- تقارير أولية تتحدث عن أزمات غذائية ومائية قادمة بدأت بوادرها في الأزمة على نهر النيل بين دول المنبع والمصب
- القمة معنية بإيجاد معالجات حاسمة وسريعة لقضايا الصراع والمياه
- مصر مقبلة لا محالة على مرحلة العطش المائي.. وسد النهضة سيجعل إثيوبيا أكبر منتج للطاقة الكهربائية في أفريقيا
- الوطن العربي لايزال يعاني من تباطؤ حجم الإنتاج الزراعي بأنواعه.. والفجوة الغذائية قدرت بـ 37 مليار دولار في 2010
- دول الخليج ستواجه مستقبلاً مشكلة في تأمين المياه الصالحة للشرب ومطالبة بإيجاد بدائل عن «التحلية» وسد الفجوة الغذائية
- 83 مليار دولار فاتورة سنوية تتحملها الاقتصادات الخليجية لاستيراد الغذاء.. والفجوة ستصل في السنوات الـ 5 المقبلة إلى 106 مليارات
بقلم الدكتور: سلطان أحمد الخلف "المدير العام لدار الخلف للدراسات والإستشارات الزراعية"
مؤتمر القمة العربية الأفريقية في الكويت ومستقبل نجاح التعاون العربي الأفريقي.
يأتي هذ المؤتمر بعد ما يزيد على سنتين من انعقاد المؤتمر الثاني في ليبيا – سرت عام 2010 و36 عاما على المؤتمر الأول في القاهرة عام 1977.
وسيشارك في المؤتمر 55 دولة افريقية ويحضره 65 زعيما عربيا وافريقيا أو من ينوب عنهم وقد جاءوا تعبيرا عن طموحات صاحب السمو الأمير في أن يكون بداية حقيقية لبناء شراكة استراتيجية واقتصادية عربية وافريقية لذلك سيركز المؤتمر على الجوانب الاقتصادية والتنموية والاستثمارية بعيدا عن القضايا السياسية.
لذلك سيعقد هذا المؤتمر تحت شعار «شركاء في التنمية والاستثمار» ويأتي هذا المؤتمر والعالم العربي يعيش أحلك الظروف في ظل قيام الثورات بما يسمى الربيع العربي وانهيار العديد من الأنظمة العربية في تونس وليبيا واليمن وجمهورية مصر العربية والأوضاع المأساوية التي تعيشها سورية.
وهناك سؤال مهم وهو: ما مستقبل العلاقات العربية الأفريقية في ظل هذه الأزمات التي تمر بها معظم الدول العربية (ثلاث منها دول أفريقية عربية غير مستقرة (مصر – ليبيا - تونس)؟ والسؤال الأهم لماذا فشلت الحكومات العربية والأفريقية خلال الفترة التي مضت 36 عاما بين المؤتمر الأول عام 1977 في القاهرة والمؤتمر الثاني عام 2010 في بناء علاقات متينة وقاعدة للانطلاق نحو إطار استراتيجية الشراكة الأفريقية العربية رغم العلاقات الحضارية والوشائجية والاجتماعية والثقافية التي تضرب أطنابها في أعماق التاريخ خاصة في ظل انتماء ثلثي الشعوب العربية إلى القارة الأفريقية ورغم الاستقرار لمعظم الأنظمة المختلفة على الأقل العربية منها وبعض الدول الأفريقية في بناء ومد الجسور بين هاتين المنطقتين العربية والإفريقية.
وللإجابة عن السؤال: لابد ان نراجع توصيات مؤتمر القمة العربي الأفريقي الأول في القاهرة والثاني في ليبيا لنقف على حقيقة الأوضاع في عالمنا العربي ولنحكم بعد ذلك على مدى نجاح المؤتمر الثالث في الكويت فمنذ أول مؤتمر قمة بمدينة انشاص في دلتا مصر حيث كانت استراحة ملك مصر في 29 مايو عام 1946 وبعد ما يزيد على 30 مؤتمرا منها 11 مؤتمر قمة طارئا فإن الإنسان العربي مازال يحلم بعد كل مؤتمر قمة عربي أو خليجي أو أفريقي أن يتحقق من خلال نتائج هذه القمم شيئا من معاناته وتطلعاته حتى تخلى عنها وأصبح يحلم بأن تحقق هذه التطلعات لأبنائه والأجيال القادمة.
لقد أصاب اليأس الإنسان العربي حتى كفر بهذه المؤتمرات والقمم وأصبح لا يوليها أدنى بالا أو اهتماما.
أولا: مؤتمر القمة العربية الأفريقية في القاهرة 1977
لقد كان لمؤتمر القمة العربي في الجزائر 1973 الذي أشاد بموقف الدول العربية (أصدر مجلس وزراء منظمة الوحدة الأفريقية في فبراير 1975) إعلان أديس أبابا الذي دعم القضية الفلسطينية باعتبارها جوهر مشكلة الشرق الأوسط وبالمقابل أصدر مجلس الجامعة قرارا في أبريل 1975 أكد فيه تعاون الدول العربية والأفريقية من اجل تحرير الأراضي الأفريقية من الاستعمار الاستيطاني والتفرقة العنصرية كما تقدم العرب خطوات جادة في مجال التعاون مع الدول الافريقية من خلال تقديم العديد من المنح والقروض والاستثمارات وانشاء الصناديق المالية وإرسال الخبراء لأفريقيا ومنها الصندوق العربي للمعونة الفنية للبلاد العربية الأفريقية والصندوق العربي للقروض والمصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا حيث تم دمج الأخيرين في جهاز واحد هو المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا.
كل هذه الخطوات مهدت لعقد مؤتمر القمة العربي الأفريقي عام 1977 وقد صدر عن المؤتمر في القاهرة عدة وثائق أساسية تغطي الأسس والسندات التاريخية والحضارية والأيدولوجية لمجموعة العلاقات العربية الأفريقية المتنامية وأهم هذه الوثائق هي:
أ- الإعلان السياسي الذي حدد الأسس القانونية والسياسية للتعاون العربي الأفريقي والأهداف التي يسعى إلى تحقيقها والتي أهمها الدفاع عن قضايا التحرير الوطني العربي الأفريقي وتدعيم التعاون الاقتصادي وتحقيق المزيد من التفاهم بين الشعوب العربية.
ب- إعلان برنامج عمل التعاون العربي الأفريقي وأهم ما جاء فيه تعهد البلدان العربية والأفريقية بتنمية علاقاتها على المستوى الثنائي والمتعدد الأطراف في الميادين المختلفة.
ج- إعلان التعاون الاقتصادي والمالي العربي الأفريقي وكان أهم مقرراتها وضع خطة للتعاون الاقتصادي والمالي المشترك لتشجيع التعاون الفني بين الدول العربية والأفريقية وزيادة المساعدات المالية الثنائية وتشجيع توظيف رؤوس الأموال العربية الأفريقية وغيرها.
إلا أن هذه الإرادة ما لبثت أن واجهت العديد من السلبيات في التعاون العربي الأفريقي مع نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات حيث اعترت هذه العلاقات أزمات ثقة وشكوك متبادلة في نوايا كل طرف تجاه الاخر بسبب آثار ونتائج اتفاقية السلام المصرية - الاسرائيلية.
وادى إلى توقف اجتماعات اللجنة الدائمة للتعاون العربي الأفريقي بين عام 1978 – 1982 واتهام الأفارقة للعرب بمحاولة تصدير خلافاتهم إلى الاجتماعات العربية الأفريقية واجتماعات منظمة الوحدة الأفريقية أيضا وطلبت المنظمة في اجتماعها وقرارتها المختلفة عدم تدخل السياسات العربية في شؤون القارة الأفريقية.
إن تفكك العلاقات العربية الأفريقية فتح الباب أمام اسرائيل للدخول إلى أفريقيا من عدة أبواب هي التجاري والاقتصادي والعسكري والمعونات الفنية.
وتمكنت من إعادة علاقاتها الديبلوماسية مع بعض الدول الأفريقية بدءا من زائير (الكونغو الديموقراطية حاليا) عام 1982 وليبيريا وأفريقيا الوسطى عام 1983 والخلاصة ان مواثيق مؤتمر القمة الأفريقية العربية عام 1977 لم يبرز منها إلا المصرف العربي للتنمية في أفريقيا الذي قام بدور كبير في التنمية في عدد من الدول الأفريقية وقد غطت تمويلات المصرف مشروعات البيئة الأساسية كالطرق والموانئ والمطارات والسكك الحديدية والسدود وتوفير مياه الشرب والصرف الصحي وفي مجال الزراعة واستصلاح الأراضي وحفر الآبار وقنوات الري وتنمية الثروة الحيوانية والمياه الريفية والمشروعات التي ساهمت في الحد من الجفاف والتصحر ومجال توليد ونقل الطاقة الكهربائية وبناء المستشفيات والمراكز الصحية والمدارس والجامعات وتمويل المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر وقد استفادت 42 دولة من دول افريقيا من المصرف العربي.
