- تلقيت تعليمي الابتدائي في مدرسة اللد الابتدائية التابعة لدائرة معارف فلسطين
- كنت أهوى كرة القدم منذ الصغر وانضممت لفريق مدرسة الرملة الثانوية
- توفي والدي فتركت المدرسة ولم أكمل المرحلة الثانوية لأساعد أسرتي
- عملت بالمعسكر البريطاني في بيت نبالا قريباً من اللد
- هاجرت مع أسرتي من اللد بعد أن هاجمها اليهود واتجهنا إلى رام الله ثم استقررنا في دمشق
- اليهود أخرجونا بما علينا من ملابس وأمرونا بالتوجه ناحية رام الله وسط الجبال وسقط كثير من الناس موتى
حوار: منصور الهاجري
ضيف هذا الأسبوع مواطن كويتي ولد بمدينة اللد بفلسطين العام 1926 في أسرة مكونة من سبعة أبناء لأب يعمل في مجال المقاولات، هو محمد عبدالرحمن الهنيدي، تلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة اللد الابتدائية، وأكمل الدراسة حتى الصف الثاني الثانوي في مدرسة الرملة، توفي والده فترك المدرسة دون أن يكمل المرحلة الثانوية، ليساعد أسرته، فبحث عن عمل وفي الوقت نفسه انتسب للمعهد البريطاني لإتمام دراسته بالمراسلة وكان ذلك عام 1948، حيث كانت الحرب العالمية الثانية في أوجها، والتحق بالعمل مع فريق الهندسة الملكية البريطانية في معسكر بيت نبالا.
اضطر إلى ترك اللد هو وأسرته بعد أن هاجمها اليهود واحتلوها، فاتجه مع أهل القرية إلى مدينة رام الله ثم إلى مدينة السلط الأردنية ثم إلى سورية.
وفي ديسمبر 1948 حصل بواسطة أحد أبناء عمه على إذن لدخول الكويت، فسافر إليها برا من دمشق وحصل على فرصة عمل بدائرة الجوازات والسفر مع الشيخ عبدالله المبارك والتي أدارها بعد ذلك سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد.
وفي عام 1953 تم تشييد مبنى دائم لإدارة الأمن العام، فالتحق معظم محققي شركة نفط الكويت بها بعد إغلاق دائرة التحقيقات التابعة لها.
وإلى تفاصيل أكثر:
في البداية يقول الهنيدي: ولدت في مدينة اللد في فلسطين بتاريخ 10 ديسمبر 1926، وانا الابن الثاني من عائلة متوسطة الحال مكونة من 6 ذكور وأنثى واحدة، كان والدي - رحمه الله - يعمل في مجال المقاولات وخاصة إنشاء الطرق، وساهم في إنشاء مدرجات مطار اللد في ثلاثينيات القرن الماضي.
كان عدد سكان مدينة اللد في عام 1948 حوالي 22 ألف نسمة وتعتبر من المدن المتوسطة الحجم بالمقارنة مع المدن الكبيرة مثل حيفا ويافا، حيث كان عدد السكان فيها يزيد على الـ 60 ألف نسمة، وكان عدد سكان فلسطين في عام 1948 يزيد قليلا على المليون ونصف المليون، منهم مليون و200 ألف فلسطيني عربي والباقي من اليهود المهاجرين من دول أوروبا بمساعدة الانتداب البريطاني - أثناء الحرب العالمية الثانية.
وتعتبر اللد مدينة زراعية حيث كانت تهتم بزراعة الخضار والفواكه والزيتون، وكانت مصدرا رئيسيا لمدن فلسطين لإمدادها بالخضار، حيث تتميز بأن أرضها خصبة وتشتهر بإنتاج الزيتون والسمسم وعصره وفيها عصارات، كما تشتهر بصناعة الصابون ودبغ الجلود.
