هل للشعراء صلة مع عالم الجن؟ وهل يعلم الشاعر بالصلة التي تربطه مع الجن؟ وهل عندما تكون هناك علاقة بين الشاعر والجن يكون الشاعر على علم بها؟ أسئلة كثيرة تدور في ذهني ولكن لا أجد لها من اجابة: يقول الشاعر خالد الردادي في قصيدته:
- الجني اللي طفى بالروح هيّجني
- تحت البحر قام يلعبي على موجه
- أزرق من (الموريات القدح) مسرجني
- مع مارجه من بنات الريح مسروجه
- مع ثقب الابر(ه) ولج بالسلك واولجني
- معه ولا ترزي يرتب له فجوجه
- للعنكبوت الحرير خيوط ينسجني
- يهزني واتساقط روح منسوجه
- وشلون اخرجك وانت اللي مخرجني
- من (كوكب الارض) ومسكني بروجه
وهذه قصيدة اخرى للشاعر خالد الردادي يخاطب بها الجن ويخصهم بقصيدته:
- أبناخي الجن يا الجني
- مجنون سلمى ومرجانه
- إلحق على ما بقى مني
- موتي – دنا – رز نيشانه
- قل ل (زلوجن) تماكنّي
- وجب مارد الجن واعوانه
- تعال دور معي/عني
- في وسط (عبقر) ووديانه
- اخبرهن بحالتي واني
- روحي من الويل رويانه
- واطلب اليهن يداوني
- دام الأمل صك بيبانه
- ألحن البين واغني
- غناني الموت بالحانه
- هذي همومي تهيجني
- تحسبني الناس طربانه
- لعنت ابو شعري وفني
- ولراحة البال ولهانه
- يا هوووه انا القاف جنني
- ضيعني بوسط ديوانه
- سود الليالي تحدني
ثور بي الهم بركانههل هذه الأبيات تدل على ان هناك من يحرك الشاعر في الخفاء وهل الشاعر يكتب الشعر بلسان غيره ويجعله ملكا له، وهل هذه تعتبر سرقة شعرية؟ ام انها تعتبر نصيبه من ارث شعراء الجن، وفي قصيدة أخرى يقول الشاعر محمد الدحيمي:
- قمت من صوت دعاني وانثنيت على ركبي
- وإلا أنا أناظر قبالي (ناقةٍ متكلمه)
- يا نيازك لو عرجتي فوق دخان أشهبي
- اعلــقي في زئبــقي فـي مارج متنجمه
- قلت: وش قومك؟ وش انتي؟ واصدقي لا تكذبي
- جاوبتني شاعره من الجن وانظم مبهمه
- وقبل تنشدني ترى اسمي (أبكمه) يا صاحبي
- وإدر كانك ما دريت إن أشعر الجن ابكمه
هل الشاعر عندما يدعى ان له علاقة مع الجن ويصرح عنها يجعله ذلك أفضل من غيره؟ ام انه يريد ان يؤكد وجود هذه العلاقة فقط؟
بعد ان سقنا بعض النماذج بين العلاقة الرابطة بين الشعراء والجن وبعض القصائد والأبيات انتقل معكم الى ما ذكره المؤرخون وما كتب في كتب التاريخ القديم عن العلاقة بين الجن والشعراء:
روي عن الأعشى أنه قال: خرجت أريد قيس بن معد يكرب بحضرموت، فضللت في أوائل أرض اليمن، لأني لم أكن سلكت ذلك قبل، فأصابني مطر، فرميت ببصري أطلب مكانا ألجأ إليه، فوقعت عيني على خباء من شعر، فقصدت نحوه وإذا بشيخ على باب الخباء، فسلمت عليه فرد السلام، وأدخل ناقتي خباء آخر كان بجانب البيت، فحططت رحلي وجلست، فقال: من أنت؟ أين تقصد؟ قلت: أنا الأعشى أقصد قيس بن معد يكرب، فقال: حياك الله، أظنك امتدحته بشعر؟ قلت نعم، قال فأنشدنيه
فابتدأت مطلع القصيدة:
- رحلت سمية غدوة إجمالها
- غضبا عليك فما تقول بدلها
فلما أنشدته هذا المطلع منها قال: حسبك أهذه القصيدة لك؟ قلت: نعم، قال: من سمية التي نسبت بها؟ قلت لا أعرفها، وإنما هو اسم ألقى في روعي، فنادى: يا سمية اخرجي. وإذا جارية خماسية قد خرجت فوقفت وقالت: ما تريد يا أبت؟ قال: أنشدي عمك قصيدتي التي مدحت بها قيس بن معد يكرب، ونسبت بك في أولها، فاندفعت تنشد القصيدة حتى أتت على آخرها، لم تخرم منها حرفا فلما أتمتها قال انصرفي،
