أيام الله تعالى، هي الأيام التي تظهر فيها نعمه، أو نقمه، و«عاشوراء» من تلك الأيام العظيمة، فإنه اليوم الذي أهلك الله عز وجل فيه فرعون وجنده، ونجى نبيه موسى عليه السلام وقومه، ممن آمن به وبرسالته، وقد أمر الله تعالى نبيه موسى عليه السلام بتذكير قومه بهذا اليوم العظيم، فقال سبحانه (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) أي قلنا لموسى عليه السلام ادعهم إلى الخير ليخرجوا من الظلمات إلى النور، من ظلمات الكفر والجهل والضلال، إلى نور العلم والإيمان والهداية، (وذكرهم بأيام الله) أي بأياديه ونعمه عليهم، في إخراجه إياهم من أسر فرعون وقهره وظلمه وغشمه، وإنجائه إياهم منه بإغراقه، وفلقه لهم البحر، وتظليله إياهم بالغمام، وإنزاله عليهم المن والسلوى، إلى غير ذلك من النعم، قال ذلك مجاهد وقتادة وغيرهما من أئمة التفسير.
وقد ثبت أن ذلك كان في يوم «عاشوراء» من الشهر المحرم، كما في الصحيحين من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة، رأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال «ما هذا؟» قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال عليه الصلاة والسلام «فأنا أحق بموسى منك، فصامه وأمر بصيامه».
أي يوم هو عاشوراء؟
قال ابن قدامة في المغني «فإن عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم»، وهذا قول سعيد بن المسيب، والحسن، لما روى ابن عباس، قال «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم يوم عاشوراء، يوم العاشر» رواه الترمذي وصححه الألباني، وهو قول جمهور العلماء.
فضل صيام عاشوراء
صيام عاشوراء كان معروفا قبل الإسلام، فقد روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت «كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه في الجاهلية، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه ومن شاء تركه»، ولعل أهل الجاهلية تلقوه من الشرائع السالفة، كشرع إبراهيم عليه السلام وغيره، وكانوا يعظمونه بكسوة الكعبة فيه وغيره، وصوم النبي صلى الله عليه وسلم كان بحكم الموافقة لهم كما في الحج، ولما قدم المدينة علم سبب صيامه، كما ذكر ذلك القرطبي والحافظ ابن حجر، وكان في أول الإسلام واجبا على الصحيح، فلما افترض رمضان كان هو الفريضة، وصار صيام عاشوراء على وجه الاستحباب، وجاء ما يدل على حرص النبي صلى الله عليه وسلم على صيام هذا اليوم، حتى بعد فرض رمضان، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره، إلا هذا اليوم ـ يوم عاشوراء، وهذا الشهر يعني شهر رمضان» رواه البخاري، ومعنى «يتحرى» أي يقصد صومه لتحصيل ثوابه وأجره.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في فضله «صيام يوم عاشوراء، إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله» رواه مسلم، وهذا من فضل الله علينا، أن أعطانا بصيام يوم واحد، تكفير ذنوب سنة كاملة، والله ذو الفضل العظيم.
استحباب صيام تاسوعاء مع عاشوراء
روى عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله، إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع» قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم، قال الشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق وآخرون «يستحب صوم التاسع والعاشر جميعا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صام العاشر، ونوى صيام التاسع».
وعلى هذا فيوم عاشوراء يجوز أن يصام وحده، والأفضل أن يصام التاسع معه، وكلما كثر الصيام في محرم كان أفضل وأطيب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل» رواه مسلم.
ولاستحباب صيام تاسوعاء مع عاشوراء حكمة، قال النووي: ذكر العلماء من أصحابنا وغيرهم في حكمة استحباب صوم تاسوعاء أوجها، أحدها: أن المراد منه مخالفة اليهود في اقتصارهم على العاشر، وهو مروي عن ابن عباس. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: نهى صلى الله عليه وسلم عن التشبه بأهل الكتاب في أحاديث كثيرة مثل قوله.. في عاشوراء: «لئن عشت إلى قابل لأصومن التاسع». وقال ابن حجر في تعليقه على حديث «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع»: ما هم به من صوم التاسع يحتمل معناه ألا يقتصر عليه بل يضيفه إلى اليوم العاشر، إما احتياطا له، وإما مخالفة لليهود والنصارى، وهو الأرجح، وبه يشعر بعض روايات مسلم.
