قال تقرير صادر عن شركة بوز اند كومباني ان متطلبات استدامة النمو في القطاع السياحي في منطقة الشرق الأوسط تتطلب الاهتمام بقضايا البيئة والتركيز في الفترة المقبلة على السياحة الخضراء.
وأضاف التقرير ان النمو المذهل الذي حققه اقتصاد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أوجد فرصا ضخمة لقطاعها السياحي وجعل المنطقة مقصدا سياحيا حتميا، غير أن المنطقة تحتاج الى بذل جهود كبيرة لجعل السياحة صديقة للبيئة. مشيرا الى انه مع تعاظم المخاوف بشأن التغيرات المناخية يرتفع عدد السياح الواعين بيئيا الذين يطالبون بوجهات سياحية بيئية «خضراء»، مع اعتماد وكلاء سفر عالميين وجماعات عالمية مثل توماس كوك وناشونال جيوغرافيك ترافلر الاستدامة كمقياس أساسي في تصنيف الوجهات السياحية والتوصية بها. وهناك عدد من الأماكن السياحية في العالم، من المالديف إلى كوستاريكا، استجابت لذلك بتصنيف أنفسها وجهات سياحية خضراء. وقال التقرير ان على الوجهات السياحية أن تستثمر في الحفاظ على مواردها الطبيعية، أما الوجهات التي تبدد ثرواتها الطبيعية الأثمن بالسماح للسياح بإطلاق العنان لنشاطاتهم، فهي كمن يحفر في أساساته البيئية والاقتصادية، مبادلا الصحة السليمة على المدى الطويل بمكاسب قصيرة المدى. ان الالتزام الجدي باتباع نهج شامل طويل الأجل لتحقيق الاستدامة البيئية يمكن الوجهات السياحية من مواكبة الطلب المتزايد على السياحة المستدامة والسعي إلى حصة قادرة على المنافسة في الملعب الأخضر. وعند تحقيق ذلك فإنها تحقق المكسب المزدوج عبر صون ثرواتها الطبيعية والاستفادة الاقتصادية في الوقت نفسه. والحقيقة أن تنفيذ استراتيجية بيئية خضراء يتيح جني ثمار مالية كبيرة لافتا الى ضرورة ان تجري الوجهات السياحية تقييما دقيقا لأربعة عناصر رئيسية في بيئتها بغية فهم حقيقة الآثار التي يتركها تدهور البيئة على الاستدامة الاقتصادية من أهمها:
1 - انبعاثات الكربون: حيث تشكل الجهود لتخفيف انبعاثات الكربون جانبا مهما من السياسة الخضراء. وجدير بالذكر أن قطاع السياحة مسؤول حاليا عن نحو 5% من انبعاثات الكربون على المستوى العالمي، وخصوصا ما ينجم عن السفر الجوي وإقامة السياح في الخارج، وقدرت دراسة حديثة للمنتدى الاقتصادي العالمي وبوز أند كومباني أن هذه الانبعاثات سوف تتضاعف بحلول عام 2035 إذا بقيت غير مضبوطة.
بما أن الانبعاثات تنتج عن النشاطات التكنولوجية والبشرية على حد سواء، فإنه لابد لأي استراتيجية لتخفيف الانبعاثات من أن تشمل تغيير السلوك والتغيير التكنولوجي على جميع مستويات قطاع السياحة. ويمكن للوجهات السياحية أن تقلص بشكل كبير بصمتها الكربونية من خلال الاستثمار في التكنولوجيات الخضراء واعتماد أفضل الممارسات، التي تشمل أنواع الوقود المتجددة، الألواح الشمسية، الحرارة الجوفية للتدفئة والتبريد، الإنارة الموفرة للطاقة، الأجهزة الموفرة للطاقة، المباني العازلة، المواد ذات المصادر المستدامة، وحجز الكربون المنبعث من الأشجار. وينبغي تشجيع السياح على اختيار وسائل النقل والنشاطات المقتصدة في استهلاك الطاقة، كالسيارات الهجينة والدراجات الهوائية والقوارب الشراعية والخيول والجمال.
