كثيرة هي القصص التي تتحدث عن تحدي الشبان لإعاقتهم لتحقيق تميز في رياضة أو هواية يعشقونها، لكن الشاب الفلسطيني عدي ناصر، تحدى المستحيل لممارسة لعبة تعتمد بشكل أساسي على اليدين، وهي حراسة مرمى فريق محلي لكرة القدم بل وحصد معه العديد من الميداليات.
وولد ناصر البالغ من العمر (26 عاما) مبتور اليد اليمنى، إلا أن ذلك لم يمنعه من الانضمام لفريق "دير شرف" لكرة القدم في مدينته نابلس شمال الضفة الغربية ليصبح أول حارس مرمى أساسي من ذوي الاحتياجات الخاصة في فلسطين ويخوض المباريات كلاعب أساسي.
ويقول ناصر بينما كان يرتدي قميص فريقه الأحمر قبيل بدء تدريباته مع الفريق لوكالة أنباء ((شينخوا)) "كما تعلمون بغياب إحدى الذراعين لا يمكنك أن تتصدى للركلات، وبالتالي لم يكن سهلا أن أحصل على هذه المكانة خاصة وأن هذه اللعبة لها قواعدها وأساسياتها".
ويضيف ناصر "كنت أتأثر من نظرة الشفقة في عيون الناس حولي لأنني مبتور اليد وكأنهم يقولون إنني إنسان ناقص غير مكتمل ولا يمكنني أن أكون بين أشخاص أصحاء، لكنهم اليوم يطلقون علي لقب الحارس الطائر".
فما إن يطلق الحكم العنان لصفارته إيذانا ببدء المباراة حتى يتمركز ناصر أمام مرمى فريقه ليتابع الكرة التي يتبادل لاعبو الفريق الخصم ركلها لإدخالها في شباكه.
ويقول إن خفة حركاته وقفزاته الهائلة والسريعة والاستعاضة عن يده المبتورة باستخدام قدميه ويده الأخرى تمكنه من السيطرة وحماية شباك مرمى فريقه.
ويؤكد ناصر أنه احتاج إلى أعوام من المثابرة والتصميم على تحقيق هدفه حتى تمكن من التعلم والتدريب والتميز في اللعبة وبعدها تغيرت حياته.
ويتابع أن نظرة المجتمع دفعتني للالتحاق بلعبة كرة القدم منذ أن كنت طفلا، موضحا أنه بدأ بلعب كرة القدم مع رفاقه في المدرسة.
وفي ذلك الوقت انتبه أستاذ الرياضة على أدائه في حراسة شباك فريقه دون تمكن خصومهم من إحراز أي هدف فيها، على حد قوله، مشيرا إلى أن أستاذه طلب منه الانضمام إلى فريق الأشبال التابع لمنطقته في نابلس.
وبدأت أولى مباريات ناصر الرسمية على مستوى الضفة الغربية في عام 2015. ثم توالت مشاركاته بـ22 دوريا على مستوى المحافظات الفلسطينية على مدار السنوات اللاحقة.
وتمكن ناصر بالشراكة مع فريقه من الانتقال من الدرجة الثانية إلى الأولى فيما يتنافسون حاليا من أجل الصعود إلى الدرجة الممتازة في الدوري الفلسطيني المحلي لعام 2021.
وحصد ناصر ثلاثة كؤوس وعشرات الميداليات، من بينها ذهبية حصل عليها في عام 2018 وفضية في عام 2017 وبرونزية في عام 2016 كأفضل حارس مرمى من ذوي البتر في حين أنه يلعب مع الأشخاص الأصحاء.
وفي محاولة منه لتطوير مهاراته في اللعب، عمد ناصر إلى الالتزام بالتدريب اليومي للفريق بما يقرب من خمس ساعات متواصلة، وسط إشادة من مدربيه بقدرته على التحمل والإبداع في التقاط الكرة قبل وصولها للشباك.
ووفقا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني يشكل الأفراد ذوي الإعاقة في فلسطين ما نسبته 2.1% من مجمل السكان، ويتوزعون بنسبة 48 % في الضفة الغربية و52% في قطاع غزة استنادا لبيانات عام 2017.
ويلقى أداء الحارس ناصر إشادة من قبل مدربه أحمد عنتري، مشيرا إلى أنه يمتاز بقدرته العالية على القفز في الهواء لالتقاط الكرة الموجهة إلى مرماه، إضافة إلى مرونته العالية.
ويقول عنتري ل(شينخوا) بينما يضع اللمسات الفنية لفريقه أثناء التمرين "لقد تمكن ناصر في وقت قياسي منذ أن التحق بنادينا إثبات نفسه، وأن يجعلنا نعتمده كحارس رسمي للنادي لا يمكننا الاستغناء عنه بأي حال من الأحوال".
ويضيف أن الإعاقة ليست بالجسد ولكنها في العقل إذا لم يتمكن الإنسان من استثماره جيدا وأن ينظر إلى نقاط القوة بشخصيته ويقوم بتنميتها وتطويرها ليثبت ذاته أمام نفسه أولا وعائلته ومجتمعه أيضا".
وفي الأوقات التي لا تكون فيها مباريات، يعمل ناصر في مجال البناء كي يجني المال لإعالة نفسه وعائلته، ويقول "كرة القدم كانت المفتاح الأساسي بالنسبة لي لأقنع الناس بأنني قادر على العمل وجني المال".
ويقول "أمتلك الإصرار كي أعيش حياتي بشكل طبيعي دون أن أكون عالة على أحد، مشيرا إلى أنه يعمل على مشاركة تجربته مع أشخاص من ذوي الإعاقة كي يشجعهم على تطوير مواهبهم وإثبات ذاتهم".
ويأمل ناصر والابتسامة لا تفارق وجهه، "تمثيل منتخب فلسطين كحارس مرمى في المشاركات العربية والدولية"