فارس طلال المطيري كلية الحقوق - جامعة الكويت
يحمي المشرع بتجريم الصور المختلفة للرشوة نزاهة الوظيفة العامة، ويصون الأداة الحكومية مما يمكن أن يلحق بها من خلل وفساد نتيجة الاتجار في أعمال الوظيفة العامة، فالواقع أن صيانة الأداة الحكومية من الفساد يقتضي تعقب من يسيء من موظفيها استغلال وظيفته أو يتجر بنفوذه سواء أكان هذا النفوذ حقيقيا أم مزعوما، وذلك حرصا على نزاهة الوظيفة العامة، وحرصا على سلامة جهاز الإدارة الحكومية، وصيانة للمصالح العامة التي يشرف عليها الموظفون العموميون.
والرشوة تعد من أخطر الجرائم المخلة بحسن سير الأداة الحكومية، لما يترتب عليها من إخلال بالثقة بين الحاكم والمحكومين.
فالرشوة تؤدي إلى فقدان المحكومين للثقة في عدالة الأداة الحاكمة في الدولة ونزاهتها.
يضاف إلى ذلك أن الرشوة تؤدي إلى الإخلال بالمساواة بين المواطنين أمام المرافق العامة، حيث يحصل على خدماتها من يدفع المقابل للموظف العام، بينما يحرم من تلك الخدمات من لا يقدر أو لا يرغب في أداء هذا المقابل، ومن ثم تتعطل أو تهدر مصالحه.
ومن شأن ذلك إضعاف ثقة المواطنين في نزاهة وموضوعية الدولة ممثلة في موظفيها الذين أناطت بهم إدارة المرافق العامة، والرشوة تمثل انحرافا من الموظف العام بالوظيفة عن الغرض المستهدف من أدائها، وهو المصلحة العامة لتحقيق مصالح شخصية بحتة، والإثراء دون سبب مشروع على حساب أفراد يحتاجون إلى الخدمات العامة التي عهد إليه بتقديمها دون إلزام بأداء مقابل إليه.
وأخيرا يمكن أن نلاحظ أن الرشوة تخل بالمساواة بين الموظفين أنفسهم، إذ يحصل الموظف المرتشي مقابل أدائه لعمله على دخل يفوق ما يحصل عليه زميله غير المرتشي الذي يؤدي العمل ذاته، مما قد يدفع الأخير إلى تقليده، وبذلك يتفشى الفساد في الأداة الحكومية.
وتعد الرشوة من جرائم ذوي الصفة أي التي لا يتصور وقوعها إلا إذا توافرت في فاعلها الصفة التي يتطلبها القانون، وهي من هذه الناحية جريمة موظف عام لا يعقل أن يرتكبها غيره، وينبغي بالإضافة لذلك أن يكون هذا الموظف مختصا بالعمل الذي تلقى المقابل من أجل القيام به، وهكذا ينطوي الشرط المفترض اللازم لقيام الرشوة على عنصرين هما:
أولا: أن يكون الفاعل موظفا عاما، حقيقة أم حكما.
ثانيا: أن يثبت في حقه الاختصاص بالعمل الذي من أجله طلب المقابل، أو أخذه، أو قبل الوعد به.
يتحقق هذا الركن بسلوك إجرامي يرتكبه المرتشي، وينصب هذا السلوك حول موضوع معين، ويستهدف تحقيق غرض معين.
وقد جعل القانون من مجرد الطلب جريمة تامة ولو لم يصادف قبولا من الطرف الآخر، إذ إن الموظف الذي يعرض أعمال وظيفته سلعة لمن يدفع ثمنها لا يقل إجراما عمن يتم الصفقة بالفعل.
وفيما يتعلق بالفائدة محل الرشوة اتسعت نصوص الرشوة لتشمل كل فائدة مادية أو غير مادية، ومن صور الركن المادي، الطلب والأخذ والقبول.
والعقوبة الأصلية للموظف المرتشي هي الحبس مدة لا تجاوز 10 سنوات وللمحكمة أن تحكم بالغرامة بدلا من الحبس أو بالإضافة إليه.
تقرر المادة 35 آنفة الذكر عقوبة الغرامة وقد عينت حدها الأقصى بضعف ما أعطى الموظف أو وعد به، أما حدها الأدنى فهو خمسون دينارا فهذا النوع من الغرامات يعرف بالغرامة النسبية وهي الغرامة التي تتمشى مع الضرر الذي حدده المشرع فهي غرامة غير ثابتة في النص، ومع ذلك فإن على المحكمة عندما تصدر حكمها أن تحدد قيمة الغرامة ولا يقبل منها أن تحيل في تحديد مقدارها إلى ما هو ثابت في قرار الاتهام ذلك أن الحكم يجب أن يكون مستقلا بذاته وكافيا في تحديد عناصره.
يتوجب على المحكمة أن تحكم بمصادرة مبلغ الرشوة أو الفائدة العينية ذلك أن الفائدة غير المادية لا يتأتى ضبطها حتى يتيسر مصادرتها، وقد نصت المادة 35 من القانون رقم 31 لسنة 1970 على المصادرة بقولها يحكم في جميع الأحوال بمصادرة ما يدفعه الراشي أو الوسيط على سبيل الرشوة طبقا للمواد السابقة فإذا أعفى الراشي من العقوبة رد إليه ما يصادر مما دفعه.
وعلى ذلك يجب إعطاء سلطة تقديرية للقضاء للوقوف على خطورة جريمة الرشوة والاتجاه نحو تشديد العقاب بما يساهم في القضاء على هذه الجريمة وصورها.
كما يجب العمل على وجود توعية قانونية كتدبير احترازي لجميع المتعاملين مع المال العام والخاص من أجل وجود نوع من الوقاية نحو اقتراف مثل هذه الجريمة وصورها.
وكذلك تسوية وتشديد العقاب بالنسبة للمال الخاص مثل المال العام وذلك توفيرا للحماية القانونية مثل هذه الأموال التي يقبل على أساسها الرشوة.