مقتل الحسين رضي الله عنه
من الأحداث المؤلمة التي حصلت في يوم عاشوراء مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك في يوم الجمعة، سنة 61 للهجرة، بكربلاء من أرض العراق، وكان له من العمر 58 سنة، وكان هذا من المصائب العظيمة على الأمة الإسلامية، والتي يحزن المسلمون بسببها، ولكنهم لا يعملون إلا ما شرع الله سبحانه، وقد شرع لهم الاسترجاع عند المصيبة بقوله تعالى (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)، وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «ما من مسلم يصاب بمصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أؤجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها، إلا أجره الله في مصيبته وأخلف له خيرا منها»، قال شيخ الإسلام ابن تيمية «وكان قتله رضي الله عنه من المصائب العظيمة، فإن قتل الحسين، وقتل عثمان قبله كانا من أعظم أسباب الفتن في هذه الأمة وقتلتهما من شرار الخلق عند الله».
وإرشاد النبي صلى الله عليه وسلم أمته لصيام هذا اليوم، إنما كان شكرا لله على نجاة موسى عليه السلام وإهلاك فرعون، ولا علاقة لصيامه بمقتل الحسين رضي الله عنه أبدا، ولقد ضل في يوم عاشوراء فرقتان:
الفرقة الأولى: هي «النواصب»، وهؤلاء يفرحون ويحتفلون في يوم عاشوراء، ومن «أهل السنة» من أخطأ وروى، أو روي له أحاديث موضوعة في فضل الاغتسال والكحل والخضاب ونحوه، مما يعد من مظاهر الفرح والسرور، يعارضون به شعار أولئك القوم الذين يجعلونه مأتما، فعارضوا باطلا بباطل، وردوا بدعة ببدعة، كما قال أهل العلم.
الفرقة الثانية: بعض من يجعله مأتما، يضربون فيه الخدود، ويشقون فيه الجيوب، ويدعون بدعوى الجاهلية، ويضربون أنفسهم ضربا شديدا، بل بعضهم يجرح رأسه بسيف ونحوه حتى تسيل دماؤهم، ويدعون أنهم يفعلون ذلك حزنا على الحسين رضي الله عنه، وتنقل ذلك الفضائيات، وكأن هذه هي المحبة لآل البيت! وغيرهم ممن لا يعمل عملهم، غير محب لآل البيت! وهذا غير صحيح، فأولى الناس بآل البيت، هم الذين يراعون في محبتهم لهم شرع الله تعالى، وهذا من محاسن المسلمين.
قال الحافظ ابن كثير «فكل مسلم ينبغي له أن يحزنه قتل الحسين رضي الله عنه، فانه من سادات المسلمين وعلماء الصحابة وابن بنت رسول الله التي هي أفضل بناته، وقد كان عابدا وسخيا، ولكن لا يحسن ما يفعله الناس من إظهار الجزع والحزن، الذي لعل أكثره تصنع ورياء، وقد كان أبوه أفضل منه فقُتل، وهم لا يتخذون مقتله مأتما كيوم مقتل الحسين، فان أباه قتل يوم الجمعة، وهو خارج إلى صلاة الفجر، في 17 من رمضان سنة 40 هـ، وكذلك عثمان كان أفضل من علي عند أهل السنة والجماعة، وقد قتل وهو محصور في داره، في أيام التشريق من شهر ذي الحجة سنة 36 هـ، وقد ذبح من الوريد إلى الوريد، ولم يتخذ الناس يوم قتله مأتما، وكذلك عمر بن الخطاب، وهو أفضل من عثمان وعلي، قتل وهو قائم يصلي في المحراب صلاة الفجر، ويقرأ القرآن، ولم يتخذ الناس يوم قتله مأتما، وكذلك الصديق كان أفضل منه ولم يتخذ الناس يوم وفاته مأتما».
ورسول الله صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة، وقد قبضه الله إليه كما مات الأنبياء قبله، ولم يتخذ أحد يوم موتهم مأتما، ولا ذكر أحد أنه ظهر يوم موتهم وقبلهم شيء مما ادعاه هؤلاء يوم مقتل الحسين من الأمور المتقدمة، مثل كسوف الشمس، والحمرة التي تطلع في السماء، وغير ذلك.
بقلم د.محمد النجدي