- الحرب الأهلية لن تعود والجميع سينضم للانتفاضة الشعبية وأتوقع المزيد من الاستفزاز
- الصحافة الورقية أمام تحدٍ مصيري وعليها الاهتمام بالإيجاز والرشاقة والتحول نحو صناعة الحدث
أجرى اللقاء: محمد راتب
الصحافة والإعلام والكتابة كلمات تخرج من رحم الحروف، لا يتقنها مجتمعة إلا القلة النادرة، ومن هؤلاء الكاتب والصحافي والإعلامي ومقدم البرامج التلفزيونية انطوان سعد، الذي يتحدث العربية بطلاقة كأنه من زمن الأقدمين، تعجبك مجالسته ويروق لك حديثه، وخصوصا عندما يتحدث عن لبنان وينقل تفاؤله بالواقع الجديد وبانضمام الجميع إلى الانتفاضة الشعبية، فالحرب الأهلية، كما يقول، لن تعود ولبنان للجميع كما كان وسيبقى على ما كان عليه.
واقع القراءة والتحديات التي تواجهها في ظل العولمة والكتاب الرقمي لا يخيفان انطوان سعد فإيجاد المضمون المثير لاهتمام القارئ وتنمية المدارس لفكر المطالعة عند الطلبة منذ الصغر هما الضمانتان الرئيسيتان لاستمرار الكتاب وتحقيق المتعة لدى القارئ.
يرى انطوان سعد أن القارئ الكويتي من الصعب إرضاؤه، ولذلك أحضر معه مجموعة من الكتب تعرض في معرض الكويت للكتاب تلامس اهتمامات النخبة من الكويتين وتسعف شغفهم، فكتاباته تعتمد على الوثائق التي لم تكشف سابقا والتي ستغير الكثير من المفاهيم والاعتقادات السائدة.
«الأنباء» التقت الكاتب والصحافي والإعلامي انطوان سعد في أول زيارة له إلى الكويت، وأجرت معه حوارا شائقا، وفيما يلي التفاصيل:
بداية، نود تعريف القارئ بكم وبالمناصب التي تقلدتموها والأعمال التي تقومون بها.
٭ أنا صحافي، تدرجت من مراسل إلى رئيس تحرير، وحاليا أقدم برنامجا سياسيا في تلفزيون MTV، وأعمل مديرا عاما لدار سائر المشرق، ورئيس تحرير موقع «مون ليبان» الالكتروني.
أنتم الآن في زيارة للكويت، ما سبب الزيارة وهل هي الأولى لكم لهذه البلد المعطاء؟
٭ قدمت إلى الكويت للمشاركة في معرض الكتاب، وهذه اول مشاركة لي، وللدار التي أديرها، فنحن دار نشر فتية وحديثة، ولكنها تحظى بشغف الباحثين، ليس فيها مجلس إدارة رسمي، ولكن يديرها أخصائيون وأساتذة جامعيون من الاتجاهات كلها وهم من المشهود لهم في لبنان.
وأما بخصوص السبب، فقد حضرنا إلى الكويت لكثرة ما سمعنا عن القارئ الكويتي الذي تهمه القضايا الفكرية، وقد أحضرنا معنا ربع منشوراتنا المتخصصة بالعلوم الإنسانية، الفلسفة وعلم النفس والتحليل النفسي والفكر السياسي، والعديد من القضايا غير المخصصة للعامة وإنما للنخب من المفكرين والبحاثة، ولمن يعدون القرار لأصحاب القرار بشكل خاص، فنحن نعلم أن صانعي القرار لديهم دوائر من المفكرين فكتبنا مخصصة لهذه النوعية من الناس، كما أنني على هامش هذه الزيارة سأوقع كتابي الأخير.
كيف ترون واقع القراءة واين القارئ العربي مما ينشر؟
٭ أعتقد أن هناك مسؤولية مشتركة بين الباحثين والكتاب، بين القارئ ودور النشر، في اعتقادي هناك مسؤولية جماعية تؤدي إلى تباطؤ مقدار واهتمام القارئ العربي بالمطالعة.
كما أعتقد أن هناك تراجعا ليس سببه كما يقال الوسائط الرقمية، فأنا شخصيا ككاتب بسبعة عناوين وكقارئ نهم يقرأ أعدادا كبيرة من الكتب، أقول إن المسؤولية هي في الانتاج المثير للاهتمام، فنحن لا نقدم ونلقي باللائمة على القارئ لأنه لا يقرأ.
لذلك يجب مقاربة الموضوع بشكل مختلف وتوزيع المسؤولية بشكل جديد، وأن تولي المدارس بشكل خاص أهمية على مستوى تحفيز طلابها وتلامذتها على القراءة والمطالعة.