ثانيا: مؤتمر القمة العربية الأفريقية في سرت – ليبيا 2010
لقد طرحت في هذا المؤتمر عدة ملفات مهمة للتعاون الأفروعربي للمرحلة القادمة وأولها التعاون المؤسسي الإقليمي والموافقة على حضور كل من الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية في الجلسات العلنية والمغلقة للاجتماعات التي تعقدها المنظمتين مما يعزز مستوى التفاهمات المشتركة ازاء التحديات التي تواجه العرب والأفارقة على جميع الجبهات أما الملف الثاني فهو حالة الأمن والسلم الأفريقي كأولوية موازية كملف ثاني للتفاهم الإقليمي حيث طرح مشكلة تزايد الإرهاب في أفريقيا ونمو ظاهرة القرصنة في شرق القارة وتهديد الأمن بالبحر الأحمر وتهديد الاستقرار في دول الساحل في غرب أفريقيا بالعمليات المتتالية لتنظيم القاعدة من جهة ثانية.
أما المستوى الثاني من التحديات الأمنية في أفريقيا فيتمثل في بروز ظاهرة الانقسام مع الانفصال المتوقع لجنوب السودان عن شماله (والذي تم مع الأسف في يوليو 2011) رغم تشكيل لجنة رئاسية مهمتها السعي لتهدئة الأجواء السودانية بين الشمال والجنوب والتي شكلت من كل من نيجيريا وبوركينا فاسو والجابون والكويت إلا أن طبيعة الضغوط الدولية وخاصة من جانب الولايات المتحدة الأميركية الدافعة نحو الانفصال وموقف شعب جنوب السودان المؤيد للانفصال كلها كانت عوامل حالت دون تفعيل هذه اللجنة.
أما الملف الثالث وهو ملف التعاون الاقتصادي وذلك انطلاقا من الاحتياجات المتبادلة والملحة بين الطرفين العربي والأفريقي في عدة اتجاهات أهمها حاجة دول أفريقيا للاستثمارات من اجل تحقيق مستويات التنمية الوطنية وتوفر الفوائض المالية الخليجية في ظل حاجتها للأمن الغذائي مما يدفعها للاستثمار الزراعي في أفريقيا خاصة في دول حوض النيل لسد حاجة الفجوة الغذائية المتنامية في دولها.
أما الملف الرابع وهو الملف النووي وذلك من اجل التعاون الأفريقي العربي لمنع انتشار الأسلحة النووية والتعاون على المستوى الدولي وهذا يتطلب دعما للتعاون المشترك في الملفات السياسية والاقتصادية التي تتطلب دعما عربيا لأفريقيا.
ولقد واجهت هذه الملفات عدة تحديات من اجل تحقيق التعاون المشترك وهي:
1. تعاني المنظومة العربية من تفكك وضعف مما أثر سلبا في رسم صورة غير مطمئنة للجانب الأفريقي في مدى نجاح التعاون الأفريقي وقد بدا ذلك واضحا بانفراد كثير من الدول العربية للتعامل منفردة بصورة تنافسية مع أفريقيا دون أدنى حد للتعاون والتنسيق مع الدول العربية الأخرى.
2. الظروف الأمنية التي تعيشها معظم الدول الأفريقية.
3. التنافس الدولي على الموارد الأفريقية والتدخل في شؤونها السياسية.
4. الفقر والتخلف: مازالت الشعوب العربية والأفريقية متخلفة ويعيش معظم شعوبها تحت خط الفقر مثل اليمن والمغرب ومصر وغيرها هذا بالإضافة إلى ثلاث دول عربية هي الأقل نماء وهي الصومال وجيبوتي وجزر القمر ودول الشرق الأفريقي كدول أفريقيا والتي تعيش في أوضاع صعبة وهي الأكثر فقرا في افريقيا.
5- غياب الديموقراطية: إن التنمية والاستثمار لا يمكن ان تتحقق في الدول العربية والأفريقية في ظل غياب الديموقراطية والحكم الرشيد والاحترام لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية والسلام والأمن والاستقرار وكل هذه العناصر مع الأسف مازالت دون المستوى إن لم تكن معدومة في الكثير من الدول العربية والأفريقية ورغم ثورات الربيع العربي التي تفاءل الناس بها خيرا إلا أن الأوضاع زادت سوءا وتدهورت الحريات وزادت حياة الناس بؤسا وتدهورت اقتصاديات هذه الدول.
ان المتطلع إلى نتائج القمة العربية الأفريقية وإمكانية نجاح التعاون الأفروعربي خاصة في ظل ثورات الربيع العربي التي قضت في الحقيقة على هذه الآمال في تحقيق أي تعاون عربي أفريقي خلال المرحلة من 2010 حتى عام 2013 واليوم تأتي القمة العربية الأفريقية التي ستعقد في الكويت في الفترة من 18-20 نوفمبر 2013 في ظل ظروف غير طبيعية تعيشها المنطقة العربية إضافة إلى الظروف العالمية والإقليمية الاستثنائية.
ويتوقع ان يناقش المجتمعون الكثير من الملفات الساخنة منها الاقتصادية والمشروعات التنموية وسبل تفعيلها بالإضافة إلى المشروعات الزراعية والأمن الغذائي والبطالة وتشغيل الشباب وقضايا الهجرة تنفيذا لاستراتيجية الشراكة التي تم توقيعها خلال القمة العربية الأفريقية الثانية في سرت ليبيا 2010 وخطة عمل للتعاون الأفريقي العربي خلال الأعوام 2011 - 2016.
ان التحديات التي تواجه مؤتمر القمة العربي الأفريقي في الكويت خصوصا أننا أمام تقارير أولية تتحدث عن ازمات غذائية ومائية قادمة بدأت بوادرها في الأزمة على نهر النيل بين دول المنبع والمصب وذلك ببناء سد النهضة على النيل الأزرق الذي يمد نهر النيل بـ 83% فإثيوبيا التي تخطط لبناء 4 سدود على النيل الأزرق وتمتلك نحو 123 مليار متر مكعب في السنة مقابل 55 ونصف المليار متر مكعب لمصر، علما بأن بحيرة ناصر تسع 165 مليار متر مكعب وتعتمد على الفيضانات وليست حصة مصر.
ان نجاح هذا المؤتمر مرهون أولا بالارادة السياسية للجانب العربي والأفريقي خاصة في ظل المتغيرات التي حصلت في المنطقة بعد قمة سرت عام 2010 والتي ادت الى تغيرات في الكثير من الدول العربية خاصة الدول العربية التي تقع ضمن الخارطة الأفريقية مثل تونس وليبيا ومصر وكذلك انفصال جنوب السودان عن شماله في يوليو 2011.
وثانيا بالبيئة السياسية والاقتصادية في أفريقيا التي مازالت بيئة تنافسية بين عدة دول تسعى للسيطرة على هذه الدول مثل الولايات المتحدة الأميركية والصين والهند والبرازيل واسرائيل، بينما تقف الدول العربية ازاء هذا الوضع في وضع المتفرج لما يحدث رغم المخاطر التي تهددها.
من المهم أن يدرك المجتمعون ان هناك قضايا لا يمكن لأي سبب سواء أكان سياسيا أو تكتيكيا أن نغمض عيننا عنها، لأن هذه القضايا ذات اهمية في تطور العلاقات العربية الأفريقية وتدعيمها في المستقبل واهم هذه القضايا:
1- قضايا الصراع وهي القضايا التي تثير صراعا بين الدول العربية والدول الأفريقية في المستقبل في ظل المتغيرات الاقليمية والدولية واهم هذه القضايا:
قضية المياه وعلى رأسها الصراع على مياه النيل بين دول المنبع ودول المصب والصراع على المياه بين موريتانيا والسنغال على نهر السنغال الذي يغذي الجزء الجنوبي من موريتانيا الذي تقع منابعه في مالي وغينيا.
2- قضايا الصراع العرقي والاثني بين كل من: موريتانيا والسنغال وانتشار قبائل الطوارق على طول الحدود الجزائرية الليبية مع مالي والنيجر – وقبائل الزغاوة بين تشاد والسودان والقبائل النيلية بين السودان وكل من اثيوبيا وأوغندا على جانبي الحدود.
