طلال المحطب
كنت أظن كغيري من سائر البشر أن الحمار «حيوان» غبي.. وان بعض الظن إثم.. ما جعلني أعيد حساباتي حيال ذلك الظن هو الظلم الواقع بصفة مستمرة على هذا «الحيوان» ما تصفحته في الأيام القليلة الماضية عبر شبكة الإنترنت، وقد هالني ما قرأته عن تمسك الأديب النابغة توفيق الحكيم بالحمار، وهو الكاتب الألمعي حتى أطلق على هذا «الحيوان» حمار الحكيم أو الحكيم الحمار، فقد اتخذه الحكيم توفيق شعارا أبديا لغالبية مؤلفاته ليصبح بذلك علامة مميزة في الأدب العربي، كما قدم الكاتب الساخر محمود السعدني أعنف هجائية ساخرة للأوضاع السياسية في الوطن العربي بكتابة الفريد من نوعه «حمار من الشرق» وقد زاد إعجابي بهذا «الحيوان» تمسكه بالفطرة وحبه الشديد لولي نعمته ومن يتكفل بقوت يومه والسير على خطاه حتى لو كان هذا المعزب ظالما ويسير في طريق التهلكة، وكثيرا ما يقال بل ويتندر به الاخوة المصريون «غلب حماري» بمعنى شل تفكيري، أو «أربط الحمار مطرح ما صاحبه عاوز» وتلك العبارة تعني لا تجادل المعزب في قرار اتخذه. وهناك العديد من الأمثال التي يتندر بها العرب على هذا السجال، ناهيك عن الأسطورة القديمة «حمار جحا» ونوادره.
تلك الأمور مجتمعة جعلتني أبحث عن السبب الرئيسي في التجني الواضح على هذا «الحيوان» من بعض البشر في عالمنا العربي، ففي حالة الغضب الشديد تتسارع الكلمات لنعت الشخص المخطئ بأن يقال له «لا تصير حمار» أو «فلان حمار» نكاية عن الغباء، وكأن الحمار غبي، آه وألف آه لو يعرفون حقيقته وهم يظلمونه بجريرة ارتكبها البشر ليتم نعته بالغباء، فقد توصل بعض علماء الطب إلى حقيقة أعلنوها في مؤتمر علمي عن الرضاعة الطبيعية يقف لها «الشعر الكثيف»، فقد أكدوا بالبراهين أن أقرب حليب إلى حليب الأم هو حليب «الحمير» من ناحية القيمة الغذائية، سبحان الخالق وعظيم خلقه. لقد هالني هذا التقرير وتلك النتيجة، وفي المقابل نجد من يسعى لتحقير هذا «الحيوان» وينعت البشر باسمه على سبيل السخرية، ولو يعلم هذا «الحيوان» تلك المآسي التي تلصق به دون ذنب اقترفه لتغنى بما قاله سعد الصغير «بحبك يا حمار».
ما يجعلنا في حيرة من أمرنا ونقف وقفة تأمل هو اختيار الحزب الديمقراطي الأميركي «الحمار» شعارا له، على النقيض من العرب، كما اختار الحزب الجمهوري الأميركي «الفيل» شعارا له، وكلا الحزبين يعلمان حقيقة الشعار ولم يتم اختياره للسخرية أو باعتباط، ولم تبتعد الدول والمنظمات الرياضية الدولية عن اختيار «الحيوان» شعارا للدورات الرياضية وتعويذة تدر عليهم الأموال الطائلة نظير تسويقها، وعند اختيار «الحيوان» لتلك الدورات فإنه يعني الكثير ويرمز إلى معنى معين وخاصية لا توجد إلا بهذا البلد، فمن منا في الكويت على الأقل ينسى إصرار الشهيد فهد الأحمد ـ طيب الله ثراه ـ حين قرر اختيار «الجمل» شعارا للكرة الكويتية في مونديال إسبانيا 1982، و«الجمل» يرمز إلى الصلابة الكويتية وقوة التحمل للطبيعة الصعبة في منطقتنا الحبيبة وردا على استهجان تلك الجماهير النيوزلندية الغاضبة على لاعبي الكويت خلال المباراة التي حقق النجوم بها الفوز وعبروا للمونديال، ولم يتجاهل الاخوة القطريون «المها» وجعلوها شعارا لهم في كأس آسيا 1988 وآسياد الدوحة 2006، وهذا «الحيوان» يعني الكثير للاخوة القطريين، وكان آخرها مجموعة حيوانات تعتبر الأكثر شعبية في الصين وتحاكي المناظر الطبيعية وأحلام وتطلعات الشعب الصيني بجميع أطيافه، أطلق عليها «فاووا» في أولمبياد بكين 2008، ناهيك عن العديد من الحيوانات التي ليس من السهولة حصرها.
بعد ذلك السرد يتضح لنا أن «الحيوان» بشتى أنواعه يرمز إلى معان عديدة ولا يستحق أي نوع منها أن ننعته بصفات غريبة لا تمت إليه بصلة، بل هي من صفات البشر، وإلا لما اختارت الأحزاب والمنظمات الدولية «الحيوان» شعارا لها يحكي ما ترمز إليه ويشرح أهدافها التي وضعت من منطلق الصفات التي يمتلكها «الحيوان» الذي وقع عليه الاختيار، ولو كان هذا النوع لا يحمل دلالات معينة تتلاءم مع أهدافها لما تم اختياره شعارا، اليوم نعتقد بأنه آن الاوان لكي تختار الهيئة العامة للشباب والرياضة «حيوان» من البيئة البحرية أو الصحراوية يحكي الواقع الذي تعيشه ويشرح بذات الوقت أهدافها حتى يتعرف البشر على طبيعة عملها واهتماماتها وأهدافها من خلال مشاهدة الشعار المختار الذي يعطي الصورة الحقيقية لذلك «الحيوان».