إن الباحث في حياة الأنبياء، والباحث في سير المرسلين يتبين له أن كل واحد منهم يُعرف بصفة ظاهرة تُذكر كلما ذكر وتدل عليه.
فمثلا سيدنا موسى عليه السلام كان قويا وتحدث القرآن عن قوته فقال حقائق على لسان ابنة شعيب (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ ).
وأيوب عليه السلام كان صابرا وعرف بالثبات في مواجهة الكوارث والأهوال حتى صار صبره مثلا يضرب بين الناس ولقد امتدحه القرآن بهذه الصفة فقال تعالى: (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ).
وعيسى عليه السلام عرف بالحلم والعفو والصفح الجميل وكانت دعوته تحض على المحبة والتسامح.
أما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد جمع الله له كل خلال الخير والكمال وأحاطه بكل معاني الوقار والجلال.
إن نواحي العظمة في شخصه الكريم متنوعة ومتعددة وصدق الله حين يقول: (وإنّك لعلى خُلُق عظيم) فمن صفاته صلى الله عليه وسلم:
كان صلى الله عليه وسلم شجاعا قويا وكان يتقدم أصحابه في مواطن الخطر. روى البخاري «فزع أهل المدينة ليلة، فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا وقد سبقهم إلى ذلك الصوت واستبرأ الخبر على فرس عري والسيف في عنقه وهو يقول: «لن تراعوا»».
وروى البخاري وقوف النبي صلى الله عليه وسلم على بغلته والناس يفرون عنه وهو يقول: «أنا النبي لا كذب أنا ابن عبدالمطلب».
وامتد جانب الرحمة في شخصه حتى طال أمته ممن حوله من إنسان أو حيوان أو دابة.
روى مسلم عن أنس قال: دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابي سيف القين، وكان ظئرا لإبراهيم عليه السلام فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم فقبله وشمه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان، فقال له ابن عوف وأنت يا رسول الله؟ كأنه يستغرب بكاءه فقال: يا ابن عوف إنها رحمة ثم أتبعها بأخرى، فقال صلى الله عليه وسلم إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون».
وأما صدقه فكانت كلمته ميثاقا غليظا لا يحيد عنها حتى عرف بالصادق الأمين، روى الشيخان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر، ثلاثا، قلنا: بلى يا رسول الله قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس، وقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت».
قال عنه السير موير في كتابه «تاريخ محمد»: «إن محمدا صلى الله عليه وسلم نبي المسلمين لقب بالأمين منذ الصغر بإجمال أهل بلده لشرف أخلاقه وحسن سلوكه ومهما يكن هناك من أمر فإن محمدا صلى الله عليه وسلم أسمى من أن ينتهي إليه الواصف ولا يعرفه من جهله وخبير به من أمعن النظر في تاريخه المجيد، ذلك التاريخ الذي تركه كان في طليعة الرسل ومفكري العالم.
ولو تتبعنا جوانب الشخصية المحمدية لما استطعنا إجمالها وقد لخصها سنرستن الآسوجي بقوله «إننا لم نصف محمدا صلى الله عليه وسلم إذا أنكرنا ما هو عليه من عظيم الصفات وحميد المزايا فلقد خاض محمد صلى الله عليه وسلم معركة الحياة الصحيحة في وجه الجهل والهمجية مصرا على مبدئه ومازال يحارب الطغاة حتى انتهى به المطاف إلى النصر المبين فأصبحت شريعته أكمل الشرائع وهو فوق عظماء التاريخ».