مسؤولية المدارس
ما الحلول برأيكم لمعالجة مشكلة العزوف عن المطالعة؟
٭ تقع المسؤولية في الدرجة الاولى على المدارس، فهي التي تتلقف أطفالنا من أعمار فتية، وتزرع فيهم العادات وأهمها المطالعة، فإذا تمكنت المدارس من تحفيز التلامذة وإظهار ناحية المتعة في المطالعة وليست ناحية الفائدة، حيث يقال للطالب عليك أن تقرأ لكي تستفيد بخلاف ما لو قرأ لكي يستمتع، فإذا أظهرنا له وعملنا على تعريفه على الكتب التي تحقق لقارئها المتعة سنحدث التغيير المطلوب.
ما رأيكم في معرض الكتاب في الكويت وبماذا يتميز عن غيره من المعارض؟
٭ ما أعرفه عن المعرض هو ما أسمعه من أصدقائي وزملائي الذين يحضرون، وحضروا قبلي، فهم يقولون إن هناك قارئا كويتيا ليس من السهل إرضاؤه، ومن أجل هذا اخترنا نخبة ما لدينا من كتب.
كما أن الكتب التي بيعت تؤكد هذه الفرضية، فقد بعنا 6 نسخ من كتاب «العيادة الفلسفية» ونسخا من «النبي الديموقراطي» للدكتور محمد حبش، وبعنا كتبا عن «صراعات اللاوعي بين هبة الحياة ونزوة الموت»، إضافة إلى العديد من الكتب بعناوين مثيرة تحفز العقل على التحليل والتفكير.
النقلة التي حدثت في العقدين الأخيرين من قراءة الكتب عبر الصفحات الالكترونية، ما تأثير هذا في إثراء العربي بالقراءة، وأثره أيضا على سوق الكتاب الورقي؟
٭ ليس المهم الواسطة التي تقرأ بها، المهم أن نقرأ، فلقد شاركت في إحدى الورش الكبيرة للنشر، وقال رئيس الاتحاد الدولي للناشرين إنه منذ سنتين توقف تنامي الكتاب الرقمي وأخذ الكتاب الورقي يستعيد مكانته، وتوقفت النسبة عند 19% لصالح الرقمي.
ما الاعمال والكتابات التي أصدرتموها، وما الجديد الذي تقومون عليه؟
جديدي كتاب «مسؤولية فؤاد شهاب عن اتفاق القاهرة»، فقد ذهبت في البحث فيه عن تردي الأوضاع السياسية في لبنان، وكيف تفككت سيطرة الدولة على أراضيها، وكل ذلك بدأ عام 1969 بما عرف باتفاق القاهرة، الذي ولأول مرة اعترف رسميا على الأراضي اللبنانية بحق مجموعة غير شرعية بحمل السلاح وهي التنظيمات الفلسطينية، لقد درست الأسباب والخلفيات في ضوء وثائق تكشف للمرة الأولى من الأرشيف الأميركي والفرنسي، ونشرنا العديد من الوثائق السرية التي تكشف الكثير من الحقائق، وتحدد المسؤوليات فالجهات المسؤولة كثيرة، وأترك للقراء اكتشافها من خلال قراءة الكتاب.
معطيات سرية
ما السمة البارزة لكتاباتكم؟
٭ التاريخ السياسي المعاصر، والبحث عن الوثائق غير المنشورة، فلا أنشر كتابا إن لم تكن كل معطياته سرية تكشف للمرة الأولى.
من المساند لك في التزود بهذه الوثائق؟
أزور الأرشيف بشكل دوري وأطالع باستمرار، ولكن ليس في عالمنا العربي مراكز أبحاث تضع مثل هذه الوثائق في تصرف الباحثين على أمل أن يكون هذا في المستقبل.
عملتم في الصحافة وتقديم البرامج التلفزيونية ورئيس تحرير موقع الكتروني، اين تتقاطع الصحافة والاعلام واين يفترقان؟
٭ أعتقد أن ما يتغير هو الوسيلة، فالمنطق والمنهج هو نفسه، القيم والأخلاقيات هي نفسها، تتغير الوسائل فحسب، ولكل وسيلة خصائصها بما يفرض على المتعامل بها أن يأخذه بالاعتبار.
مثلا: عندما تقدم برنامجا تلفزيونيا عليك أن تأخذ بالاعتبار ضيق الوقت، وأن عليك في دقيقة واحدة أن تلخص أفكارك، أما في الجريدة فلا يمكنك أن تكتفي بالملخص، وإلا فإنك تهين القارئ ولا تعطيه حقه من التشبع بالأسباب والخلفيات والمعطيات والحيثيات، وفي الإذاعة يمكنك أن تستفيض قليلا لأنك إن أطلت خسرت المستمع وبالتالي، يبقى المبدأ نفسه (مرسل ـ خبر ـ متلقي)، الوسيلة تتغير وتفرض على العامل في الشأن الإعلامي والصحافي أن يتكيف بما يفرضه جمهوره.
