سورة نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة في وقت كانت مكة أيام محن وابتلاء للرسول صلى الله عليه وسلم وللمسلمين. وسميت السجدة لأن فيها من أوصاف المؤمنين إذا سمعوا آيات القرآن العظيم (خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون) والسجدة معناها الخضوع والاستسلام والخشوع، وأقرب ما يكون العبد وهو ساجد (الم) هذه الحروف المقطعة سر من أسرار القرآن الكريم، وقد عدد لها الأمام السيوطي (14) معنى وكأنها تبكيت للكافرين وتحد للعرب بفصاحتهم وبلاغتهم أن يأتوا بمثل كلام الله الذي هو على لغتهم ولكي يؤمنوا أن القرآن ليس من صنع البشر وإنما هو وحي من الله الخالق القادر على كل شيء.
(تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين) هذا القرآن الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم منزل من عند الله رب الناس أجمعين جاء مهيمنا على كل شيء لا شك فيه، يذكرنا الله بربوبيته ومن فضله عليهم أن نزل الكتاب من رب العالمين.
غاية الكذب
(أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك...الآية) الافتراء من المشركين بأن يقولوان اختلق محمد صلى الله عليه وسلم القرآن، كذبوا، بل هو الحق المنزل عليك يا محمد من ربك لتنذر أناسا لم يأتهم نذير من قبلك لعلهم يهتدون فيعرفوا الحق ويؤمنوا به وبك. (بل هو الحق): أي كل ما قالوا كذبا، والحق أفادت استغراق هذا الحق لا باطل فيه، بين الله تعالى خصوصية نبيه وهذه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم.
عظمة الله
(الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام... الآية) يخبرنا الله جل وعلا أنه هو الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام لحكمة يعلمها وهو قادر أن يخلقها بـ (كن فيكون) ثم استوى سبحانه وتعالى أي علا وارتفع على عرشه، واستوى استواء يليق بجلاله وبعزته، لا بكيف ولا يشبه استواء المخلوقين. وقد سأل مالك عن الاستواء فقال الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة» لذا يجب على الإنسان ألا يسأل عن كل شيء فكثرة السؤال تدل على جهل وليست على العلم.
آيات كونية
(يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون) يدبر الله تعالى أمر المخلوقات من السماء إلى الأرض ثم يصعد ذلك الأمر والتدبير إلى الله في يوم مقداره ألف سنة من أيام الدنيا التي تعدونها.
(ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم) ذلك إشارة لذاته العليا الذي أوجد ودبر، العليم بالغيب والشهادة لا يعجز ذلك الخالق المدبر لشؤون الناس، عالم بكل ما يغيب عن الأبصار وما تكنه الصدور وتخفيه النفوس، وعالم بما شاهدته الأبصار وهو القوي الظاهر الذي لا يغالب، الرحيم بعباده المؤمنين.
دعوة للتفكر
(الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين) الله الذي أحكم خلق كل شيء وبدأ خلق الإنسان وهو آدم عليه السلام من طين (ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين) السلالة: الشيء المنفصل وهو النطفة التي تخلق منها الأجنة جعل من هذه النطفة الضعيفة المهينة ذرية آدم متناسلة.
(ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون) يخبرنا الله تعالى عن تشريفه لهذا المخلوق الذي خلقه ونفخ فيه الروح، ومنّ عليه بتمام الجوارح وجعل منها أدوات لاستخدام المعرفة بعد ان اتم خلق الإنسان وأحسن خلقته ونفخ فيه من روحه جعل لكم أيها الناس نعمة السمع والأبصار ونعمة العقل (قليلا ما تشكرون) قليلا ما تشكرون ربكم على ما أنعم به عليكم.
فضل شهر محرم
هو شهر عظيم وهو أول شهور السنة الهجرية وأحد الأشهر الحرم التي قال الله فيها: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم) فيجب تعظيم الأيام الحرم بمراقبة الإنسان لنفسه ومحاسبتها، وقد نهى الله تعالى عن الظلم في الأشهر الحرم تشريفا لها وإن كان منهيا عنه في كل زمان. وقال الشيخ عبدالرحمن السعدي ـ رحمه الله ـ في تفسيره: (فلا تظلموا فيهن أنفسكم) يحتمل ان الضمير يعود الى الاثني عشر شهرا وان الله تعالى بين انه جعلها مقادير للعباد وأن تعمر بطاعته، ويُشكر الله تعالى على منته بها وتقييضها لصالح العباد فلتحذروا من ظلم انفسكم فهيا، ويحتمل ان الضمير يعود الى الاربعة الحرم وأن هذا نهي لهم عن الظلم فيها، خصوصا مع النهي عن الظلم كل وقت لزيادة تحريمها وكون الظلم فيها أشد من غيرها. ويتبين فضل هذا الشهر ايضا بإضافته إلى الله عز وجل فيقال (شهر الله المحرم) وهذه اضافة تشريف وتفضيل.
ألقيت المحاضرة في مسجد فاطمة الجسار بالشهداء