وقد غذت التدخلات الدولية وعززت هذه الصراعات خاصة من قبل اسرائيل وفرنسا وغيرها.
تشير الاحصاءات الى دور الحروب العرقية وآثارها المدمرة على نهوض الشعوب الافريقية حيث تشير هذه الاحصاءات الى أن هناك في الفترة من 1990 -1995 وقعت 35 حربا عرقية في العالم منها 16 في أفريقيا وحدها.
1- مشكلات الحدود:
لقد لعب الاستعمار دورا كارثيا في خلق الأزمات بين الحكومات والشعوب الأفريقية واشعل بينها فتيل الحروب بسبب ما خلفه من حدود مصطنعة بينها حيث اصبحت مشكلة الحدود أحد مصادر التوتر في العلاقات العربية الأفريقية بل احد مصادر نشوب الحروب ومن هذه المشكلات التي ظهرت بعد الاستقلال مشكلة الحدود بين موريتانيا والسنغال وكذلك النزاع الليبي التشادي حول قطاع أوزو الذي تطور الى صراع عسكري على الحدود الى ان حكمت المحكمة الدولية لصالح تشاد وقبول ليبيا بقرار المحكمة، وكذلك مشكلة اقليم ايلمي بين كينيا والسودان واقليم انفدي بين كينيا والصومال واقليم أوغادين بين إثيوبيا والصومال والنزاع السوداني الإثيوبي الاريتري والنزاع الاريتري – اليمني حول الجزر الثلاث في البحر الأحمر.
2- التواجد الأجنبي لأفريقيا:
ويتمثل هذا التواجد بشكل فاعل من قبل ثلاثة أطراف هي فرنسا والولايات المتحدة واسرائيل وتسعى هذه الدول الى زعزعة العلاقات العربية الأفريقية من خلال اختلاق الأزمات مثل مشكلة الصحراء الغربية والصراع في جنوب السودان الذي أدى الى انفصال الجنوب وكذلك النزاع اليمني الاريتري.
وتشكل القضايا الثلاث التي أشرنا اليها بالاضافة الى طبيعة النظم السياسية في الدول الأفريقية أحد اهم المرتكزات التي يعمل الوجود الأجنبي على تأجيجها.
وتشكل تشاد أحد أهم القواعد العسكرية الفرنسية في أفريقيا (نجامينا) والتي ترتبط باتفاقية عسكرية مع تشاد منذ عام 1963.
هذا بالاضافة الى الوجود الفرنسي المتمثل بالوجود العسكري الفرنسي في كل من السنغال والجابون وكوت ديفوار أما الوجود الأميركي العسكري فيتمثل من خلال جنود البحرية الأميركية المارينز في كل من السنغال واوغندا وأفريقيا الوسطى وقد تم انشاء القيادة الأميركية لقارة أفريقيا (أفريكوم) في عهد الرئيس السابق جورج بوش الابن وتلعب الولايات المتحدة بورقة التجارة كأداة اختراق للقارة الأفريقية تحت مظلة ادماج أفريقيا في الاقتصاد العالمي، بالرغم من التنافس الأوروبي ـ الأميركي في أفريقيا والتعاون الأميركي ـ الاسرائيلي فإن هذا الوجود يشكل عقبة في النهاية لإنجاح أي تعاون بين الدول العربية والأفريقية نظرا لما يشكله هذا الوجود من خلق أزمات بين الدول العربية والأفريقية من خلال:
1- دعم الوجود الأنجلو أميركي لقادة موالين لها من خلال دعم الأقليات الحاكمة في كل من رواندا وبوروندي وأوغندا والحرص على ايجاد مناطق نفوذ في منطقة القرن الأفريقي خاصة قضية المياه واستخدامها كورقة ضغط في مواجهة كل من مصر والسودان.
ولقد سعت اسرائيل لتوقيع اتفاقية مع برنامج الأمم المتحدة اليونيدو لتدعيم انشطة الأمن الغذائي والمائي وتطوير استخدامها في دول افريقيا وتنص الاتفاقية على تمويل اسرائيل لمشروعات انمائية بتلك الدول وهو مايزيد من هيمنة اسرائيل في منطقة أفريقيا في غياب دور مصري مهم في هذه القضية.
2- التعاون الأميركي ـ الاسرائيلي ونجاح اسرائيل من خلال تواجدها في 48 دولة أفريقية ما اتاح لها فرصة تقويض وخلق المشاكل مع الدول العربية من خلال:
أ- دعم الأقليات في بعض البلدان الأفريقية الذين يرتبطون بالولايات المتحدة واسرائيل بعلاقات وثيقة.
ب- اقامة تحالفات مع الدول والجماعات الاثنية والدينية المعادية للعرب خصوصا في منطقة حوض نهر النيل لفتح ثغرة في خطوط الأمن القومي والمائي العربيين .
ج- دعم ميادين الاستخبارات والتدريبات العسكرية من خلال اسرائيل .
د- اثارة قضايا الاسلام السياسي من خلال ترهيب الدول التي تتواجد بها الحركات الاسلامية مثل كينيا ونيجيريا وجنوب افريقيا ووصفها لهذه الجماعات بالارهاب .
ان التخوف الحاصل الآن من الترتيبات الاقليمية الجديدة في الجوار الأفريقي الغربي لأفريقيا هو أن الحروب الأفريقية التي استدعت التدخل الغربي تحت غطاء محاربة الارهاب والراديكالية الاسلامية انما هو تدشين لمرحلة جديدة من التكالب الدولي على الثروات والموارد الأفريقية وذلك من خلال انتهاج سياسات جديدة.
وفي جانب آخر أسفر التوظيف السلبي للدين الاسلامي على أيدي حركات التطرف وسوء استخدامه في خلافات محلية قبلية أو حتى عائلية داخل أفريقيا وخارجها عن حالة من القلق عطلت دوره التاريخي في وقت أحوج ما تكون فيه أفريقيا الى هذا الدور، وفي هذا السياق استطاع الاسرائيليون اختراق حتى المجتمعات الاسلامية الأفريقية التي كانت تنظر الى اسرائيل نظرة رفض واستعداء ومن مؤشرات ذلك ان اسرائيل حصلت على موافقة بلدية توبا معقل الحركة الصوفية بالسنغال وبغرب أفريقيا كلها لإقامة شبكة لتوزيع مياه الشرب ومعالجة مياه الصرف الصحي، كما أقدمت نيجيريا أكبر دولة من حيث عدد السكان وبأكثرية اسلامية على استيراد معظم حاجتها من الأسلحة من اسرائيل وقد كانت من أهم العوامل المستجدة لنجاح التغلغل الاسرائيلي في أفريقيا هو القلق الأفريقي من العمليات التي تقوم بها حركات التطرف الاسلامي من جهة أولى وفي لجوء العديد من الدول الأفريقية الى جهاز المخابرات الاسرائيلي الموساد للحصول على المعلومات التي تساعدها على مواجهة هذه العمليات من جهة ثانية ومن هذه الدول إثيوبيا وكينيا وأوغندا وحتى نيجيريا.
ومن خلال ذلك تمكنت اسرائيل فقط من اختراق الأجهزة الأمنية الأفريقية في هذه الدول حتى أصبحت قادرة على توجيهها لضرب الحركات الاسلامية سواء كانت متطرفة أو حركات دعوية معتدلة حتى أصبحت اسرائيل عاملا مهما في نظر هذه الدول للحفاظ على امنها واستقرارها، كما نجحت اسرائيل في تشويه صورة الاسلام وتصويره على انه عامل ارهاب وتخريب.
3- مشكلة اللاجئين والنازحين:
هناك ما يقارب خمسة ملايين لاجئ في افريقيا ويتمركز نصفهم على الحدود العربية الأفريقية ويتركز حوالي مليون منهم على الحدود السودانية وقد فروا من إثيوبيا وأوغندا واريتريا وتشاد مما يؤثر سلبا على القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها للدول الحاضنة للاجئين وكذلك فاليمن يحتضن ما يزيد على مليوني لاجئ من دول القرن الأفريقي وأغلبهم من الصومال.
4- حركات التمرد والانفصال:
ويلعب التدخل الدولي والاقليمي دورا بارزا في دعم هذه الحركات والتي كان أبرزها قضية جنوب السودان التي كانت تلاقي دعما من كل من اثيوبيا وأوغندا واريتريا وكينيا فضلا عن الدعم الأميركي ـ الاسرائيلي وهناك الصراع الدائر في الصومال ودعم اطراف مختلفة للجماعات والقبائل المتصارعة في الصومال.