وتقع مدينة اللد في وسط فلسطين وتبعد عن مدينة يافا حوالي 15 كيلومترا وجوها معتدل دافئ في الشتاء وكان يوجد بها أكبر مطار في منطقة الشرق آنذاك وفيها أكبر محطة سكة حديد وملتقى سكك حديد الشرق الأوسط وكانت اللد مدينة عربية خالية من المستعمرات اليهودية يعيش فيها المسلمون والمسيحيون بكل حب وتآلف، وفيها كنيسة تاريخية واحدة هي كنيسة مارجرجس وجسر جنداس الذي بناه الملك الظاهر ركن الدين بيبرس.
ويتحدث الهنيدي عن اشهر العائلات التي كانت تعيش في اللد وهي عائلة الهنيدي والكرزون والكيالي ودهمش والصالحي والمهتدي والخالدي وغنيم والصوص وحماد ورجب وبطشون والحلتة والحسيني وجودة ورزق وحبش وحسونة والعلمي وشموط وبدران من العائلات الكريمة الأخرى.
الدراسة والتعليم
أما عن تعليمه والمدارس التي التحق بها فيقول الهنيدي: تلقيت تعليمي الابتدائي في مدرسة اللد الابتدائية التابعة لدائرة معارف فلسطين وأكملت الدراسة حتى الصف الثاني الثانوي في مدرسة الرملة الثانوية ولم يكن التعليم مختلطا فكان مكونا من مرحلتين، الأولى ابتدائي حتى السابع وثانوية حتى الصف الرابع تنتهي بشهادة المتريكوليشن (الثانوية العامة).
وكانت الدراسة في المرحلة الابتدائية وقتها تشمل العلوم والرياضيات والدين واللغة العربية والنحو والتاريخ والجغرافيا بالاضافة الى حصتين أسبوعيا في الصفين الرابع والخامس في علوم الزراعة والنجارة والحدادة من قبل مدرسين متخصصين وورش مجهزة بجميع اللوازم.
واذكر من مدرسي مدرسة اللد الابتدائية في الثلاثينيات المدرس المرحوم سليمان ابوغوش ومحمود نجم اللذين كانا عضوي التدريس في البعثة التعليمية الفلسطينية في ثلاثينيات القرن الماضي بالكويت - رحمهما الله - كما اذكر ممن تخرجوا في مدرسة اللد الابتدائية د.أحمد أبوحاكمة الذي كان ضمن هيئة التدريس في جامعة الكويت في ستينيات القرن الماضي.
ومن المدرسين الفلسطينيين خير الدين العباسي وفخري انشاصي وداود مراد لبناني.
ويضيف الهنيدي ان كان التعليم في فلسطين غير مختلط ـ فتعليم البنات قديم بنفس مستوى تعليم الأولاد ولكل فئة مدارسها ـ والتعليم الابتدائي كان يبدأ من سن السادسة للأولاد والبنات.
ومنذ صغري كنت أهوى لعب كرة القدم وكنت ضمن فريق كرة القدم في مدرسة الرملة الثانوية ثم لاعب مهم بفريق كرة القدم في نادي الأرثوذكسي بمدينة اللد عام 1942 حتى سقوطها بيد الصهاينة.
وكان في اللد ملعبان لكرة القدم، ملعب واحد تابع للمدرسة والآخر في محطة سكك حديد اللد وكان فريقنا مصنف درجة ثانية يتبع الاتحاد الرياضي الفلسطيني لواء اللد الذي يضم مدن اللد والرملة ويافا.
ويلفت الهنيدي الى انني بعدما أنهيت المرحلة الابتدائية التحقت بالمرحلة الثانوية، ولما كانت مدارس اللد تفتقر الى المرحلة الثانوية لذلك انتقلت الى ثانوية الرملة وهي تبعد 3 كيلومترات عن اللد وانتقل اليها بالباص يوميا والدوام من السبت الى الخميس نصف دوام والجمعة عطلة والاحد عطلة.
