هيثم السويط
فـي أمسيــة ظبيانية رائعة أعادت لشعر العربية الفصحى زمنه الجميل وحفلت بالنقد الجاد والغناء الأصيل انطلقت أولى أمسيات أمير الشعراء مساء الخميس الماضي هذا البرنامج الذي تنظمه وتدعمه هيئة أبوظبي للثقافة والتراث، استمتع فيها الجمهور لأول 7 شعراء من أصل 35 شاعرا مشاركا، وهم: تركي حسين عبد الغني (الأردن)، وليد الصراف (العراق)، جيهان بركات (مصر)، ولد متالي لمرابط بن أحمد (موريتانيا)، ناصر لوحيشي (الجزائر)، محمد الضبع (اليمن)، وجمال الملا (عمان)، حيث التقى الشعراء بجمهور الشعر وأعضاء لجنة التحكيم، ليتأهل منهم 3 شعراء للحلقات الأخيرة من المسابقة، وذلك في الحلقة المباشرة من برنامج مسابقة «أمير الشعراء» التي بثت من مسرح شاطئ الراحة.
آلية المسابقة
واستهلت الحلقة الأولى من البرنامج، بترحيب مقدم البرنامج المذيع حامد المعشني، بلجنة التحكيم وبالشعراء المشاركين وبالضيوف والجمهور من أبوظبي دار الثقافة والإبداع، ثم تم شرح آلية المسابقة والتأهل للمراحل اللاحقة، والتي من جديد هذه الآلية أن اللجنة ستخضع صاحب أدنى الدرجات لسؤال إن أخطأ الإجابة عنه يخرج من المسابقة.
وقد تميزت الحلقة بحضور لافت للمطرب المصري علي الحجار الذي غنى فأطرب الحاضرين بصوته وغنائه العذب، وحفلت الحلقة بمواقف نقدية متقاربة لما قدمه الشعراء جميعا من نصوص شعرية، حسمها قرار لجنة التحكيم المكونة من د.علي بن تميم، ود.عبد الملك مرتاض، ود.صلاح فضل، والشاعر نايف الرشدان، ود.أحمد خريس، بتأهل تركي حسين (الأردن) إلى المراحل اللاحقة من المسابقة، كما استقر تصويت جمهور المسرح على منح ولد متالي مرابط (موريتانيا) على أعلى نسب 42%، وستعلن النتائج النهائية للمتأهلين الإضافيين الذين سيختارهم الجمهور مساء الخميس المقبل.
قلعة الجاهلي
وتمحـــورت قصائــد الشعراء حول موضوع الغزل والوجدانيات، فتألق الشعراء بما قدموه من نصوص وجدانية ذات عمق إنساني وروحاني حتى قارب بعضهم الصوفية، واستعاد آخرون تجارب شعرية وطنية في قالب حديث وصنعة شعرية وفنية عالية.
وحضرت قلعة الجاهلي بقوة في برنامج أمير الشعراء في موسمه الثالث، حيث شكلت القلعة والاحتفال بمئوية الشيخ زايد الكبير «ثيمة» المسابقة لهذا العام 2009، حيث عكست أجواء ديكور مسرح شاطئ الراحة في أبوظبي الأهمية التاريخية للقلعة، وشكلت متابعة لتنفيذ استراتيجية الهيئة في الحفاظ على التراث الثقافي لإمارة أبوظبي، وذلك من خلال إبرازها وتفعيلها وتطوير السياحة الثقافية، واستمرارا في الاحتفال الذي أطلقته هيئة أبوظبي للثقافة والتراث في مايو الماضي بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة المغفور له بإذن الله الشيخ زايد الكبير.
وتم اختيار قلعة الجاهلي «ثيمة» للمسابقة إيمانا من هيئة أبوظبي للثقافة والتراث بهذه القلعة التي بناها الشيخ زايد الكبير، وكيف تحولت إلى منارة ثقافية تستقطب السياح ورجال الفكر والثقافة والأدب في العين والمنطقة عموما.
