- توقف الحرب العالمية الثانية كبّد أبي خسائر كبيرة لانخفاض أسعار القماش
- تفوقت في الدراسة بالمدرسة الشرقية لكني تركت التعليم لتوقف راتب دائرة الأيتام
- عُرفت المطبة بهذا الاسم لأن الأولاد كانوا يصعدون إلى جزء متبق من السور الأول للكويت و«يطبون» على الأرض
- بنى والدي بيتاً جديداً في المطبة فأطلق عليه اسم «أبو غرفة» لأنه كانت به غرفة واحدة بالسطح وكان بها «باقدير» لتكييف الهواء
- بعد إتمام حفظ القرآن منعني والدي من متابعة الدراسة لأعمل معه بالتجارة
- كان في بيتنا القديم بركة بناها أبي ليتم فيها تجميع ماء المطر باستخدام الشتري
- الديوانيات مكان مناسب لمحاسبة النواب على أدائهم وليس فقط للترحيب بهم
- الوالد توفي بعد تناول وصفة دواء شعبي مُرّة وكان ذلك بعد وفاة الشيخ أحمد الجابر بأسبوع
- 2 أغسطس 90 لن يُمحى من ذاكرة التاريخ والكويتيون كانوا يدا واحدة بوجه الاحتلال العراقي
- أذكر حمل النساء الملابس على رؤوسهن إلى البحر لغسلها والصابون.. «الطين الأبيض»
وُلد ضيفنا اليوم عبدالرحمن حجي تقي العوضي بفريج المطبة في زمن لم يكن هناك توثيق للمواليد والتحق بمدرسة ملا بلال وحفظ القرآن الكريم كاملا لكن والده منعه من إكمال دراسته حتى يعمل معه بتجارة الأقمشة التي تأثرت كثيرا بتوقف الحرب العالمية ما أدى إلى تكبد والده خسائر كبيرة بسبب انخفاض الأسعار ولم يمر وقت طويل حتى توفي الوالد وكان ذلك بعد وفاة الشيخ أحمد الجابر بأسبوع. يحدثنا ضيفنا في هذا اللقاء عن مشوار حياته بدءا من نشأته بالمطبة وسبب تسميتها بهذا الاسم وكيف كانت الحياة عندئذ فيصف لنا البيت القديم الذي كانوا يسكنون فيه وكيف كانت حجراته وأعمدته والبركة التي كان يتجمع فيها ماء المطر وطحن النساء للقمح وغسلهن الملابس في البحر. كما يتطرق لعودته للدراسة بالمدرسة الشرقية وتفوقه وكيف ان توقف راتب دائرة الأيتام جعله يترك التعليم ثانية ويطرق أبواب العمل، ليبدأ شغله في دائرة الكهرباء وكيف تطور العمل واقتراحه باقتطاع المبالغ المتأخرة على الموظفين من رواتبهم ومكافأته على هذا الاقتراح وكذلك حصوله على دورات في عمله وكيف طور ذلك من أدائه. يسرد ضيفنا كذلك ذكرياته عن الغزو العراقي الغاشم للكويت وكيف كانت تلك الفترة سبعة شهور من الظلم والطغيان وكيف وقف الكويتيون يدا واحدة في مواجهة المعتدي كما يحكي مواقف توضح فظائع الجيش العراقي التي ارتكبها في حق الكويتيين وكيف ان هذا الحدث نقطة سوداء في جبين الأمة، ومن حديث عن جرح أصاب جسد الوطن ينتقل ضيفنا إلى الحديث عن الأبناء أمل الوطن ومستقبله وكيف عوض فيهم ما لم يتمكن من تحصيله من التعليم والارتقاء في مستويات العلم إلى أعلى الدرجات. يتطرق الحاج عبدالرحمن العوضي كذلك إلى حصوله على رخصة قيادة السيارات وتفاصيل ذلك وشرائه لسيارة اوستن عام 56 ثم سيارة فولكس عام 59 وكيف انزلق بها في البر بسبب المطر، ثم يشير الى دور المرأة في المجتمع الكويتي في الماضي وأهميتها في المنزل والمجتمع، ويختم حديثه بالكلام عن ابنته النائبة د.أسيل العوضي ويسرد لنا بعض المعلومات عن مشوارها قبل وبعد نجاحها في انتخابات مجلس الأمة وكيف كان ترشحها بعد مشاورة العائلة. كل هذا وغيره نقرؤه في حديث ضيفنا الحاج عبدالرحمن العوضي، فإلى التفاصيل:
يبدأ ضيفنا عبدالرحمن حجي تقي عبدالله العوضي حديث الذكريات وكلامه عن الماضي بالتطرق الى وقت ومكان مولده وكيف كانت الظروف في تلك الفترة فيقول: ولدت في الكويت بالشرق بفريج المطبة وفي ذلك الزمن كان لا يوجد توثيق للمواليد، بمعنى لا يوجد تسجيل لتاريخ ميلاد الطفل، كانت المطبة حيا كبيرا فيه مجموعة من البيوت العربية المبنية من الطين، وعرفت المطبة بهذا الاسم نسبة لجزء متبق من السور الأول وكان الأولاد بذلك الوقت يصعدون الى ذلك الجزء ويطبون (أي ينزلون على الأرض) وقيل مطبة فعرف المكان بالمطبة وعرفت المنطقة بهذا الاسم ولايزال سكان تلك المنطقة يذكرون الاسم، ومع مرور السنوات فتحت فيها دكاكين.
