بقلم: أ.د.وليد محمد عبدالله العلي استاذ الشريعة والدراسات الاسلامية بجامعة الكويت وإمام وخطيب المسجد الكبير بدولة الكويت [email protected]
إن من تأمل فساد أحوال العالم عموما وخصوصا وجد منشأ هذا الفساد عن أصلين:
الأصل الأول: الغفلة، فغلة القلب تحول بين العبد و تصور الحق ومعرفته والعلم به، وعاقبة هذه الغفلة ان يكون صاحبها من الضالين.
الأصل الثاني: الهوى، فهوى الجوارح يصد عن قصد الحق وارادته واتباعه، وعاقبة هذا الهوى ان يكون صاحبه من المغضوب عليهم.
ومن أنعم الله تعالى عليهم: فهم الذين منّ الله تعالى عليهم بمعرفة الحق علما والانقياد اليه وايثاره على ما سواه عملا، وهؤلاء هم الذين على سبيل النجاة، ومن سواهم على سبيل الهلاك، ولهذا أمرنا الله سبحانه ان نقول كل يوم وليلة عدة مرات: (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين).
وان العبد مضطر كل الاضطرار الى ان يكون عارفا بما ينفعه في معاشه ومعاده، وان يكون مؤثرا مريدا لما ينفعه، مجتنبا لما يضره، فبمجموع هذين يكون قد هدي الى الصراط المستقيم، فإن فاته معرفة ذلك: سلك سبيل الضالين، وان فاته قصده واتباعه: سلك سبيل المغضوب عليهم، وبهذا يعرف قدر هذا الدعاء العظيم وشدة الحاجة إليه وتوقف سعادة العبد في الدنيا والآخرة عليه.
فالعبد مفتقر الى الهداية في كل لحظة ونفس في جميع ما يأتيه ويذره، فانه بين امور لا ينفك عنها، فهو محتاج الى هداية الصواب فيها، وأمور يعتقد انه فيها على هدى وهو على ضلالة ولا يشعر، فهو محتاج الى انتقاله عنها بهداية من الله، وأمور قد فعلها على وجه الهداية، وهو محتاج الى ان يهدي غيره اليها ويرشده وينصحه لأن الهداية للغير وتعليمه ونصحه يفتح للهادي المعلم الناصح باب الهداية، فإن الجزاء من جنس العمل، فمن هدى غيره وعلمه هداه الله وعلمه، فيصير هاديا مهديا، كما في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين».
فسألوا ربهم تبارك وتعالى: ان يجعلهم مؤتمين بالمتقين مقتدين بهم، لانه لا يكون الرجل اماما للمتقين، حتى يأتم هو بالمتقين، فهذا هو الوجه الذي ينالون به هذا المقصد المطلوب، وهو اقتداؤه بالمتقين من قبلهم، فيجعلهم الله تعالى أئمة للمتقين من بعدهم.
والله سبحانه وتعالى قد أخبر: أن الإمامة في الدين: إنما تنال بالصبر واليقين، فقال تعالى: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون)، فالصبر الذي هو احد الاسباب وأولها لبلوغ رتبة الإمامة في الدين: إنما يكون بتحقيق ثلاثة أمور: الصبر على اداء فرائض الله تعالى والصبر على اجتناب محارم الله تعالى والصبر على قضاء وقدر الله تعالى.
واما اليقين الذي هو ثاني الاسباب الذي تنال به رتبة الإمامة في الدين فإنما يكون بالتصديق بالأخبار التي جاءت بها الشريعة الاسلامية، تصديقا لا يخالطه ريب ولا شك. فمن جمع بين الصبر واليقين فقد ظفر بنيل الإمامة في الدين، ومن فقدهما أو أحدهما فقد سلب هذه الإمامة.