كان الطلاب المسيحيون في حصة الدين الإسلامي يذهبون الى فصل منفصل يدرسهم مدرسون مسيحيون.
وكان في اللد مدرسة حكومية ابتدائية واحدة للذكور وأخرى للبنات، وكان فيها مدرسة لاتينية ومدرستان خاصتان والمدارس الخاصة تدرس المرحلة الابتدائية فقط ولم يكن لي نشاط آخر إلا الرياضة وكنت لاعبا مسجلا في الاتحاد الرياضي الفلسطيني وكان خيري أبو الجبين سكرتير الاتحاد الرياضي في لواء اللد، كما كان لا يوجد بالمدرسة فريق قدم ولكن فيها فريق سلة.
ويضيف الهنيدي: في تلك الفترة توفي والدي فتركت المدرسة بعد إنهاء ثاني ثانوي وباشرت العمل، اهتممت بقراءة الأدب الإنجليزي وقرأت كتبا كثيرة الى ان تمكنت من اللغة الإنجليزية قراءة وكتابة، انتهت الحرب العالمية الثانية عام 1945 والإنجليز انسحبوا من فلسطين أوائل عام 1948 عام النكبة.
أول عمل في حياتي
ويتطرق الهنيدي الى الظروف الصعبة التي مر بها بعد وفاة والده فيقول: توفي والدي عام 1948 ولشعوري بالمسؤؤلية تجاه اخوتي الصغار قررت ترك المدرسة والبحث عن عمل وبنفس الوقت انتسبت للمعهد البريطاني لإتمام الدراسة بالمراسلة، وكانت الحرب العالمية الثانية في أوجها، وكان المجال واسعا للعمل، خاصة ما كان يتعلق بالمجهود الحربي البريطاني وبالفعل التحقت بالعمل مع فريق الهندسة الملكية البريطانية في معسكر بيت نبالا القريب من مدينة اللد في وظيفة إدارية وكان المعسكر يضم ورشا كبيرة للصيانة وسكب الحديد والنحاس والنجارة والحدادة واللحام وغيرها من المهن وكان مستخدمو المعسكر خليطا من العرب واليهود وكانوا من الفنيين المهرة ذوي الخبرة مهاجرين من الدول الأوروبية.
وقد أكسبني عملي في ذلك المعسكر واختلاطي بالجنود البريطانيين والفنيين الآخرين خبرة فنية وطلاقة باللغة الإنجليزية ولكن في 28 فبراير 1948 سرحت من العمل وبدأ إجلاء القوات البريطانية من فلسطين مع اشتداد المعارك بين العرب واليهود.
وضع مدينة اللد
أود أن أذكر هنا أن مدينة اللد هي من المدن القديمة تاريخيا، احتلها في العهود الماضية البيزنطيون والصليبيون وفتحها المسلمون، ويدل على ذلك كنيستها ومسجدها وبعض الكتب التاريخية، كانت تشتهر قبل احتلالها من اليهود وطرد سكانها بالزراعة، وكان مطارها يعتبر من أكبر مطارات الشرق، اطلق عليه بعد الاحتلال اسم مطار «بن غوريون».
وفي مساء يوم 11 يوليو 1948 الموافق الخامس من رمضان 1367هـ هاجمت وحدة كوماندوز يهودية بقيادة موشي ديان مدينة اللد تحت وابل من قذائف المدفعية واستعمال الطيران لأول مرة واحتلتها هي ومدينة الرملة المجاورة، ولم يتمكن رجال المقاومة والذين كانوا مسلحين بأسلحة خفيفة من الصمود وبعد نفاد ذخيرتهم لجأوا إلى مسجد دهمس، واقتحمت القوات اليهودية المسجد وأبادتهم جميعا دون مقاومة، قدر عددهم بأكثر من 160 شهيدا.