5- تشويه الصورة العربية لدى الشعوب الأفريقية:
لقد لعب الاستعمار دورا بارزا في تشويه صورة الانسان العربي في مخيلة الانسان الأفريقي حيث اصبحت صورة الانسان او التاجر العربي مرتبطة بتجار الرقيق باعتبارهم تجار جشعين وانتهازيين ولهم غايات توسعية ولعب الاستعمار البريطاني أخطر هذه الأدوار في أفريقيا حيث خلق حاجزا مصطنعا بين الانسان العربي والزنجي في أفريقيا كما قام الاستعمار الرئيسي في موريتانيا بخلق طبقة من الأقلية الزنجية في موريتانيا قام بدعمها ماليا واقتصاديا وثقافيا على حساب الاكثرية العربية في موريتانيا وهيأ لها المناصب المتميزة وعمل على اضعاف اللغة العربية وابعادهم عن الاسلام مما زاد الشقة بين العرب والزنوج الموريتانيين.
ان هذه التصرفات من قبل الوجود الاستعماري والأجنبي في أفريقيا لا شك أنها مهدت الطريق لزيادة الشقة بين أفراد المجتمع الواحد ناهيك بين الدول المتجاورة العربية والأفريقية.
6- التصحر والجوع ومشكلة نقص الغذاء:
وهناك محورين أساسيين لمفهوم الأمن الغذائي الأول وهو كمية ونوع الغذاء المطلوب توافره لتحقيق الأمن الغذائي والمحور الثاني هو كيفية الحصول على الغذاء سواء من المصادر المحلية أو الأجنبية وضمان تدفقه من تلك المصادر.
ان الطعام هو أول مقومات الحياة وعدم توافره بالصورة المطلوبة يؤدي الى الاضطرابات والفوضى واختلال الأمن، لذلك فإن تحقيق الأمن الغذائي للسواد الأعظم من السكان بأسعار تناسب دخولهم يعتبر من أهم دواعي استتباب الأمن الوطني في المجتمع ومؤشرا لمستوى العلاقة بين الحكومات ومواطنيها.
ولقد أدرك الرئيس الأميركي فورد حقيقة الأمن الغذائي للشعوب عندما قال إن الترسانة الأميركية تضم سلاحا سياسيا ذا فاعلية خاصة انه الغذاء.
ولذلك أدركت الولايات المتحدة أهمية سلاح الغذاء ولذلك فإن ما تتعرض له القارة الأفريقية من غزو أميركي وأوروبي واسرائيلي انما يدخل ضمن الاستراتيجية الطويلة المدى التي تستخدمها تلك الدول المحاصرة للوطن العربي رغم الثروات الهائلة التي حققها المستثمرون الأجانب القادمين من اوروبا وأميركا على وجه الخصوص بفضل الموارد الطبيعية والبشرية لأفريقيا فإن 17 دولة من دول العشرين التي تقع في جنوب الصحراء الأفريقية حيث يعيش 585 مليون نسمة هي الأقل استفادة من الكهرباء في العالم حيث تعيش هذه الشعوب بدون كهرباء مما جعل أعدادا كبيرة من الأفارقة يعانون من انتشار البؤس والفقر.
ويحاول النفوذ الأجنبي اليوم استخدام مصطلحات جديدة بعيدة عن تلك التي استخدمها الاستعمار السابق مثل الزنجية والقارة السوداء حيث يستخدم اليوم مصطلح أفريقيا جنوب الصحراء ودول شمال أفريقيا وهي مصطلحات لها اهداف سياسية لتأجيج الصراعات وزيادة التشرد والفقر.
مازالت منظمة الوحدة الأفريقية التي تأسست في أديس أبابا عام 1963 وبعد خمسين عاما وهي تحتفل بيوبيلها الفضي مرة ثانية في أديس أبابا لم تحقق أمال وطموحات الشعوب الأفريقية فهي لاتزال تعاني الفقر والصراع وعدم الاستقرار
وما أشبه اليوم بالبارحة فأمس في مؤتمر برلين 1884 -1885 حيث قسمت أفريقيا بين القوى الأوروبية واليوم تتواجد القوى الأجنبية بثوب آخر وبقوى اخرى غير الأوروبية وهي أميركا واسرائيل والصين والهند ومؤتمرات لندن وباريس الخاصة بالقرن الأفريقي والساحل والصحراء هي ثوب جديد للتكالب الدولي على الثروة والنفوذ في أفريقيا على حساب الشعوب الفقيرة.
حقيقة التعاون العربي ـ الأفريقي
يجب ان يدرك المجتمعون أن التعاون الافريقي ـ العربي لا يمكن ان يحقق النجاح المنشود اذا ما فكرنا أن يكون بصورة جماعية، فالخلافات العربية القائمة والأوضاع المتردية خاصة بعد الربيع العربي كلها عوامل لا تساعد على الاتجاه نحو العمل الجماعي ويبقى العمل الثنائي هو اكثر حظا في تعزيز التعاون العربي ـ الأفريقي خاصة ان هذا النوع من التعاون هو في واقع الحال قائما بشكل قوي فالاستثمار الخليجي يعمل بشكل جيد على مستوى القرن الأفريقي، كما ان هناك عشرين دولة أفروعربية تعمل ضمن التجمعات الأفريقية الحالية، فهناك على سبيل المثال تجمع دول الساحل والصحراء وهو من أحدث التجمعات الاقتصادية الأفريقية ويضم 16 دولة أفريقية منها ست دول أفروعربية على رأسها مصر التي تحتل أكبر وزن نسبي في تكوين الناتج المحلي الاجمالي للتجمع 33.5%، كذلك من بين هذه التجمعات السوق المشتركة للشرق والجنوب الأفريقي كوميسا والذي يضم في عضويته 20 دولة من بينها خمس دول أفريقية تمثل مصر مركز الثقل بمساهمتها بحوالي 50% من تكوين الناتج المحلي الاجمالي، فضلا عن تجمع دول غرب أفريقيا ايكواس ويضم ثلاث دول أفروعربية والهيئة الحكومية لتنمية شرق افريقيا ايغاد والاتحاد الاقتصادي لأفريقيا الوسطى ايكاس وغيرها من التجمعات.
وتجدر الاشارة الى وجود عشر دول أفروعربية تجمع بين عضويتي جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي وتشكل هذه الدول 80% من الشعوب العربية - تعدادها 200 مليون- التي تغطي القارة الأفريقية.
من جانب اخر، بلغ حجم المساعدات الاقتصادية التي قدمها المصرف العربي للتنمية الاقتصادية الى الدول الأفريقية خلال الفترة من 1975 – 2005 مبلغ 2790.338 مليار دولار.
وكمثال على التعاون الثنائي فقد بلغ حجم الاستثمارات المشتركة بين المملكة العربية السعودية والدول الأفريقية حتى عام 2007 مبلغ 2.147 مليار دولار وان التجارة بين المملكة وأفريقيا لا تمثل سوى 1.7 مليار دولار من اجمالي التجارة الخارجية للمملكة وتتركز هذه التجارة مع جنوب أفريقيا وكينيا وبنسبة تصل الى 87.3% من اجمالي صادرات المملكة للدول الأفريقية.
يشير التقرير الاقتصادي الموحد الطبعة الأخيرة ان اجمالي ما قدمته الدول العربية المانحة خلال الفترة 1970 – 2007 بلغ 132 مليار دولار قدمت منها دول الخليج العربي 125 مليار دولار أي ما يعادل 94.7% من اجمالي المساعدات الانمائية وبلغ اجمالي المساعدات الانمائية العربية في عام 2007 لوحده نحو 3.2 مليارات دولار كانت حصة الدول الأفريقية غير العربية منها نحو 2.20% واهم الدول المانحة هي السعودية والامارات والكويت وقطر.
تجدر الاشارة الى أن أفريقيا تمتلك 33% من الكوبالت و25% من الماغنسيوم و25% من الألماس و25 من اليورانيوم وهو ما يشجع الدول الغربية نحو السيطرة على هذه الثروات في ظل غياب الوجود العربي والمستثمر الغربي في أفريقيا.
وعلى صعيد الدول الخليجية يصل حجم التبادل التجاري بين المجموعتين الخليجية والأفريقية نحو 25 مليار دولار وهو رقم ضئيل جدا بالمقارنة بالفرص المتاحة، ويمكن تحفيز الاستثمار العربي والخليجي في أفريقيا من خلال تغيير النظرة غير الواقعية للمستثمرين الخليجيين للأسواق الأفريقية التي مازال ينظر اليها المستثمر العربي والخليجي على انها غير واعدة هذا بالاضافة الى ضعف المعلومات عن الأسواق الأفريقية بالاضافة الى عدم وجود ضمانات للاستثمار من جهات أفريقية خاصة بالأسواق المرتفعة المخاطر هذا فضلا عن ضعف المشاركة في المعارض الأفريقية التي تتم اقامتها في بعض الدول الأفريقية.