والوالد عندما بنى بيته الجديد بدلا من القديم عرف ببيت «ابوغرفة» لأنه بنى بالسطح غرفة واحدة وفيها (باقدير) مكيف هواء من البناء حسب الطريقة القديمة، كانت الحجرة بالطابق الأرضي والغرفة تُبنى على السطح الناس تعجبوا مما بها، وكانت المساحة 500 متر ومرازيم السطح تطل على المقبرة لكيلا ينزل الماء داخل الحوش، والمثل الشعبي يقول «ابوك في البيت ولحيته في السكة» يعني المرزام الذي كان يصنع من الخشب. وأما الباقدير ففتحة من السطح يدخل منها الهواء الى الغرفة.
ويكمل الحاج عبدالرحمن العوضي حديثه بالكلام عن بيت الوالد قائلا: بيت الوالد بناه الغرف حول الحوش وأمامها الليوان والأعمدة من الخشب السيسم، ويتكون من حوشين بيت الحرم وحوش الخدمات المطبخ والحمامات والأغنام والدجاج والجليب وغرفة دار الچيل لتخزين المواد الغذائية وكان الوالد يخزن فيها العرفج للوقود، مع السعف، والجمال بالفريج التي كان تحمل العرفج، لقد أدركت ذلك البيت الكبير وكنا ننام على السطح أيام الصيف أو بوسط الحوش، وكنا ننتقل حسب الظل.. عشت بذلك البيت مع الوالد والاخوة.
وعن زواج والده يقول ضيفنا: والدي تزوج 7 زوجات واخواني الكبار بعضهم لم ندركهم فقد توفوا قبل ان نراهم، ووالدتي آخر زوجة للوالد ونحن اخوان أشقاء، أخي محمد واختي تزوجها شيخان الفارسي والثانية تزوجها احمد عقيل ونحن 4 رجال عبدالرحمن وعبدالله واحمد ومحمد.
كان الوالد أحد تجار الأقمشة في الكويت منذ القديم ودكانه كان في السوق الداخلي، ومما اذكر انني كنت اذهب معه الى الدكان يوميا لأنه أخرجني من المدرسة وكان يبيع الأقمشة الجيت وأبولقيطة والشال والبافتة والأميركان وكان السعوديون والايرانيون زبائن عند الوالد ويشترون منه الأقمشة ولكن الوالد خسر أثناء الحرب العالمية والسبب انه اشترى الطاقة بـ150 روبية ولكن توقف الحرب العالمية تسبب في انخفاض الأسعار وصارت الطاقة بـ 60 روبية فخسر، والوالد ترك الفردة ومجموعها فردات ربطة تشمل مجموعة من الطوايق، وقد باع بيته القديم وكان مؤجرا على والد مبارك الهدهود وكانت الأقمشة بالمخزن واذكر بعدما وصل عمري 10 سنوات شاهدت تلك الأقمشة قد تلفت، وبقيت الأقمشة حتى وفاته وكان أخي محمد يشتغل بالأحمدي.
وفاة الوالد
ثم ينتقل ضيفنا الحاج عبدالرحمن العوضي للحديث عن واحد من أصعب المواقف في حياته ألا وهو وفاة والده فيقول: في يوم من الأيام خرجت مع الوالد كالعادة حيث كان يذهب الى السوق ويشتري السمك واللحم والعيش والخضار ووضعنا جميع المشتريات داخل «الچنبيلة» على شكل الزبيل وحملت الخضار وخرجنا من السوق ورجعت الى البيت وأعطيت الخضار للوالدة وعدت الى الدكان كالعادة اليومية، وكان الدكان خلفه حوش يخزن فيه الأقمشة أثناء توجهنا الى السوق مررنا على محل العطار واشترى منه قطعة مُرّة دواء شعبي ووضعها في فمه، ودخل البيت خلف الدكان وجلست في الدكان أنتظر الوالد وطال الانتظار فتوجهت الى أصحاب الدكاكين المجاورة لدكان الوالد وقبل ذلك دخلت الى الحوش وشاهدت عقاله ساقطا على الأقمشة، أخبرت أصحاب المحلات وهم عبدالله العوضي واسماعيل العوضي وغلوم التنديل ويوسف باقر وقلت لهم ان الوالد داخل الحوش خلف الدكان ووجدوا الوالد على الأرض وكان يلبس الدقلة وقالوا خذوا الولد الى البيت وكان عبدالرحيم عقيل العوضي عنده سيارة وهو الوحيد بين أصحاب المحلات وصلت الى البيت وأبلغت الوالدة بما حصل للوالد، والرجال نقلوا الوالد الى المقبرة وبعدما غسل وكفن دفن في المقبرة وكانت وفاته بعد وفاة المرحوم الشيخ أحمد الجابر بأسبوع وكان والدي يضع على رأسه عقال الشطفة، وبعد ذلك دائرة الأيتام وضعت يدها على أملاك الوالد وباعوا الدكان والبيت، جيراننا كانوا من القلاليف وغيرهم ونحن نتمنى ان كل شيء يعود لما كانت عليه الأمور في السابق.