وبعد يومين من الاحتلال أمر الجنود الصهاينة سكان المدينة بالخروج من منازلهم والتوجه خارج المدينة قائلين لنا «يلا برة روحوا ملك عبدالله»، ووضعت في جيبي بعض المستندات مثل جواز السفر وبطاقة الهوية وشهادة الميلاد وناولت والدتي- رحمها الله- مبلغ 150 جنيها فلسطينيا من مدخراتي وخبأتها في ملابسها، وخرجنا بما علينا من ملابس، وأمرنا الجنود بالتوجه شرقا مشيا على الأقدام في اتجاه مدينة رام الله وعبر الجبال بين صفوف الجنود الذين كانوا لا يتركون شخصا خاصة من الرجال إلا ويتم تفتيشه وسلبه ما يحمله من نقود وأشياء ثمينة، وكنت أحدهم، فسلبوا مني ما كنت أحمله من نقود وساعتي وقلم حبر.
ويضيف الغنيم: لن أنسى أثناء سيري إلى رام الله جموع سكان المدينة ومعهم من كان لاجئا فيها من المناطق الأخرى قبل احتلالها، وهم يسيرون ساهمون في طريق وعرة عبر الجبال لا ماء ولا طعام، كثير منهم كان يحمل على ظهره عزيزا من مرضاهم أو أحد الوالدين العاجزين، وهم يلهثون من التعب والجوع والعطش، حالات كثيرة من العجزة والمرضى فارقوا الحياة في الطريق وكانت الوسيلة الوحيدة لدفنهم هي تغطيتهم ببعض الحجارة على جانب الطريق.
الاستقرار في رام الله
ويقول الهنيدي: استغرقت مسيرتنا إلى رام الله يومين، وهناك تم إسكاننا في إحدى مدارسها، وبعد عدة أيام توجهنا إلى مدينة السلط الأردنية، وهناك هيأت لنا بلديتها مشكورة غرفة في مدرستها الوحيدة آنذاك والتي كانت مقامة ومازالت في منطقة جبلية تطل على المدينة، واستغرقت إقامتنا في مدينة السلط نحو شهر واحد تمكنا في أثنائها من الحصول على إذن للدخول واللجوء إلى سورية، وسافرنا برفقة مجموعة من الأقارب بالقطار من عمان إلى دمشق، وعند وصولنا إلى هناك قادنا مندوب كان في استقبالنا هناك إلى مدرسة التجهيز للإقامة فيها والتي كانت غاصة باللاجئين الفلسطينيين، وتمكنت بعد عدة أيام من استئجار بيت قديم كان بناؤه من الطين في حي المهاجرين، وانتقلنا إليه، وهنا بدأت المهمة الشاقة، وهي مهمة البحث عن عمل.
العمل في الكويت
أما عن مجيئه إلى الكويت فيقول الغنيم: في الربع الأخير من عام 1948 تعاقد ثلاثة من أبناء عمي للعمل بالكويت، حيث تعاقد أحدهم مدرسا بدائرة المعارف آنذاك، والثاني عمل مهندسا لدى المرحوم عبدالله الملا صالح، والثالث عمل مع الشركة العربية للتجارة (عزت محمد جعفر واخوانه)، وهذا الأخير انتقل بعد عدة أسابيع إلى دائرة الجوازات والسفر، وفي ديسمبر من عام 1948 حصلت بواسطة أحدهم على اذن لدخول الكويت وعن طريق السفارة البريطانية بدمشق ختمت الفيزا على جواز سفري الفلسطيني، وسافرت برا من دمشق إلى بغداد، ومنها بالقطار إلى البصرة ومن هناك استقللت باص «أبوعرام» إلى الكويت التي وصلتها مساء 31 ديسمبر 1948، وختم جوازي بالقدوم في 1/1/1949.
ونزلت في بادئ الأمر في ضيافة ابن عمي في بيت مؤجر من آل معرفي فوق ديوانيتهم آنذاك على شاطئ البحر بمنطقة الشرق، وهو المكان المقام عليه وزارة الخارجية حاليا، وكان يقابل ذلك البيت معمل للثلج ومحطة لتوليد الكهرباء للمرحوم عبدالله الملا صالح، وهو الحي نفسه الذي كان يقيم فيه المرحوم الشيخ صباح الناصر (شقيق صباح الناصر).
وفي مساء اليوم الخامس من يناير 1948 وأثناء تجولي في ساحة الصفاة دخلت مبنى دائرة الجوازات والسفر، والذي كان يقع في الزاوية الشرقية من ساحة الصفاة، وذلك لزيارة ابن عمي الذي كان يعمل هناك في دوام كان يمتد حتى التاسعة مساء، وأثناء وجودي في مكتبه دخل المرحوم محمد جعفر، فعرفني به ابن عمي وأثناء تبادل الحديث سألني عما إذا كانت لدي رغبة في العمل بدائرة الجوازات والسفر، فأجبنه بالإيجاب، وتركنا وغاب برهة ثم عاد وسحبني من يدي إلى مكتب المرحوم الشيخ عبدالله المبارك الذي بادرني بأسئلة عن اسمي وسني ومؤهلي، ثم قال «زين»، وعدت إلى مكتب ابن عمي، وعاد بعدها المرحوم محمد جعفر وقال «مبروك» داوم غدا الراتب 300 روبية.
دائرة الجوازات والسفر
وبالفعل تم تعييني في قسم الإقامة بدائرة الجوازات والسفر.
كانت الإدارة مؤلفة من قسمين، الأول قسم الجوازات وكان مديره المرحوم هاني جميل القدومي والثاني قسم الإقامة والسفر بإدارة توفيق الإيراني (ترك هذا الشخص العمل بعد نحو شهر من تاريخ تعييني)، كان من زملائي في غرفة المكتب الذي كنت فيه كل من المرحوم ابراهيم عيد (كان أحد مدرسي البعثة التعليمية الفلسطينية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي)، ويوسف السيد هاشم الرفاعي (وزير الدولة السابق) وأذكر أنه كان في الفرقتين المجاورتين كل من المرحوم أحمد المقهوي، عبدالمحسن الخميس، عبدالمحسن عبدالمجيد، عبدالله راشد عبدالغفور، أحمد الرندي المساعيد وعبدالله السمحان وفي غرفة مقابلة كان فيها سليمان المشعان.
وكانت دائرة الجوازات والسفر في ذلك الوقت في الجزء الشرقي من ساحة الصفاة في بناء متوسط الحجم يتكون من طابقين، بجانبه باتجاه الجنوب مبنى مديرية الأمن العام قبل انتقالها إلى قصر نايف، كان في الجهة المقابلة من ساحة الصفاة في أول الطريق المؤدي إلى سوق السلاح مكتب شركة المرحوم أحمد الغانم وأولاده، يليه مخزن جاشنمال، ثم شركة التجارة العربية (عزت محمد جعفر واخوانه) ثم مخزن شيرين بهبهاني للساعات، ثم على الطرف الآخر عند مدخل الشارع الجديد مكتب المرحوم عبدالله الملا صالح، وعلى الزاوية الجنوبية كانت شركة الشايع (سيارات فورد)، وبجانبها على شارع الجهراء مديرية الشرطة العامة، وكان على الجهة الشرقية من ساحة الصفاة مبنى تحت الإنشاء للبنك البريطاني الإيراني (بنك الكويت والشرق الأوسط فيما بعد).