2 - حفظ التنوع البيولوجي: ارتفعت السياحة إلى الأماكن المعروفة بالتنوع البيولوجي أكثر من 100%، وعلى الرغم من كون ذلك مربحا على المدى القصير حيث يمكن للنشاط البشري أن يؤدي في النهاية إلى ضرر لا يمكن إصلاحه في الثروات الطبيعية الهشة مثل الشعب المرجانية والممرات الجبلية والشواطئ، لذا يغدو الحفاظ على هذه الموارد مكونا حيويا من مكونات السياحة المستدامة واستثمارا عالي المردود في المستقبل. وعلى الوجهات السياحية أن تنظم الدخول إلى المناطق الهشة، وحماية الأنواع الأصلية، وإنشاء المتنزهات الوطنية، ومراقبة الآفات.
3 - إمدادات المياه: لا شك في أن إمدادات المياه السليمة أمر بالغ الأهمية لتحقيق الاستدامة البيئية الطويلة الأجل لأي وجهة سياحية، ويجدر القول إن توفير المياه وتحلية المياه يستهلكان كميات كبيرة من الطاقة ويؤديان إلى انبعاثات مضرة، وتولد السياحة طلبا كبيرا على المياه التي هي في الأساس شحيحة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، الأمر الذي يجعل السياسة المائية المحافظة أكثر أهمية من أي وقت مضى.
على الوجهات السياحية أن تعتمد ممارسات وتقنيات مبتكرة للحفاظ على المياه والاستفادة القصوى من استخدامها، وعليها أيضا اعتماد التكنولوجيا للحفاظ على المياه، مثل الصنابير التي تعمل بالاستشعار، و«الدش» المنخفض الضغط، والمرشات الموقوتة. وأخيرا، من خلال تنظيف مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها، يمكن للوجهة السياحية زيادة ما تملكه من مياه صالحة للشرب وخفض حجم كل من مياه الصرف الصحي، والتلوث، وتكاليف التنظيف.
4 - إدارة النفايات: تؤثر النفايات، انطلاقا من كونها ملوثا أساسيا، على نوعية المياه وسلامة الأراضي، وترسم صورة سلبية عن الوجهة السياحية بشكل عام وبالتالي، تعتبر الإدارة الفعالة للنفايات الصلبة والسائلة ضرورة بيئية حتمية. وعلى الوجهات السياحية أن تتبع أفضل الممارسات العالمية لإدارة النفايات عن طريق الحد من تيارات النفايات المحتملة، والتقليل من كمية النفايات التي ينتهي بها المطاف في المطامر والمحارق، وإعادة تدوير النفايات متى أمكن ذلك، ويمكن للأساليب الحديثة، مثل تحويل النفايات إلى طاقة، أن تحسن سمعة الوجهة السياحية في ملعب البيئة وتجذب مستثمرين محتملين، إلى جانب تعزيز الاستدامة البيئية.
الخطوات الأولى في طريق الاستدامة الخضراء
أكد تقرير شركة بوز اند كومباني انه للنجاح في التصدي لمسألة الاستدامة البيئية، وتحقيق تحسن كبير في السياحة الخضراء فان على الوجهات السياحية أن تعتمد مقاربة شاملة ومتعددة الجوانب للتغيير. ويجب أن تشمل خريطة الطريق للتغيير البيئي الأخضر العديد من الخطوات:
1 - التنظيمات والإدارة: يعتمد التنفيذ الناجح لإستراتيجية بيئية اعتمادا كبيرا على وجود القوانين والأنظمة الصحيحة والإدارة الجيدة للإشراف على حسن تطبيقها. وينبغي للتشريعات حماية البيئة، والحد من النشاطات التي يمكن أن تكون ضارة وتشجيع السلوك السليم، وذلك في موازاة تشجيع السياحة المستدامة باعتبارها فرصة لإعادة إطلاق الطلب والاستفادة من قطاعات سياحية جديدة. ويجب لنجاح برنامج الاستدامة تأمين رعاية حكومية له على أعلى المستويات، وأن يكون بقيادة كيان محلي مستقل يسهل تنفيذه.
2 - مشاركة أصحاب المصلحة: يتطلب أي برنامج استدامة شامل الالتزام الفعال لجهات معنية مختلفة. وعلى المستوى الحكومي، يتعين على وزارات السياحة الوطنية والسلطات المحلية التعاون مع الجهات المسؤولة عن البيئة، والطاقة، والنقل، والصحة، والشؤون المالية لتوجيه السياسة البيئية وقيادة الجهود لتحقيقها. على سبيل المثال، يمكن لواضعي السياسات إقرار برنامج الاعتماد الذي يعترف بأماكن الإقامة والخدمات المستدامة ويقدم حوافز للشركات الخضراء العاملة في قطاع السياحة.