هل ينجح مؤتمر القمة العربي الأفريقي في الكويت في معالجة قضايا الأمن الغذائي والمائي العربي والافريقي؟
نظرة عامة على مستقبل الأمن المائي في افريقيا:
ان قضايا الأمن المائي والامن الغذائي العربي والافريقي هي قضايا استراتيجية مصيرية ليس بوصفها قضايا تقنية بل هي مسألة حساسة تدخل في صلب مصير العرب وافريقيا ومستقبلهم في ظل التغيرات التي تحيط بالمنطقة.
مفهوم الأمن الغذائي:
لابد قبل الحديث عن الأمن الغذائي أن نعرف ما مفهوم الأمن الغذائي وهو في الحقيقة يعتمد على نشاطين اقتصاديين هما المخزون الاستراتيجي الغذائي والاكتفاء الذاتي من الطعام أما المخزون الاستراتيجي فهو حجم الطعام المخزون المطلوب لمواجهة ما يحدث من أزمات غذائية أو نقص في الطعام وعادة يتعلق بالحبوب مثل الأرز والقمح كحبوب رئيسية بالاضافة الى مخزون الأغنام الحية أو غيرها من مصادر اللحوم وجرت العادة على ان يكون هذا المخزون يكفي لمدة ستة شهور.
أما الاكتفاء الذاتي فهو كمية الطعام المتوافرة تحت يد الدولة سواء كان منتجا أو مستوردا بطريقة الشراء وهذين النشاطين لا يعنيان بالحقيقة قضية الأمن الغذائي.
أما المقصود بالأمن الغذائي فهو حالة استقرار غذائي تتضافر فيها جهود الانتاج الغذائي لكي يكون الجميع في حالة تسمح لها بالحصول على غذائهم في الوقت المطلوب وهناك محوران أساسيان لمفهوم الأمن الغذائي.
المحور الأول وهو كمية ونوع الغذاء المطلوب توفره لتحقيق الأمن الغذائي، والمحور الثاني هو كيفية الحصول على الغذاء سواء من خلال المصادر المحلية او الأجنبية وضمان تدفقه من تلك المصادر.
تعتبر القارة الأفريقية هي ثاني أكبر القارات في العالم من ناحية المساحة الكلية حيث بلغت مساحتها حوالي 30 مليون كم2 حيث تمثل 23% من اجمالي المساحة الكلية لسكان العالم البالغ 6.8 مليارات نسمة عام 2010. ويعيش سكانها في 54 دولة مستقلة وتعتبر مصر في موقعها الشمالي الشرقي للقارة الأفريقية جعلها بوابة أفريقيا للقارة الآسيوية والأوروبية.
ان التحديات التي تواجه مؤتمر القمة العربي الأفريقي كبيرة ولكن رغم اهمية القضايا الأخرى التي تطرقت اليها في الدراسة الا ان قضية الأمن المائي والغذائي هي قضية دولية قبل أن تكون اقليمية او محلية.
فالصراع على المياه هو جرس وناقوس الخطر القادم مستقبلا في ظل الجفاف الذي يعاني منه الكثير من دول العالم وبشكل طبيعي يأتي الأمن الغذائي كأحد أهم مخرجات قضية الأمن المائي فلا زراعة بدون ماء ولا غذاء بدون زراعة فهي حلقة مترابطة.
يتوقع أن يصل تعداد السكان في أفريقيا مليار نسمة عام 2030 في حين يعاني نحول مليار نسمة في العالم من نقص الغذاء والجوع ويعيش أكثر من 23% منهم في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
ومازالت أفريقيا تعاني من ضعف استخدام الأراضي الصالحة للزراعة رغم وجود طاقات ري هائلة في افريقيا.
فحصة افريقيا من المياه لا تزيد عن 5000 م3 للفرد الواحد في السنة مقابل 24000م3 للفرد/ سنة في القارة الأميركية و9000م3 للفرد الواحد/ السنة في اوروبا كما أن الموارد المائية في القارة الأفريقية غير موزعة بالتساوي فنهر الكونغو يمثل لوحده 30% من الموارد المائية في القارة الأفريقية في حين تستحوذ 10 أنهار أخرى من اهم الأنهار على 50% من مجموع المياه المتدفقة ولا تتعدى مساهمة اقليم الساحل السوداني ومنطقة الشمال أكثر من 12% و43% على التوالي من مجموع مصادر المياه المتجددة وتتميز أفريقيا بوجود تفاوت كبير في مياه الأمطار وبمعدل تبخر كبير ويؤدي عدم انتظام الأمطار من وقت لآخر الى تقلب منسوب الأنهار خلال عدة سنوات والى جفاف متكرر قد يتسبب في المجاعة وتستخرج بلدان اخرى كميات مياه أكبر مما هو متوافر في أراضيها مستفيدة في ذلك من الكميات الواردة عبر الحدود من بلدان اخرى وتشارك معظم البلدان الأفريقية في حوض نهر دولي واحد على الأقل.
وترجع أهم أسباب المشاكل التي تعاني منها القارة الأفريقية في ادارة المياه الى الآتي:
1- عدم وجود سياسة واستراتيجية واضحة في ادارة قطاع المياه.
2- غياب الأطر المؤسسية والقانونية والتنظيمية المناسبة.
3- عدم كفاية تعبئة المياه للاستخدام الزراعي من أجل ضمان الأمن الغذائي ومكافحة الفقر.
4- قلة الاستثمارات في قطاع المياه ونقص الخبرات المحلية.
5- قلة الأبحاث والتطوير لتعبئة الموارد المائية وادارتها.
6- وجود مشاكل في التنسيق بين البلدان التي تتقاسم نفس مجاري المياه الدولية واستنادا الى التقديرات الاولية للمنظمة يمكن زيادة المساحات التي يتم الاستثمار فيها لادارة المياه في 14 مليون هكتار حاليا الى 30 مليون هكتار عام 2015 وهذا يتطلب المزيد من الاستثمار في مجال التحكم بالمياه للاستخدامات الزراعية بمعنى الادارة المتكاملة للموارد المائية.
وهناك ارتباط بين الأمن الغذائي والمائي ففي جنوب الصحراء الأفريقية هناك نسبة 40% من عدد سكانها أي ما يساوي 330 مليون نسمة لا يتوافر لهم مصادر مائية متناولة وهناك مليار نسمة في العالم عليهم ان يقطعوا رحلة تمتد 3 ساعات على الأقدام كي يحصلوا على الماء كما ان ثلث سكان العالم يعيش في منطقة تندر فيها الموارد المائية.
ان قضيتي الأمن المائي والأمن الغذائي العربي الأفريقي هما قضية استراتيجية مصيرية ليس بوصفها قضية تقنية بحتة بل هي مسالة حساسة تدخل في صلب مصير الدول العربية والافريقية ومستقبلها في ظل المتغيرات التي تحيط بالمنطقة.
لقد ادركت دول أفريقيا حجم المشكلة التي تعاني منها أفريقيا وهي عملية التنمية المائية في القارة الأفريقية حيث اجتمع ممثلو ثلاثة وخمسين بلدا افريقيا في المؤتمر الزراعي الذي عقد في القاهرة في ديسمبر2008، حيث أكد المجتمعون تحديات تغير المناخ مؤكدين على أن المياه تشكل عماد التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالاضافة للجهود التي تبذلها الدول الأفريقية بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة الدولية التابعة للأمم المتحدة للقضاء على مشكلة الجوع والفقر في أفريقيا وان تحقيق الأمن الغذائي وامن الطاقة شرطان لتطوير رأس المال البشري في القارة الأفريقية.
وأهمية الاسراع في مشاريع الاستثمار في مجال تطوير الموارد المائية لأغراض الزارعة والطاقة.
وتجدر الاشارة الى أن بحيرة تشاد والتي كانت تعد سادس اكبر بحيرة في العالم قد تقلص حجمها الى العشر خلال 35 عاما الماضية مما يعرض السكان المحليين الى الخطر.
وقد أدى تضافر ارتفاع درجات الحرارة وزيادة التبخر وانخفاض معدلات سقوط الأمطار لتقليل تدفق المياه بنسبة كبيرة في العديد من الأنهار الرئيسية في أفريقيا كما تسببت في وقوع حالات جفاف متكررة بمنطقة القرن الأفريقي ويشير تقرير المياه العالمي الثالث الصادر عن الأمم المتحدة الى حقائق هامة وخطيرة فهناك مليار ونصف المليار تقريبا من الأشخاص ليس لديهم مصادر للمياه النقية و3 مليارات شخص في العالم ليس لديهم أي نظام للصرف الصحي ويموت كل يوم نحو 35 ألف شخص نتيجة نقص المياه أو بسبب الاعتماد على المياه الملوثة كما يموت 6000 طفل بسبب الأمراض الناشئة من تلوث المياه، ان هذه الأرقام المخيفة تأتي في ظل الطلب العالمي المتنامي على موارد المياه حيث يتوقع الخبراء في شؤون المياه والبيئة والزراعة الى ارتفاع الطلب على المياه من 4500 مليار متر مكعب في الوقت الحاضر الى 6900 مليار متر مكعب عام 2030 بما يعني أن يعيش ثلث السكان الذين يتجمعون في البلدان النامية في أحواض يتجاوز العجز فيها نحو 50% من احتياجاتهم المائية والغذائية.
بينما يصل متوسط استهلاك الفرد في أميركا في المتوسط الى 400 ليتر من المياه في اليوم وهو ما يكفي استهلاك الفرد لمدة شهر في بعض الدول الأفريقية.
ومازالت الدول الأفريقية خاصة جنوب الصحراء التي تعاني الكثير من دولها من شح المياه وتلوثها.
ان تكرار موجات الجفاف وازدياد الكثافة السكانية وحدوث المجاعات في دول الحوض جعلها تفكر في أمنها الغذائي وبالتالي التخطيط لتطوير نظم الزراعة المروية والبحث عن موارد مائية جديدة تفوق حصصها المقررة بها من مياه النيل وهذا ما حصل فعلا مع اثيوبيا ان المياه والأراضي الصالحة للزراعة لم تستغل بعد وغير موزعة توزيعا متساويا بين دول الحوض فاثيوبيا كما اسلفنا التي يمر بها النيل الأزرق وتكثر بها الأمطار تعاني من المجاعة وسوء استخدام مواردها المائية وبالمقابل ستواجه السودان ومصر أزمة مائية في السنين القادمة نظرا للمشروعات الزراعية المستقبلية والزيادة السكانية في البلدين، كما أدى احتباس الماء عن منطقة الصومال والقرن الأفريقي الى أكبر مجاعة تمر بها البشرية منذ مطلع القرن الحادي والعشرين.
ان حاجة دول الحوض بكميات اضافية لتأمين احتياجاتها من الغذاء والطاقة قد يؤدي الى توتر العلاقة بين دول الحوض وهو ما يسعى اليه النفوذ الأجنبي وعلى رأسه اسرائيل فاسرائيل لها مصالح استراتيجية في دول الحوض وان توزيع المياه بين دول الحوض يؤثر مباشرة على اسرائيل التي وافقت على انشاء ثمانية سدود لتخزين مياه النيل اربعة منها في تنزانيا وثلاثة في اوغندا وواحد في بوروندي وذلك أثناء زيارة وزير الخارجية ليبرمان لعدد من دول حوض النيل عام 2009 فاسرائيل تسعى من خلال وجودها في دول اعالي النيل الى شراء وامتلاك اراض زراعية برأسمال يهودي بدعوى اقامة مشروعات زراعية في تلك الأراضي اثيوبيا والكونغو الديموقراطية وقامت باعداد دراسات تفصيلية لكل من اثيوبيا – زائير – رواندا واوغندا لبناء سدود ومشروعات زراعية وهي التي تحث دول حوض النيل للمطالبة باعادة النظر في حصص المياه الخاصة بنهر النيل.
لقد شكلت معاهدة عنتيبي عام 2010 التي وقعتها دول منبع نهر النيل الست اثيوبيا – أوغندا – كينيا – تنزانيا – رواندا – بوروندي ناقوس الخطر حيث تضمنت هذه الاتفاقية تقاسم مياه النهر دون ادنى اكتراث لاعتراض دولتي المصب السودان ومصر التي تقتطع المعاهدة جزءا من حصتهما المقدرة سنويا بـ 55.5 مليون متر مكعب لمصر و18.5 مليون متر مكعب للسودان.
أولا: قضية الأمن المائي والغذائي على مستوى الوطن العربي
لقد أدى شح المصادر المائية في معظم البلاد العربية الى مستقبلا غامضا لهذه المصادر حيث ان 90% من الأراضي الزراعية في العالم تعتمد على مياه الأنهار التي تنبع من خارج الأراضي العربية فاثيوبيا وتركيا وغينيا وايران والسنغال تتحكم بحوالي 60% من منابع الموارد المائية للوطن العربي ومما يزيد الأمر تعقيدا فان العالم العربي يعاني من فقر مائي سيصل في وقت قريب الى مستوى خطر داهم على الأمن القومي العربي لارتباطه بالأمن المائي والأمن الغذائي مع تزايد الكثافة السكانية وتزايد الشح في الموارد المائية ولقد أدى تصاعد الوجود الاسرائيلي في افريقيا الى زيادة التدخل في صناعة القرار بمنطقة القرن الأفريقي وحوض النيل والبحر الأحمر.
ان تزايد مخاطر التدهور الأمن المائي وبالتالي الأمن الغذائي سيشكل ولا شك تهديدا للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للوطن العربي في ظل ضعف الاستثمارات في التنمية الزراعية وعدم وجود استراتيجيات وطنية مشتركة في البلدان العربية وفي المقابل فان التقلبات في حجم المعروض في السوق العالمي من السلع الغذائية تبعا للانتاج وتغيرات السياسات التجارية وتذبذب أسعار السلع الأساسية كل ذلك سيشكل تهديدا حقيقيا للأمن الغذائي في الوطن العربي عامة والخليجي خاصة.
ومع الأسف لم يتنبه القائمين على السياسة في الوطن العربي لقضية الأمن الغذائي الا بعد الأزمة الغذائية التي عصفت بالعالم عام 1973/1974 والتي ادت الى ارتفاع حاد في أسعار الغذاء وانخفاض كبير في المخزون العالمي من الغذاء.
وبغض النظر عن تضارب التقديرات والأرقام الخاصة بتأثيرات سد النهضة في أثيوبيا فان مصر مقبلة لا محالة على مرحلة العطش المائي اذ انها تستهلك اليوم حصتها كاملة من المياه وبحلول عام 2050 ستكون بحاجة الى نحو 21 مليار متر مكعب اضافي لمواجهة الزيادة السكانية.
وتزعم أثيوبيا أنها ستستخدم السد لانتاج الكهرباء فقط حيث من المتوقع أن تصبح أكبر منتج للطاقة الكهرومائية في أفريقيا أما اذا قامت باستخدامه لأغراض الرعي والزراعة فانها ستقوم قطعا بتحويل ما يربو على 18 مليار متر مكعب من المياه وهو ما يضر بالأمن المائي المصري بشكل بالغ. وبالمقابل سيحرم مصر من تعظيم مواردها المائية عبر ما يعرف بمشروع دعم الاستفادة من الفواقد المائية الموجودة على الحدود الأثيوبية وفي جنوب السودان والمقدرة بنحو 56 مليار متر مكعب من المياه.
ان الوطن العربي مازال يعاني من تباطؤ حجم الانتاج الزراعي بأنواعه المختلفة على الرغم من تزايد تعداد السكان بصورة ملحوظة وهناك أسباب كثيرة لهذا التباطؤ بالنمو الزراعي في الوطن العربي بسبب الجفاف وانخفاض مستويات الامطار والتوسع العمراني وتراجع حجم الاستثمار في المشاريع الزراعية وغيرها من الأسباب.
وفي المقابل فقد ازداد حجم استيراد الأغذية منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي حيث ازداد نسبته في السنوات الأخيرة ففي عام 1990 كانت قيمة الفجوة الغذائية حوالي 11.8 مليار دولار ارتفعت الى حوالي 13.9 مليار دولار عام 2000 ثم ازدادت الى حوالي 18.1 مليار دولار عام 2005 وقبل ارتفاع اسعار الغذاء عالميا كما بلغت حوالي 23.8 مليار دولار عام 2007 وازدادت نحو 4% في عام 2008 مقارنة بعام 2005 وتظهر هذه الأرقام أن الفجوة ازدادت بمعدل سنوي 1.7% خلال الفترة 1990 - 2000 بينما ازدادت بمعدل سنوي 8% خلال الفترة من 2000 – 2007 وقد قدرت قيمة الفجوة الغذائية في الوطن العربي بـ 37 مليار دولار عام 2010 بينها 21 مليار في مجال الحبوب على الرغم من انتاج الوطن العربي من الحبوب ما يعادل نحو 2.3% من الانتاج العالمي عام 2009 ووصلت نسبة ناقصي الغذاء نحو 11% من مجموع السكان في الوطن العربي وتجاوزت في بعض الدول العربية 70%.