العمل في الأحمدي
وفي 15 يناير 1949 استدعاني المرحوم الشيخ عبدالله المبارك إلى مكتبه وأبلغني بأنه تقرر إنشاء إدارة للأمن العام في الأحمدي وقال لي «هذه الإدارة ستكون بإدارة ولدنا الشيخ جابر الأحمد وأبيك تنطره باچر الصبح وتروح وياه»، وفي صباح اليوم التالي أي 16 يناير 1949 وقفت سيارة بيضاء من طراز فورد وكان بها المرحوم سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، سلمت عليه وعرفته بنفسي ودعاني للجلوس بجانبه على المقعد الخلفي، انطلقت بنا السيارة إلى شارع الجهراء ثم عبر بوابة الشامية إلى خارج السور ومنها عبر أرض فراغ خالية من أي عمران إلى أن وصلنا إلى قرب الفروانية حيث كانت هناك بداية طريق معبد اتخذناه باتجاه الأحمدي عبر المقوع، وعلى الجانب الغربي من الطريق عند مدخل الأحمدي دخلنا مكانا مسيجا أقيم بداخله نحو عشرين خيمة صغيرة وعند مدخله خيمة كبيرة، وكان ذلك مقر إدارة الأمن العام بالأحمدي.
ويضيف الغنيم: بعد أن أدت ثلة من رجال الأمن التحية لسموه دخلنا الخيمة الكبيرة وكانت من ثلاثة أعمدة في سقفها مروحة كهربائية وثلاث نقاط إضاءة مفروشة ببساط أزرق اللون في وسطها مكتب كبير خصص للمرحوم سمو الشيخ جابر ومكتبان آخران أصغر حجما أحدهما على يمين المكتب الكبير جلست أنا عليه والآخر على اليسار للمرحوم سليمان أبوكحيل الذي سبقنا إلى هناك.
بعد عدة أيام تم تجهيز مسكن لي هناك وكان عبارة عن خيمة متوسطة الحجم نصبت خلف خيمة المكتب الكبيرة ركب في سقفها مروحة كهربائية ونقطة إضاءة وفرشت أرضها ببساط أزرق وزودت بصندوق للثلج وحب من الفخار وفلتر للماء، ومن الطريف ان أذكر أنه بعد نحو عشرة أيام من إقامتي هناك هبت عاصفة ورياح شديدة أثناء نومي مزقت وأطاحت معظم الخيام وكان أشدها تضررا خيمة المكتب الكبيرة، وفي اليوم التالي أعيد تجديد الخيام المتضررة، وفي مارس 1952 شيد مبنى من الطوب اللبن مكون من مجلس ومختصر لسمو الامير الراحل الشيخ جابر ومكتب للإدارة وغرف صغيرة واحدة للأحوال، ومخزن للسلاح ونظارة.
في هذا الوقت انضم للعمل المرحوم عبدالكريم الشوا منتدبا من دائرة جوازات الكويت.
ويتحدث الغنيم عن طبيعة عمله فيقول: كانت مهماتي وطبيعة عملي آنذاك غير محددة، فنظرا لإقامتي ووجودي هناك معظم الوقت كان من الطبيعي أن تحول إلي جميع البلاغات والشكاوى التي كانت ترد إلى الدائرة، مما كان يضطرني إلى معالجتها والتحقيق فيها.
في ذلك الوقت كان لشركة نفط الكويت دائرة تسمى دائرة التحقيقات مديرها كان بريطانيا، ضابط شرطة سابقا، يعاونه مجموعة من المحققين من ذوي الخبرة السابقة من البريطانيين والهنود والباكستانيين وعربي واحد، كانت مهمة هذه الدائرة معالجة والتحقيق في جميع الجنايات والحوادث الداخلية، وذات العلاقة بأمنها وموظفيها وإحالة ملفات ذوي العلاقة من الجنسيات البريطانية والهندية والباكستانية إلى محاكم كانت تعقد في داري الاعتماد بالبحرين والكويت.
ولما كانت معظم الشكاوى والبلاغات التي ترد إلي ذات علاقة بالشركة ومستخدميها فقد كان التحقيق فيها يجري بالتنسيق مع محققي الشركة، وهذا أكسبني خبرة جيدة في طرق التحقيق وتدوين الإفادات، وكانت جميع القضايا تعرض على سمو الامير الراحل المرحوم الشيخ جابر وكان في معظمها يكتفي بالنصح وتنبيه من كان متهما وإطلاق سراحه وإحالة ملفات القضايا الكبيرة إلى المحكمة، بالكويت.
