مازلنا في رحاب سورة طه والسمة البارزة فيها وهي بيان العناية الالهية والرعاية المحيطة بالنبيين، وفي السورة معان تربوية رائعة فيقول تعالى (الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا) أي جعلها الله مهدا مستوية ولم يجعلها كلها جبالا او براكين لكي يسهل لنا السير عليها ومن رحمته ان انزل من السماء ماء (فأخرجنا به ازواجا من نبات شتى) ونحن لم نكتشف عشر الكون مثل سبب نزول المطر ومنشئه وينتج عن هذا المطر انواع النبات المختلفة.
(كلوا وارعوا أنعامكم) الله أخرج لنا ما نحتاج اليه في معيشتنا وما يعود علينا بالنفع المادي والمعنوي، فيجب ان نحيي القلوب بالتدبر في آيات الله.
أطوار الأرض
(منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى) هناك ثلاثة أطوار، الأول: انه سبحانه خلق بني آدم من الأرض، والثاني: انه يعيدهم فيها، والثالث: أنه يخرجهم منها مرة أخرى.
جريمتان
(ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى) جريمتان، حيث كذب فرعون بآيات الله وعاند وكفر بها، وبعد ان بين الله تعالى لفرعون عن طريق سيدنا موسى عليه السلام البراهين الربانية كان جواب هذا الجبار (قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى) يقول الله تعالى مخبرا عن فرعون حينما أراه موسى الآية الكبرى وهي القاء عصاه فصارت ثعبانا عظيما ونزع يده من تحت جناحه فخرجت بيضاء من غير سوء، فقال هذا سحر جئت به لتسحرنا وليتبعك الناس، فهذه قضية الملك والسيادة.
التحدي
(فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى) فإن عندنا سحرا مثل سحرك فلا يغرنك ما انت فيه فاجعل بيننا وبينك موعدا أي يوما نجتمع فيه نحن وانت وكان موعدهم يوم الزينة وهو يوم من أعيادهم وتفرغهم من أعمالهم.
المواجهة
(فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى) يقول الله عز وجل مخبرا عن فرعون انه لما تواعد هو وموسى عليه السلام على وقت ومكان معلومين تولى أي شرع في جمع السحرة والأعوان والناس.
ثم ينقلنا الله تعالى لمشهد المواجهة بين موسى والسحرة، فأتى موسى مع أخيه هارون وفي المقابل سحرة فرعون.
(قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى) قال لهم موسى مخاطبا السحرة (ويلكم) حذرهم من عذاب الله (فيسحتكم ) أي يهلككم بهذا العذاب.
(فتنازعوا أمرهم بينهم وأسروا النجوى) فتشاجروا فيما بينهم، فقائل يقول هذا ليس بكلام ساحر انما هذا كلام نبي، وقائل يقول بل هو ساحر وقيل غير ذلك.
أهل الباطل
(قالوا ان هذان لساحران يريدان ان يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى) يريدون ان يتفقوا على كلمة المادية التي تسيطر على عقول أهل الدنيا.
(فأجمعوا كيدكم ثم ائتوا صفا وقد أفلح اليوم من استعلى) اليوم سيحدد فيه إما نحن وإما موسى، فجاء السحرة صفا واحدا لاسترهاب موسى واظهار قوتهم أمام الناس وما علموا ان نصير موسى رب العالمين، يقول الله تعالى مخبرا عن السحرة حين تواجهوا مع موسى عليه السلام انهم قالوا لموسى (إما أن تلقي) أي انت اولا، قال موسى بل ألقوا، حتى يظهر للناس أعمالهم.
حقيقة السحر
(قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل اليه من سحرهم أنها تسعى) خيل اليه انها تسعى فأوحى اليه الله ان (ألق ما في يمينك) يعني عصاك فاذا هي (تلقف ما صنعوا)، وقال تلقف ولم يقل تأكل للدلالة على السرعة (إنما صنعوا كيد ساحر) هذه الحقيقة الربانية التي طمأن الله بها موسى عليه السلام.
كيف تحتمي من السحرة؟
(ولا يفلح الساحر حيث أتى) آيات الله اعظم من أي سحر، وهذه هي الثقة بالله تعالى والحرص على الأخذ بآيات الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وهي المنجيات، (فألقي السحرة سجدا) من لحظات كانوا يتناجون وعندما رأوا ان العصا تحولت الى ثعبان اول ما اقدموا عليه ان سجدوا ولما رفعوا رؤوسهم من السجود (قالوا آمنا برب هارون وموسى) كانوا سحرة وأصبحوا بررة.
سؤال معاند
(قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر) قال فرعون آمنتم ولم يقل لماذا آمنتم؟ سؤال معاند وهو اول من يعلم انها كذبة، اي انتم اخذتم السحر عن موسى.
أشد العذاب
(فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل) هذا العذاب يريد ان يخوفهم فرعون به وتحداهم انا باق لاعذبكم ولكن عندما يدخل الايمان الحقيقي القلب يتحول الانسان من مؤمن الى داعية (فاقض ما أنت قاض) أي افعل ما شئت، (انا آمنا بربنا)، معلنين توبتهم امام الملأ (والله خير وأبقى) ردوا على فرعون بأن الله هو الحي الذي لا يموت.
(إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا) يحذر السحرة بعد أن آمنوا واصبحو بررة من نقمة الله وعذابه الدائم وان الذي يلقى الله يوم القيامة وهو مجرم (فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا).