نعيش في أحدث القرون في ظل التقدم الهائل بشتى وسائل الحياة، فمع وجود التكنولوجيا والثورة المعلوماتية وكل هذه المظاهر من التقدم التي بناها وكان سببا فيها عقول بشرية وليس عقول من كائنات أخرى، وإنما بشر يشبهوننا ونشبههم في التكوين البيولوجي للإنسان ولكنهم يختلفون عنا في تكوينهم الفكري.
لا أحد ينكر الفضل الكبير الذي يدين به العالم اليوم لعلماء أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، فشئنا أو أبينا فلهم الفضل في صناعة الحضارة التي ننعم بها اليوم جعلها الله في ميزان حسنات علمائهم الذين ساهموا في نهضة البشرية.
فالكل يتمنى أن تكون دولته تنافس هذه الدول العظمى بالتقدم والحضارة فنبتعث الطلبة في كل عام لهذه الدول لاستيراد الحضارة ولكننا ومع الأسف في ظل آلية التفكير التي مازالت تسيطر على عقلية الغالبية العظمى من شعوبنا بالتأكيد لن نصل إليهم مطلقا.
حيث إن هذه الدول قائمة على عقلية الإنسان دون النظر إلى قبيلته أو طائفته أو أصله العرقي وإنما إلى هذا الإنسان المجرد بما يحمله من علم سيسهم في تقدم تلك الدول، لذلك نجد أن علماءهم خليط من شعوب وقبائل مختلفة ولكنهم جميعا تحرروا من الانتماء العرقي إلى الانتماء الوطني وكم هي شتان أن يكون انتماؤك لقبيلتك أو لوطنك.
فإذا كان انتماؤك لقبيلتك أو طائفتك فأنت بالتأكيد لم ترتق بعد بفكرك وذلك لأنه اليوم ومع كل ما ساهم به علماء الاجتماع في تغيير مفهوم القبيلة والطائفة التي تسيطر على عقلية الكثير منا إلا أنه مع الأسف نجد أن المفلسين علميا وأدبيا مازالوا يعيشون على أمجاد القبيلة والطائفة وهي التي لم تبن يوما حضارة ولم تساهم في إعمار الأوطان، وكم تسببت بحروب وهلاك لمجتمعاتنا إلا أنه ومع كل ما نعيشه اليوم من تقدم إلا أن البعض مازال يعيش بعقلية عروة بن الورد الذي أسس قبيلة وطائفه للصعاليك لينتصر للفقراء ولم يفكر في تأسيس عمل ومشروع حضاري يسهم في تأمين الفقراء.
فقد يجد البعض أن عروة بن الورد تخلى عن قبيلته ولكنه تخلى عنها ليلتحق بالأسوأ فقد أسس قبيله للصعاليك تعترض المارة وتعتاش من القتل والجريمة وكم من مؤسف أن مثل هذه الشخصيات لايزال التاريخ العربي يمجدها رغم أنها شوكة في خاصرة العرب، حين نمجد القبلية والطائفية والغزوات والجريمة لنعتاش منها ونقوى دون أن نفكر بالعمل والاجتهاد وبناء الدولة لننهض بأوطاننا.
فاليوم الكل ينتقد الدول العربية: لماذا ليست دولا متقدمة؟ وكيف لها أن تكون؟ ومازال هناك من لم يتحرر من تفكيره الطائفي والقبلي وينغمس في العلم والعمل حتى يبني دولته ويسهم بأن تكون في ركب الحضارة.
فالكل اليوم يطمع بالسلطة متناسين أن الملك هبة من الله عز وجل يمنحه لمن يشاء وينزعه عمن يشاء، فالأولى ألا يكون تفكير الأغلبية في كيفية الحصول على المال والسلطة دون تعب وعناء بل الأجدى في كيفية التفكير بالارتقاء بشعوبنا وقد تكون أولى أساسيات هذا الأمر أن يرتقي المرء منا بنفسه، فلو قام كل منا بالتفكير بذاته كيف يطور من إمكانياته ويقدم علما وعملا مفيدا للبشرية بالتأكيد ستصبح مجتمعاتنا مجتمعات متقدمة وراقية.
لأن الإصلاح الحقيقي لأي مجتمع يبدأ بأن يطبقه كل فرد منا على نفسه فسيجد أن الأبواب مفتحة له وتحل عليه بركة الله، ولكن هذا التفكير يفتقده كثر من مجتمعاتنا فنفكر بما يملك الآخر كما فكر عروة بن الورد الذي أسس قبيلة للصعاليك تعتاش من القتل والسرقة للناس الذين يعملون حتى يضمن قوت يومه وقبيلته.
إلا أن المسترسلين في التفكير بهذه العقلية أستطيع أن أؤكد أنهم أناس مفلسون ولن ينالوا مبتغاهم وذلك لأن العالم اليوم تقدم وتطور والشعوب تمدنت ومن يملك السلطة بأمر من الله لن ينتزعها منه الغوغائيون أينما كانوا لذا السؤال الذي يطرح نفسه متى سيتمدن هؤلاء؟ متى نبني أساسيات لدولنا المدنية؟