ويستطرد ضيفنا فيقول: البيت القديم شاهدته وكان الوالد رحمه الله قد بنى فيه بركة ويضع الشتري أيام المطر وينزل الماء بداخل البركة واذكر ان البيت الثاني الذي بني من الصخور أيضا كان فيه بركة وجليب ماء للغسيل والسباحة والماء الحلو العذب للشرب وكان عندنا أغنام الوالدة تحلبها من الصباح وتعمل الحليب والخبز للوالد، خبز الرقاق على التاوة ونطحن القمح ونطبخ العيش والمرق وشاهدت النساء يحملن البقشة من الملابس على رأسهن ويذهبن الى البحر لغسل الملابس والمضرابة والطين الأبيض هو الصابون، ومرة واحدة ذهبت مع الوالدة وكان هناك جرح برأسي ونظفته بماء البحر والقلاليف يكلفتون السفن بالفتيلة بالصل وهو زيت الحوت والنوره من الهند للشونة.
ويضيف الحاج عبدالرحمن العوضي: أدركت عبدالله العوضي وهو تاجر قديم والدته ووالدة والدي أخوات (جدتي) وهو رجل عصامي كان دائما يشتري أراضي وبيوتا كلما توفر عنده مبلغ من المال، حتى وفاته ومما اذكر انه اشترى حوطة كبيرة بالشرق أبراج العوضي حاليا دفع فيها 60 ألف روبية زيادة على غيره، وكان يبيع أصوافا وأقمشة أحسن من غيره وكان عنده فكر تجاري.
واذكر عندما كنت طفلا صغيرا في بيت الوالد وفي منطقة المطبة كنا نلعب بالفريج الألعاب الشعبية وما كنت اذهب الى البحر لأن الوالد كان يمنعني.
التعليم
ينتقل بعد ذلك الحاج عبدالرحمن العوضي للحديث عن حصته من التعليم فيقول: أدخلني الوالد مدرسة ملا بلال التي كانت في منطقة المطبة وكان هو الذي يوصلني الى المدرسة وقرأت القرآن الكريم على القراء، وختمت القرآن الكريم والوالد أقام حفل ختم القرآن الكريم (الزفة) ولبست البشت وبيد السيف والأولاد يمشون معي نسميها زفة ختم القرآن ونردد ونقول التحميدة
الحمد لله الذي هدانا.. آمين
للدين والقرآن اجتبانا.. آمين
نحمده وحقه ان يُحمدا.. آمين
له الليالي والزمان سرمدا.. آمين
هذا الولد قد قرأ وقد كتبا.. آمين
والى آخر التحميدة، وحصلت على مبلغ من المال أخذه ملا بلال بدلا من الأجرة واضافة للخميسية، واذكر ان أحد الأولاد كان يحمل صينية فيها مخلط أو يقال قناطي وهو المكسرات، وبعد ذلك الوالد منعني من الدراسة وقال تذهب الى الدكان، واذكر ان ملا بلال كان يرسلنا الى السوق نشتري الجت للأغنام ونرجع الى المدرسة، وكان يقرأ على المرضى، المهم كنت اذهب معه الى الدكان وكان يقصد ان أتعلم فنون وطريقة البيع والشراء، ينتقل بعد ذلك ضيفنا الى الكلام عن يوم مهم في تاريخ الكويت فيقول: اذكر يوم وفاة المرحوم الشيخ أحمد الجابر كنا رايحين الى السوق وسمع الوالد بوفاة الأمير فرجع الى البيت ولم يكمل طريقه وفي ذلك اليوم اغلقت جميع المحلات في الكويت أبوابها وبقي السوق خاليا من الناس والجميع ذهب الى المقبرة لتشييع المرحوم الشيخ أحمد الجابر الصباح، الذي توفي يوم 29/1/1950، وبعدها توفي الوالد رحمه الله، وبعد ذلك ذهبت الى شيخان الفارسي وقلت له اريد ان أكمل تعليمي مثل الأولاد فبعث معي عثمان الجيران وذهبنا الى المدرسة الشرقية وكان ناظرها الاستاذ أحمد السقاف وقُبلت فيها طالبا، وكان أحمد السقاف شديدا ومحبا لعمله واذا وقف في الساحة الجميع يخافه ويهابه من قوة شخصيته وكان يقف في الطابور ونعزف الموسيقى ونردد نشيد الصباح:
