رئيس قطاع افريقيا في «الرحمة العالمية» سعد العتيبي يقول: المواقف التي تحصل معنا في الميدان الإغاثي كثيرة وايضا مع اصحاب الايادي الخيرة، ففي رمضان عام 1433هـ وبالتحديد في الصومال الذي شهد مأساة القرن الافريقي وصلت الى مقديشو في ظل الازمة الصومالية الأمنية، وكنا اول منظمة خيرية كويتية تتواجد هناك، وكنت احرص على سماع قصص ومشاهدات ناس اصابهم القحط والجوع ونقص في الاموال والأنفس والثمرات، وكانت قصصهم عبرا نحتاج ان نتفكر فيها، فقد ابدل الله حالهم واصبحوا مشردين بعد ان كانت لهم ديار وماتت الماشية واصابهم القحط وفقدوا الزرع، وكان الموت يحصد الانسان بشكل يومي، وما زلت اذكر ذلك الأب الذي كان متواجدا في المخيم الطبي الذي اقمناه في العاصمة مقديشو، فلقد التقيت به وقد وضع ابنه بين يديه الذي كان مصابا بضعف شديد وهزال، وكانت تملأ وجهه الفطريات وكان مقبلا على الموت، قلت له: هذا بلاء من الله سبحانه، فاصبر واحتسب الأجر من الله وبإذن الله سيشفي الله ابنك، فقال وعينه تدمع: انا اتمنى فقط ان يحفظ الله ابني وألا يموت بين يدي، مستعد ان يبقى هكذا ولكن لا اريد ان افقده، يا الله يا له من مشهد ابوي كريم لم استطع ان اتكلم معه سوى انني استمررت في الدعاء له ولابنه.
وهذه المرأة العجوز تقول لي وقد اصابها الوهن ما الله به عليم: كنت املك الكثير من الماشية وماتت جميعها، وتنتشر في الشوارع الكثير من الحيوانات التي لم يعد واضحا منها الا عظمها ويستخدمها البعض للتنقل، وايضا لم اجد مبنى لم يصبه الدمار جراء الاحداث الدموية التي كانت تجري بين بعض القوات المناوئة للحكومة المركزية، فها هو مدير مكتبنا يخبرني قبل مغادرتي الفندق بانه قد تم تنفيذ عملية تفجيرية بالفندق الذي كنت اسكن فيه وتسبب في قتل اربعة وزراء في الحكومة الصومالية وعدد كبير من الحضور، حقا انها مآس تدمي القلب قبل العين.
ونحن بين ما نشهده من جوع يقتل الاطفال ومنهم سقيم يقتل الابرياء واحسست خلال تواجدي في مقديشو واثناء مرورنا بالطرق المليئة بالحفر بنعمة الطرق التي نمشي عليها والممهدة لمرور السيارات، لذلك كنا نحتاج سيارة جيب كبيرة لتسهل علينا النقل بين اهل الحاجة، ربما يقول البعض: ما الذي يدفعكم للذهاب الى هناك؟ وهل هناك سر لوجودكم في عمق الازمة؟ فأقول: لا يخفى عليكم الاجر من الله سبحانه وهو بلا شك عامل مهم ودافع اساسي ليجعل العاملين في العمل الخيري يجتازون الصعاب والمخاطر ليصلوا الى هناك رغبة منهم في صناعة البسمة على وجوه الآخرين، وهي فن لا يتقنهه الا اصحاب القلوب الرحيمة، وقد تجسدت امامي في شخص اخينا عبداللطيف الهاجري- رحمه الله- الذي علمني هذا المعنى الجميل الذي يصف روحه النقية، فرحمك الله يا ابا عبدالرحمن.