اقصى المدينة رجل يسعى)، وقد ذكر هذا كثير من اهل العلم (القرطبي، ابن كثير، وغيرهما)، فالسعي مطلوب في كل وجوه الخير، من نصرة الأنبياء والمرسلين وصد الأقوام عن قتلهم او التربص بهم وكذلك في السعي والكسب والصدقة والإنفاق.
وأضاف د.المرداس: لا يجوز منع الناس عن الحصول على ارزاقهم ومصادر دخلهم وعيشهم الا بتوفير البديل لهم، وهذا ما حصل من خلال الدولة ومن المحسنين، وهنا يأتي دور لجان النفع العام في المساهمة في البذل لهم وسد حوائجهم مع بذل المال لهم ولو بالشيء اليسير، كذلك توفير الطعام والشراب، وهذا يعد من اسباب التكافل الاجتماعي والديني والقيمي، اما الحجر مع الاهمال دون رعاية ولا دراية ولا تفقد فهذا لا يجوز مطلقا، ولكن ولله الحمد نشاهد من خلال الشاشات ان الدولة وبعض المحسنين المتطوعين يبذلون لهم الطعام والشراب والكمامات وغيرها، وهذه ازمة تمر على الجميع ولو كان فيها من الاختلاف شيء بسيط ولكن الجميع عانى من هذا الفيروس، ومن توقف وتعطل الاعمال وهي فترة وتزول بإذن الله، وها نحن نرى الحجر قد بدأ يفتح شيئا فشيئا، والله خير حافظا، وهو ارحم الراحمين، لتعود الحياة بإذن الله الى طبيعتها.
وبسؤال عمن يموت وهو بالحجر، قال: الموت والحياة بيد الله سبحانه، فإن كانت الجهات المعنية تبذل ما في وسعها فهي مأجورة على هذا الاجتهاد، وان كانت مقصرة فهي مسؤولة بين يدي الله عز وجل عن هذا التقصير والاهمال ومسؤولة عن هذه الانفس وما يصيبها من اثم التقصير والكثير قد صابه من هذا الفيروس ما اصابه، اما مرض او وفاة وكل شيء مقدر ومكتوب مع ما يكون من بذل اسباب الصحة والحياة التي لمسناها من خلال توجيهات المسؤولين المستمرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته».
من جانبه، قال د.محمد الشطي: يعتبر الحجر الصحي من أهم الوسائل للحد من انتشار الأمراض الوبائية في العصر الحاضر، وبموجبه يمنع أي شخص من دخول المناطق التي انتشر فيها نوع من الوباء، والاختلاط بأهلها، وكذلك يمنع أهل تلك المناطق من الخروج منها، سواء أكان الشخص مصابا بهذا الوباء أم لا، لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه» (رواه البخاري).
وتابع: نعم الإسلام منع حبس الحيوان إذا لم يطعمه أو يدعه يأكل من خشاش الأرض، فكيف بمنع الإنسان والحجر عليه ومنعه من الطعام والشراب لا شك أنه يأثم ويحرم منعه من السعي للقمة العيش الكريم والبحث عن حاجاته الأساسية من الطعام والشراب وغيرها، دون أن يفتح لهم المجال للكسب الطيب والبحث عن الرزق الحسن، لكن المشاهد من الدولة فتحت لهم المستوصفات الصحية الميدانية، وسمحت لهم بفتح الجمعيات والأسواق المركزية، وفتحت المجال للجمعيات الخيرية لتقديم آلاف السلات الغذائية للعمالة المتضررة، ولم تمنع أحدا أن يأخذ ما شاء من الأطعمة والسلات الغذائية.
يبقى هل هناك من العمالة الفردية او الأسر المتضررة الذي يعتمد على الكسب اليومي لا يملك قوت يومه أو قوت شهره، هذا يحتاج إلى تقصي وسؤال أهل الميدان، ولذا نقترح على المؤسسات القائمة على حماية المناطق المحجورة أن يسمح لهم بالكسب اليومي بعد التأكد من سلامته من المرض أو حضانة الفيروس، لكي يستطيع سداد إيجاره الشهري، ويستطيع أن يرسل من ماله وراتبه الى أهله في الخارج.