موطني موطني
الجلال والجمال
والأهلة والكمال
في علاك في علاك
هل أراك هل أراك
سالما منعما وغالبا مكرما
في علاك تبلغ السما
موطني موطني
هذا النشيد للشاعر ابراهيم طوقان والتحقت بفريق الكشافة وكنت اضرب على الطبل الكبير وآخر يعزف البوق.. والملابس لون خاكي وكان الاستاذ عبدالمجيد محمد مشرف الكشافة والفريق الخاص وكان الطلبة ممتازين في الرياضة وكانت الأندية الرياضية تأخذ اللاعبين من المدارس لممارسة كرة السلة وكرة الطائرة والقدم، وكان الطلبة يلعبون القدم في الساحات وبعض الأهالي ما كانوا يشجعون الأولاد على اللعب يريدون الدراسة والتعليم خوفا من ان الرياضة تشغلهم عن التعليم، وقد كان هناك تنافس بالدراسة بين أبناء الفريج وأبناء العائلة وقد شاركت في أحد معسكرات الكشافة في الفنيطيس وذلك عام 1954، وبعد ذلك تركت الدراسة مع العلم ان ترتيبي كان الأول أو الثاني بالتنافس مع عبدالعزيز عبدالرحيم العوضي وكما ذكرت بعد وفاة الوالد وضعت دائرة الأيتام يدها على أملاك الوالد وأحد المسؤولين حضر عندنا في البيت وقال خذوا البيت وهذا ميراثكم من والدك واخوانكم لهم ميراثهم، والأموال النقدية لاخواني وبالفعل صار البيت لنا وكل شهر يعطوننا 150 روبية وفي عام 1955 بعد نهاية الامتحانات ذهبت الى دائرة الأيتام اتسلم المعاش (الراتب) فأخبرني المسؤول بأنه آخر راتب لكم، هذا من أسباب خروجي من المدرسة فاشتغلت تعويضا عن راتب «الأيتام».
أول عمل
يتحول ضيفنا عبدالرحمن العوضي بعد ذلك للحديث عن عمله خارج مجال التجارة فيقول: التحقت بدائرة الكهرباء وكان العمل من السهولة بأن يحصل عليه المواطن وشيخان الفارسي هو الذي ساعدني وارسل معي عثمان الجيران ودخلنا على محمد الحناوي وقبلت بوظيفة محصل بالكهرباء وباشرت العمل من أول يوم قبول.
وكنت اتسلم المبالغ من البيوت واستخدمت الدراجة في تنقلي من مكان لآخر وكان سعرها 15 روبية وكانت المنطقة التي أتسلم واحصل المبالغ فيها منطقة البلوش وكانوا يشتغلون في الكهرباء وكانوا يتأخرون في الدفع لأي سبب مثل فقراء وأيتام وفي كل شهر تعتبر بواقي شهرية محسوبة عليّ وتخصم من راتبي فاقترحت على المسؤولين باقتراح لتسديد وتحصيل المبالغ من المتأخرين فقلت كل واحد يعمل بالكهرباء وعليه متأخر في التسديد نقطع المبلغ من راتبه وكنت اجلس عند الصندوق وكل واحد نقطع منه المتأخر وبعد فترة انتهى المتأخر على المطلوبين واعطوني مكافأة راتب شهر.