كيف ترون مستقبل الصحافة الورقية في ظل توجه العالم نحو وسائل التواصل الاجتماعي؟
٭ ثمة تحد مهم، على الممسكين بالصحافة الورقية أخذه بالاعتبار، فالمنافسة جدية وتهدد بالفعل عروش الصحافة الورقية، وهو يقتضي أن تكون موجزة ورشيقة وتعطي التحليل المطلوب بإيجاز، وبصناعة للحدث، فعلى الصحافة الورقية أن تصبح أكثر التصاقا بالحدث وفاعلة فيه، وبذلك تضمن لنفسها البقاء على قيد الحياة، وأن تذهب نحو الصحافة الاستقصائية وصناعة الحدث.
فوز لبنان
لننتقل نحو السياسة قليلا، بما أنكم متخصصون أيضا في هذا المجال، كيف ترى الواقع السياسي في لبنان؟
٭ لقد خرجت بانطباع بعد بدء الانتفاضة الشعبية بأن لبنان سيفوز به من سيتمسك به أكثر، وهذا أيضا ينطبق على لبنان وعلى المحيطين بلبنان، الدول والأفكار والجهات، فلبنان لم يكن يوما بلدا لنفسه لقد كان دائما بلدا منفتحا على الآخرين، يفيدهم ويفيدونه، يضرونه ولا يضرهم، وفي اعتقادي لبنان مسؤولية جماعية عربية ودولية، وأعتقد أن من يتربصون به إدراكا منهم لأهميته، يفترض أن يحفز آخرين على عدم تركه، واللبيب من الإشارة يفهم.
في ظل تعنت الفرقاء كيف ترى واقع الشارع هل الأمور قد تتطور إلى حرب اهلية؟
٭ الحرب ليست مرشحة للعودة، فالجميع سينضم للانتفاضة الشعبية لأن بقاء الوضع كما هو الآن، يمهد لانهيارات مالية كبيرة ستجعل الجميع ومعظم الناس عاطلين عن العمل، سيفقد الجميع وظائفهم، وهذا يعني شيئا واحدا نزول الجميع للشارع.
ماذا تتوقع؟
٭ أتوقع ازدياد الاستفزاز والتشنج والتوتر، وهز أركان الواقع السياسي ولكن شخصيا لا ارى اننا ذاهبون لحرب أهلية.
ما أهم كتبكم التي قمتم بتأليفها؟
٭ كتبت «السيرة السياسية للبطريرك الراحل نصر الله صفير»، وللأمانة أكثر من صحيفة كويتية اشترت حلقات مني، وكتبت «مذكرات الوزير السابق فؤاد بطرس» واشترت صحف كويتية حلقات مني، ومن هنا بدأت علاقتي مع الجمهور الكويتي، عندما اشترت 3 صحف حلقات من كتبي، والحمد لله كان لها أصداء جيدة.
ماذا تقول للقارئ العربي؟
٭ أقول لنمنح الفرصة لكتبنا الجديدة، فنحن جادون في البحث عما هو يتخطى الضحالة التي يتهم بها العرب، فلدينا كتب مثل «نحو الحداثة السابعة ثقافة الجهل الحديث» التي تتناول أحدث الأفكار في مجالات الذكاء الاصطناعي وغير ذلك، وكتاب «في غياب الناقد» يتحدث عن ضرورة تثقيف النقد، وليس تسطيحه، وخلق الحس النقدي عند الأجيال والجمهور، و«العلمانية» و«هذيان ذاكرة» يتحدث عن عدم التمييز بين البنات والأبناء، و«النبي الديموقراطي» الذي يتطرق لشكل من الفوبيا التي تتحكم بسلوك المثقف المسلم، بمعنى هل يجوز مواءمة مصطلح معاصر مع حدث قديم، والشورى الإسلامية ألا تكفي بالنسبة إلى الديموقراطية، فهذا عنوان جريء للغاية.
كلمة أخيرة؟
٭ الزملاء الأحباء كونوا «الأنباء»، وكونوا على ثقة بأنه من دون سلطة رابعة لا تتقدم المجتمعات.
قرأت كليلة ودمنة بصوتٍ عالٍ لأتعلم النحو والصرف وتأثرت بأسلوب توفيق عواد
خلال اللقاء سألنا الإعلامي انطوان سعد عن أهم المدارس التي استفاد منها في مسيرته، فقال تخرجت في كلية الإعلام قبل 27 عاما، وأعدت قراءة كليلة ودمنة، وقيل لي نصيحة في هذا الشأن أن أقرأ الكتاب على صوت عال، وأشكل وأسأل عند كل تشكيل ما السبب، من دون التفاصيل، وهذا من أجل اللغة والصرف والنحو، أما من أجل الأسلوب فقد أعدت قراءة كتب توفيق يوسف عواد وهو كاتب لبناني معاصر توفي عام 1989، وعمل في الصحافة وجدد بها، وأعتقد أنني تأثرت بأسلوبه السهل الممتنع.
أما ابن خلدون فهو عميق في الفلسفة التاريخية والسياسية بالتحديد وهو ممتع، كما ما زلت اقرأ الأدب الكلاسيكي العربي حتى اليوم.