يعد الأدب البوليسي أو الأدب «الجنائي» بمنزلة قصة او رواية قوامها اكتشاف رجل البوليس او المحقق او التحرّي جريمة تبدو وكأنها «كاملة».. حيث يصل المؤلف الى «الحلّ» بطرائق مشوقة تثير فضول القارئ، وتحبس انفاسه وتستثير عنده ملكة حل الألغاز.. وهذا بالفعل ما نلمسه في رواية حيكت في غاية الاتقان مسرحها الكويت، وتحمل عنوانا مثيرا «الجريمة القانونية» للروائي سليمان يعقوب الحشاش.. وصادرة عن دار المواسم، لبنان، العام 2021.
فمنذ بدايتها حتى ما بعد تنفيذ حكم الاعدام بأميمة المتهمة ظلما بقتل زوجها.. وعلى مدار 143 صفحة من الحجم المتوسط.. يحبس الروائي انفاس المتلقي بلغته الآسرة واسلوبه المحبك.. وسرده المشوق وحواره الغزير.. مستعينا بلعبة الألغاز والغموض والفرضيات والخيوط لمعرفة الجاني الذي ـ يا للمفارقة ـ قد أفلت من يد العقاب مع انه اقر للمحقق فواز في نهاية الرواية بفعلته السادية المتمثلة بقتل احمد زوج اميمة وتقطيع جثته إربا إربا.. مع سبق الاصرار والترصد!
ولم يترك الروائي العنوان من دون تشويق وإثارة.. إذ يطرح القارئ منذ البداية السؤالين الآتيين: كيف لجريمة ان تكون قانونية؟ وهل من جريمة غير قانونية؟
ولعل الإجابة جاءت على لسان المحقق فواز الذي عجز قانونيا عن توقيف المجرم على الرغم من اعترافه.. يقول فواز «الجريمة القانونية هي يدان فيها البريء ويبرأ فيها المجرم بسبب غياب ادلة كان سببها ضعفا في تطبيق القانون»
تدور احداث الرواية حول جريمة مروعة ذهب ضحيتها احمد زوج اميمة التي وجهت اصابع الاتهام لها بسبب تناقض رواياتها امام المحقق فواز.. فضلا عن بواعث محتملة ناتجة عن خلافات زوجية وطمع بثروة وتناقض العادات.. وما عزز ذلك ادلة متمثلة في وجود آثار دماء في سيارة اميمة وعجزها عن اقناع المحقق بمكان وجودها وقت الجريمة بعدما نفى حبيبها راكان وجودها عنده لحظة الجريمة!
وقاد التحقيق الى عدة فرضيات وعدد من المشتبه بهم امثال سارة عشيقة احمد.. وسعود الذي هدد احمد في ذات مرة بالقتل. وبعد التحقيقات والتحريات أدينت اميمة على الرغم من اتصالها، وهي موقوفة، براكان وطلبها منه قول الحقيقة انها كانت عنده.. بعدما طلبت من اختها ادخال التلفون خلسة!
ويبدو ان الجريمة تحولت الى قضية رأي عام بعدما نشر ابو احمد الخبر على «تويتر» وتفاعل معه الناس.
وأخيرا، ادينت اميمة واعدمت بعدما توسلت قائلة «لا تقتلوني.. لم أفعل شيئا يستحق القتل» (ص129).
ظن المحقق فواز انه انتصر وحقق العدالة.. لكن وا أسفاه.. لقد وقع في فخ «المجرم» الذي التقى به في سلوك مرضي غريب، وأقر له بجريمته.. وكيف انه استثمر حيلة قانونية تعد سر الرواية.. حينها قال له «كل ما شاهدته ايها المحقق.. قمت به متعمدا كي تشك في اميمة».
بقلم: أ.د.أنور عبدالحميد الموسى
الجامعة اللبنانية ـ بيروت