وأود أن أذكر هنا وضع الأحمدي والمناطق الأخرى التابعة للشركة في ذلك الوقت كما شاهدته في أوائل عام 1949.
كانت الأحمدي والمناطق الأخرى ورشة عمل شاملة، العمل كان على أشده في بناء المبنى الرئيسي للإدارة وكانت تقوم به شركة بريطانية اسمها c.e.c.d شاهدت وقتها من كان يقوم بمعظم العمل من بنائين ونجارين ومساعديهم كانوا من البريطانيين، وكان العمل أيضا يجري في تخطيط ورصف الشوارع وبناء المساكن للموظفين والمستخدمين، وبناء رصيف شحن النفط الجنوبي، وحفر آبار النفط في البرقان ومراكز التجميع وبناء خزانات النفط ومد الأنابيب.
أقيم في كل منطقة مقار من الخيام والبيوت الجاهزة مزودة بجميع الخدمات لموظفي وعمال الشركة الذين كانوا يعملون في تلك المشاريع، وفي مدخل الأحمدي على الجانب الشمالي من طريق المقوع كان هناك مخيم يضم وحدات من البيوت الجاهزة للعمال المحليين (كان يطلق على هذا المخيم كمب نمر خمسة) وكانت نسبة كبيرة من المقيمين فيه في ذلك الوقت من الجنسية العمانية.
وفي الجهة المقابلة على طريق المقوع كانت هناك مواقف لسيارات التاكسي وبعض الحوانيت ومقهى وخلفها عشش كثيرة جميعها كانت من الصفيح وعلى الطراف الشمالي ايضا كانت هناك بعض المقار من الخيام والصفيح للمقاولين المحليين ومستخدمهم العاملين في مشاريع الشركة.
وعند اتمام أول بيت من البيوت الدائمة قررت الشركة إهداءه إلى المرحوم الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، أقيم في تلك المناسبة حفل كبير في موقع البيت في الشارع الثاني الاوسط، حضره الشيوخ وكبار الشخصيات والكولونيل ديكسون والمعتمد البريطاني.
اقامت في ذلك البيت فيما بعد المرحومة الشيخة مريم الجابر مدة من الزمن.
إدارات الأحمدي
يقول محمد الهنيدي في عام 1953 تم تشييد مبنى دائم لإدارة الأمن العام أخذ في الاعتبار في تخطيطه التوسعات المستقبلية.
شمل هذا المبنى مكاتب عدة للإدارة، مهاجع لقوة الأمن، سجنا صغيرا، مسجدا، عيادة طبية، كراجا لتصليح السيارات ومساكن للمحققين في الطابق الثاني (المبنى الحالي للأمن والمرور).
وفي ذلك العام تم الاتفاق بين المرحوم سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد وشركة نفط الكويت على اغلاق دائرة التحقيقات التابعة لها وإلحاق من كان يرغب في محققيها بدائرة التحقيق التابعة لدائرة الأمن العام والتي تم انشاؤها آنذاك.
والتحق معظم محققي الشركة الهنود والباكستانيون والعرب، بينما اعتذر الانجليز منهم فالتحقوا بأعمال أخرى بشركة النفط.
تم تعيين شخص انجليزي مديرا لدائرة التحقيق بالأمن العام اسمه ماكلينز استقال بعد عام تقريبا فخلفه المرحوم جاسم مشاري الحسن (وزير العدل السابق) مديرا مكانه، كما تم في هذا العام انشاء إدارة للعمل مهماتها مراقبة شؤون العمل والعمال في شركة النفط والشركات الأخرى في المنطقة عين السيد يعقوب القطامي مديرا.
