بقلم: د. وليد العلي
إن من أشرف الأدعية التي يتقرب إلى الله تعالى بها الداعي، وأجمع المباني وأنفع المعاني التي يسعى في تحصيلها الساعي: ما أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأدعية الصحيحة، التي هي من جوامع الكلام الذي تجود به القريحة.
وإن من هذه الدعوات النبوية الشريفة، وهذه الكلمات الشافية الكافية المنيفة: ما أخرجه أحمد عن عمران بن حصين رضي الله عنه: «أن حصينا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، لعبدالمطلب كان خيرا لقومه منك، كان يطعمهم الكبد والسنام، وأنت تنحرهم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقول له، فقال له: ما تأمرني أن أقول؟ قال: قل: اللهم قني شر نفسي، واعزم لي على أرشد أمري. قال: فانطلق فأسلم الرجل، ثم جاء فقال: إني أتيتك فقلت لي: قل: اللهم قني شر نفسي، واعزم لي على أرشد أمري، فما أقول الآن؟ قال: قل: اللهم اغفر لي ما أسررت وما أعلنت، وما أخطأت وما عمدت، وما علمت وما جهلت».
فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم قني شر نفسي»: فيه الاستعاذة والاستجارة من شر النفس التي هي منبع الفساد، حيث ابتليت وامتحنت وجبلت على الظلم والجهل نفوس العباد.
ولم يسلم من ذلك إلا من ارتدى العدل واتزر بالعلم من العبيد، وهم الذين آمنوا بالله تعالى واتقوه حق تقاته وقالوا القول السديد، قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا).
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «واعزم لي على أرشد أمري»: فيه عزيمة مسألة الهدى والسداد، إلى طريق الصلاح وسبيل الرشاد.
والرشد هو تصلب الاستقامة على طريق الحق، والثبات عليه مع الإخلاص والمتابعة والصدق.
ومن ابتلي بالتكبر عن الحق أو امتحن بالغفلة عنه: صرف عن سبيل الرشد إلى سبيل الغي وأدنى منه، قال الله تعالى: (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين).
لكل امرئ منا نفوس ثلاثة
يعارض بعضها بعضا في المقاصد
فنفس تمنيه وأخرى تلومه
وثالثة تهديه نحو المقاصد
فمن تأمل منكم مأثور الدعاء المنيف، الوارد بهذا الحديث النبوي الشريف: دله على أن حق الله تعالى على عبده هو الاستقامة، كما يدله على أن حق المسلم على أخيه هو السلامة.
فإذا وقي العبد شر نفسه فقد عبد ربه على بصيرة، وإذا ألهم أرشد أمره فقد أمنه الناس من كل جريرة.
وتأملوا حال أبي بكر الصديق رضي الله عنه الذي تبوأ نزل الكرامة، فهو يدعى على رؤوس الأشهاد من أبواب الجنة الثمانية يوم القيامة: كيف علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم سؤال الاستقامة والسلامة؟
فعن أبي راشد الحبراني رحمه الله تعالى قال: «أتيت عبدالله بن عمرو بن العاص فقلت له: حدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فألقى بين يدي صحيفة، فقال: هذا ما كتب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنظرت فيها، فإذا فيها: إن أبا بكر الصديق قال: يا رسول الله، علمني ما أقول، إذا أصبحت وإذا أمسيت، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر، قل: اللهم فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، لا إله إلا أنت، رب كل شيء ومليكه، أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر الشيطان وشركه، وأن أقترف على نفسي سوءا، أو أجره إلى مسلم» (أخرجه أحمد والترمذي).
الخطايا: هي التي اكتسبوها بقصدهم إليها وبعمدهم إياها، والجهل: ما عمل بقصد إليه مع المعرفة به، والجناية على النفس بالدخول فيه وعمله.
اللهم إنا نعوذ بك من الكسل والهرم والمأثم والمغرم.
فالزم يا عبدالله هذا الدعاء وأنت مستقين بأن ربك لدعائك مجيب، وأنه يخاطبك بقوله تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون).
نفعني الله وإياكم بهذا الدعاء، وفتح لإجابته أبواب السماء.أهدى «الإيمان» الإمام والخطيب بمسجد الدولة الكبير الشيخ الداعية د.وليد العلي بـ 30 مقالا أسبوعيا يشرح فيها طائفة مباركة من الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم على أن نمتعكم كل أسبوع بها.