التفكير قصير النظر.. الكساد العظيم
كانت أوروبا تتضور جوعا. الحرب العالمية الأولى كانت على أشدها، ومعظم المزارعين الأوروبيين كانوا قد انضموا الى الجيوش. وكانت النيترات التي تستخدم في صناعة الأسمدة قد ذهبت بدلا من ذلك الى صناعة الذخائر. ولذلك فقد تقرر أن تقوم الولايات المتحدة بإنتاج المزيد من المحصولات، وكان ذلك يعني زراعة الأراضي التي لم تكن مزروعة بعد، لكي تنتج القمح والذرة. وقد شهدت هذه الفترة هطول الأمطار الغزيرة مما جعل الأراضي منتجة بصورة جيدة، ولكن للأسف هذه الامطار لم تستمر طويلا. وقد أشرفت على إنتاج هذه المحاصيل هيئة الاغذية والزراعة الأميركية التي كانت قد أنشئت في عام 1917، وكانت تقوم بتشجيع الأميركيين على الزراعة واستغلال الأراضي الشاسعة التي لم تستغل بعد. وكان العائد رائعا من هذه الزراعات خاصة القمح والذرة، وتم استخدام الولايات الأكثر جفافا لزراعة القمح كما في تكساس وأوكلاهوما ونيو مكسيكو. ولم تكن هذه الولايات الأكثر جفافا صالحة لزراعة القمح، ولكن الامطار الغزيرة التي شهدتها جعلتها صالحة.
وانتهت الحرب العالمية الاولى، وانتهى معها دعم هيئة الاغذية والزراعة للمزارعين.
وبينما عجز بعض المزارعين عن إنتاج القمح الجيد، هجر الباقون الزراعة برمتها، واستبدلوا بها تربية الجياد والماشية. وفي عام 1934، تسببت الأعاصير والرياح الرملية الى تدمير المزارع في أنحاء كبيرة من أميركا وسلمت الولايات التي توقفت عن الإنتاج الزراعي بعد رفع الدعم. ومن ثم كان يمكن لو استمرت في الانتاج الذي بدأته في الحرب العالمية الاولى لأنقذت أميركا.
ثم حل الكساد الكبير (أو الكساد العظيم) والذي استمر من الثلاثينيات الى الأربعينيات من القرن الماضي والذي عبّر عنه الكاتب الأميركي جون شتاينبيك في روايته الشهيرة «عناقيد الغضب».
من كتاب: 100 خطأ غيّرت مجرى التاريخ ـ ترجمة مجدي كامل