(التحق في هذه الدائرة في عام 1958 المرحوم محمد درويش العرادي قبل انتقاله إلى الديوان الأميري).
وضمت هذه الإدارة في العام 1959 الى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وكان نواة فرعها في الأحمدي.
وفي أوائل عام 1951 انتسبت لعضوية نادي الاتحاد التابع لشركة نفط الكويت والذي كان غالبية اعضائه من الجنسية الهندية والباكستانية.
صرت في أوقات فراغي أمارس بعض الألعاب الرياضية مثل تنس الطاولة والسباحة وكمال الأجسام.
ولما كانت هوايتي الرياضية المفضلة هي كرة القدم وافتقار هواة هذه اللعبة في نادي الاتحاد فقد بادرت مع آخرين بتكوين فريق من العرب معظمهم فلسطينيون ممن كانوا مدرسين في دائرة معارف الكويت آنذاك والبعض ممن كانوا يعملون بشركة كات للمقاولات بالأحمدي (شركة المقاولات والتجارة اللبنانية) انتسبنا لدوري شركة نفط الكويت وشاركنا ضمنه لمدة سنتين تحت اسم الفريق الفلسطيني.
في أحد أيام عام 1954 جاءني شخص عرفني بنفسه كان المرحوم يوسف ابراهيم الغانم، اخبرني بأنه قادم من طرف النادي الاهلي وطلب مني اللعب ضمن فريق كرة القدم التابع للنادي.
وحاولت التخلص معتذرا كوني لاعبا ومسؤولا عن الفريق الفلسطيني.
ولكنه اصر والح في طلبه وفي النهاية اتفقنا على أن ألعب ضمن فريق النادي الأهلي في مبارياته التي تقع خارج برنامج مباريات دوري شركة النفط، كان رحمه الله شخصا دمثا ذا شخصية محببة وكان يأتي بنفسه إلى الأحمدي قبل كل مباراة يقلني بسيارته إلى النادي الاهلي بالكويت الذي كان يقع في ذلك الوقت في المكان المقام عليه حاليا فندق شيراتون وكان بعد كل مباراة يدعو الجميع للعشاء في مخيم كان يقيمه برا خارج سور الكويت آنذاك يعرض بعدها فيلم سينمائي ثم يعيدني بنفسه الى الاحمدي.
استمر هذا الحال الى نهاية عام 1954 حين تلقيت اتصالا تلفونيا من المرحوم عبدالعزيز محمد جعفر وقال الشيخ عبدالله المبارك يبي يكلمك وكان على الطرف الآخر المرحوم الشيخ عبدالله المبارك الذي بادرني قائلا: «يا محمد أبيك من اليوم وطالع تلعب مع النادي الأهلي بس هذا أمر». أود أذكر للعلم بأن المرحوم الشيخ عبدالله المبارك كان الرئيس الفخري للنادي الأهلي آنذاك.
وكان من لاعبي فريق كرة القدم في النادي الأهلي وقتذاك:
1 ـ إبراهيم المواش ـ كابتن الفريق
2 ـ عبدالمحسن الفرحان
3 ـ عبدالجليل حبيب
4 ـ صبحي نصار
5 ـ تاج محمد هندي
6 ـ شاهين الزرقا
7 ـ حسن الدجاني
8 ـ تيسير الترتير
9 ـ محمد الهنيدي
10 ـ فضل (ملقب بساندويش)
وغيرهم لا تسعفني الذاكرة بأسمائهم.
كان في الكويت في ذلك الوقت ملعبان لكرة القدم وملعبان دون مدرجات أحدهما في منطقة الصالحية الملعب القبلي بجوار المقبرة والثاني في منطقة الشرق في المكان الذي يشغله سوق الصفارين حاليا.
داومت اللعب في فريق النادي الأهلي حتى أواخر عام 1957 على ما اتذكر حين صدر الأمر بإغلاق الأندية.