ويضيف: كنا كل سنة نعقد دورة ومن محصل التحقت بالدورة وكانت ترتيبي كاتب سجل وهو عندك محصلين وتشرف عليهم مع قراء العداد شهريا يقرأون العداد (الميتر) ويسجلون بالدفتر ونحن الكتبة نعمل قوائم ونعمل فواتير من والى وهكذا المحصل يعرف البيوت ويستوفي من كل بيت حسب الفاتورة ومما اذكر اني نسيت مبلغا من المال داخل الكيس على الدراجة ورجعت ووجدتها في مكانها وبعد 4 سنوات نقلت الى شؤون الموظفين في دائرة الكهرباء والماء وعينت على ملفات الموظفين وعينت رئيس شعبة وبعد ذلك رئيس قسم وبعد سنوات مساعد مراقب وبعد ذلك مراقبا لشؤون العاملين والمدير محمود باقر ومراقب شؤون الموظفين كان يعين من الديوان على الموظفين ويتغير بين فترة وأخرى وبعد ذلك تم تقسيم المراقبة الى دائرة الوظائف والخدمات الفنية المساعدة والمعاونة، وعينت مديرا على هذه الادارة وذلك عام 1981 وكان راتبي بالعملة الروبية تقريبا 700 روبية واضافي وتحولت الى الدينار كل 100 روبية تساوي 7 دنانير ونصف الدينار وكان يساعدني المرحوم ندى العتيبي طلبته من قسم التحصيل الى ادارتي أسبوعيا اتسلم كشوفات عن الموظفين خارج الوزارة ونعمل على خصم الغائبين، وبدأ ندى العتيبي العمل بتنظيم الملفات وخاصة المؤشر أمام اسمه بالغياب وبتوقيعه بالحضور، وكل موظف لديه أفكار ونشاط في العمل أطلب نقله الى إدارتي حتى نظمت الادارة وكان من السهل أن تطلب نقل موظف من ادارة الى اخرى، وكان سالم الخرقاوي مسؤول قسم التحصيل وجاسم النجادة هو مدير الادارة فطلبت نقل ندى العتيبي وتمت الموافقة على نقله. ومعه بدأنا التصنيف حسب الحروف مثلا حرف الميم يعني «مستخدم»، السين بمعنى سائق، والوظيفة حسب الأحرف، عملنا نموذجا وبناء عليه نعرف الى أين ذهب الملف وتم ترتيب الملفات حسب الاسم والرقم وتاريخ التعيين.
ويضيف: في عام 1971 بدأنا بالترتيب وأرسلنا الى ديوان الموظفين نموذجا للذي عملناه وعمم على الوزارات، ومما اذكر من الموظفين كثيرين والمبنى القديم في المرقاب وعندنا مكيفات قديمة وصوت المكيف عال، وبعد خدمة 30 سنة طلبت التقاعد بتاريخ 1/7/1990 قبل الغزو العراقي الغاشم على الكويت بشهر واحد.
الغزو العراقي الغاشم على الكويت
وعن التصرف الهمجي العدواني الغادر ألا وهو الغزو العراقي الغاشم للكويت يقول الحاج عبدالرحمن العوضي: الغزو العراقي على الكويت حدث يوم الخميس الموافق 2/8/1990، أفراد عائلتي بذلك اليوم كانوا مسافرين الى قبرص ولا يوجد في البيت معي إلا ولدي فهد ويومئذ قد أنهى الدراسة الثانوية وكنت أجهز له للالتحاق بجامعة الكويت وصباح ذلك اليوم كنت معه نتريق، واتصلت احدى قريباتي وأبلغتنا بالغزو العراقي على الكويت، تقول ان الجيش العراقي دخل الكويت والأمير الشيخ جابر الأحمد خرج من الكويت ووصل الى المملكة العربية السعودية ومعه المرحوم الشيخ سعد العبدالله، وكان يومئذ وليا للعهد فقلت: لقد سلمت الكويت بخروج القيادة من الكويت، وقد صدقت فيما قلت لأنه وجد من يدافع ويطالب برجوع الكويت.
الخميس 2/8/1990 يوم الغزو العراقي الغاشم على الكويت يوم لا ينسى ولن يُمسح من ذاكرة التاريخ، بكى ولدي فهد ولم يتريق و7 أشهر أمضيتها في الكويت، لقد حفظت دعاء من أحد الأصدقاء وادعو وأكرر الدعاء، كان الترابط والتراحم والتعاون بين الكويتيين، كنا أسرة واحدة ويدا واحدة بوجه الجيش العراقي الظالم الحاقد بقيادة المجرم صدام حسين التكريتي، وبدأ الوافدون بالخروج من الكويت ومما اذكر انني كنت وحيدا في البيت مع ولدي فهد، وكان الغدر والخيانة والحسد من جانب العراقيين، فلو ان الكويت كانت اعتدت على العراق لوضع اللوم علينا ولكن نحن مسالمون جميع الكويتيين وقد اعتدوا علينا بعد عودة الأمير الوالد سمو الشيخ سعد العبدالله من المملكة العربية السعودية بدأ الغدر والخيانة والاعتداء على الكويت، لقد دمروا الكويت وحرقوا آبار النفط وقتلوا أبناء الشعب الكويتي ونهبوا ونقلوا من مخازن الكويت وتركوها على الصفر، ومما اذكر ان يوما من الأيام أغلقوا منطقة الجابرية وحضر جنود عراقيون بسيارة جيب وطرقوا الباب علينا، الخادمة أخبرتني بقولها عراقي عراقي وأخذت ولدي فهد وأخفته خلف الثلاجة خوفا من أخذه معهم، وخرجت لهم وقال الضابط العراقي شوف قبل أيام قتلنا جاركم وحرقنا بيته اعترف أحسن هل عندكم سلاح، فقلت له لا يوجد عندنا سلاح وتفضل فتش البيت، فقال اعطنا ثلج، واعطاني طاسة كبيرة ووضعت فيها الثلج، كنت حافظ علم الكويت وخفت من التفتيش وقال سنرجع لكم بعد المغرب وذهبوا دون رجعة.
