(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) هكذا وصفه الله عز وجل، وهي أعظم شهادة له. فقد كان أجود الناس وأصدقهم لهجة، وألينهم طبعا، وأكرمهم عشرة، وكان أشجع الناس وأعفهم وأكثرهم تواضعا، وكان أشد حياء من العذراء في خدرها، لا يغضب لنفسه، وإنما يغضب لربه، وكان يمزح ولا يقول إلا حقا، وكان يمر الهلال ثم الهلال ثم الهلال وما يوقد في أبياته نار، وكان يجالس الفقراء والمساكين ويعود المرضى ويمشي في الجنائز. وكان رحيما (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) كان صلى الله عليه وسلم خير من يطبق هذا المنهج والسلوك في حياته ومع كل من حوله من الكائنات.
هذا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وعلينا التأسي بسيرته العطرة ونسير في دربه وتطبيق سنّته وترجمتها قولا وفعلا حتى نكون أحببناه حقا.. (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً).
حب النبي صلى الله عليه وسلم
محبة النبي صلى الله عليه وسلم واجبة والتعبير عنها له عدة أوجه منها:
اتباع السنّة النبوية: جاءت السنّة النبوية المطهرة حافلة بمواقف النبي الكريم وأفعاله وأقواله وتوجيهاته التي ينبغي على المسلم المحب لنبيه ألا يمر عليها مرور الكرام، إنما يسعى للاقتداء بصاحب تلك السنّة المشرفة؛ لأن في اتباعها الخير والفلاح في الدنيا والآخرة، كما ان الاتباع دليل على صدق المحبة، فمن ادعى المحبة ولم يتبع نبيه لم يكن صادقا في دعواه، كما ان اتباع سنته سبب من أسباب الظفر بمحبة الله، قال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) آل عمران: 31.
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
الحرص على الصلاة والسلام عليه، فقد أمرنا ربّ العزة جل وعلا في كتابه العزيز بالصلاة على نبيه، كما جاء فضل الصلاة عليه في كثير من الأحاديث النبوية الشريفة، منها أن الصلاة عليه تكتب للمسلم عشر حسنات، وتمحو عنه عشر سيئات، وترفعه عشر درجات، كما ان الصلاة عليه تنفي عن المسلم صفة البخل والشح، ففي الحديث الشريف ان من علامات البخيل انه اذا ذكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلّ عليه.
الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم
إن المسلم المحب لنبيه صلى الله عليه وسلم يدافع ويذود عنه تجاه ما يوجه اليه من إساءات، فتراه يسعى لتفنيد تلك الإساءات والإشاعات المغرضة التي تستهدف النيل من الإسلام ونبيه، كما تراه يسعى لبيان الصورة النقية للإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم في جميع المحافل والمنتديات.
حمل رسالة الإسلام
المسلم يعبر عن محبته الصادقة لنبيه الكريم حينما يحمل رسالة الإسلام التي بذل النبي الكريم الغالي والنفيس من اجل تبليغها وإيصالها الى الناس، ويسخر جهده لدعوة الناس للإيمان بها بهمة وعزيمة صادقة.
فعلينا جميعا أن نتأسى بأخلاقه صلى الله عليه وسلم ونديم ذكرها ونذكّر بها الآخرين.
رحمته صلى الله عليه وسلم
ذكر القرآن الكريم الرحمة أكثر من 300 مرة فكانت رحمته صلى الله عليه وسلم منهجا ليس لها حدود فهي بكل الأوقات والعبادات والتشريعات بخلاف ما نراه الآن، حيث نزعت الرحمة من صدور البعض ولم نعد نرى إلا ترويع الآمنين وقتل الأبرياء والشدة والبطش والقسوة بدلا من الرحمة والعطف وهذا دليل على بعدنا عن هديه صلى الله عليه وسلم فالرسول صلى الله عليه وسلم حثنا على الرحمة فقال لأصحابه: «لا يدخل الجنة منكم إلا رحيم» قالوا: يا رسول الله كلنا رحيم قال: «ليس رحمة أحدكم نفسه وأهل بيته حتى يرحم الناس» فلابد من إشاعة الرحمة في بلدنا وفي جميع الأمة الإسلامية بل للعالمين كافة فقد مرض ابن جار النبي اليهودي وزاره في مرضه وهو من اهل الكتاب وعرض عليه الاسلام فنظر الغلام الى ابيه فقال ابوه: اطع ابا القاسم، فأسلم الغلام.
ونماذج الرحمة كثيرة حتى بغير المسلمين فعبد الله بن ابي بن سلول الذي تحدث وخاض في عرض النبي صلى الله عليه وسلم ونفسه لما مات اراد ابنه ان يأخذ قميص رسول الله ليكفن فيه والده فوافق النبي الكريم ثم طلب الولد من النبي ان يصلي على رأس المنافقين، فصلى عليه حتى جذبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه من ثوبه وقال له: ان الله عز وجل قال لك يا رسول الله (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم) قال النبي: «إن تستغفر لهم سبعين مرة» وإني سأزيد على السبعين.