ثانيا: قضية الأمن المائي والغذائي على مستوى الخليج العربي:
ان دول الخليج مقبلة على مشكلة كبيرة في تأمين احتياجاتها البشرية من المياه فضلا عن حاجتها لتأمين المياه للجوانب الزراعية والصناعية فدول المجلس تعتمد بشكل رئيسي على المياه المحلاة في توفير المياه فمثلا المملكة العربية السعودية التي تعتبر أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم حيث تنتج 18% من الانتاج العالمي يتم انتاجها عبر 27 محطة تحلية عاملة على الساحلين الشرقي والغربي من المملكة واعتماد دول الخليج على مياه البحر التي يمكن ان تتعرض في أي ظرف لكوارث التلوث الاشعاعي من المحطات النووية الايرانية في بوشهر القريبة من الخليج يضعها في مأزق شديد خاصة في ظل ندرة المياه الجوفية الغير المتجددة.
ان دول الخليج الان في أمسّ الحاجة لايجاد خطة استراتيجية للبحث عن بدائل لتامين حاجتها من المياه والغذاء فهذان العنصران يشكلان عصب الحياة للمواطن الخليجي هذا اذا علمنا أن الفاتورة السنوية التي تتحملها الاقتصادات الخليجية لاستيراد الغذاء بلغت نحو 83 مليار دولار في عام 2012 وهي تساوي ما يعادل 27.7% من الفاتورة الاجمالية للواردات على مستوى المنطقة ككل ويتوقع أن يصل حجم الفجوة الغذائية في السنوات الخمس القادمة لدول المجلس الى نحو 106 مليارات دولار بنسبة 27% عن مستواها الحالي.
رغم ما تمتلكه دول الخليج من احتياطيات نقدية كبيرة ومعدلات نمو مرتفعة الا أنها تعاني نقصا حادا في قدراتها المائية والزراعية.
ان الخيار الاستراتيجي المتوفر حاليا أمام دول الخليج العربي لتأمين الحاجات الغذائية المتنامية لشعوبها يتمثل في التوجه للدول الأفريقية خاصة دول حوض النيل وهي سلة واعدة للغذاء والتي تتوافر بها الأراضي الزراعية الخصبة والموارد المائية في نفس الوقت الذي تحتاج هذه الدول الى الأموال اللازمة للتنمية.
وتعتبر منطقة حوض النيل بمثابة العمق الاستراتيجي والامتداد الجغرافي للخليج العربي وانطلقت دول الخليج العربي تأسيسا على برنامج الأمن الغذائي للعالم العربي للأعوام العشرين القادمة الذي وافقت عليه القمة العربية الاقتصادية التي عقدت في الكويت في يناير 2009 والذي كان يهدف الى رفع نسبة الاكتفاء الذاتي من الغذاء في الوطن العربي خلال العشرين عاما القادمة من الحبوب الى ما بين 57% - 93% ومن المحاصيل السكرية الى 81% ومن البذور الزيتية الى 69% والأرز 90%.
ان حجم الفجوة الغذائية العربية واستيراد الدول العربية لكم هائل من المنتجات الغذائية حيث يبلغ حجم الاستيراد العربي للغذاء سنويا نحو 75 مليون طن منها 50 مليون طن من الحبوب و20 مليون طن من القمح ليصل حجم الفجوة الغذائية العربية الى 20 مليار دولار أميركي مرشحة للزيادة في المستقبل.
لقد أدركت دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية حجم الأزمة الغذائية من خلال مبادرة خادم الحرمين الشريفين نحو الانطلاق للاستثمار الخارجي في 21 دولة على رأسها الدول الأفريقية ضمن 3 مسارات حددتها خطة خادم الحرمين الشريفين تعتمد على تشجيع الاستثمار في الداخل والخارج والاستيراد للمواد الغذائية من الخارج.
انطلقت دول الخليج نحو دول حوض النيل وخاصة السودان – أثيوبيا – تنزانيا – كينيا - الكونغو الديموقراطية.
وقد كان نصيب السودان هو الأكبر بالنسبة للاستثمار الزراعي الخليجي وقد كان على رأس المستثمرين السعودية والامارات والكويت وقطر.
اذا ما اضفنا الى الاستثمار الزراعي الخليجي في أفريقيا الجانب الاقتصادي المهمل من الجانب العربي والخليجي خاصة، فان دول مجلس التعاون عليها أن تدرك أهمية العمق الأفريقي لمستقبل الاستثمار في أفريقيا رغم كل المخاطر فالحقائق الأفريقية الجديدة والممثلة في ان التقديرات الجديدة لأفريقيا تقول أنها أضحت واحدة من أكثر وأسرع مناطق العالم نموا فقد زاد الناتج المحلي الاجمالي للقارة في ما بين 2000 – 2008 بمعدل 4.9% سنويا وهو ضعف نسبة نموها في العقدين السابقين وبحلول عام 2008 كان ناتج افريقيا يساوي 1.6 تريليون دولار أي ما يعادل تقريبا ناتج كلا من روسيا والبرازيل وكان ذلك احدى نتائج التحسن النسبي للأوضاع الأمنية السابقة الناتجة عن الانقسامات العرقية والقبلية وقد كانت افريقيا وآسيا المنطقتين اللتين ارتفع فيهما الناتج المحلي الاجمالي خلال عام 2009 الذي شهد الكساد العالمي وكلما زادت العائدات من المصادر الطبيعية الداعمة القديمة لاقتصاد أفريقيا حيث مثلت 24% من النمو الاقتصادي خلال العقد الأخير وجاءت النسبة الباقية من القطاعات الواعده المزدهرة الاخرى وتجارة التجزئة والزراعة والاتصالات هبط معدل التضخم الى 8% في السنوات الأولى من القرن الحالي بعد أن ارتفع الى مستوى 22% قبل عقد واحد. كما أن الدول الأفريقية خففت من العوائق التجارية وخفضت الضرائب وقامت بخصخصة الشركات وحررت العديد من القطاعات بما فيها القطاع المصرفي.
ويوجد في أفريقيا اليوم أكثر من 100 شركة محلية تزيد عائداتها على مليار دولار. كما ارتفع تدفق رأس المال الى القارة من 15 مليار دولار فقط عام 2000 الى 87 مليار دولار عام 2007. ويعود ذلك لسبب وجيه هو أن أفريقيا تحقق أعلى عائد على الاستثمار مقارنة بأي منطقة أخرى في العالم.
وهناك نقطة لابد الاشارة اليها هي ان دول الخليج بما تملكه من فوائض مالية كما اسلفنا قد تواجه مشاكل في عدم القدرة على تأمين الغذاء لشعوبها رغم توافر السيولة المالية وذلك بسبب امتناع الدول المنتجة عن بيع منتجاتها في حالة حصول حالات الجفاف أو الكوارث مثلما حدث في روسيا عام 2010 عندما فرضت حظرا على تصدير القمح نتيجة لما تعرضت له من جفاف وحرائق غابات، وكذلك ما حصل عندما ادت الأمطار الموسمية والفيضانات العاتية في كل من الصين وأميركا وأوروبا وأستراليا والهند الى تدمير 45% من محاصيل الأرز والذرة و60% من المحاصيل الأخرى مما حدا بها الى فرض حظر على التصدير، هذا اذا علمنا أن 94% من انتاج الأرز المنتج يتم استهلاكه محليا في الدول المنتجة للأرز هذا من جانب والجانب الآخر فإن قواعد الاستثمار الخارجي في الزراعة تخضع لاتفاقيات دولية بالغة التعقيد يفوق عددها 17 اتفاقية كلها تقضي بالأحقية المطلقة للدول المنتجة للمحاصيل الزراعية أو غيرها من مصادر الغذاء في بيع سلعها الزراعية على سكانها فقط اذا وجدت أن ذلك في مصلحة مواطنيها واقتصادها حتى لو كان المستثمر في زراعتها أجنبيا وهذا ما يشكل خطورة وتحديات كبيرة امام الاستثمار الخليجي في أفريقيا أو أي من الدول الأخرى كما تبيح الاتفاقيات الدولية وفقا للمادة a-2-11 من الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة «الجات» التي نصت على حق الدول في فرض الحظر على الصادرات بقصد منع او التخفيف من وطأة أوجه النقص الحرج أو الحاد في المواد الغذائية او المنتجات الأخرى التي تعد ضرورية ولا غنى عنها بالنسبة للمصدرين.
ومع الأسف رغم كل الأزمات السياسية التي مرت بها المنطقة العربية بشكل عام ومنطقة الخليج بشكل خاص الا ان القائمين على السياسة والمخططين لبرامج التنمية لم يدركوا مخاطر هذه الأزمات الغذائية على مستقبلهم ومستقبل شعوبهم فازدادت الشعوب العربية بؤسا وفقرا وجهلا حتى وصل مستوى الفقر في العديد من الدول العربية الى مستويات متدنية حيث وصلت نسبة ناقصي الغذاء الى 11% من مجموع السكان وتجاوزت في بعض الدول العربية الى 70% كما أسلفنا وجاءت ثورات الربيع العربي لتزيد من بؤس هذه الدول التي تعاني أصلا من أزمات اقتصادية.
ان دول الخليج هي أكثر الدول عرضة للأزمات الغذائية فهي لا تملك العناصر الضرورية الكافية للاستثمار في الزراعة وخاصة الاراضي الخصبة والظروف الجوية المناسبة ومصادر المياه الطبيعية عدا الآبار الجوفية التي تتعرض للاستنزاف وارتفاع نسبة الملوحة في ظل شح الأمطار والجفاف الذي يعاني منه معظم دول العالم بشكل عام ودول الخليج بشكل خاص.
ان نظرة عامة الى مستقبل الاستفادة من الامكانيات الهائلة للزراعة في افريقيا تدعونا الى العمل الجماعي على المستوى الخليجي للاستفادة من الطاقات الزراعية الهائلة في أفريقيا والتي ادرك الاجنبي حقيقتها منذ عقود وعلى سبيل المثال:
فإن السودان قادر على تطوير زراعة قصب السكر الذي تجود زراعته في الأراضي السودانية وان كانت الكويت أدركت ذلك منذ عقود وقامت بإنشاء مصنع كنانة للسكر الا ان الظروف والأزمات التي مر ويمر بها السودان لاشك تقف عائقا امام تطوير هذه الصناعة والزراعة على حد سواء، فمصر وحدها تستورد ما يزيد على مليون ونصف المليون طن سكر سنويا من دول مثل البرازيل بالرغم من ان مصر على بعد خطوات من السودان، هذا فضلا عن ان قصب السكر يزرع في اراضي تنزانيا واثيوبيا التي تعتبر من اكبر الدول المنتجة للايثانول في العالم لأنها تملك 90 مليون فدان وتطرح معظم أراضيها للاستثمار في الزراعة.
كما تمتلك أفريقيا ثروة حيوانية هائلة، فالسودان على سبيل المثال يملك 157 مليون رأس تليها أثيوبيا 80 مليون رأس ثم تنزانيا 60 مليون رأس وهذه الدول قادرة على توفير لحوم نظيفة من خلال تغذيتها على مراعي طبيعية مما سيساهم في سد الفجوة الغذائية من البروتين الحيواني، أما في جانب الحبوب وعلى رأسها القمح فمازالت أفريقيا لا تشكل أهمية تذكر في انتاج الحبوب خاصة القمح باستثناء مصر التي تأتي في المرتبة 16 عالميا بانتاج القمح والمغرب في المرتبة 17.
ولقد لعبت دولة الكويت دورا مهما في الاستثمار في افريقيا فقد مثلت الاستثمارات الكويتية في عقد الستينيات 5% من جملة الاستثمارات العربية وزادت في عقد السبعينيات لتصل الى 10% ثم زادت في عقد الثمانينيات لتصل الى 20% من اجمالي الاستثمارات العربية في افريقيا هذا بالاضافة الى الاستثمارات الكويتية الأخرى من خلال مشاركة الكويت في الشركات الكويتية الكبرى العاملة في أفريقيا وباقي دول العالم الثالث الا ان الملاحظ ان مجموع الاستثمارات الكويتية في الدول الافريقية لم يمثل سوى 4% من مجموع الاستثمارات الكويتية في الخارج وساهم الصندوق الكويتي بنحو 7.2 مليارات دولار.
هذه الحقائق الجديدة عن افريقيا تبدو غائبة مع الأسف عن اصحاب القرار في عالمنا الخليجي.
مخاطر تحقيق الأمن الغذائي الخليجي في أفريقيا:
ان التغلغل الأجنبي في حوض النيل لاشك يشكل عقبة أمام تحقيق الأمن الغذائي العربي المشترك مع دول حوض النيل خاصة بالنسبة لدول الخليج العربي الذي يعد أحد ركائز الأمن القومي الخليجي.
ان مشروع الرئيس الأميركي كلينتون الذي دعا الى قيام ما يعرف بالقرن الأفريقي الكبير ليشمل بالاضافة لدول القرن الأفريقي التقليدية المعروفة جغرافيا كل دول حوض النيل عدا مصر وذلك بهدف جعل الامتداد الجغرافي لمنطقة الخليج العربي في أفريقيا تحت السيطرة الأميركية المباشرة ويهدف لعزل مصر وهي دولة اقليمية ويمنع تلاقي مصالحها مع كل من المصالح العربية والمصالح الأفريقية لحوض النيل والمدخل الجنوبي للبحر الأحمر ونظرة سريعة على خريطة الوطن العربي نلاحظ ما يلي.
ان الوطن العربي له القدرة على التحكم في العلاقات التي تربطه بقارة أفريقيا نظرا لسيطرته على شاطئ البحر الأحمر تقريبا كما يحيط الوطن العربي بأفريقيا على شكل قوس يمنع اتصالها بأوروبا الا عن طريقه، والى حد ما بآسيا. كما لا يمكن أن تتصل بجنوب شرق آسيا بريا الا عبر الأراضي العربية وتقع ثلث الدول العربية في أفريقيا هذا بالاضافة الى أجزاء من الشرق الاثيوبي بها كثافة سكانية عربية.
ان تحولات السياسة الخارجية الأميركية بعد 11 سبتمبر 2001، غيرت من الرؤية الاستراتيجية للقارة من المنظور الأميركي خاصة في ظل التطورات السياسية ولاقتصادية والأمنية التي شهدتها القارة الأفريقية في العقد الأخير، حيث سعت للسيطرة على القارة من خلال القيادة العسكرية الأميركية ـ الأفريقية (أفريكوم)، ومشروع القرن الأفريقي الكبير حيث بدأ النشاط الفعلي لهذه القيادة في أكتوبر 2008 والتي تضم كل القارة الافريقية ما عدا مصر التي تتبع القيادة المركزية والتي تشمل أيضا دول الخليج العربي ويدخل في دائرة تدخلها جزر المحيط الهادي مثل سيشل ومدغشقر وجزر القمر
التواجد العسكري الإسرائيلي:
وقد شهدت دول حوض النيل علاقات متنامية مع اسرائيل من خلال الاتفاقيات الثنائية التي وقعت مع بعض دول حوض النيل والتي شملت امدادها بالأسلحة واتفاقيات عسكرية تدريبية وتسهيلات عسكرية بحرية وجوية للقوات الاسرائيلية مع كثير من الدول النيلية وخاصة مع كينيا بميناء ممباسا وكذلك الوجود العسكري في جزر البحر الأحمر التابعة لجيبوتي واريتيريا.
ان عدم قدرة دول الخليج العربي على تحقيق الأمن الغذائي ذاتيا رغم العوائد النفطية والنقدية الكبيرة يجعلها تحت سيطرة الدول المنتجة للغذاء وخاصة الدول الأوروبية ويجعلها غير قادرة على اتخاذ قرارها السياسي بحرية وفي المقابل فإن لجوء دول الخليج العربي الى دول أفريقيا وخاصة دول حوض النيل لتحقيق الأمن الغذائي لشعوبها يضعها أيضا في مخاطر التهديد الأميركي والأوروبي والاسرائيلي التي أشرنا اليها والتي لها تأثيراتها السياسية على صانع القرار الأفريقي مما يجعل دول الخليج غير قادرة كليا على تحقيق مطالبها والاستثمار بشكل آمن بهذه الدول لتأمين أمنها الغذائي والقومي ومن هنا فإن الدول الخليجية مطالبة بوضع استراتيجية في تحقيق أمنها الغذائي في أفريقيا اعتمادا على مرتكزين أساسيين:
أ- استمالة الأنظمة الأفريقية الى جانبها لضمان الحد من النفوذ الاجنبي في هذه الدول.
ب - الخروج من نطاق دول حوض النيل التي تشمل السودان – أثيوبيا – الكونغو الديموقراطية – أوغندا – كينيا – مصر – رواندا - بوروندي الى دول افريقية اقل مخاطر.