قدم المحامي سعود السبيعي دراسة قانونية حول الخلاف على اختصاصات المحكمة الدستورية وجاء فيها: يثار التساؤل في مدى الاختصاص التفسيري للمحكمة الدستورية وحق الحكومة في اللجوء الى طلب تفسير بعض النصوص في حال الاختلاف والتنازع في معنى النص ومفهومه عند التطبيق وهل يعتبر اللجوء لطلب التفسير نوعا من أنواع التنقيح؟
وسبب طرح التساؤل هو تقدم الحكومة إلى المحكمة الدستورية بطلب تفسير المواد 50 و100 و111 و163 من الدستور وذلك لبيان مسؤولية رئيس الوزراء السياسية على ضوء تقدم بعض أعضاء مجلس الأمة بـ 8 استجوابات ضد سمو رئيس الوزراء في فترات متعاقبة خلال أدوار انعقاد مجلس الأمة، مبنية على أن تلك الاستجوابات شابتها عيوب ومخالفات دستورية بشأن اختصاصات رئيس مجلس الوزراء الدستورية المحددة حصرا في مواد الدستور بما لا يجوز معه لأي عضو بمجلس الأمة إهدارها أو الالتفات عنها بمناسبة ممارسته لوسائل الرقابة البرلمانية.
لبيان ذلك نسلط الضوء على طبيعة اختصاص المحكمة الدستورية وسوابق القرارات الصادرة في طلبات التفسير.
أولا: اختصاص المحكمة الدستورية:
تنص المادة 173 من الدستور على انه «يعين القانون والجهة القضائية التي تختص بالفعل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح، ويبين صلاحياتها، والإجراءات التي تتبعها ويكفل القانون حق كل من الحكومة وذوي الشأن في الطعن لدى تلك الجهة في دستورية القوانين واللوائح».
وفي حالة تقرير الجهة المذكورة عدم دستورية قانون أو لائحة يعتبر كأن لم يكن وقد جاء بالمذكرة التفسيرية من الدستور لنص المادة 173 «اثر الدستور أن يعهد بمراقبة دستورية القوانين واللوائح إلى محكمة خاصة يراعى في تشكيلها وإجراءاتها طبيعة هذه المهمة الكبيرة بدلا من أن يترك ذلك لاجتهاد كل محكمة على حدة مما قد تتعارض الآراء في تفسير النصوص أو يعرض في القوانين واللوائح للشجب دون دراسة لمختلف وجهات النظر والاعتبارات. فوفقا لهذه المادة يترك للقانون الخاص بتلك المحكمة الدستورية المجال لإشراك مجلس الأمة بل الحكومة في تشكيلها إلى جانب رجال القضاء العالي في الدولة وهم الأصل في القيام على وضع التفسير القضائي الصحيح لأحكام القوانين وفي مقدمتها الدستور قانون القوانين».
وبناء على ذلك النص الدستوري الذي أحال للمشرع العادي إصدار القانون الذي يبين ويحدد الجهة التي تتولى الفصل في دستورية القوانين واللوائح وصلاحياتها.
فقد صدر القانون رقم 14 لسنة 1973 بإنشاء المحكمة الدستورية ونص في المادة الأولى منه على أن «تنشأ محكمة دستورية تختص دون غيرها بتفسير النصوص الدستورية وبالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين والمراسيم بقوانين واللوائح وفي الطعون الخاصة بانتخاب أعضاء مجلس الأمة أو بصحة عضويتهم ويكون حكم المحكمة الدستورية ملزما للكافة ولسائر المحاكم».
لذلك فاختصاص المحكمة الدستورية وفقا للمادة الأولى من القانون رقم 14 لسنة 1973 ينحصر في ثلاثة أمور:
1- تفسير النصوص الدستورية.
2- المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح.
3- الطعون الخاصة بانتخاب أعضاء مجلس الأمة أو صحة عضويتهم. وتنص المادة الرابعة من القانون على أن ترفع المنازعات إلى المحكمة الدستورية بإحدى الطريقتين الآتيتين:
أ ـ بطلب من مجلس الأمة أو مجلس الوزراء.
ب ـ إذا أرادت إحدى المحاكم أثناء نظر قضية من القضايا سواء من تلقاء نفسها أو بناء على دفع جدي تقدم به أحد أطراف النزاع.
ثانيا: قرارات التفسير السابقة للمحكمة تؤكد حقها الدستوري الأصيل في التفسير:
لقد سبق للمحكمة الدستورية أن أكدت حقها الدستوري في تفسير مواد الدستور في قرارات سابقة كانت مطروحة عليها وردت فيها على الاعتراضات المقدمة في حينها من مجلس الأمة في شأن اختصاصها بطلب التفسير وذلك بمناسبة نظرها للطلب رقم 1/1985، لتفسير الصادر بجلسة 29/6/1985 المقدم من الحكومة. والذي جاء فيه: «ان المحكمة الدستورية إنما تباشر الطلب عندما يقدم لها من الحكومة أو من مجلس الأمة لتفسير نص دستوري معين لاستجلاء معانيه ومقاصده لوجود لبس أو غموض لدى كل سلطة في كيفية تطبيقه وأعمال أثره وتباين الآراء والأفكار حول ذلك وليس بلازم أن يصل الأمر إلى حد الخلاف المحتدم أو المنازعة بالمعنى المعروف في قانون المرافعات إذ في ذلك قيد لم يتضمنه نص المادة الأولى من قانون إنشاء المحكمة بل يكفي أن يدور حول نص دستوري أكثر من رأي على نحو يضم معه أعمال حكمه سواء فيما بين مجلس الأمة والحكومة أو في داخل أي منها يسوغ معه الالتجاء إلى المحكمة الدستورية لتجليه الغموض الحاصل في هذا المجال، وذلك ضمانا لوحدة التطبيق الدستوري واستقراره».
وكذلك في الطلب رقم 3/1986 تفسير الصادر بجلسة 14/6/1986 والذي جاء فيه «إذا كانت الفترة الأولى من المادة (173) من الدستور قد جرى نصها على أن «يعين القانون الجهة القضائية التي تختص بالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح» وإذا كان من مقتضى التفسير تحري القصد التشريعي والنزول من ظاهر النصوص إلى مكنوناتها بغية التعرف على فحواها الحقيقي وأنه على هدى هذه المعاني فإنه بتمحيص عبارة (المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح) يبين أنها تضمن في مدلولها ونطاقها المنازعة في فهم النص الدستوري مما يعني اختلاف الرأي في معاني النص ومراميه وعلى ذلك فإن المنازعة الدستورية التي أشارت إليها المادة 173 من الدستور ليست قاصرة على مجرد الطعن في دستورية تشريع ما وإنما تتسع لتشمل تفسير النص الدستوري بصورة مستقلة ذلك أن طلب تفسير نص دستوري إنما يحمل في ثناياه وجود منازعة حوله وتبيان وجهات النظر فيما تعنيه عباراته ويكفي في هذا الشأن أن يدور حول النص أكثر من رأي على نحو يفهم معه أعمال حكمه سواء فيما بين الجهات المعنية (مجلس الأمة والحكومة) أو في داخل أي منهما يسوغ معه الالتجاء الى الجهة القضائية المختصة لتجلية غموضه وذلك ضمانا لوحدة التطبيق الدستوري».
ثالثا: الأهمية العملية للتفسير: ان اللجوء للتفسير في حال الاختلاف في الرأي على معاني بعض النصوص لا يعني تنقيحا للنص بل الكشف عن مقاصد ومعاني النص وليس الإقصاء لمفهومه.
وما يؤكد أن في الممارسة العملية بعض المنازعات في تفسير بعض النصوص هو لجوء مجلس الأمة سنة 1996 والذي كان يرأسه النائب أحمد السعدون لطلب التفسير من المحكمة الدستورية بشأن تفسير المادة (92) من الدستور لبيان وجه الحقيقة في المقصود بالأغلبية المطلقة للحاضرين في حكم هذه المادة وذلك نتيجة الخلاف بين الأعضاء في انتخاب رئيس المجلس حينذاك عندما تم فرز الأصوات بين المتنافسين على الرئاسة حصل الأول على (30) صوتا بينما الآخر حصل على (29) صوتا مع وجود ورقة بيضاء بين مجموع أوراق التصويت التي أودعت وعددها (60) ورقة.
لذلك فإن لجوء الحكومة أو المجلس لتفسير بعض النصوص الذي يثار في فهمها بعض الخلاف في وجهات الرأي لا مناص منه إلا بالتقدم لطلب التفسير للجهة صاحبة الاختصاص وهي المحكمة الدستورية وفقا للدستور ولقانون إنشائها وذلك حتى تستقر معه العملية السياسية.