بقلم: د. محمد النجدي
من رحمة الله تعالى وفضله سبحانه أن جعل الجزاء من جنس العمل، ومن ذلك أنه جعل ثواب الإحسان إحسانا، قال تعالى: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)، فمن أحسن عمله أحسن الله جزاءه، من أحسن في عبادة ربه، أحسن الله إليه بالثواب الجزيل، والفوز الكبير، والنعيم المقيم، ومن أصلح ما بينه وبين الله، أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن أحسن إلى خلق الله ونفعهم، أحس بالعيش الهنيء، وراحة البال.
قال الله تعالى: (ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى)، وكما أن جزاء الذين أحسنوا الحسنى، فإن عاقبة الذين أساءوا السوأى، كما قال تعالى (ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى)، وقد أوضح سبحانه في كتابه العزيز جزاء المحسنين، وأنه أعظم جزاء وأكمله، فقال تعالى: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة)، وهذه الآية فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بما رواه مسلم في صحيحه: عن صهيب رضي الله عنه بأن الحسنى الجنة، والزيادة النظر إلى وجه الله عز وجل.
ولا يخفى ما بين هذا الجزاء وذلك العمل الذي هو الإحسان من المناسبة، فالمحسنون الذين عبدوا الله كأنهم يرونه جعل جزاءهم على ذلك العمل النظر إليه عيانا في الآخرة، وعلى العكس من ذلك الكفار الذين طبع على قلوبهم، فلم تكن محلا لخشيته ومراقبته في الدنيا، فعاقبهم الله على ذلك بأن حجبهم عن رؤيته في الآخرة، قال سبحانه (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون)، ولمكانة الإحسان في الإسلام، وعظيم منزلته، نوه سبحانه بفضله في كتابه، وأخبر أنه يحب المحسنين وأنه معهم، وكفى بذلك فضلا وشرفا، فقال سبحانه: (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين)، وقال: (وإن الله لمع المحسنين).
وللإمام الحافظ شمس الدين ابن قيم الجوزية رحمه الله، كلام جميل عن الجزاء من جنس العمل إذ يقول «لذلك كان الجزاء مماثلا للعمل من جنسه في الخير والشر. فمن ستر مسلما ستره الله، ومن يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن أقال نادما أقال الله عثرته يوم القيامة، ومن تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته ومن ضار مسلما ضار الله به، ومن شاق شاق الله عليه، ومن خذل مسلما في موضع يحب نصرته فيه خذله الله في موضع يحب نصرته فيه، ومن سمح سمح الله له، والراحمون يرحمهم الرحمن، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء، ومن أنفق أنفق عليه، ومن أوعى أوعى عليه، ومن عفا عن حقه عفا الله له عن حقه، ومن تجاوز تجاوز الله عنه، ومن استقصى استقصى الله عليه، فهذا شرع الله وقدره ووحيه، وثوابه وعقابه، كله قائم بهذا الأصل، وهو إلحاق النظير بالنظير، واعتبار المثل بالمثل» اللهم اكتبنا في جملة عبادك المحسنين.