بقلم: أ.د.وليد محمد عبدالله العلي استاذ الشريعة والدراسات الاسلامية بجامعة الكويت وإمام وخطيب المسجد الكبير بدولة الكويت [email protected]
إن الظلم عند الله عز وجل يوم القيامة له دواوين ثلاثة: ديوان لا يغفر الله منه شيئا، وهو الشرك به، وديوان لا يترك الله تعالى منه شيئا، وهو ظلم العباد بعضهم بعضا، فإن الله تعالى يستوفيه كله، وديوان لا يعبأ الله به، وهو ظلم العبد نفسه بينه وبين ربه عز وجل، فإن هذا الديوان أخف الدواوين وأسرعها محوا، فإنه يمحي بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية والمصائب المكفرة ونحو ذلك، بخلاف ديوان الشرك: فإنه لا يمحى إلا بالتوحيد، وديوان المظالم لا يمحى إلا بالخروج منها إلى أربابها واستحلالهم منها.
ولما كان الشرك أعظم الدواوين الثلاثة عند الله عز وجل: حرم الجنة على أهله، فلا تدخل الجنة نفس مشركة، وإنما يدخلها أهل التوحيد، فإن التوحيد هو مفتاح بابها، فمن لم يكن معه مفتاح: لم يفتح له بابها، وكذلك إن أتى بمفتاح لا أسنان له فلن يمكن الفتح به.
وأسنان هذا المفتاح: هي الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وبر الوالدين، فأي عبد اتخذ في هذه الدار مفتاحا صالحا من التوحيد، وركب فيه أسنانا من الأوامر، جاء يوم القيامة إلى باب الجنة ومعه مفتاحها الذي لا يفتح إلا به، فلم يعقه عن الفتح عائق، اللهم إلا أن تكون له ذنوب وخطايا وأوزار لم يذهب عنه أثرها في هذه الدار بالتوبة والاستغفار، فإنه يحبس عن الجنة حتى يتطهر منها، وإن لم يطهره الموقف وأهواله وشدائده، فلابد من دخول النار ليخرج خبثه فيها ويتطهر من درنه ووسخه، ثم يخرج منها فيدخل الجنة، فإنها دار الطيبين لا يدخلها إلا طيب، قال سبحانه وتعالى: (الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون).