أطلقت الأمانة العامة لمجلس الامة موسمها الثقافي الأول أول من أمس الخميس تحت عنوان «ساهم في التشريع» حيث استهلت فعالياته بجلسة حوارية حول الحراك المجتمعي ضمن جلسات حوارية شهرية تناقش قضايا الرأي العام المحلي والمشاريع والاقتراحات التي ينظرها المجلس. وأكد المشاركون في جلسة «الحراك المجتمعي ـ الانثروبولوجيا الاجتماعية ودراسة تغيير البناء الاجتماعي في الكويت خلال نصف قرن» ما وفرته الكويت منذ نشأتها من بيئة مناسبة لنشر الثقافة شكلت حاضنة مميزة للمثقفين، مشيرين الى خطورة آثار الغزو العراقي على بناء الشخصية الكويتية.
وفي اطار استعادة الدور الريادي لدولة الكويت ثقافيا شددوا على ضرورة إصلاح النظام التعليمي ومعالجة اختلال التركيبة السكانية وتبني مفاهيم وقيم مستحدثة تستند الى تعزيز الاعتماد على الذات وتحمل المسؤوليات العائلية.
ومع افتتاح الجلسة أعرب الأمين العام المساعد لقطاع الاعلام والعلاقات العامة بالمجلس عبدالحكيم السبتي في كلمته عن السعادة في أن يتزامن الموسم الثقافي الأول لمجلس الأمة مع احتفالية «الكويت عاصمة الثقافة الإسلامية لعام 2016» بما يعكس دور دولة الكويت الريادي في مجال الثقافة والأدب والفن على مستوى الأمتين العربية والإسلامية. وأكد السبتي خلال الجلسة التي حضرها أمين عام المجلس علام الكندري الدور المشهود للكويت التي مثلت لعقود منارة ثقافية وأدبية وفنية في المنطقة «فكانت ولادة بأجيال من المثقفين والأدباء والشعراء وتبوأت مكانة متقدمة في كل مجالات وفنون الثقافة». ولفت الى ان الكويت أنشأت المؤسسات الثقافية المختلفة «فأمتعت على المسرح وأبدعت في الفن وأطربت في الشعر وشيدت صرحا ثقافيا عربيا وإسلاميا على صفحات مجلة العربي لتنجب المثقف الكويتي وتستقطب المثقف العربي وتمثل قبلة الثقافة».
وتطرق الى اختيار الأمانة العامة شعار «ساهم بالتشريع» لموسمها الثقافي الأول، موضحا ان ذلك يأتي انطلاقا نحو زرع القيم الإيجابية وتأصيل نهج الحوار المجتمعي الذي اختاره المجلس منذ انطلاق الفصل التشريعي الحالي عام 2013.
وأفاد السبتي بأن الموسم الثقافي الأول سيشهد جلسات حوارية شهرية تناقش قضايا الرأي العام المحلي والمشاريع والاقتراحات التي ينظرها المجلس وذلك بمشاركة نخبة من المفكرين والأكاديميين والمختصين المشهود لهم بالكفاءة في مجالاتهم كما ستشكل لجنة خاصة لرصد التوصيات الصادرة عن تلك الجلسات الحوارية ووضعها على أجندة مجلس الأمة.
وترأس الجلسة الحوارية د.محمد الرميحي وحاضر خلالها رئيس قسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية بجامعة الكويت د.علي الزعبي والاستاذ المشارك في قسم اللغة الانجليزية بجامعة الكويت د.مي النقيب والمستشار والباحث الاقتصادي عامر التميمي والاستشاري المعماري والفنان التشكيلي فريد عبدال.
وتحدث د.الزعبي حول التغير الذي حدث في اتجاهات الافراد وسلوكهم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي في المجتمع الكويتي، مشيرا الى ان التحول الاقتصادي المفاجئ من اقتصاد الكفاف الى اقتصاد النفط وما ارتبط به من سياسات قامت على فلسفة الرفاه الاجتماعي شكل «تغيرا اجتماعيا من نوع مضطرب».
وأضاف ان معظم ما نراه من انتكاسات في النسق الثقافي هو نتاج لهذه التحولات المفاجئة وغير المتدرجة «ولعل هذا سر نجاحنا فقط في التطورات الثقافية المادية من مسكن وملبس وتكنولوجيا في وقت تحكمنا به نزعة وأشار الزعبي إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي المعاصرة أصبحت تلعب دورا مهما في تشكيل النزاعات الثقافية والاجتماعية والنفسية والسياسية عند الكويتيين، حيث ساهمت التطورات التكنولوجية الحديثة في خلق شخصية ذات طبيعة «سطحية في الجوانب المعرفية ومزاجية في توجهاتها وانفعالية في ردات فعلها ومحبطة وغير واقعية في تطلعاتها».
من جهتها، تطرقت د.النقيب إلى الوضع الاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي في البلاد منذ تأسيس الدولة في بداية القرن الـ 18 ونجاح سكانها في الحياة التجارية والتفاتهم إلى البحر وخيراته وتجارته وانفتاحهم على العالم الخارجي مرورا بمؤتمر العقير والكساد الاقتصادي عام 1929 وتوطيد الديموقراطية البرلمانية وصولا إلى الغزو العراقي.
وقالت إنه بعد أن تحررت البلاد «تمكنت الكويت حكومة وشعبا من استعادة بعض من قيم وروح البداوة والحياة البحرية التي كانت ابتعدت عنها لأكثر من عقد ونيف من الزمن، إذ تجلت بين أبنائه روح العمل النشيط المشترك وسبل التعاون والتعاضد التي قربت كل أفراد المجتمع على تنوع رؤاهم ومشاربهم».
وأشارت النقيب إلى أن الخبرة الفنية العالية وروح الابتكار والالتزام بالجودة التي عُرف بها الكويتيون تراجعت اليوم وضعفت المقدرة وحل الركود وسادت اللامبالاة وتزايد الاهتمام بالاستهلاك على حساب الإنتاج.
بدوره، تحدث فريد عبدال حول التغير العمراني داخل مدينة الكويت وضواحيها والبناء العمراني والفضاء الجمعي كالساحات العامة، مشيرا إلى أهمية الموقع الجغرافي الاستراتيجي والمحوري للكويت منذ ثلاثة آلاف عام كنقطة تقاطعية في طريق الحرير وصولا إلى الصين.
وتطرق عبدال إلى التطورات التي طرأت على مدينة الكويت وبناء أسوارها الثلاثة والمدينة البحرية القديمة مرورا باكتشاف النفط وإنشاء المدن الإسكانية الحديثة وخروج المواطنين من داخل المدينة إلى خارجها مع التوسع العمراني إلى شهدته البلاد. من جانبه، تناول عامر التميمي الآثار الاجتماعية لقوة العمل في الخليج واختلاف التركيبة السكانية، مشيرا إلى التشوهات الاقتصادية هي الاتكال على العمالة الوافدة في تشغيل مختلف الأنشطة الاقتصادية بمختلف قطاعاتها وفي الاعتماد على الإنفاق العام ودور الدولة المهمين على الأنشطة الاقتصادية.
وبين التميمي أن بلدان الخليج تعتمد على قوة عمل وافدة تمثل نسبة مهمة في سوق العمل في بلدان المنطقة، حيث ترتفع نسبتهم في الإمارات وقطر وتنخفض في السعودية وعمان وإلى درجة ما في الكويت والبحرين.وأشار إلى أن العمالة الوافدة تكاد تكون طاغية في سوق العمل، حيث إن نسبتها تصل إلى 63% من إجمالي قوة العمل في دول الخليج، حيث تتباين هذه النسبة بين 50% في عمان و51% في السعودية و59% في البحرين و81% في الكويت و88% في قطر و91% في الإمارات. وأوضح أن هذه النسب مرتفعة وغير اعتيادية بموجب المقاييس الدولية لمساهمة العمالة الوافدة أو المهاجرة في البلدان. وذكر التميمي أن تقديرات أعداد العمالة المنزلية في بلدان الخليج تشير إلى وجود أكثر من 2.5 مليون من العمالة المنزلية يتوزعون على بلدان الخليج وتتفاوت نسبهم من دولة إلى أخرى. ولفت التميمي إلى أن هذه الأعداد من العمالة الوافدة بكل تنوعاتها الاثنية والدينية والثقافية وتواضع مستوياتها التعليمية وتدني قدراتها المهنية لا بد أن لها تأثيراتها السلبية في المجتمعات الخليجية.
وصاحب الجلسة الحوارية معرض للمقتنيات التاريخية خلال 100 عام للدكتور حسني أشكناني والباحث محمد كمال ضم عددا من المقتنيات الخاصة ببعض حكام دولة الكويت والبيت الكويتي القديم إضافة إلى العديد من الكتب والمجلات القديمة.