التعبير غير الفكر أو التفكير، بل التعبير فرع الفكر، فحرية التفكير أعم من حرية التعبير، فقد يخلو التفكير عن التعبير، ولكن التعبير لا ينفك عن التفكير والفكر، فالتعبير وسيلة الفكر والتفكير أو هو الإفصاح عن الفكر، وكل أنواع الحرية مرجعها إلى الحرية الفكرية، فالحرية الدينية والسياسية وحرية التنقل والتملك والعمل وحرية الرأي والتعليم والتعلم إلى غير ذلك من الحريات سواء الشخصية أو المعنوية كلها تنتمي إلى حرية التفكير بنوع انتماء، وأخصها ما نحن بصدده، وهو حرية التعبير، ويمكن أن تكون حرية التعبير مساوية لحرية الرأي، فحرية الرأي تعني حرية التعبير عن الرأي، فللإنسان حرية الرأي أي أن يعبر عن رأيه نطقا أو بأي وسيلة تعرف، فالرأي كامن حتى يعبر عنه، ولا نبعد عن الصواب إن اعتبرنا حرية التعبير والرأي شيئا واحدا فالمفهوم والضوابط واحدة.
والاستعمال الشائع لا يفرق بينهما وإن كان بينهما فارق يسير - كما سبق آنفا -.
وهذا الحق يشمل جانب السلب أي أنه لا يجبر أي شخص على الكلام إذا اختار ألا يتكلم. وبهذا فإن الحق في التعبير يشمل الجانب الإيجابي وهو الكلام، والجانب السلبي وهو الصمت. وهذا الحق لصيق بالإنسان باعتباره كائنا بشريا وهو حق اجتماعي إذ بدونه لا يمكن للإنسان أن يتواصل مع غيره من البشر فلا يستطيع نقل أفكاره، ولا يستطيع تلقي آراء غيره.
وقد عرف مجمع الفقه الإسلامي حرية الرأي والتعبير بأنها: تمتع الإنسان بكامل إرادته في الجهر بما يراه صوابا ومحققا النفع له وللمجتمع، سواء تعلق بالشؤون الخاصة أو القضايا العامة.
ويكمل التعريف ويضبط أن لو أضفنا إليه «على ألا يصادم نصا أو قاعدة أو مبدأ شرعيا». لأنه عند المصادمة لا يعتد به وليس هو من حرية التعبير المعتبرة.
وقد شرع النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه التعبير عن آرائهم متى طلب ذلك منهم، وربما بادروا بالرأي بل والحكم الشرعي، وخاصة في المواقف العملية وهذا نوع اجتهاد بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو جائز وهو الرأي الراجح من خلاف الأصوليين في اجتهاد الصحابة بحضرته صلى الله عليه وسلم.
والاجتهاد والشورى في صلب حرية الرأي وحق التعبير. بل كانت المواقف العديدة لحرية الرأي هي التأصيل الشرعي فيما بعد لمبدأي الشورى والاجتهاد.
وقد استشار النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة في الخروج لمواجهة مشركي مكة، في معركة أحد وكان رأيه ورأي كبار الصحابة عدم الخروج، ورأي الشباب ومن معهم الخروج، فنزل على هذا الرأي وخرج.
وفي بدر لما نزلوا عند أول بئر سأله الحباب بن المنذر قائلا: «يا رسول الله أمنزلا أنزلكه الله فليس لنا أن نتقدمه أو نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال صلى الله عليه وسلم لا بل هو الرأي والحرب والمكيدة» أحكام القرآن ابن العربي 1/391 وقال حديث ثابت، وضعفه الألباني، ثم نزل عند رأي الحباب بن المنذر، فنزل عند آخر بئر. وفي الخندق أخذ بمشورة سلمان الفارسي رضي الله عنه. وحكم سعد بن معاذ في بني قريظة، وغير ذاك من الأحداث كثير
وما أعظمه من أمر في فتح باب الحوار بل الجدال وحرية التعبير وسماع الطرف الآخر من أن يفسح النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة تجادله، فهذه خولة بنت ثعلبة زوجة أوس بن الصامت لما ظاهر منها نزل قول الله تعالى يقرر هذا المبدأ العظيم: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير.. المجادلة: 1).