- دستـور المدينــة كفل حريــة الاعتقاد وممارسة الشعائر والمسـاواة والعـدل لكـل فصائـل المجتمــــع
- أكدت الصحيفة على النصح والبر بين المسلمين وأهل الكتاب دون الإثم
- الصحيفة دستور وطني وميثاق للأمن والسلام والتعايش في ظل عدالة الإسلام وقيمه من خلال تحديد الحقوق والالتزامات المتبادلة بين الناس في الوطن الواحد
- رسمت نظرة عادلة في بيان حقوق المواطنة وواجباتها للمسلمين وغيرهم
- وثيقة سلام وميثاق لحفظ الوطن والأوطان وبيان لحقوق المواطنـة بين المسلمين وغيــر المسلمين
سبق النظام الإسلامي جميع الأنظمة في إعلاء قيم التسامح والتكافل والحرية ونصرة المظلوم وغيرها من القيم الحضارية التي يتغنى بها العالم في الوقت الراهن دون تفعيل جاد أو تطبيق فعال، وقد كانت صحيفة الرسول صلى الله عليه وسلم معلما للحضارة الإسلامية ولمجدها السياسي والإنساني وبإبرام الدستور أصبحت المدينة دولة وفاقية رئيسها الرسول صلى الله عليه وسلم وقد كفل دستور المدينة حقوق الإنسان، حول صحيفة النبي صلى الله عليه وسلم يحدثنا الأستاذ المساعد بقسم الدراسات الإسلامية بكلية التربية الأساسية د.بدر الرخيص فإلى نص الحوار:
دستور
لماذا كتب الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيفة؟
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأمل حين هجرته الى المدينة ان يستميل اليهود الذين بالمدينة الى دينه، لأنهم أهل كتاب قد بشّر بنبوّته، وهم إن لم يستجيبوا لدينه ويدخلوا فيه فلا أقل من ان يسالموه، ولا يكونوا مثل كفار مكة الذين اعترضوا دعوته، وحالوا دون نشرها بين الناس وكان اليهود من جهتهم يطمعون في ان يستطيعوا بحيلهم ومكرهم استمالة الرسول صلى الله عليه وسلم اليهم واحتواء دينه في دينهم وقد أعلن الكثير منهم الإسلام نفاقا، ودخلوا المسجد وأدوا الشعائر مع المسلمين وهم يظنون انهم يخادعون الله ورسوله وهو خادعهم. ونتج عن هذه المعايشة السلمية التي كانت بين المسلمين واليهود والطوائف المشركة الأخرى التي كانت في المدينة غير المسلمين واليهود ان قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابة صحيفة تكون بمثابة دستور بين هذه الطوائف يحكمها ويحفظ حق كل طائفة منها في أداء شعائرها بحرية تامة على ان تؤدي كل طائفة واجبات التعايش السلمي مع جيرانها في البلد الواحد فلا تساعد الأعداء عليها ولا تحالفهم ولا تجيرهم واعترفت هذه الصحيفة بأن المدينة المنورة قد أصبحت دولة صغرى لها كيانها وقوانينها وان النبي صلى الله عليه وسلم رئيس تلك الدولة وهو يجمع في يديه السلطتين الروحية والسياسية.
المواطنة
ما علاقة الصحيفة النبوية بالمواطنة؟
تعد هذه الصحيفة أول وثيقة في العهد النبوي تحقق معنى المواطنة وتحمي الأوطان وهي على الصحيح أول عمل قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هجرته الى المدينة حيث عزز المواطنة بين شعوب أهل يثرب في وضوح وجلاء للحقوق والواجبات التي رسمتها تلك الصحيفة محققة أعلى صورة للتعايش في الأرض الواحدة، وهذا العمل الذي يسمى الآن عند المعاصرين بدستور البلاد، ذلك الكتاب الذي أبرمه النبي صلى الله عليه وسلم بعد هجرته من مكة، حين قدومه يثرب ونزوله في قباء أول أيامه من السنة الأولى من الهجرة.
حماية الوطن
كيف رسخ الرسول صلى الله عليه وسلم التعايش مع أجناس متباينة ترسيخا لمفهوم المواطنة؟
أعلن الرسول صلى الله عليه وسلم تأسيس الدولة الإسلامية في وطن جديد وحدد قيادة واحدة كما عمل على توحيد شعوب يثرب بمشاربهم المختلفة عقائديا وعرقيا، اليهود من جهة والوثنيون من أهل يثرب من جهة أخرى، كما رسم قواعد حماية الوطن والذود عنه ضد كل الأخطار الداخلية والخارجية، وبين حقوق المواطنة وواجباتها في وحدة المجتمع المدني، والقارئ لكتاب الله تعالى يقف على آيات في السيرة النبوية جلية في تنزلاتها حيث سطرت معالم الوحدة الوطنية من خلال حياته صلى الله عليه وسلم وما تعلق الوطن به من جهة ربه الذي أوجد الأوطان والبلدان وحفظها من كل مكروه أو في نفسه صلى الله عليه وسلم أو أهله وأسرته ومجتمعه وشعبه والناس أجمعين، والذي يتصفح كتب السنة النبوية والسيرة النبوية الجامعة لحياته صلى الله عليه وسلم يرى كيف رسخ النبي صلى الله عليه وسلم مفهوم المواطنة والتعايش في الأرض الواحدة بين أجناس متباينة بعد ان هاجر الى يثرب التي سماها الله في كتابه بالمدينة وسماها نبينا محمد بـ «طيبة وطابا»، فطاب فيها العيش وتوطنت فيها المثل للتعايش بين الفرقاء، والذي يقتدى به في استتباب الأمن ومعرفة حقوق المواطنة وواجباتها.
التعايش السلمي
ما الذي تضمنته من بنود تحض على الوحدة الوطنية والتعايش السلمي؟
بينت الصحيفة طريقين لتعايش الناس معا في الأوطان، أحدهما حكم القوي للضعيف، والثاني التعاقد بين الناس بالمواثيق وهو ما يعرف بالدستور والقانون، ولولا وجود المعاهدات والمواثيق لما تحقق أي سلام اجتماعي ولا أي وحدة وطنية للفرقاء، فوثيقة المدينة نموذج واضح للتطبيق العملي للتعايش معا بسلام في وطن واحد، والإسلام يضرب أعلى الأمثلة والتجربة التاريخية للتعايش بين جميع المجموعات المختلفة دينية كانت أو قومية أو ثقافية أو لغوية من أول يوم قامت فيه دولة الإسلام على منهاج النبوة، وقد سارت على ذلك النهج الخلافات المتلاحقة في تأمين الأوطان باختلاف أديان شعوبها ومذاهبهم وثقافاتهم ليؤكدوا امكانية التعايش بأمان في ظل نظام الإسلام.
العام الأول للهجرة
ومتى وقع على الصحيفة أهل يثرب؟
الأرجح ان هذه الصحيفة كتبت ووقع عليها شعوب يثرب في العام الأول للهجرة وعند قدومه صلى الله عليه وسلم المدينة ونزوله في قباء عند بني عمرو بن عوف الاوسيين حلفاء اليهود وذلك قبل استدعاء أخواله بني النجار للنزول عندهم وقد قام محمد حميدالله في كتابه «مجموعة الوثائق السياسية في العهد النبوي» بترقيم فقراتها الى 52 فقرة.
التبليغ بها
وما واجب علماء المسلمين تجاه تلك الصحيفة؟
واجبهم تبليغها لأمم الأرض لتكون ميثاقا للأوطان في التعايش السلمي فهي لا تكشف عن التعايش بأمن وسلام والاعتراف بأديان الشعوب السماوية فحسب، بل ترسم لنا نظرة عادلة في بيان حقوق المواطنة وواجباتها، وهذه الحقوق ليست للمسلمين فحسب بل لهم ولغيرهم عند التزامهم بما حواه ميثاق هذه الصحيفة الرخيص ج2 أخير
وطن واحد
هل ما تنص عليه الصحيفة من حقوق المواطنة وواجباتها خاص بالمسلمين فقط؟
تعد هذه الصحيفة وثيقة السلام وعدم الاعتداء على الفرد والناس وهي ايضا ميثاق لحفظ الوطن والاوطان وبيان جلي لحقوق المواطنة وواجباتها بين المسلمين من جهة وبين المسلمين وغيرهم كاليهود في المدينة من جهة أخرى، فهي دستور وطني وميثاق للأمن والسلام والتعايش في ظل عدالة الاسلام وقيمه من خلال تحديد الحقوق والالتزامات المتبادلة بين الناس في الوطن الواحد.
المرجعية العليا
كيف بينت الصحيفة المرجعية العليا؟
في مادتين أكدت الصحيفة ان المرجعية العليا والرئاسة في الوطن الى الله ورسوله ففي مادة (16) «وانكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده (حكمه) الى الله عز وجل والى محمد صلى الله عليه وسلم»، وفي مادة (34) «وانه ما كان بين اهل هذه الصحيفة من حدث او اشتجار يخاف فساده، فإن مرده الى الله عز وجل والى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم»، ولا شك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان هو الامام والقائد في بناء وحدة هذا المجتمع وكانت اليه زمام الامور بلا نزاع.
الله ورسوله
واذا حدث نزاع فلمن تكون المرجعية العليا؟
الآية الكريمة تقول (يا أيها الذين آمنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير واحسن تأويلا) فعند النزاع لابد من الاستجابة لاوامر الله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من الحق، وطاعة ولاة الامر في غير معصية الله فان اختلفوا في شيء فلابد من الرجوع الى كتاب الله وسنة رسوله فالرد الى الكتاب والسنة خير من التنازع وقد رجع اليهود الى النبي صلى الله عليه وسلم في جريمة الزنى فحكم بينهم بالرجم كما هو عندهم ايضا في التوراة.
ثلاثة أصناف
ما أنواع الطوائف التي تعامل معها الرسول في المدينة؟
الذين قابلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة كانوا على ثلاثة اصناف تختلف احوال كل صنف منها بالنسبة الى الصنف الآخر اختلافا واضحا، وكان يواجه بالنسبة الى كل صنف منها مسائل عديدة غير المسائل التي كان يواجهها بالنسبة للصنف الآخر وهذه الاصناف الثلاثة هي: الصحابة الصفوة الكرام البررة رضي الله عنهم، والمشركون الذين لم يؤمنوا بعد وهم من صميم قبائل المدينة واليهود.
أمة واحدة
كيف تم اعلان الوحدة الوطنية رغم وجود اختلافات عرقية ودينية في المدينة؟
تضمنت الصحيفة انهم امة واحدة من دون الناس وان يهود بني عوف امة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم الا من ظلم وأثم فإنه لا يولغ الا نفسه واهل بيته كما نصت على ان موالي ثعلبة كأنفسهم مادة (21) وان بطانة يهود كأنفسهم مادة (22) وهذا هو الذي يعطي التلاحم ويعمل على ذوبان الفوارق من خلال الارتباط بالوطن الواحد والتأكيد على انهم امة واحدة مع وجود اختلافات عرقية ودينية واحترام الاديان السماوية وانهم داخلون في الوطن الام، والظالم لا يهلك الا نفسه.
كيف حققت الصحيفة حق الامان للمسلم وأهل الذمة؟
جاء في الصحيفة احترام امان المسلم والذمى وهو الاصل الاخلاقي، فلأي مسلم الحق في منح الامان لاي انسان ومن ثم يجب على جميع افراد الدولة، ان يحترموا هذا الامان وان تجير من اجار المسلم ولو كان المجير احقرهم، كما نصت على رعاية اهل الذمة والاقليات غير المسلمة والمعاهدين فلهم حق النصرة على من اعتدى عليهم بغير حق سواء من المسلمين او من غير المسلمين من داخل الدولة او من خارجها.
القبائل التي التزمت بالصحيفة
أورد ابن هشام نصوص هذه الصحيفة وعدد أسماء القبائل التي التزمت بها ومنه نقتبس بعض السطور:
بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه وسلم بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم، انهم امة واحدة من دون الناس، المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم، وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين، وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم، وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف» وعدد الرسول صلى الله عليه وسلم وسلم قبائل المؤمنين على هذا النمط، ثم قال «وإنه لا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه، وان المؤمنين المتقين على من بغى منهم او ظلم او اثم، وان ايديهم عليه جميعا، ولو كان ولد احدهم، ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر ولا ينصر كافرا على مؤمن، وان ذمة الله واحدة».