حال المشركين
يقول الله سبحانه وتعالى معجبا رسوله صلى الله عليه وسلم من حال هؤلاء المشركين، حال قريش، كان عجيبا (ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله)، وهم يؤمنون بالله لكن يشركون به ويجعلون له شركاء، وهم يعلمون ان الله سبحانه وتعالى هو الذي أوجد الكون. الله سبحانه وتعالى يقول (قل الحمد لله)، الحمد لله الذي اظهر عليكم الحجة من ألسنتكم، يعني ولا اضعف على هذا الخصيم ان تحجه بكلامه، فهؤلاء يعترفون بان الله سبحانه وتعالى هو خالق السموات والارض، الله عز وجل يقول لرسوله قل الحمد لله انتم رددتم على انفسكم، لا يعلمون ولا يتدبرون من الذي يجب ان يكون له الحمد والشكر، من الذي يجب ان يطاع ويؤله ويشكر، الله سبحانه وتعالى.
مستحق للحمد دائما
الله عز وجل لم ينتظر جوابهم يقول (لله ما في السموات والأرض)، وهنا العرب تعرف ايضا هذه التركيبة، اصل الجملة ان يؤتى بالمبتدأ قبل الخبر، فنقول ان السموات والارض لله، فلما قدم الخبر أفاد الاختصاص، يعني هذا الذي قدم وهو لفظ الجلالة الدال على الله سبحانه وتعالى هو وحده المختص فقط بملك السموات والأرض، فدحض الشرك في جملة واحدة، سبحان الله، فقط في تقديم الخبر على المبتدأ، يعني، سبحان الله، اللغة العربية والالفاظ القرآنية تحرك القلوب، لكن بعدنا عن اللغة قلل استمتاعنا وتلذذنا بكتابه، نسأل الله سبحانه وتعالى ان يفتح علينا وعلى المسلمين، تأتي صيغ التأكيد ان الله سبحانه وتعالى لم يقل انه هو الغني الحميد، يقولون ايضا إظهار ما حقه الإضمار للدلالة على أهميته، وقال المفسرون انما اظهر لفظ الجلالة لتربية المهابة في القلوب (ان الله هو الغني الحميد)، سبحانه غني عن خلقه حميد مستحق للحمد في كل أمره وحكمه سبحانه وتعالى.
المثل في القرآن
ويعجب الله سبحانه وتعالى من هؤلاء المشركين الذين يعجبون من هذا الكتاب الذي نزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، يقول الله عز وجل (ولو انما في الأرض من شجرة أقلام)، الله سبحانه وتعالى الآن يضرب لنا مثلا وقلنا اننا يجب ان نتخيل المثل، لما نقول الاشجار التي في الارض ما هي الصورة التي تأتي في بالكم؟ غابات، غابات لا تنتهي من الأشجار، غابات الامازون، اي غابات اكثر كثافة رأيتموها في الدنيا، الله عز وجل يقول لو هذه ما في الدنيا كلها ما رأيتم وما لم تروا كلها اقلام تكتب، قال سبحانه وتعالى (والبحر يمده)، هذا البحر الذي ترونه العظيم الذي يحيط بالأرض كلها (من بعده سبعة أبحر)، من ورائه سبعة ابحر تكون مدادا وحبرا لهذه الاقلام (ما نفدت كلمات الله)، سبحانه وتعالى، ما تنفد كلمات الله التامة التي لا يحيط بها احد، لا تنفد حكمته سبحانه وتعالى ولا عظمته ولا أمره، يقول سبحانه وتعالى (ان الله عزيز حكيم)، سبحانه هو القاهر فوق عباده لا يغلبه شيء، هو الغالب، وهو القوي، واذا اراد شيئا انما يقول له كن فيكون، وهو سبحانه وتعالى الحكيم، يخشى الإنسان إذا اعتز بنفسه وبذاته ان يبطش بمن امامه، لكن الله عز وجل يطمئن قلوب المؤمنين، يقول الله، نعم الله عزيز قوي قادر قاهر ولكنه حكيم، يعلم اين يضع هذه العزة واين يضع امره ونهيه سبحانه وتعالى، فيطمئن المرء الى حكمة الله، رؤوف عزيز، غالبا ايضا ما تأتي عزيز رحيم.
خلق عظيم
يقول الله عز وجل (ما خلقكم)، الآن الانسان يتصور خلقه فيتعاظم في نفسه فيرى انه خلق عظيم، وشيء ما بعده شيء، لذلك انا بداية حكاية التاريخ ونهايته، لا شيء قبلي ولا شيء بعدي، يغتر بنفسه فيقول أرحام تدفع وأرض تبلع ولا شيء عندي بعدها لأني قد مت، فببدايتي تبدأ الحياة وبنهايتي تنتهي الحياة، انظروا الى الغرور والتكبر، الله عز وجل يقول ما خلقكم جميعا ليس فقط الآن الأحياء، ما خلقكم من وقت آدم الى يوم القيامة من تعداد البشر ومن تعداد الدواب وما خلق الله عز وجل في السموات وفي الارض يقول (ما خلقكم ولا بعثكم الا كنفس واحدة ان الله سميع بصير)، سبحانه وتعالى، كما قال سبحانه وتعالى: الله لا يحتاج الى ان يكرر امره (فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة)، كل الخلق يصطفون امام الله عز وجل بزجرة واحدة، نداء واحد، والله سبحانه وتعالى سميع بصير، سميع لأقوالكم بصير بأفعالكم جميعا، كسمعه وبصره في نفس واحدة، الله يقرب لنا المثل، انت ايها الانسان لا تعرف ان تفهم ولا تحسن ان تفهم الا بما تراه، كما الله سبحانه وتعالى يسمع لكلامك انت ويعلم بحالك انت ويرى مكانك انت، فكذلك الله يرى كل الخلق ويبصرهم ويسمعهم سبحانه، ما ذلك على الله بعزيز، وعرفات هذا المشهد نسأل الله سبحانه وتعالى ان يبلغنا والمسلمين هذا المشهد العظيم، تجتمع فيه الناس، وهذه الأمة العظيمة، والله سبحانه وتعالى يرى كل واحد فيها ويسمع لكل واحد فيها، ويجيب برحمته لكل واحد فيها، وهكذا هو في الليل والنهار.
ألقيت المحاضرة
في مسجد فاطمة الجسار بالشهداء