منهج نبوي
إلى رحمته صلى الله عليه وسلم بالطيور، فعندما كان في سفر ثم ترك اصحابه ووجد طائرا معه فرخان فأخذ الصحابة فرخيه فلما جاء الطائر جعل يعرش عليهما فقال صلى الله عليه وسلم: «من فزع هذه بولديها؟، ردوا إليها اولادها» فقاموا برد أولادها.. ورحمته بالحيوانات فقال صلى الله عليه وسلم «دخلت امرأة النار في هرة حبستها لا هي اطعمتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض» حتى رحمته في التشريع فقد ترك بعض الطاعات خشية ان تفرض على امته فقد صلى التراويح في المسجد ثلاث ليال ثم لم يخرج فلما سئل قال: اخشى ان تفرض عليكم.. حتى السواك قال: لولا أن أشق على امتي لأمرتهم بالسواك قبل كل صلاة.
صدقه وأمانته
كان صلى الله عليه وسلم يلقب بين قومه بالصادق الأمين قبل نزول البعثة عليه لما تمتع به من صدق وأمانة منذ نعومة أظفاره وكانوا يحكّمونه في نزاعاتهم ويستودعونه أماناتهم ويحفظها لهم.
حين جاء يوم الهجرة طلب الرسول عليه السلام من علي بن ابي طالب ان يرد الامانات الى اهلها، كان أول ما دعا له الرسول الكريم في أول بعثته هي الالتزام بالأمانة: أمانة القول، وأمانة العمل، وأمانة العبادة، وأمانة حفظ الجوارح من المعاصي، وأمانة الودائع، فلم يحفظ أنه غدر او اخلّ الأمانة بأحد، كما اشتهر عليه السلام بالصدق، فكان الرسول عليه السلام اسوة وقدوة في الصدق، فهي من أعظم الصفات التي لازمت الرسول الكريم، حتى اشد اعدائه الكفار من بني قريش شهدوا له بالصدق وحسن الأمانة، ويكفي ان الله عز وجل وصفه بالقرآن كذلك، (والذي جاء بالصدق وصدقه به أولئك هم المتقون).
مع أهل بيته
قال صلى الله عليه وسلم «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي» فكان صلى الله عليه وسلم مع أهل بيته حسن المعاشرة لهم، رؤوفا بهم يساعدهم في أمور حياتهم ودودا لطيفا، ورحيما بهم، وكان يمازح زوجاته ويلاطفهن، وكان يداعب اطفاله وأحفاده الحسن والحسين، فكانوا يركبون على ظهره الشريف وهو يصلي فلا يزعجهم ويبقى ساجدا حتى يفرغوا من اللعب، وكان يقضي حاجته بنفسه ويخيط ثوبه ويصلح نعله.
مع الخدم
كانت أخلاقه مع الخدم تجسد كل معاني الرقة واللطف والتواضع، فلم يضرب خادما قط ولم يصرخ بخادم قط، عن انس رضي الله عنه قال: «خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين والله ما قال أفٍّ قط ولا قال لشيء لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا».
أخلاقه صلى الله عليه وسلم في الحرب
تجسدت رحمة وعدل وحُسن خلق الرسول صلى الله عليه وسلم في الحروب مع أعدائه من اليهود والكفار والنصارى الذين أذاقوه أشد أنواع العذاب والظلم، بينما كان يلاقيهم بدماثة أخلاقه، مما دعا بعضهم إلى اعتناق الإسلام، لو تأملنا حال الرسول صلى الله عليه وسلم وقت الحروب حين كان يوصي أصحابه بألا يقطعوا شجرة ولا يقتلوا أطفالا ولا امرأة ولا شيخا ولا عابدا، ولا حيوانا، وان يغزوا الحروب فقط في سبيل الله وليس لأجل مغانم أخرى، ولا يُغالوا ويُنكلوا في القتل، ولا يغدروا أحدا، فقد كان حريصا على زرع الوفاء في نفوس الصحابة حتى وقت الحروب وكان يتخلى عن الذين غدروا بالحرب حتى لو كان مسلما، كما كان صلى الله عليه وسلم حريصا على ألا يهدر الدماء بل يحاول حقنها ما استطاع، ولم يجبر أحدا خلال الحروب على اعتناق الإسلام، كما كان يتسم بالعفو والصفح بعد الحروب.
وفاؤه صلى الله عليه وسلم مع المشركين
في العام السادس الهجري، عقد المشركون مع المسلمين صلح الحديبية، وكان من شروط الصلح انه إذا أسلم أحد من المشركين، وذهب الى الرسول صلى الله عليه وسلم، رده الى قومه، وبعد عقد الصلح مباشرة، جاء أبوجندل بن سهيل بن عمرو رضي الله عنه وأعلن إسلامه، فلما رآه أبوه قام اليه وعنفه، ثم طلب من الرسول صلى الله عليه وسلم ان يرد أبا جندل، تنفيذا لشروط الصلح فوافق صلى الله عليه وسلم، فقال أبوجندل، رضي الله عنه: يا معشر المسلمين، أأرد إلى المشركين يفتنونني عن ديني؟
فأخبره صلى الله عليه وسلم بالعهد الذي أخذه على نفسه، وانه يجب عليه الوفاء به، فقال: «يا أبا جندل، اصبر واحتسب، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا، واننا قد عقدنا بيننا وبين القوم صُلحا».