والجدير بالذكر أن اهتمام الهيئة لا ينصب على القلعة وحسب، بل هناك الكثير من المباني التاريخية والمواقع الأثرية قيد الترميم في خطة لإعادة إحيائها وتحويلها إلى واحات ثقافية، وكل ذلك يأتي ضمن جهود الهيئة وسعيها إلى تسجيل العين على القائمة العالمية للتراث الإنساني في منظمة اليونسكو، خاصة أن هيئة أبوظبي للثقافة والتراث نجحت مؤخرا في اعتماد هذه المدينة العريقة على اللائحة المبدئية للتراث العالمي.
النقد وتجارب الشعراء
كما شهدت الحلقة تفاعلا حقيقيا بين الشعراء وجمهور الشعر، وأظهرت ضرورة النقد في تصويب تجارب الشعراء ومسيرة الإبداع الشعري من خلال ما أبداه أعضاء لجنة تحكيم المسابقة من آراء نقدية عبرت عن ذائقة نقدية سليمة وعميق نظر إلى نتاج الشعراء المشاركين، فقد رأى الشاعر نايف الرشدان في قصيدة تركي حسين «على قدر التعلق» لغة شعرية مذهلة لها جمالياتها، معتبرا أن اللغة عنده أعلى من الصورة، وتمثل حالة روح واحدة. بينما أشار د.أحمد خريس إلى أن ثقة الشاعر القوية ولغته المتميزة في بعض الأبيات تجعل من هذه القصيدة نصا شعريا متميزا. أما د.صلاح فضل فقد أشار إلى أن من حق الشاعر أن يعبر بحرارة عن وهج الصبا بلغته الجزلة وعبارته القوية وحماسته الحارة، وأن لوعة المشاعر في هذه القصيدة لا تزيح تكلف العبارة.
وأجمع أعضاء لجنة التحكيم على اعتبار أن قصيدة جمال الملا تكشف عن شعرية واضحة وهي التي أهداها للشاعر الراحل خالد السعدي، فرأى د.أحمد خريس أنها قصيدة مترعة بالألم وإن جابهت مشاعر إنسانية، فحسن النوايا لا يأتي بالشعر الجيد دوما. واعتبر د.علي بن تميم أن في القصيدة امتزاج الشعر والقصة في العنوان «يتامى تركت نخيل الضفاف» كأنها تلامس الروح لكثرة شاعريتها، في قصيدة متضمنة مزجا شعريا جميلا في صياغات لغوية مبتكرة عن الموت. أما د.عبدالملك مرتاض فقال ان النص فيه الكثير من السردية والمباشرة الواضحة.
نبرة متماسكة
وأشاد أعضاء لجنة التحكيم بقصيدة «في مرايا الرحيل» للشاعرة جيهان بركات فرأى الشاعر نايف الرشدان أن جيهان شاعرة متميزة ولكن ما أضعف اختيار الشاعرة للنص كونه لا يمثل خياراتها الشعرية الجميلة، وقال د.علي بن تميم ان في هذه القصيدة بوح أنثوي رقيق وكأن القصيدة كانت تدور في الرحى، أما د.صلاح فضل فرأى أن نبرة الشاعرة الأنثوية متماسكة وتدور حول بؤرة محددة وهي صهيل الأشواق والأماني، وكأن الشاعرة تسبح في عوالم نازك الملائكة وفدوى طوقان.
واعتبر أعضاء لجنة التحكيم أن محمد الضبع لم يوفق في اختيار عنوان القصيدة «أغنية لصعود أبدي» كما قال د.عبد الملك مرتاض، أما د.صلاح فضل فقال ان الشاعر محمد يقدم حالة شعرية متألقة وتقترب إلى ما نعتقد أنه صوفية الفن وليس صوفية الدين، ورأى نايف الرشدان أن الشاعر أساء في اختيار النص لما فيه من مباشرة وسردية.
