منذ أن وضع العالم الفرنسي إنطوان دومونكريتيان في عام 1615 مصطلح الاقتصاد السياسي وأصبح علم الاقتصاد السياسي يسير على منهج العالم الغربي، وقد اتبعت أغلبية الدول هذا المنهج حتى ان تطويره والأبحاث التي تخدم الاقتصاد السياسي كلها قائمة على المنهج الغربي بمجملها إلا ما ندر منها.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه كيف يمكن تطوير الاقتصاد السياسي بما يتلاءم مع المنهج الإسلامي؟ لأنه بالتأكيد متى ما تم تطويره وتطويعه ضمن قواعد الشريعة الإسلامية فإنه ستكون له انعكاسات أفضل على الاقتصاد السياسي.
فمفهوم الدولة الرشيدة التي تعرف كيف تكيف اقتصادها سياسيا لتتلافى الأزمات الاقتصادية والسياسية على السواء هذا بحاجة الى تطويع الاقتصاد السياسي وفق المنهج الإسلامي.
البعض حين نذكر كلمة إسلام باتت تلصق بذهنه ومع الأسف صور في غاية السلبية عن مدى أهمية ديننا الحنيف في وضع المناهج والقواعد الأساسية لشتى فروع المعرفة، وذلك نظرا لتأخر أغلبية علماء المسلمين عن خدمة القضايا المعاصرة وفقا لما يتماشى مع المنهج الإسلامي.
فنجد أن أغلب علمائنا تعنيهم في الدرجة الأولى الفتاوى التي تتعلق بالعبادات بين الفرد وربه كأحكام الصلاة والزكاة وشكل حجاب المرأة.. وغيرها من القضايا التي تتعلق بالعبادات، ولكن لا أحد يستطيع أن ينكر تخلف الدول الإسلامية عن العلم الإسلامي فالبحث الإسلامي العلمي وتكييفه وفق المنهج الإسلامي والخاص بالمعاملات بالدرجة الأولى قد تخلفت عنه الأمة الإسلامية لن أقول لسنوات بل لقرون وهذه هي الكارثة!
اليوم العالم الغربي وضع قوانين ونظريات في شتى فروع المعرفة ومن أبرزها الاقتصاد السياسي، لذا أجد انه من الضروري أن توضع التوصيات العالمية بذلك الشأن وهي التي لن تستفيد منها الدول الإسلامية وحدها بل الغربية أيضا.
البعض يعتقد أن أساسيات الاقتصاد السياسي لا يمكن تكييفها بصورة مغايرة عن التي وضعت لها، وهي قد تبدو للوهلة الأولى كذلك وقد تكون صحيحة ولكن باب البحث العلمي ووضع المنهج الاقتصادي والقيام بتجارب قد تنعكس إيجابياتها على المجتمعات كافة.
فسياسة الدول الاقتصادية تخدم المجتمعات الداخلية بحيث تساهم في القضاء على البطالة وتجاوز معدلات الفقر وإنقاذ موازنة الدولة من الانهيار أو اللجوء للديون وبيع السندات والاقتراض الدولي هذه كلها من الممكن تكييفها إسلاميا.
قد يعتقد البعض أن البحث في مثل هذا الجانب لن يؤتي أكله كون العالم اليوم يسير بخطوات متسارعة ولديه قناعات بفرضيات علمية معينة لن يقتنع بسواها والتفكير من خلال هذا الجانب فيه إجحاف لعقلية الباحث الإسلامي.
فكما تمكن علماء القانون من وضع المنهج الشرعي الإسلامي ضمن اهم مبادئ التشريع على مستوى العالم واعتراف العالم بأهمية التشريع الإسلامي وفقا لتوصيات العديد من المؤتمرات التي انعقدت سواء في لاهاي أو باريس.
يستطيع بالتالي علماء الاقتصاد السياسي وضع لبنات للاقتصاد السياسي الإسلامي بما ينعكس بالإيجاب على المجتمعات والاقتصاد العالمي على السواء، وهنا بالتأكيد لا أوجه الدعوة لتعزيز منهج البحث في الاقتصاد السياسي الإسلامي بالعرب وحدهم فلم يعد العرب وحدهم هم المسلمون فالمسلمون اليوم في كل بقعة من العالم من العرب وغير العرب، فأغلب دول العالم اليوم لديها جاليات من أبناء بلدها تعتنق دين الإسلام ودول العالم معظمها لديه مساجد وأئمة مسلمون من غير العرب.
فالعولمة اليوم ساهمت في تقارب المجتمعات بشكل كبير ومن الممكن بالتالي تطويع العولمة لخدمة المنهج الإسلامي من خلال الأبحاث العلمية وأنا متأكدة من أن معظم الأزمات الاقتصادية التي تواجهها حتى الدول الصناعية الكبرى من الممكن وضع أساسيات ومناهج جديدة لها وفق المنظور الإسلامي ولكن تبقى «الكرة في ملعب الباحثين».