قيم تربوية
ما زال لقمان يتابع الحديث مع ابنه (يا بني إنها إن تكُ مثقال حبة)، نلاحظ تتابع قول يا بني. لقمان يخاطب ابنه باللقب، مازال لقمان يتابع الحديث مع ابنه ولكنه في كل فترة يقول يا بني يا بني، وذلك استعطافا لقلبه وتقربا إليه، قال: (يا بني إنها إن تكُ مثقال حبة من خردل)، أين حبة الخردل؟ حقيقة أنا تخيلتها بحجم السمسم فإذا هي أصغر حتى من السمسم، يوصي لقمان ابنه يقول: (يا بني إنك إن تكُ مثقال حبة)، نحن لا نتكلم عن حجم الحبة نحن نتكلم عن ثقلها، بالله عليكم فيها ثقل؟ وزنها وليس حجمها ولا شكلها حتى، وزنها أقل من حجمها، وزنها معدوم لا يكاد يوجد، نحن كلنا كنا نبحث في شكلها، لقمان يضرب المثل في وزنها، حتى هذا الوزن الذي هو لا شيء أمر عظيم، يقول الله عز وجل على لسان لقمان: (يا بني إنها إن تكُ مثقال حبة)، إنها تعود على من؟ العمل، نعم يا بني إنها حسنتك أو سيئتك، هو يدعوه هنا لمراقبة الله عز وجل، فلولا مراقبة الله عز وجل ما تستقيم الأعمال، ولا تنصلح القلوب، هذا الأب يعلم ابنه تقوى الله باستحضار مراقبة الله له، والله سبحانه وتعالى رقيب، فيضرب له هذا المثل حتى يبين له سعة علم الله، والله إني أحملها في يدي ولا أظن أني أحمل شيئا لا يوجد فيها ثقل، يقول يا بني إنها عملك، هذه سيئتك وحسنتك إن تك مثقال حبة من خردل، طيب (فتكن في صخرة)، تخيلوا هذه التي بين أيديكم بعد، ضعوها في صخرة، خبئوها في صخرة أين تلقونها، اين حبات الصخرة أصلا...، (فتكن في صخرة أو في السماوات)، حتى لو كانت في سابع سماء، (أو في الأرض) أو في أدنى الأرضين.
(يأت بها الله)، يأت بها، يعني يأت بها يوم القيامة، ويحاسب عليها، هنا تعلم أيها الإنسان مسؤوليتك الفردية عن أعمالك، فالخيار لك، وهي قيم تربوية عظيمة، ثم عرفه بصفة الله عز وجل، قال: (إن الله لطيف خبير)، سبحانه لطيف بعباده، خبير بأعمالهم وأفعالهم.
حوار تربوي
وما زالت الوصايا تتوالى على هذا الابن من هذا الرجل الحكيم، ويعود يناديه مسترقا له بهذا اللقب يا بني، نحن إذا خاطبنا قد نخاطب بصيغة الأوامر افعل وافعل وافعل ولا تفعل، وإذا اعطينا الأمر لم نبين حدوده كما فعل لقمان، وإذا جئنا بالنهي لم نبين سببه كما فعل لقمان، وكأنها أوامر عسكرية تصب على رؤوس هؤلاء، لا، الله سبحانه وتعالى يعلمنا كيف يكون الحوار التربوي الذي تظهر به ثمرة هذا اللقاء وهذه العظة، يقول الله سبحانه وتعالى على لسان لقمان: (يابني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور)، وصايا تترى، أولاها يا بني أقم الصلاة، وهكذا نرى ترتيب أولويات عجيبا عند لقمان في وصيته لابنه، بدأ يأمره بالتوحيد ووصيته بشكر الله وشكر والديه ثم إحياء مراقبة الله في قلبه حتى يكون من أهل التقوى، ثم أمره بالأعمال التي أمر بها الله عز وجل، الآن تأتينا العبادات فابتدأ أولا بالتربية الإيمانية ثم التربية المتعلقة بالعبادات، الذي نخطئ فيه نحن الآن في المدارس وفي كل مناهجنا، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يصلح الأحوال، إننا نأتي بتربية عن العبادات دون أن نأتي بالتربية الإيمانية أولا، لا بد أن نخاطب قلب هذا الطفل وقلب هذا الإنسان وان نجعل الإيمان فيه وأن نزرع التقوى فيه حتى تكون المرحلة الثانية هي أداء العبادة، كما قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ، عندما أرسله إلى اليمن قال ادعوهم الى لا إله إلا الله فإن أطاعوك فعلمهم أن الله سبحانه وتعالى قد افترض عليهم الصلاة، افترض عليهم الزكاة، هكذا، فإن أطاعوك..، إذن التدرج في ترتيب الأولويات، كثير ممن يتصدى للدعوة، الأولويات غير واضحة لديه، لأننا نركز على العبادة دون أن نركز على محركها والدافع فيها والذي قد يصلحها أو يفسدها، إن القلب إذا فسد وصلحت الصلاة فليست منها فائدة، لكن إذا صلح القلب ثم صلحت الصلاة كان الإنسان له من ذلك عظيم الفائدة.
أهمية الصلاة
بعد أن خاطبهم في التربية الإيمانية جاء هنا إلى التربية في العبادة، قال (يا بني أقم الصلاة)، وإقامة الصلاة كأنه يحرص عليها يقول، هنا جاء الأمر مباشرا أقم الصلاة، يعني أقمها في وقتها وفي حدودها وبشروطها، اجعلها أول عبادة تفعلها، وحقيقة كما اخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة عماد الدين وهي سنام الإسلام ومن تركها عامدا فقد كفر، والصلاة هي الصلة بينك وبين ربك، لذلك دوما ما أخاطب الشباب، الله يحفظهم، والله سبحانه وتعالى يعيننا على طاعته، قد يتقاعس الشاب أو الفتاة، قد يتكاسل في الصلاة فأقولها دائما لا تغلق الباب بينك وبين الله اترك الباب مفتوحا وإن كان مواربا، هذا الباب هو الصلاة، لا بد من الصلاة، الصلاة أول تعاليم الدين، هناك من الفرق التي تدعي أنها من الاسلام قد عطلت الصلاة وقالوا لا نصلي حتى نبلغ الأربعين، ومنهم من قال إننا إذا علمنا ديننا ووصلنا إلى مرحلة اليقين فإنه ترفع عنا الصلاة والأعمال والعبادات، طبعا هذا جهل ولعب في الدين، نسأل الله العافية، وهو مناقض لكل ما يقوله الله عز وجل في كتابه، فإن هذه الصلاة هي أولى الوصايا في العبادات بعد التوحيد، أقم الصلاة، ثم تأتي الثانية بعد أن أمر الأب ابنه بالخير لنفسه العائد عليه من الصلاة، لأنك إذا رأيت ابنك او بنتك يصلي يطمئن قلبك مهما كان فيه تقول الحمد لله أنه يصلي، الله يصلح ذرارينا وذراري المسلمين، ينشرح قلبك لأنه يصلي حتى وإن كان يفعل كل شيء خطأ، لأنك تعلم أن صلاته بإذن الله ستنهاه عن الفحشاء والمنكر.
ألقيت المحاضرة
في مسجد فاطمة الجسار بالشهداء