ثم قال: هل قلت شيئا غير ذلك؟ قلت: نعم كان بيني وبين ابن عم لي يقال له يزيد بن مسهر يكنى أبا ثابت، ما يكون بين بني العم، فهجاني وهجوته فأفحمته، قال ماذا قلت فيه؟
قلت: قلت (ودع هريرة إن الركب مرتحل) فلما أنشدته البيت الأول، قال حسبك (قف؟؟) من هريرة هذه التي نسبت فيها؟؟؟؟، قلت لا أعرفها وسبيلها سبيل التي قبلها فنادى يا هريرة، فإذا جارية قريبة السن من الأولى خرجت، فقال أنشدي عمك قصيدتي التي هجوت بها أبا ثابت يزيد بن مسهر، فأنشدتها من أولها إلى أخرها لم تخرم منها حرفا، فسقطت في يدي وتحيرت، وتغشتني رعدة، فلما رأى ما نزل بي، قال ليفرج روعك أبا بصير، أنا هاجسك مسحل بن أثاثة الذي ألقى على لسانك الشعر، فسكنت نفسي ورجعت إلي، وسكن المطر، فدلني على الطريق، وأراني سمت مقصدي (طريقي)، وقال لا تعج يمينا ولا شمالا حتى تقع ببلاد قيس.
ومن هذه الاحداث ما تناقلته كتب التاريخ الأدبي عن عبيد بن الحمارس الكلبي: كان عبيد بن الحمارس الكلبي رجلا شجاعا، وكان نازلا بالسماوة، أيام الربيع، فلما حسر الربيع، وقل ماؤه، وأقلعت أنواؤه، تحمل إلى وادي نبل فرأى روضة وغديرا، فقال: روضة وغدير وخطب يسير، وأنا لما حويت مجير. فنزل هناك، وله امرأتان: اسم إحداهما الرباب، والأخرى خولة، فقالت له خولة:
- أرى بلدة قفرا قليلا أنيسها
- وإنا لنخشى - إن دجا الليل - أهلها
وقالت له الربّاب:
- أرتك برأيي، فاستمع عنك قولها
- ولا تأمنن جن الغريف وجهلها
- فقال مجيبا لهما:
- ألست كميا في الحروب مجربا
- شجاعا إذا شبت له الحرب محربا
- سريعا إلى الهيجا إذا حمس الوغى
- فأقسم لا أغدو الغدير منكبا
ثم صعد إلى جبل تبل فرأى شهيمة، فرماها فأقعصها، ومعها ولدها فارتبطه، فلما كان الليل هتف به هاتف من الجن:
- يا بن الحمارس قد اسأت جوارنا
- وركبت صاحبنا بأمر مفظع
- وعقرت لقحته وقدت فصيلها
- قودا عنيفا في المنيف الأرفع
فأجابه ابن الحمارس:
- يا مدعي ظلمي، ولست بظالم
- اسمع لديك مقالتي وتسمع
- لا تطمعوا فيما لدي فما لكم
- فيما حويت وحزته من مطمع
فسمعها شيخ من الجن، فقال: لا والله لا نرى قتل إنسان مثل هذا، ثابت القلب، ماضي العزيمة!
جميع ما تم ذكره هو بعض ما تناقلته كتب التاريخ وايضا ما قالة الشعراء المعاصرون في مخاطبة الجن او تلقين الجن الشعر للشعراء، ربما تكون هذه العلاقة صعبة التصديق ولكن لا احد يستطيع ان ينكرها لانه لم يثبت عكس هذا.
وقد كان شعراء الجاهلية يتفاخرون بهذه العلاقات بينهم وبين الجن وايضا نجد الشعراء أنفسهم يحاولون إقناعنا بارتباطهم بشياطينهم، ويروجون للوهم القائل بارتباطهم بالقوى غير المرئية، ويتباهون بتلك العلاقة، وذلك أنها تجعلهم في منزلة أعلى من سائر الناس.
مع انتهاء هذا المقال الموضوع لا ينتهي معه لان الموضوع له مداخل كثيرة وحكايات أكثر ولكننا لا نريد ان نطيل الحديث على القراء خوفا من ان يصيبهم الملل، وليكن ما كتبته ونقلته مرجعا لكم في موضوع الجن والشعراء تقبلوا تقديري واحترامي لكم.