ويكمل حديثه الذي يقطر أسى فيقول: وفي يوم من الأيام أخبرني مواطن وقال لا تخرجوا الجيش العراقي يأخذ الشباب، أخذ يعقوب الشملان وولده، وجاسم المانع وغيرهم من الشباب وكان ذلك قبل تحرير الكويت بأسبوع، والحمد لله تم تحرير الكويت من براثن الغزو العراقي الغاشم يوم الاثنين 26/2/1991 عندها ولدي فهد صعد على السطح وقال أشاهد علم الكويت فوق المخفر، خرجت للشارع مع من خرج من المواطنين فرحين مسرورين بعودة وطننا العزيز وذهبت الى بيت أختي ومعي ولدي فهد 7 شهور من الظلم والاحتلال العراقي، لقد دمروا وهتكوا أعراض النساء، نقطة سوداء في جبين الأمة العربية وتاريخ العراق الأسود، لا يفوتنا هنا ان نشكر جميع دول الخليج العربي والدول العربية التي وقفت وساندت الكويت، وانظروا ماذا يجري للعراق حاليا، نهاية سيئة لصدام حسين حاكم العراق من الحكم الى المشنقة، وفي أحد الأيام أوقفني عسكري كردي وقال ان الجيش (الحرس الجمهوري) دخلوا الى الكويت وبالفعل بدأ اعتقالات الشعب الكويتي والأسرى الذين أخذوهم 600 كويتي أعدموهم رميا بالرصاص في العراق وبعض الشباب أعدموا في الكويت، كان الغزو العراقي للكويت نقطة سوداء في جبين الشعب العراقي والبعثيين، لقد تلطخت أيديهم بدم الشرفاء من أهل الكويت وكل ظالم له نهاية سوداء مثلما أعدم صدام حسين وأتباعه من اخوانه وأعوانهم وسيأتي الدور على الآخرين.
تعليم الأبناء والبنات
ينتقل ضيفنا الحاج عبدالرحمن العوضي من مرارة الحديث عن احتلال الوطن الى الكلام عن مستقبل الوطن وهم الأبناء وتعليمهم فيقول: رزقني الله بنتا وهي د.أسيل عضو مجلس الأمة الكويتي وبدأ اهتمامي بتعليمها والعناية بها وتدريسها ومتابعتها في الدراسة وخاصة ان والدتها كانت مدرسة وتقاعدت ناظرة مدرسة، ومن بعدها الأولاد واختها وأيضا كان الاهتمام بهم في تعليمهم وكنت مع والدتهم نتابعهم في دراستهم حتى حصلت أسيل على شهادة الدكتوراه وكذلك ولدي أحمد طبيب أسنان وكذلك فهد خريج جامعي مهندس وفاطمة خريجة التطبيقي.
كانت د.أسيل تشارك في جميع الأنشطة المدرسية منذ صغرها، وبعد التخرج عينت معيدة في جامعة الكويت وسافرت مع زوجها الى أميركا حتى حصلت على الدكتوراه، لقد انصب اهتمامي على تعليم أولادي تعويضا عن عدم إكمال دراستي، أما أحمد فهو دكتور أسنان وحاليا يكمل تعليمه العالي في أميركا، جميع أولادي أكملوا تعليمهم في أميركا، وكذلك جميع اخواني حرصوا على تعليم أولادهم تعليما جامعيا، وهم حاليا يحتلون مراكز إدارية وفنية في الوزارات، وأخي عبدالله مخرج سابق في تلفزيون الكويت.
قيادة السيارة
وعن حصوله على رخصة قيادة السيارة يقول ضيفنا: تقدمت بنفسي الى المرور وحصلت على استمارة وكانت الأمور بسيطة وسهلة وتدربت عند معلم في سيارة صالون وذلك عام 1956 وسيد عبدالوهاب اختبرني في الدهلة السكيك ضيقة للأمام وللخلف والفاحص عمل حركة بسيطة بأنه لف المرآة، حتى يتأكد من انتباهي وحصلت على اجازة واشتريت سيارة أوستن وسعرها 2000 روبية وبعد ذلك اشتريت سيارة اخرى، وعام 1959 اشتريت سيارة فولكس واذكر احدى السنوات ذهبت الى البر فيها ولها فتحة بالسقف أقفلتها وفي تلك الأثناء انزلقت السيارة بفعل الطين من اثر المطر فانقلبت السيارة ومعي اطفال وخرجنا من السيارة وأعدناها لحالتها وذهبنا الى العائلة في الخيمة.