وجاء نص ناصر لوحيشي «قبس في المرايا» حافلا باللوحات الشعرية، رأى من خلاله د.أحمد خريس أن الشاعر يملك حس الشاعر ورهافته، وقد جاء رأي د.صلاح فضل منصفا للشاعر إذ رأى أن النص تميز بظاهرة موسيقية جميلة تمثلت في إيقاع هادئ، ونم عن تجربة وجدانية عميقة عاشها الشاعر، وهو نص مفعم بالشعرية الحقيقية. فيما رأى د.علي بن تميم أن القصيدة أتت كدليل واضح على عدم وجود التجربة في القصيدة فالإحالات فيها غير منطقية.
واعتبر د.أحمد خريس أن ولد متالي لمرابط بن أحمد يستعمل لغة راقية ترقى إلى مستوى اللغة الشعرية، هي لغة ممسكة بناصية الشعرية القديمة والتراثية، ففي النص من الكفاية الشعرية ما يريح النفس قليلا ترقى من خلال قراءة الشاعر للشعراء الكبار. ورأى د.صلاح فضل أن القصيدة مدهشة ومفاجئة، كما شكر د.علي بن تميم الشاعر على القصيدة الجميلة التي تقف على صخرة التكلف.
وأشاد أعضاء لجنة التحكيم بقصيدة وليد الصراف «آخر صورة لبغداد» ونضج تجربته ولغته الشعرية التي تأسر الشعر بلغة جزلة جميلة وتسحر وتبهر كما رأى د.عبد الملك مرتاض، وقال د.علي بن تميم ان النص استعاد قصيدة الجواهري، وأن أجمل ما في القصيدة حين ينظر الشاعر إلى نفسه، واعتبر أن الشاعر يمتلك حسا ووعيا شعريا وقدرة ذكية على استدراج القارئ إلى فخ الاستمتاع بنصه الشعري، ووافقه الشاعر نايف الرشدان مشيرا إلى هيمنة الإحساس على هذه القصيدة.
بطاقة التأهل الأولى
وفي نهاية الحلقة أبدى المتسابقون ثقتهم في أعضاء لجنة التحكيم وتقديرهم لهذا التحكيم الجاد الذي لم يخل من الحيادية والموضوعية، وأعلنت اللجنة عن اختيارها للشاعر تركي حسين ليتأهل إلى المرحلة التالية بحصوله على أعلى نسبة تصويت بين المشاركين (44%)، فيما حصل الشاعر وليد الصراف على (43%)، الشاعر جمال الملا (32%)، الشاعرة جيهان بركات (24%)، الشاعر محمد الضبع (30%)، الشاعر ناصر لوحيشي (33%)، والشاعر ولد متالي لمرابط بن أحمد على (30%).
وبرنامج أمير الشعراء تدعمه وتنتجه هيئة أبوظبي للثقافة والتراث وتنفذه شركة بيراميديا، ويحصل الفائز بالمركز الأول على لقب «أمير الشعراء» وجائزة مالية قدرها مليون درهم إماراتي، إضافة إلى جائزة بردة الإمارة والتي تمثل الإرث التاريخي للعرب، وخاتم الإمارة والذي يرمز للقب الإمارة، كما يحصل الفائزون بالمراكز الأربعة التالية على جوائز مادية قيمة، هذا إضافة إلى تكفل إدارة المهرجان بإصدار دواوين شعرية مقروءة ومسموعة لهم، والبرنامج من إعداد الشاعر والإعلامي عارف عمر، والشاعر والإعلامي إياد المريسي.
والجدير ذكره أن الحلقات تبث كل يوم خميس على قناة أبوظبي الفضائية الساعة العاشرة والنصف ليلا بتوقيت الإمارات، ويعاد بثه في أوقات لاحقة عبر قناة شاعر المليون التي تبث على مدار (24) ساعة.
صفحة الواحة في ملف ( pdf )