كثيرا ما يسأل أعضاء السلطة التنفيذية عن الآليات التي يمكنهم من خلالها إدارة مرافق الدولة دون أن تحدث أزمات في الإدارة ودون أن ينتج عنها فساد أو استياء من قبل أطياف المجتمع نظير الخدمات التي تقدمها هذه المرافق، والمتتبع لشكوى اكثر فئات وأطياف المجتمع لدينا تكون الشكوى الأولى من عدم وجود تنظيم، أو افتقار الخطوات التي انتهجتها الحكومة في بعض المشاريع أو القرارات إلى التنظيم، وهذه ما تكثر حولها الشكاوى عادة لدى كثير من أطياف المجتمع بحيث يتم ترديد أن الحكومة غير منظمة وتعاني من سوء التنظيم.
وحين النظر في التداعيات التي آلت في بعض المرافق الحكومية إلى افتقار التنظيم سنجد جزءا منها تتحمله الحكومة بشكل كبير وليس أعضاء السلطة التشريعية في هذه الحالة، ففي حالات تتعثر الحكومة عن المضي قدما في بعض مشاريعها وقراراتها، ويكون ذلك بسبب تعسف بعض أعضاء السلطة التشريعية في استخدام حقهم بالاستجواب فينتج عنه تعطيل لعمل الوزارات وتعطيل الكثير من المشاريع بسبب تفنيد محاور الاستجواب ولكن شق التنظيم الذي يسبب أزمات للحكومة وإحراجا مع مواطنيها هذه تتحملها الحكومة وحدها دون مجلس الأمة.
فالتنظيم بحد ذاته علم ويحتاج إلى خطوات وأناس جادة في الإدارة حتى نتلافى عقبات عدم التنظيم، فهي كما تقاس على الصعيد الشخصي تقاس على الأجهزة الحكومية أيضا، فكما هناك أشخاص منظمون يعرفون كيف ينظمون وقتهم وأعمالهم وبيوتهم، كذلك فإن الأجهزة الحكومية يفترض أن تكون بهذا التنظيم، ولا ضير في حالة تعذر مرفق من مرافق الدولة للوصول إلى درجة مثلى في التنظيم بتغيير الأشخاص المسؤولين عن تنظيم المرفق غير المنظم لتلافي الأزمة أو حتى تأسيس إدارة متخصصة تتبع كل وزارة أو هيئة أو مؤسسة عامة على حدة لتنظيم المرفق الحكومي حتى لا تتم الإساءة إلى المرفق أو تحميل الوزير المسؤول المساءلة السياسية لاحقا نتيجة تعثر المرفق عن الوصول لأهدافه أو حتى تلافي الأزمات التي تنشأ بالمرافق العامة نتيجة سوء التنظيم.
حتى أن التنظيم لا يقتصر دوره على حد إرضاء الجمهور والعاملين، وإنما أيضا الحفاظ على امن هذا المرفق وسلامته نظرا لأن الفوضى وسوء التنظيم غالبا ما يستغله في بعض الأحيان المندسون للنيل من الدولة أو بعض الشخصيات القيادية أو أن تستغل أمنيا فقد يتعرض هذا المرفق للخطر سواء بالاعتداء على المرفق أمنيا أو حتى تعريضه للسطو.
وعليه فإن الانطلاقة الأولى التي نتطلع أن ننشدها في ظل صحوة السلطة التنفيذية ورغبتها الجادة في مكافحة الفساد يكون في تنظيم آليات العمل وتنظيم المرافق العامة بما يجعل الدولة حينها قادرة على
اكتشاف أي خروقات قد تسبب فسادا مستقبليا في المرفق.
إن أمر التنظيم وسير المرافق بالانتظام واطراد هذه ليست بالسهولة التي يتطلع البعض للوصول لها بكل يسر وهون دون ان تكون هناك خطوات جادة في إعادة برمجة العقليات التي تدار بها المرافق الحكومية فنجد أحيانا أن بعض القرارات المتخذة من بعض المسؤولين لا تكون على قدر من العناية والدراسة الكافية لتلافي أي فوضى أو اضطراب أو استياء قد ينتج في المرفق نظير عدم التنظيم وتداخل الاختصاصات والقرارات غير المدروسة بشكل سليم.
قد يعتقد البعض أن المشكلة في بعض القياديين الذين توكل إليهم مسؤولية إدارة المرافق سواء من قياديين وزراء أو وكلاء أو مديرين، ولكن المشكلة ليست وحدها في بعض الأشخاص وإنما في منهج العمل الحكومي بحيث لابد أن تتم إعادة تنظيم القرارات بناء على المعطيات الموجودة ووفقا للإمكانيات المتاحة بحيث لا يتخذ قرار يخل بتنظيم المرفق مما يعطل سيره بانتظام واطراد وهذا من مبادئ العمل الإداري بحيث يتم تكاتف الجهود مع بعضها للوصول للقرار الأمثل وهذه بحاجة إلى التعاون والتكاتف سواء من القيادين أوالعاملين.