بعد سنوات اشتريت سيارة شفر وكل سنتين استبدل سيارة ومن حال الى حال والحمد لله رب العالمين تعلمت قيادة السيارة ولم أتعلم السباحة ولم أذهب الى الحداق ولا صيد السمك، كنت دائما مع الوالد في دكانه، كنت هادئا في الفريج وفي المدرسة، ومن المواقف الطريفة أخبرني المرحوم مبارك الهدهود بأن أخي ابراهيم ضرب كلب القنصل بالحجر وكسر رجله، وقابل الوالد وأخي ذهب الى فيلكا والوالد اعتذر للقنصل وانتهت القصة بالتراضي مع اعتذار الوالد، أيضا مما أذكر ان المرأة كان لها دور كبير في المنزل والمجتمع كانت تخدم في بيت والدها وفي بيت زوجها، كانت الزوجة في خدمة زوجها وخالتها والدة الزوج الأم العودة هي التي تدير شؤون البيت، تحلب وتخبز وتعجن، تخبز الرقاق على التاوه وعلى النار دلة الحليب الملبسة اللحم والسمك، والدجاج للبيض قديما الكويتيون لا يأكلون الدجاج، والنار من العرفج والسعف والقرم وماء الجليب للغسيل، اذكر في بيت الوالد حوض كبير نجمع فيه الرماد. ونعطيه للبنائين لاستخدامه على السطوح، وبعد تجهيز الغداء يجلس الاب والاولاد، وبيتنا فيه الليوان الكبير نعرش الحصير ونضع السفرة ويوضع الاكل، والجميع مع الوالد نتغدى مع بعض، الكنة تساعد خالتها ولها يوم مخصص لخدمة البيت، وبعض نساء الفريج يزرن الأم العودة، وكل كنة لها دور في بيت زوجها وماء الجليب للغسيل.
ويستطرد ضيفنا: المرأة الكويتية حاليا تختلف عن المرأة السابقة، الآن موظفة وتاجرة وعندها خادمات يساعدنها، أذكر كنت أسمع الكلام عند الرجال يتحدثون عن زمان ما قبلهم مثلما نحن نتحدث عن السابقين، شاي الضحى عند النساء الشاي وبعض المكسرات والبيوت تكاد تكون خالية من الرجال فقط النساء موجودات في البيوت. شاي الضحى عند الأم العودة حتى أذان الظهر، حب الرقي والبطيخ وحب القرع والسبال، وكل امرأة تحكي وتقص عن بنات جيلها، خاصة العجائز يتحدثن عن بنات جيلهن.
النائبة بمجلس الأمة د.أسيل العوضي
بعد ذلك ينتقل الحاج عبدالرحمن العوضي الى موضوع يشعر معه بالفخر عندما يتحدث عن ابنته النائبة في مجلس الأمة د.أسيل فيقول:
البداية عندما كانت طالبة جامعية كانت تشارك في الاتحاد الوطني لطلبة الكويت، وكان معهم د.أحمد الربعي وأحمد بشارة والنائب علي الراشد، كانوا جميعا في الاتحاد الوطني، واستمرت في العمل معهم ونشاطها كان واضحا في الاجتماعات، عام 2007 ترشح النائب علي الراشد للانتخابات، فكانت من ضمن الحملة معه للانتخابات، عام 2008 د.أسيل رشحت نفسها للانتخابات، خاصة بعدما تمت الموافقة على السماح للمرأة بالانتخاب والترشيح، ولكن المرة الاولى لم توفق، فرشحت نفسها للانتخابات عام 2009 ونجحت مع زميلاتها النائبات سلوى الجسار ومعصومة المبارك ورولا دشتي، وحاليا تقدم عملها للوطن والمواطن داخل مجلس الامة متعاونة مع جميع النواب، والحمد لله طبعا في البداية عرضت علي الموضوع وتشاورنا نحن افراد العائلة، وسمحت لها بالترشح، مع العلم انها كانت تتمتع بدعم من الجماعة الذين كانت تعمل معهم.