من معجزات سيد الخلق صلى الله عليه وسلم انشقاق القمر
جاء أبو جهل والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وعدد كبير من مشركي قريش إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وقالوا: يا محمد إن كنت صادقا فيما تقول فشق لنا القمر نصفين. فتوجه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ربه، ودعاه أن يشق القمر نصفين، فحقق الله رغبة النبي صلى الله عليه وسلم، وانشق القمر نصفين ورآه الناس، وأشهدهم الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك، ولكنهم كذبوا. (متفق عليه).
الإسراء والمعراج
لما اشتد إيذاء المشركين للرسول صلى الله عليه وسلم، أراد الله -عز وجل- أن يخفف عن رسوله، وأن يقربه منه، فكانت رحلة الإسراء والمعراج حيث جاء جبريل عليه السلام إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه البراق، فركبه الرسول صلى الله عليه وسلم، وأسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى حيث صلى إماما بالأنبياء جميعا، ثم عرج به إلى السماوات العلا، وفي تلك الرحلة المباركة فرض الله الصلاة، ثم عاد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مكة في نفس الليلة.
تكثير الطعام القليل
في غزوة الأحزاب حاصر المشركون المدينة، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه يحفرون خندقا حول المدينة حتى يمنعوا المشركين من دخولها. واشتد الأمر بالمسلمين حتى نفد الطعام، وأصاب الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه جوع شديد، فأراد جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن يطعم الرسول وأصحابه، وليس عنده إلا قليل من الشعير وشاة صغيرة.
فذهب جابر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلب منه أن يأتي هو وعدد قليل معه، فنادى الرسول صلى الله عليه وسلم في الناس: «إن جابرا قد صنع لكم سورا (طعاما) فحيهلا بكم».
وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم جابرا أن ينتظر في إعداد الطعام حتى يأتيهم، وجاء الرسول صلى الله عليه وسلم وبارك في الطعام، وظل الصحابة يدخلون جماعات جماعات حتى أكلوا جميعا، وبقي الإناء كما هو، يقول رضي الله عنه: والله لقد كانوا يومئذ ألفا [البخاري].
حنين جذع النخلة إليه
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخطب مستندا إلى جذع نخلة، فلما صنع الصحابة له منبرا ترك الجذع ووقف الرسول صلى الله عليه وسلم يخطب فوق المنبر، فسمع الصحابة صوتا يشبه صوت الناقة، فعلم النبي صلى الله عليه وسلم أن الجذع يبكي حزنا على فراق الرسول صلى الله عليه وسلم حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم ووضع يده عليه فسكن (أحمد والترمذي).
استسقاؤه لأمته
من معجزاته استسقاؤه صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل لأمته حين تأخر المطر وأجابه الله الى سؤاله سريعا، بحيث لم ينزل عن منبره إلا والمطر ينزل على لحيته.
عن أنس رضي الله عنه قال: إن رجلا دخل يوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب فاستقبل رسول الله قائما فقال: يا رسول الله هلكت المواشي وانقطعت السبل فادع الله ان يغيثنا قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال: اللهم أسقنا اللهم أسقنا اللهم اسقنا قال أنس: فلا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة ولا شيئا ولا بيننا وبين سلع من بيت ولا دار قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت « قال: فما صلينا الجمعة حتى أهم الشاب القريب الدار الرجوع الى أهله» قال: فوالله ما رأينا من الشمس شيئا».
الشرب في إناء واحد
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلم يأكل في معي واحد والكافر في سبعة أمعاء» (رواه مالك والبخاري ومسلم وابن ماجة وغيرهم).
نبع الماء من بين أصابعه
الماء ينبع من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم، قال أنس بن مالك رضي الله عنه: «أتي النبي صلى الله عليه وسلم بإناء وهو بالزوراء فوضع يده في الإناء فجعل الماء ينبع من بين أصابعه فتوضأ القوم، قال قتادة: قلت لأنس: كم كنتم؟ قال: ثلاثمائة أو زهاء ثلاثمائة». متفق عليه.
كثرة الخطى للمساجد
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة».
أوضحت دراسة ان المشي يعالج الكثير من الأمراض مثل أمراض القلب وضعف الدم والكوليسترول والسكري.
تم التوصل في دراسة جديدة الى ان المشي بخطى سريعة لمدة 75 دقيقة في الأسبوع يزيد من معدل عمر الإنسان 1.8 سنة مقارنة مع أولئك الذين لم يمارسوا تلك الرياضة، اما عند البالغين، فقد تم رفع ساعات التدريب لمدة 150 دقيقة على الأقل بالأسبوع، وعندها لوحظ زيادة العمر المتوقع لهم بنسبة 3.4 سنوات.
هذه نصيحة يؤكدها الخبراء اليوم للتمتع بصحة جيدة وعمر مديد.. ولكن النبي صلى الله عليه وسلم سبق في الإشارة لذلك من خلال قوله عن خير الأعمال «وكثرة الخطا إلى المساجد».