واضاف التقرير أن القطاع الخاص يمثل الجهات المعنية مباشرة أكثر من غيرها بالسياح، فإنه يلعب دورا رئيسيا في حماية البيئة. على سبيل المثال، يمكن لمالكي الفنادق خفض البصمات الكربونية لمؤسساتهم، وتنفيذ سياسات مستدامة تتعلق بالنفايات، والحفاظ على الطاقة، واستخدام المياه. ويستطيع المرشدون السياحيون أن يكونوا بمثابة سفراء للتوعية البيئية، ويؤثروا في السياح ليختاروا وسائل النقل والنشاطات المقتصدة في استخدام الطاقة، وينفذوا نظام التناوب في تعريض المواقع الايكولوجية الهشة لنشاطات السياح. بالإضافة إلى ذلك، تستطيع المنظمات غير الحكومية والجامعات القيام بأبحاث مهمة وإطلاق الدعوات والمناشدات الخاصة بالبيئة.
3 - التمويل: غالبا ما يؤدي الاستثمار في برامج خضراء مثل التكنولوجيا الموفرة للطاقة إلى عائدات مالية إيجابية. وهناك العديد من المبادرات التي تحتاج إلى أموال خاصة يمكن استرداد أموالها بسرعة من خلال تحقيق وفورات في تكاليف التشغيل، ويمكن بالتالي إعادة توظيفها في مشاريع خضراء أخرى. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن للجهات السياحية غالبا تمويل المشاريع الخضراء من خلال الاستفادة من مواردها الذاتية بطريقة أفضل، من خلال اعتماد برامج متباينة للرسوم تقوم على طلب زيارة مواقع محمية.
ولكن، على الرغم من أن العديد من الاستراتيجيات الخضراء تعزز تحقيق الهدفين، فإنها ليست كلها مربحة ماديا. وبالإضافة إلى ذلك، لا تكون الوجهات السياحية قادرة دائما على توليد الدخل من خلال مواردها الذاتية. في هذه الحالات، يمكن أن يوفر التمويل الخارجي رأس المال التأسيسي لجهود الاستدامة على المدى الطويل. ويشمل هذا التمويل خطط التمويل العالمية مثل آليات التنمية النظيفة، نماذج التمويل للشراكات بين القطاعين العام والخاص، صناديق حفظ التنوع البيولوجي، وصناديق تنمية السياحة الدولية.
وبين التقرير انه من العناصر الرئيسية الأخرى التي يجب أخذها في الاعتبار الحملات التثقيفية وحملات بناء القدرات التي يجب اعتمادها لتدريب الجهات المعنية المحلية على أفضل الممارسات، وتشجيعها على تنفيذ السياسات الخضراء والترويج لها. تستطيع حملات العلاقات العامة والحملات التسويقية الجيدة رفع مستوى الوعي حول التغيرات الآتية، وتشجيع الجهات المعنية على المشاركة، وجذب السياح الواعين بيئيا المستثمرين المحتملين.
واشار تقرير بوز اند كومباني الى ان العديد من المواقع السياحية الشعبية في المنطقة أمامها الكثير من العمل للحاق بالركب ولتصبح وجهة سياحية خضراء ناجحة. ونظرا للاتجاه العالمي نحو السياحة الخضراء، تحتاج الوجهات السياحية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى الشروع في عملية التغيير البيئي عاجلا وليس آجلا. والواقع أن تنفيذ استراتيجية خضراء ليس في أي حال من الأحوال مهمة سهلة، ولا يمكن إنجازه بين ليلة وضحاها بواسطة بعض الترتيبات والإجراءات السريعة. ولا تجوز مقاربة المبادرات الخضراء كأنها حملة تسويقية، بل كجهد شامل وجدي طويل المدى لتصبح مستدامة بيئيا. يبقى أنه مع معدل النمو المذهل وجذبها لعدد متزايد من المسافرين، تملك منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فرصة ممتازة لاحتضان الممارسات المستدامة في قطاع السياحة وتعزيزها.