والحمد لله ايضا طلبة الجامعة ساندوها ايام الترشح والانتخابات، وكانت بذلك الوقت تعمل استاذة في جامعة الكويت، وقبل ذلك كانت في اميركا نجحت عام 2009 وحاليا د.اسيل العوضي عضو مجلس الامة وقد حصلت على عدد اصوات الناخبين ما يقارب أربعة عشر ألفا وزيادة، وكانت الثانية بين الناجحين في دائرتها الثالثة، والحمد لله ان د.أسيل العوضي نائبة في مجلس الامة، ولنا الشرف ان تكون في المجلس وهي تعمل وتقدم الكثير لوطنها، وأدعو الله أن يوفقها في عملها وأدائها وخدمة الوطن والمواطن. وقد كنت انتخب من هو مقتدر ومقتنع به وما يقدم وشاهدت المواطنين وهم ينتخبون ابنتي. وكنت أختار السيد يوسف الرفاعي، وبعد ذلك كنت انتخب صالح الفضالة بعدما سكنا في العديلية.
ويضيف الحاج عبدالرحمن العوضي: الكويت أمنا وأبونا أعطتنا ورعتنا، وعلينا ان نقدم لها كل ما نستطيع، الكويت بلدنا وقد مررنا بتجربة الاحتلال العراقي على الكويت، علينا بالوحدة ولنا حقوق وعلينا واجبات.
الديوانية الكويتية
يتحول بعد ذلك الحاج عبدالرحمن العوضي للتحدث عن مظهر اجتماعي ميز الكويت عن غيرها، ألا وهو الديوانية، وفي ذلك يقول: من نعم الله علينا أننا نحن المواطنين نجتمع في الديوانية، نطرح فيها المشاكل ونناقش الامور بمحبة واحترام واخوة صادقة، الديوانية في الكويت مجلس أمة مصغر، كان والدي يجلس في ديوانية عبدالله العوضي ولم يفتح له ديوانا، وحاليا كل ليلة أذهب الى ديوانية أمضي وقتا من الزمن بين الاصدقاء والاحباب ثم العودة الى المنزل، ولا أتأخر كثيرا عن البيت حاليا زاد عدد الديوانيات وانتشرت بجميع المناطق السكنية، ولكن هناك شيئا عجيبا ان رواد الديوانيات لا يحاسبون النائب عندما يدخل عليهم ويكتفون بالترحيب به وتوديعه، وهذا خطأ، اذا دخل أي نائب الى الديوانية على الجميع مناقشته في امور القوانين وما يخص المواطن والمشاكل كثيرة على رواد الديوانية طرحها عليه حتى يطرحها للمناقشة، التعليم والصحة، الامور الاجتماعية والتوظيف وغيرها من الامور، فهذا مأخذي على رواد الديوانيات، فنحن لا نريد المجاملات وهم الذين يوصلون المرشح الى المجلس وبعض اصحاب الديوانيات كانوا يرفضون استقبال المرشحات من النساء وهم أحرار فيما يعملون.
وأذكر عندما رشحت د.أسيل للانتخابات بعض رواد الدواوين رفضوا استقبالها ولكن تعهدوا بانتخابها وصدقوا فيما قالوا.. «الناس ما هي سوا انظر لأصابيعك».
قصة الوالد مع الشيخ مبارك الصباح
يرى ضيفنا أن العلاقة بين الحاكم والمحكوم في الكويت كانت ولاتزال علاقة مميزة وطيبة، ويدلل على ذلك بذكر هذا الموقف: الوالد هدم بيته القديم الذي كان مبنيا من الطين وأعاد بناءه من صخور البحر وكانت المساحة خمسمائة متر مربع، وبنى البيت حتى انتهى وسكن الوالد في البيت مع اخواني الكبار والعائلة وسمع المرحوم الشيخ مبارك الصباح عن بناء البيت وكيفية بنائه، وفي يوم من الايام ذلك العام حضر المملوك الخاص لحاكم الكويت عند الوالد وأخبره برغبة الأمير في ان يزور الوالد لمشاهدة البيت، وفي اليوم الثاني والدي رحمه الله ذهب الى الشيخ مبارك الصباح ودعاه لزيارته ضحى احد الايام لشرب القهوة والشاي عنده في ديوانه، واستعدت العائلة لذلك اليوم وجهزوا القهوة والشاي وفرشوا البيت، وحضر المرحوم الشيخ مبارك لزيارة الوالد رحمهم الله جميعا. وكان معه الخدم وحضر راكبا عربانته التي كانت الخيول تجرها، واستقبل استقبالا كبيرا حافلا وشاهد البيت وصعد الى الغرفة فوق السطح، وشاهد الرمانيات الموجودة في الروشنة والمناظر المعلقة، وقد فرح كثيرا بما شاهد وقدمت له القهوة والشربت. وشاهد الباقدير في الغرفة وأمضى يومه ذلك عند الوالد، هذا دليل على العلاقة الطيبة بين الحاكم والمحكوم منذ ذلك الزمن. أيضا الوالد أحضر بعض الكراسي وكان هناك احتفال كبير للشيخ مبارك الصباح الحاكم السابع للكويت.. وتمت المباركة في البيت الجديد وخرج من البيت فرحا، هكذا كانت الكويت.